الفن يبكيك ثم تصفق له في النهاية! أنيس منصور

الفن يبكيك ثم تصفق له في النهاية! أنيس منصور


06-25-2006, 12:13 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1151234021&rn=0


Post: #1
Title: الفن يبكيك ثم تصفق له في النهاية! أنيس منصور
Author: jini
Date: 06-25-2006, 12:13 PM

Quote: الفن يبكيك ثم تصفق له في النهاية!

كنت رئيس لجنة امتحان المتقدمين للتمثيل في التلفزيون، وكل واحد يختار نصا مسرحيا ويؤديه أمام اللجنة، وكان شيئا عجيبا أن تجد عددا كبيرا منهم يمثلون أمامنا نصا واحدا مأخوذا من إحدى مسرحيات نجيب الريحاني، سألت، فعرفت أن أحد الممثلين قد استأجر شقة قريبة من مبنى التلفزيون ويدرب المتقدمين يوما بعد يوم على الأداء المسرحي! وفي يوم فوجئت بواحد يرتدي جلبابا ويلف حزاما حوله ويمشي حافيا ويقدم لنا القهوة، فقلت: لا اشرب القهوة، فقال: يا سعادة البيه كده وكده.. يعني أنه لا يعمل في البوفية وإنما هو ممثل وضحكنا، واقترب وقال وضحكنا ثم خلع الجلباب أمامنا لنرى بنطلونا وقميصا شيكا وكرافتة، أما هو فمدرس ويريد أن يتوب الله عليه من التدريس ووجع القلب وأن يكون ممثلا.

وجاء واحد واعتذر عن أنه لم يستطع أن يأتي بالكلب فقد منعوه من دخول التلفزيون وأوضح فقال: أنه كان قد أتى بكلب، وهذا الكلب ضروري لأن الحوار كله مع الكلب، وطلبنا إليه أن يتخيل أنه يتحدث إلى كلب، وكان يحمل إحدى الحقائب وراح يتحدث إليها، وأضحكنا ثم أمرنا بطرده عندما التفت إلينا (اللجنة كانت تضم مديحه يسري والمخرجة إنعام محمد علي والناقد حسن أمام عمر) فقد اتجه إلينا الممثل وقال بصوت صارخ، أيها الكلاب أنتم يا أولاد الأفاعي، يا أحط أنواع البشر، من الذي أتى بكم إلى هنا، إن مكانكم التاريخي هو في صناديق الزبالة، يا زبالة التاريخ. وقلت: أمشي أخرج بره يا قليل الأدب والفن والمسرح، أخرج عليك اللعنة!

وجاء الدور على سيدة تحمل طفلها الذي لا يكف عن البكاء، وكدنا نبكي عندما قالت إنها جاءت من الإسكندرية دون إذن من زوجها، تريد أن تحقق أملها في أن تكون ممثله، فالتمثيل هو وسيلتها الوحيدة إلى الخلاص من زوجها، وكان لا بد أن نحمل الطفل أي واحد منا، وأن نهدهده إلى أن تفرغ أمه من التمثيل وتعود إلى الإسكندرية عندما انفتح الباب وجاء رجل ووقف إلى جوارها وبدأ عليها الفزع وصفعها مرة ومرتين ولم تفزع فظننا أنه زميل لها في الأداء المسرحي، ولكن عرفنا أنه زوجها ثم انهال عليها ضربا، ولما حاولنا أن نمنعه أو نلقي القبض عليه فوجئنا به راكعا يتوصل إلينا أن نطلق سراحه، وكان صوته قويا وأسلوبه في التعبير مؤثرا ثم راح يبكي وراحت تصفق له زوجته وكل أعضاء اللجنة، فهو أيضا يريد أن يكون ممثلا ونجح الاثنان وأسعدني بالأمس أن أراهما على الشاشة في مسلسل جديد. وهذا هو المعنى الذي قصده تولستوي عندما قال إن الفن نوع من العدوى، فالممثل ينقل اليك مشاعره سواء كانت صحيحة أو كاذبة فهو يخدعك ويكذب عليك، ويبكيك ولكنك تصفق له في النهاية.