مصطفى سيدأحمد : سلامٌ على روحك الطاهرة أيها الراحل النبيل

مصطفى سيدأحمد : سلامٌ على روحك الطاهرة أيها الراحل النبيل


07-17-2006, 06:30 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1153114224&rn=0


Post: #1
Title: مصطفى سيدأحمد : سلامٌ على روحك الطاهرة أيها الراحل النبيل
Author: ابوبكر يوسف إبراهيم
Date: 07-17-2006, 06:30 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة إلى الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد ( الذكرى)
د. ابوبكر يوسف إبراهيم

أخي العزيز الراحل المقيم
(مصطفى سيد أحمد)

ذكريات مريرة كثيراً ما نجترها وعندما نقف عندها يتبادر إلينا سؤال لا تعدو أن تكون الحيرة هي فقط الإجابة الوحيدة عليه ، وفي هكذا حال لا يسع المرء إلا أن يتساءل في تعجب وانبهار: كيف تحمل مصطفى كل هذه المعاناة؟ وفي هكذا حال من التساؤلات ( اللماذات)، لا يسعني إلا أن أستعيد كل أشرطة الماضي وأنا أدعو لك بالرحمة بقدر عطاءك الثر الجزيل الذي لا يعرف الحدود ولا يقدر بحجم أو كيل، فقد كان عطاءً متجرداً ، زاخراً ومؤسساً وجميلاً.

أخي مصطفى
وأنت في دار الخلود عند مليك مقتدر لا أملك إلا أن أجتر بعض ذكرياتٍ ، جزءٌ منها جميل وأكثره ملؤه الحزن والأسى والشجن مثل صوتك المتدفق عذوبة ونغمك الذي أشجانا وهو يعبر عن معاناة كامنة في أعماقك أدركها تماماً، لقد كنت تقتات منها وتقتادها إلى أينما حط بك الرحال والترحال، لقد كان ترحالك لكل المنافي حتى أصبحت الدنيا عندك منفىً كبير ومفتوح إلا بلد واحد إسمه ( السودان) هو لك الوطن الذي تحلم.. والرخاء الذي تنشد.. والآمال التي تزرع... والحصاد الذي تنتظر ، فجاءت رياحك بما لا تشتهي سفنك الماخرة عباب إبداع المعاناة..كنت تغني أحزان شعب ومأساة وطن!!.. لم تكن ترى في السودان إلا أنه أسمى عاطفة وبأنه سيد بلدان الدنيا... كنت مسكوناً بأمياله المليون وربع... كنت ترى وتحس وتغني لكثبانه وتلاله ، هضابه ووهاده وجباله،
لنيله الجميل، لوديانه وبحره وأنهاره ، لجروفه التي يضمخ عبقها الدنيا لتعلن للكون أن الحياة مستمرة رغم المعاناة ورغم كل شيء. حتى نيله عندما يغضب ويثور بطوفانه الذي قد يأتي على الأخضر واليابس كنت تشتاق إليه حتى إن إعتصم ولم يطفو... كنت تتنسم دعاش المطر الذي يعقبه قوس قزح فتطرب أوصالك وتعتمل دواخلك... كنت تعيش وتنتشي وتعربد أوصالك بذكر الوطن بأخضره وأجدبه... هكذا كان عشقك الجميل وإنتماءك للأرض والأهل والخلان... هو حلمك الجميل... وهكذا كانت أحلامك مخضوضرة بالآمال العريضة حتى وأنت تجتر وتعيش عمق المعاناة وتصارع المرض.

لقد كنت يا مصطفى ، صوت طمبور الشايقية ، ونقارة البقارة ، ومسدار الشكرية ، ودوبيت الحمر .. لقد كنت جراري المجانين ، وعرضة الجعليين ، ومردوم بني هلبة ، ورقصات الهدندوة ، وشموخ التاكا ، وصوفية الجزيرة ،ونقارة الدينكا ، وعزف اللآتوكا ، ورقصات النوير والشلك والدينكا ، وإيقاعات الزاندي ، وصوت خلاوي أطفال الفور ... كنت يا مصطفى سودان طويل عريض... سودان في صوت ونغم ... نغم ومعاناة تشكلان صورة إنسانية لبلد المليون ميل مربع... كنت تجمع ثقافات أهل السودان فيك بثراء تنوعها .. هكذا عشت أيها العزيز الراحل وهكذا مت!! لقد كنت أيها العزيز حدث فريد في زمان غير جميل!! وهبتنا في غير مقابل عصارة معاناتك التي كانت نتاجاً لمخاضٍ عسير ومعاناة أعسر !! لقد أهديتنا أنغاماً جميلة في عذوبتها الزلال والسلسبيل وفي نقائها حليب الناقة .. في شموخها وسموها كجبل (مرة) .. أنغام يتصاعد منها صوتك كأشجار نخيل الشمال وتارة ينخفض فيها صوتك مثلما تهوي الرطب من النخيل على الأرض فنلتقطها وهي في عِزِّها حلوة المذاق وهي في أبهى وأنضر وأبهى ما تكون!!.. أنغامٌ شجية مليئة بالحزن العميق تعمر بالشجن وتحفل بالمعاناة لتروي الحال... وبرغم هذه المساحة الرحبة من الأجزان لكنها كانت تتدثر بالأمل الآتي مع فجر مرتقب يتغلغل وينمو في رحم الزمن!! لقد كنت تحمل في سويدائك وترحالك قيمة كبيرة إسمها الوطن ... السودان!! تلك القيمة التي دائماً تقول لي أن التوصيف عجز عن وصفها.. برغم كل المعاناة كنت تنشد وتنسج الآمال لأهل الوطن أمنيات بحرية كحرية الطير التي وهبها الله له وكفلتها عدالته وقد إغتصبها أهل الأرض.

أخي مصطفى
وأنت في الآن ، جوار ربك أذكر يوم زرتني في القاهرة ومعك نفر من الأحبة الخلان وحين كنت في طريقي إلى لندن وقلت لي أكتب لي من هناك يومياً رسالات مثلما كنت تفعل معي من الرياض حين كانت تصلني ما أسميتها بالأسفار الجميلة فهي تسري عني كثيراً وتجعلني دائم التبسم لما تحمله من سخرية سوداء، إنها تجعلني أبتسم رغم مرارة الألم الذي يصادر الإبتسام وتحملك على مقاومة الأحزان المتكالبة)... يومها وعدتك بأني سأسجلها في ذاكرتي وسأكتب تفاصيلها لك عندما أعود للرياض... وعندما عدت للرياض إتصلت بك وقلت لك أن صديقنا مصطفى إدريس ( هلساب) المقيم في لندن طلب نفس طلبك بأن أرسل له عن مشاهداتي معه في بلاد العم جون التي يقيم فيها، وقلت لك كيف أكتب رسالتين لمصطفيين فتفتقت عبقريتك وقلت لي أبدأ الرسالة بعزيزي مصطفى ولا تكتب إسم الأب إلا في الظرفين عند إغلاقهما وبعد أن تكون صورتها لترسل لي الأصل وله الصورة وكلنا مصطفى!! فكنت أرسل لك أصل الرسالةفي القاهرة وأرسل لمصطفى إدريس في لندن الصورة!!

أخي الحبيب الراحل/ مصطفى،
أيها المسافر فإن رحلت عنا بجسدك فأعلم أن روحك الصداحة المتوثبة كانت تتوقع الرحيل حينما غنت أغنية الرحيل وكأنها كانت تتوقع وتترقب وتنتظر رحيل الروح إلى بارئها .. تلك هي نفس الروح التي شدت برائعة الكاشف وكنت أحسك كثيراً حينما تردد وتترنم بالمقطع الذي يقول( يا دا الزمان ما ليك أمان.. آه يا ليالي زمان .. يا ليالي زمان).. كنت أحس وكأنك تتحسر على الزمان الجميل وتعكسه في ترنيمة حزينة شجية ملؤها الحزن... وكأنما كنت تقول لنا أيها العزيز إن الزمن الأخضر الذي كان يزهو ونفخر به تنعيه لنا نعي ناعٍ لنفسه ولزمانات مفتقدة... إننا نعيش الزمن الأجرب الهزيل!!.. إنه زمان بنات آوى والجرذان العابثة والعائثة خراباً وفساداً... زمن السناجب فيه أصبحت تستأسد... لقد شهدنا بكاء الألحان والكلمات والفنون والإبداع.. وها نحن ننعيها وهي تحتضر... إننا ننعي الأمس ونودع الغد قبل أن يولد !!
أخي مصطفى ، لقد أدهشتني مقاومتك للمرض ، إنها بحق ملحمة تستحق أن تكتب في سجل خاص لإنسان رائع في زمن أليم.. إن أنسى فلن أنس ضحكتك المجلجلة التي أتتني عبر المهاتفة للإطمئنان عليك ووصول أولى رسائلي إليك وأنت في حينها كنت تكابد وتصارع المرض بكل تباريحه وآلآمه وقد نشب أظافره وتكالب عليك ... كانت مهاتفتي أشبه بعطاء متواضع ممن لا حيلة له فقط كانت لشد الأزر والصبر.. كانت محاولة لأشدك من هموم كثيرة وكبيرة وأهمها الوطن الذي تغنيت له ولإنسانه البسيط ... لقد كنت أتفاعل وانفعل مع مشاعرك المرهفة الشفيفة وتلك الروح الطيبة... فلك منا السلام ولروحك التي ما كانت تعرف في دنيا إبداعاتها حدود ولا مرافيء ولا تأشيرات سفر!!.. ما زالت ترن في مسامعي صدى كلماتك حين قلت لي أنك تحلم بوطن يتمتع فيه الناس بحرية لا محدودة ... حرية لا تملكها غير الطيور ... هذا ما يستحقه شعبنا... نريد للرياض أن تزدهر ... ويخضر العشب ... ويترنم المغني ويبدع الشاعر.. ونشعر في وطننا بكينونتنا وحرية الإختيار)!!
يومها قلت لك: ماذا عن عم عبدالرحيم زولنا الأغبش هل ستتوقف عن الغناء عنه؟ كان ردك: حين تنجلي الظلمات سأغني لزمن جديد ألحاناً عذبة ملؤها التفاؤل بالحاضر والغد المشرق!!
صمت الكنار ... نام مصطفى وجفنه البريء أغفى ريثما ينداح ليل الأسى وريثما نلمح كفا !!

Post: #2
Title: Re: مصطفى سيدأحمد : سلامٌ على روحك الطاهرة أيها الراحل النبيل
Author: elsawi
Date: 07-17-2006, 03:29 PM
Parent: #1

Quote:
لقد كنت يا مصطفى ، صوت طمبور الشايقية ، ونقارة البقارة ، ومسدار الشكرية ، ودوبيت الحمر .. لقد كنت جراري المجانين ، وعرضة الجعليين ، ومردوم بني هلبة ، ورقصات الهدندوة ، وشموخ التاكا ، وصوفية الجزيرة ،ونقارة الدينكا ، وعزف اللآتوكا ، ورقصات النوير والشلك والدينكا ، وإيقاعات الزاندي ، وصوت خلاوي أطفال الفور ... كنت يا مصطفى سودان طويل عريض... سودان في صوت ونغم ... نغم ومعاناة تشكلان صورة إنسانية لبلد المليون ميل مربع... كنت تجمع ثقافات أهل السودان فيك بثراء تنوعها .. هكذا عشت أيها العزيز الراحل وهكذا مت!! لقد كنت أيها العزيز حدث فريد في زمان غير جميل!! وهبتنا في غير مقابل عصارة معاناتك التي كانت نتاجاً لمخاضٍ عسير ومعاناة أعسر !! لقد أهديتنا أنغاماً جميلة في عذوبتها الزلال والسلسبيل وفي نقائها حليب الناقة .. في شموخها وسموها كجبل (مرة) .. أنغام يتصاعد منها صوتك كأشجار نخيل الشمال وتارة ينخفض فيها صوتك مثلما تهوي الرطب من النخيل على الأرض فنلتقطها وهي في عِزِّها حلوة المذاق وهي في أبهى وأنضر وأبهى ما تكون!!.. أنغامٌ شجية مليئة بالحزن العميق تعمر بالشجن وتحفل بالمعاناة لتروي الحال... وبرغم هذه المساحة الرحبة من الأجزان لكنها كانت تتدثر بالأمل الآتي مع فجر مرتقب يتغلغل وينمو في رحم الزمن!! لقد كنت تحمل في سويدائك وترحالك قيمة كبيرة إسمها الوطن ... السودان!! تلك القيمة التي دائماً تقول لي أن التوصيف عجز عن وصفها.. برغم كل المعاناة كنت تنشد وتنسج الآمال لأهل الوطن أمنيات بحرية كحرية الطير التي وهبها الله له وكفلتها عدالته وقد إغتصبها أهل الأرض.

يا الله يا أبوبكر
ما انبل حزنك ... و ما أصدق حرفك

الصاوي

Post: #3
Title: Re: مصطفى سيدأحمد : سلامٌ على روحك الطاهرة أيها الراحل النبيل
Author: Elmosley
Date: 07-18-2006, 07:52 AM
Parent: #1

يرفع لقيمته العالية

خالص الحب

Post: #4
Title: Re: مصطفى سيدأحمد : سلامٌ على روحك الطاهرة أيها الراحل النبيل
Author: ابوبكر يوسف إبراهيم
Date: 07-18-2006, 09:21 AM
Parent: #3

أخي الصاوي
أشكرك ... مصطفى إنسان فريد من عاشره يدرك فداحة الفقد ذكراه تؤرقني وإنا به لآحقون... مداخلتك تنبيء عن شفافية أكرر الشكر
أخوك أبوبكر

Post: #5
Title: Re: الموصلي ... يا سمي إسحق وخليفته !!
Author: ابوبكر يوسف إبراهيم
Date: 07-19-2006, 08:09 AM
Parent: #4

أخي الموصلي

أشكر مداخلتك وأقول لك أنت ممن وقلة أخرى ممن تبقى لنا من زمان الفن الجميل والأصيل ... أنتم سلوانا ... وذكري أيام غوالي وخوالي نجتر بها زمان اللحن والكلمة والأداء الراقي وأيام عنفوان الغناء والطرب .
أبوبكر