الهـــوية الســودانية.. صــراع ما بعــد الســلام

الهـــوية الســودانية.. صــراع ما بعــد الســلام


07-06-2006, 10:07 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1152176872&rn=2


Post: #1
Title: الهـــوية الســودانية.. صــراع ما بعــد الســلام
Author: Frankly
Date: 07-06-2006, 10:07 AM
Parent: #0

الهوية السودانية.. صراع ما بعد السلام

2005/03/06
مروان الجبوري**




منذ استقلال السودان عام 1956م ظل سؤال الهوية مطروحًا عند النخب السودانية: من نحن؟ ورغم أن الإجابة على هذا السؤال قد حسمت على الصعيد السياسي الرسمي بانضمام السودان لجامعة الدول العربية؛ فإنه لم يحسم على مستوى النخب السياسية والثقافية حيث لا يزال الجدال حول هذه القضية محتدمًا.

ومنذ زمن ليس القريب شهدت صفحات الجرائد السودانية والمنتديات الثقافية ولا تزال سجالات حامية الوطيس حول هذه القضية، وقد كان لهذه النقاشات أبعاد سياسية غير خافية مختلفة بين رؤى عديدة تختلف في تعريفها للهوية السودانية ما بين عروبي يدعو إلى اندماج السودان في محيطه العربي، وأفريقاني يدعو إلى نبذ الهوية العربية والانفتاح على أفريقيا، وبين اتجاه يحاول المزج بين الثقافتين العربية والأفريقية في قالب جديد.

والآن ومع دخول اتفاقية السلام مرحلة التنفيذ هل سنشهد تعريفًا جديدًا للهوية السودانية يتجاوز التعريفات السابقة، أم أن المرحلة القادمة بما تحمله من فرز واستقطاب ستعيد هذه القضية إلى مربعها الأول؟.


Post: #2
Title: Re: الهـــوية الســودانية.. صــراع ما بعــد الســلام
Author: Frankly
Date: 07-06-2006, 04:39 PM
Parent: #1

تكوين متنوع.. منذ فجر التاريخ

لم يكن السودان المعروف اليوم بجغرافيته يمثل كيانًا سياسيًّا أو ثقافيًّا موحدًا قبل دخول العرب؛ فقد كانت تتوزع فيه أعراق وقوميات متنوعة وعقائد وأديان مختلفة؛ ففي الشمال حيث يعيش النوبيون كانت تنتشر المسيحية الأرثوذكسية كعقيدة واللغة النوبية بلهجاتها المختلفة كلغة للسياسة والثقافة والتخاطب. أما في شرق السودان فتعيش قبائل البجة وهي من الأقوام الحامية لها لغة خاصة وثقافة منفصلة. ومع اتجاهنا جنوبًا نجد القبائل الزنجية بسحناتها المميزة ولغاتها الخاصة، وكذلك الحال في غرب السودان.

وقد أحدث دخول العرب للسودان انقلابا هائلا في هوية هذه المنطقة؛ إذ ولدت مع دخول العرب الهوية السودانية الجامعة لتلك الأقوام والقبائل المختلفة؛ حيث أصبح الإسلام هو الوعاء الرئيسي الجامع لمعظم تلك الشعوب، وأصبحت اللغة العربية لغة العلم والثقافة، فضلا عن كونها لغة التخاطب بين القبائل المختلفة، فكونت بذلك عاملا توحيديًّا على الصعيد الديني والسياسي والاجتماعي.

فبعد توقيع اتفاقية "البقط" بين المسلمين والنوبة عام 652 للهجرة بدأ العرب يتسربون إلى السودان جماعات وأفرادًا حاملين معهم الإسلام ساعين وراء المرعى والتجارة، وبدأ العرب في توطيد نفوذهم السياسي شمال وشرق السودان عن طريق التصاهر مع النوبة والبجة، وقد استغلوا نظام الوراثة عن طريق الأمر السائد آنذاك في السودان، فاستطاعوا حكم مناطق واسعة من السودان، إضافة إلى أن حملهم للإسلام ولثقافة راقية مقارنة مع الثقافات السائدة أهّلهم ليخضعوا الآخرين لهم.

وقد قامت عدة ممالك عربية صغيرة في الشمال والشرق حتى استطاع التحالف بين قبائل العبدلاب العربية والفونج الزنجية عام 1504م من إسقاط مملكة "علوة" النوبية، فقام نتاجًا لهذا التحالف دولة "الفونج" أو سلطنة سنار الإسلامية التي حكمت وسط السودان، ومعظم شماله وامتدت إلى أجزاء من الشرق والغرب.

ولعل مملكة الفونج هي التي صبغت السودان بالصبغة الإسلامية وأعطته الانتماء الحضاري العربي؛ فقد شكل ذلك التحالف العربي الزنجي ميلاد الهوية السودانية الحديثة بشقيها العربي والزنجي.

ثم جاءت الدولة المهدية وغذت الشق العربي في الثقافة السودانية حتى أصبح سائدًا، واستطاعت هذه الدولة أن توحد السودان المعروف اليوم بحدوده المترامية الأطراف (باستثناء الجنوب)، وأعطته نظامًا سياسيًّا وإداريًّا موحدًا، وأصبحت اللغة العربية لغة التخاطب بين جميع السودانيين على اختلاف مشاربهم القبلية والقومية، وفي تلك الفترة ولد السودان الذي نعرفه اليوم بملامحه المعروفة.

ظل الوضع كذلك حتى مجيء الاحتلال البريطاني للسودان، وبعد تأسيس الأحزاب السودانية الكبرى وعلى رأسها حزب الأمة (الذي يمثل طائفة الأنصار)، وحزب الشعب (الذي يمثل طائفة الختمية) الذي تحول بعد ذلك إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي، في هذه المرحلة بدأ سؤال الهوية يطرح نفسه وبقوة: من نحن؟ ولعل الاتجاهات السياسية السائدة آنذاك كانت تضفي على هذا السؤال بعدًا سياسيًّا؛ فحزب الأمة الذي كان يقوده عبد الرحمن المهدي كان يدعو إلى الاستقلال والانفصال عن مصر، وقد رفع رئيسه شعار "السودان للسودانيين"، أما الحزب الاتحادي الذي كان يرأسه علي الميرغني فكان من أنصار الوحدة مع مصر.

وحتى تلك اللحظة لم يكن الفرز على أساس الهوية قائمًا؛ فحزب الأمة كان منذ تأسيسه عروبيًّا رغم برنامجه القائم على السودنة؛ فإن مآلات الدعوة إلى السودنة تطورت فيما بعد إلى تيار يدعو إلى تكوين هوية خاصة بالسودان، وبدأ هذا التيار في الانتشار وانتقل ثقله بعد ذلك إلى الحزب الشيوعي السوداني الذي تبنى هذه القضية، ثم ظهرت جماعات سياسية كثيرة تبنت هذا الطرح.

والسودان اليوم يقف على أعتاب مرحلة السلام، عاد سؤال الهوية ليطرح نفسه من جديد وبصورة أكثر حدة تتفاوت في درجاتها بين التيارات السياسية والثقافية المختلفة، ويمكننا أن نجمل الأطروحات والرؤى الموجودة في الساحة السودانية حيال قضية الهوية إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية..

Post: #3
Title: Re: الهـــوية الســودانية.. صــراع ما بعــد الســلام
Author: Frankly
Date: 07-07-2006, 02:17 AM

عروبة السودان ليست وهمًا

أول هذه التيارات هو التيار العروبي، وهو موجود في الساحة، وتتبناه قوى سياسية (الإسلاميون والقوميون) وجمعيات ثقافية وأدبية، ويقوم طرح هذا التيار على اعتبار أن السودان بلد عربي من حيث التاريخ والواقع؛ فقد عرف السودان العرب منذ ما قبل الإسلام، ثم لما جاء الإسلام ودخل العرب بقبائلهم المعروفة أحدثوا أهم التغييرات في السودان؛ إذ توحد هذا البلد الشاسع، وأصبحت اللغة العربية هي اللغة الجامعة للسودانيين جميعًا حتى إن القبائل الجنوبية التي تتحدث بلغات مختلفة أصبحت اللغة العربية هي لغة التفاهم فيما بينها.

كما أن التقاليد السودانية دلالة على أصالة الانتماء العربي للسودان؛ فهذه العادات كما يرى أنصار هذا التيار في مجملها عربية، وإن لم تخلُ من تأثيرات محلية بفعل البيئة، وهذا أمر طبيعي كما يقولون؛ فالعروبة مكون حضاري قابل للتفاعل مع مكونات أخرى؛ لذا فقد تفاعل مع الواقع السوداني وأنتج ثقافة عربية بنكهة سودانية.

ويواجه هذا التيار اتهامات على رأسها وصفه بالاستعلاء الثقافي والعرقي، ويحمل أعداء هذا التيار كل مشاكل السودان التاريخية القائمة على التناقضات الخاصة بالعلاقة فيما بين الشمال والجنوب، يحملونه المسئولية عنها.

والمتابع لصفحات الجرائد السودانية والمنتديات السياسية والثقافية يجد أن هذه التهمة أصبحت تلاحق التيارات الداعمة للعروبة في السودان، حتى وضعت تلك التيارات في قفص الاتهام، وانشغلت بنفي التهمة عن العروبة بالاستعلاء وتبرئتها مما حصل من مشاكل بين الشمال والجنوب.

ومع مجيء السلام.. هل سينزوي هذا التيار ويعدل من أطروحاته ليوافق الموجة السائدة، أم أن الفرز والاستقطاب القادمين سيزيدان هذا التيار قوة ويعطيانه مشروعية جديدة تتمثل في الدفاع عن الإسلام والعروبة في وجه مد كاسح يرفض كل ما له علاقة بالعروبة وربما الإسلام؟.

Post: #4
Title: Re: الهـــوية الســودانية.. صــراع ما بعــد الســلام
Author: Frankly
Date: 07-07-2006, 06:42 AM
Parent: #3

الأفريقانية.. دعاوى التهميش والرجوع للأصل

لعل هذا التيار لم يعد يملك قبولا واسعا كما كان سابقا؛ إذ طغت عليه شعارات أخرى، إلا أن هذا التيار ما زال موجودا، ويقدم طرحا يعتبر السودان بلدا أفريقيا بحكم التاريخ والجغرافيا والتكوين السلالي، وأن العرب وافدون على السودان فعليهم الذوبان في ثقافة هذا البلد الذي وفدوا عليه، كما أنهم يحمّلون العرب ما يرونه تهميشا وقع عليهم وانتقاصا من حقوقهم؛ فالعرب في رأيهم قد حكموا السودان منذ استقلاله واستأثروا بثرواته ولم ينل (الأفارقة) من تلك الثروات إلا الفتات.

ويعتبر هؤلاء أن السودان عانى من حكم عروبي استعمر سكان السودان الأصليين، وأن على الأمور أن تعود إلى نصابها باعتبار السودان بلدا أفريقيا والانسلاخ من جامعة الدول العربية وقطع العلاقات المميزة التي تربط السودان بالعالم العربي والاتجاه إلى أفريقيا.

وتجلت هذه الدعوة في جمعيات أدبية وشعراء، من أشهرهم الشاعر محمد مفتاح الفيتوري (الذي تحوّل عروبيا فيما بعد)؛ حيث أصدر عدة دواوين يتغنى فيها بأفريقيا والانتماء إليها، وكذلك فرق موسيقى الجاز التي ظهرت وحاولت أن تضفي بعدا أفريقيا على الثقافة السودانية. ولعل أبرز ممثل لهذا التيار سياسيا هو الحركة الشعبية لتحرير السودان التي وإن تغيرت أطروحاتها تجاه هذه القضية باتجاه السودنة والاعتراف بالثقافة العربية فإن البعض يعتبر ذلك تكتيكا سياسيا وليس نابعا عن قناعة حقيقية.

وقد بلغت بعض الرؤى في هذا المجال حدا من التطرف شبهت فيه السودان بالأندلس التي خرج منها العرب بعد حكم ثمانية قرون تقريبا، وأن العرب في السودان لا بد أن يخرجوا من السودان كما خرج عرب الأندلس.