من شئون و شجون السودانيين العاملين بالخارج/هاشم بانقا الريح*

من شئون و شجون السودانيين العاملين بالخارج/هاشم بانقا الريح*


07-07-2006, 10:31 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1152308154&rn=0


Post: #1
Title: من شئون و شجون السودانيين العاملين بالخارج/هاشم بانقا الريح*
Author: هاشم بانقا الريح
Date: 07-07-2006, 10:31 PM

من شئون و شجون السودانيين العاملين بالخارج



هاشم بانقا الريح*

[email protected]





قبل نحو خمس سنوات كتبت مقالاً بعنوان "ماذا يريد السودانيون العاملون بالخارج من الحكومة؟". و قد ابتدرت ذلك المقال، الذي نشرته صفحة "واحة المغتربين" بصحيفة الخرطوم في يوم 25 يوليو 2001م، بالعبارة التالية:

"بعيداً عن كل المؤتمرات الرسمية الخاصة بمعالجة قضايا السودانيين العاملين بالخارج، و بعيداً عن كل التوصيات المألوفة التي لا أعلم إن كانت تساوي ثمن الحبر الذي كُتبت به أم لا.. فذاك أمر لا يعنيني كثيراً إذا كان لا يجد طريقه نحو التطبيق و إن وجد فيكون بالقطاعي .. ذاك جهد مقدر.. صحيح و لكن لابد أن نجده على أرض الواقع عملاً مترجماً و واقعاً ملموساً يتفيأ ظلاله أهل الاغتراب على اختلاف مهنهم."

و إذا كانت الدولة مطالبة في كل الأوقات برعاية أبنائها سواء أكانوا داخل الوطن أو خارجه، فإن العاملين بالخارج يحتاجون الآن إلى الرعاية أكثر من أي وقت مضى، و ذلك لعدة أسباب يصعب حصرها جميعاً هنا. يعلم القائمون على أجهزة السودانيين العاملين بالخارج أن دول المهجر ( و أعني هنا دول الخليج التي يمثّل السودانيون بالخارج فيها النسبة الغالبة) قد انتهجت سياسات شتى لتوطين الوظائف و تقليص المرتبات ، و هي سياسة أثّرت كثيراً على السودانيين العاملين في هذه الدول، إذ فقد الكثير منهم وظائفهم و عانوا من بطالة امتدت مع بعضهم لعدة سنوات. و حسناً فعلت اللجان التي طافت بعض المناطق تتفقد أحوال أهل الاغتراب الذين حالت ظروفهم دون الوفاء بالالتزامات المفروضة عليهم، و حسناً أيضاً جاء إلغاء الضريبة السنوية على فئتي العمال و الموظفين. هذه خطوات جيدة و لكنها مازالت قاصرة إذ تحتاج إلى المزيد من الخطوات العملية و العلمية التي تهدف إلى رفع كاهل المعاناة عن هذه الشريحة. و عندما أتحدث عن هذه الشريحة لا أخصهم لأنهم متميزون عن باقي المواطنين في الداخل، كما يفهم البعض، و لكن لأن لديهم مشاكلهم الخاصة إضافة إلى المشاكل العامة التي يعاني منها سودانيو الداخل.

و من المشاكل التي ظلت تواجه هذه الفئة و كثرت الكتابات و الأحاديث فيها مشكلة تعليم أبناء السودانيين العاملين بالخارج. هناك افتقار واضح لأي سياسة واضحة حيال من يحصلون على الشهادة الثانوية من دول الخليج - على وجه التحديد- ( الشهادة العربية). لماذا هذا الغموض في سياسة القبول؟ لماذا تترك الأسر و أبناؤها يعيشون على أعصابهم كل عام، كم سيخصم مكتب القبول من الحاصلين على الشهادة العربية؟ كم سيدفع الطالب الذي يتمكن من الدخول إلى أي كلية بالقبول العام و ليس القبول الخاص؟

هذه المسألة البالغة الأهمية و الحساسية تحتاج إلى قرارات حاسمة و شجاعة بعيداُ عن الأهواء و الغرض و الكسب المادي الذي أصبح هم مؤسسات تعليمنا العالي. يرى الكثير من السودانيين العاملين بالخارج أن نسبة التخفيض التي تتبعها الجهات المناط بها القبول للجامعات، فيها إجحاف شديد و أنه مقصود منها وضع أسر الحاصلين على الشهادة العربية أمام الأمر الواقع.. ألا و هو دفع آلاف الدولارات لتعليم أبنائهم سواء في الجامعات الحكومية عن طريق التعليم المدعوم أو في مؤسسات التعليم الجامعي الخاص. و قد عشنا زمناً رأينا فيه المتاجرة بالعلم تتم في وضح النهار!!

و لا أظن أن مسألة الاهتداء إلى آلية واضحة و عادلة تُرضي جميع الأطراف دون ضرر و لا ضرار، هي عملية شاقة و تحتاج إلى عبقرية فذة . يمكن - إذا أعيتنا الحيلة - أن نسترشد بتجارب و سياسات بعض الدول العربية، مصر على سبيل المثال، و التي لها رعايا في دول المهجر و تقوم باستيعاب أبنائهم في جامعاتها. فلم نسمع يوماً من اخوتنا المصريين شكوى من حيف و جور في قبول أبنائهم. لماذا نحن ، دون سائر خلق الله، تمتلئ مجالسنا و اجتماعاتنا بالشكوى و الظلم من سياسة القبول التي تنتهجها دولتنا؟ الغريب في الأمر أن كل هذا لم يحرك ساكناً و مضت القافلة تسير و ما زالت، و كأن الشكوى و الكتابات الكثيرة في هذا الجانب لا تعني شيئاً بالنسبة لجهات الاختصاص!!

الموضوع الآخر الذي يؤرّق مضجع أهل الاغتراب هو قضية العودة النهائية للوطن و كثير منهم ربما لم يكن يتخيّل أن سنوات غربته ستطول إلى هذا الحد. هذه القضية - أي قضية العودة - تلوكها كثيراً ألسن السودانيين في تجمعاتهم و مجالسهم الخاصة و العامة في بلاد المهجر. فما تلتقي سودانياً و تبدأ في الحديث معه عن شئون و شجون الوطن حتى تجده قد أخذ تنهيدة عميقة تحس فيها الصدق ممزوجاً بالأسى و الحزن و يتساءل: "متى نعود؟"

ماذا فعلت الحكومة ممثلة في جهاز السودانيين بالخارج من أجل هؤلاء؟ ظروف كثيرة و معقدة جعلت سنوات الغربة تطول و تطول دون أي بوادر على أن سنوات الاستقرار في الوطن قد أزفت . الأسر كبرت و كبرت معها الهموم و المشاكل و التفكير في العودة. هل نترك هؤلاء للظروف تفعل بهم ما تفعل ؟ . هم ما بخلوا على الوطن - و هذا واجبهم لا يبتغون بذلك مناً و لا أذى - و لكن عندما يأتي الدور على حقوقهم ينبغي أن يحصلوا عليها كاملة غير منقوصة و من غير من و لا أذى أيضاً.

و في ظني أن توفير كل سبل الاستقرار و تيسير الحياة الكريمة هي من أبسط حقوق المواطن يتساوى فيها كل سوداني سواء بالداخل أو بالخارج. لكن العاملين بالخارج يشعرون بالغبن حقاً. فمن أسهم في مشاريع عديدة على مر السنين و بالعملة الصعبة و ظل قلبه على الوطن ، لا يجد من يقف بجانبه. تصوروا حتى المشاريع التي بيعت للعاملين بالخارج مثل الأراضي - على سبيل المثال - كانت أسعارها باهظة و في أماكن تفتقر للخدمات الأساسية . أليس من حقي كمواطن أن أحصل على قطعة أرض سكنية؟ دعونا نفترض أنه ليس من حقي و أنني قادر على أن أشتري من حر مالي و بالعملة الصعبة كمان.. لماذا نجد أنفسنا قد خدعتنا الجهات المعنية و باعتنا أراض لا يعلم مواقعها حتى موظفو الأراضي أنفسهم؟!! هذا واقع مرير عاشه السودانيون العاملون بالخارج وترك في نفوسهم غبناً يحتاج علاجه إلى خطوات جادة و ملموسة من قبل القائمين بالأمر.

هذه بعض المشاكل الكثيرة التي تعاني منها شريحة العاملين بالخارج. و هي كما أرى يمكن وضع الحلول لها رجوعاً للحق ورفعاً للظلم. فهل تستجيب الجهات المعنية و على رأسها جهاز السودانيين العاملين بالخارج لذلك؟





* مترجم و صحفي يعمل بالمملكة العربية السعودية