بين أم ريكـا و أمريكا ... (( قصة فصل توأم ملتصق )) !!!

بين أم ريكـا و أمريكا ... (( قصة فصل توأم ملتصق )) !!!


06-24-2006, 08:11 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1151133119&rn=0


Post: #1
Title: بين أم ريكـا و أمريكا ... (( قصة فصل توأم ملتصق )) !!!
Author: صلاح شكوكو
Date: 06-24-2006, 08:11 AM

بين أم ريكـا و أمريكا
====================

( صلاح شكوكو )

سهرة تلفزيونية بمنزل السيد سفير السودان بالإمارات .. ضمت شخصيات من خيرة السودانيين بالإمارات .. بل هم واحهة وضاءة للسودان .. هم جمع من الأطباء أعضاء الأسرة الطبية السودانية بالإمارات الذين يعتبرون وجها مشرقا لنا .. في معية السيد السفير حاج الفكي هاشم ونائبه السيد عصام متولي ومدير شركة الخطوط الجوية السودانية وضيف شرف اللقاء الطبيب الإنسان أمين الجوهري أختصاصي جراحة الأطفال الذي قام بعملية الفصل .

وقد كان اللقاء أنيقا بوجود والدي التوام ( احمد على وساره ) والتوأم ( حسن وحسين ) الذي زينا المحفل بحركتهما التي لم تنقطع وكأنها تنم عن إحساس عميق بأنهما تتحررا من الرابط الذي كان يقيدهما الى عالم فسيح من الحركة والتنقل .. والضحكات والجري بين والديهما والدكتور أمين الجوهري وكأنهما يقدمان نوعا من العرفان للرجل .. أوكأنهما أرادا أن يضعا (( آكشن )) للحوار .

ولقد دعيت لهذه الجلسة كمقدم للسهرة التي شدتني شدا نحوها وكأنني في حلم لا يتكرر ولن يتكرر .. فقد حكى الطبيب كل شيء عن العملية وكل المراحل التي مرت بها .. وتحدث الأطباء بإستفاضة حول مثل هذه العمليات الإلتصاقية ونحوها ومدى تعقيد عملية الفصل التي نتج عنا ذكرين بكامل الأعضاء ..

ولكن القضية ليست بهذه السهولة التي تتبين للعيان فقد بدأت القصة كلها من خلال سؤال واحد .. ومهما أوتيت أو أوتيتم من حسن التخيل وسعة الأفق لن تستطيعوا معرفة السؤال الذي كيف كل هذه الظروف لتتابع عملية الفصل من مرحلة لمرحلة حتى تكلل بالنجاح ..

نعم هو سؤال واحد .. جاء من رجل بسيط يعيش في قرية نائية من القرى التابعة لمحلية ام روابة بولاية شمال كردفان .. هو رجل لم ينال حظه من العلم وفق الوسط الذي يعيش فيه في قريته التي تسمى (( أم ريكا )) والتي ما كان ليمكن لأحد من أن يسأل عنها أبدا .. والتي ما كان لها أن ترى النور أبدا إلا مع هذا التوأم ..

فقد حمل الرجل توأمه الى الشيخ عبد الرحيم البرعي ليسأله سؤالا واحدا هو (( هذا التوأم يعتبر شخصان ملتصقان .. ماذا إذا ما توفى أحدهما قبل الآخر .. هل أدفن الحي مع الميت أم أبقي الميت مع الحي ؟؟؟ )) سؤال يحتار معه العقل كثيرا .. وتصعب الإجابة عليه في كل الظروف .. اللهم إلا أن نتخيل مجزرة إنسانية غير محمودة العواقب وفي تلك البقعة النائية ..

وهنا قال الشيخ لوالد التوأم لقد واجهت في حياتي أعقد الأسئلة وأكثرها صعوبة لكنني لم أقابل سؤالا كهذا .. ولكن أنتظر أياما لأن السيد رئيس الجمهورية سيزور المنطقة للمشاركة في مهرجان للزواج الجماعي ودعنا نحول السؤال للرجل لعلنا نجد عنده الإجابة ..

وبناءا على ذلك وجه السيد رئيس الجمهورية بإرسال التوأم لمستشفى الشرطة توطئة للبت في أمرهم من الناحية الطبية .. ومن هناك بدأت رحلة العلاج التي إنتهت بفصلهما .. برعاية الأسرة الطبية السودانية بالإمارات ورعاية كريمة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان .

لكن أطرف ما في الحكاية أن والد التوأم لاحظ أننا كنا على عجلة من أمرنا فسألني عن سر هذه العجلة وقد تعود الناس في منطقته على نوع من التأني والمهلة .. وحالما إنتهينا من الحوارات جلست إليه وأخبرته أن هناك مباراة للبرازيل في كأس العالم وأغلب هؤلاء يود متابعتها ..

إستغرب الرجل وربما سأل نفسه (( هل يمكن لهؤلاء الأطباء المحترمين أن يكون همهم متابعة مباراة في كرة القدم )) ؟؟ وقد عاجلته بالإجابة قبل أن يسأل وهنا أنداح الرجل ليسألني عن البرازيل وماذا تعني .. وتحرك بنا الحوار الجانبي حتى وصلنا الى أمريكا .. وشرحت له أحداث سبتمبر التي أقسم أنه لم يسمع عنها .. وسألته عن أحداث دارفور والتدخل الأممي المحتمل .. وكأن الرجل يرمقني بنظرات أكاد أجزم أنه تخيل أنني معتوه ..

خلاصة الأمر أن الرجل وثق بي و في حديثي وصدق كلماتي وأخذ يسألني أسئلة طبيعية لرجل بسيط في هذه الكون المتلاطم .. وحدثني عن زيارته لأول مرة للأمارت وكيف أنه تفاجأ بهذه الدنيا العجيبة .. وكيف أن رحلته الأولى بالطائرة قد كانت حدثا لن ينمحي من ذاكرته .. بل أن الرجل ضحك كثيرا حينما تخيل أنه سيعود الى (( أم ريكا )) ويحدث أهلة بمشاهداته العجيبة ..

المهم أن الرجل وبعد أن رأى هذا الإهتمام والحديث العلني عن المشاهدة .. سألني بعد أن تنحى بي جانبا عن أمكانية زيارة أمريكا .. وهل هي بعيدة من هنا ؟؟ وهل أهلها يتحدثون العربية ؟؟ أسئلة كثيرة لا أود أن أخوض فيها ولكن ما أود أن أقوله أنها أسئلة طبيعية للرجل ظل العالم كله أمام ناظريه تلك الرقعة المحدودة من الجغرافية التي عاش فيها ..

ولو كنت مكانه لكانت كل الجغرافية عندي هي أم ريكا وما جاورها من حلال .. وهذا أخوتي صدق مع النفس لا يدانيه أي صدق آخر .. بل أن حياة كهذه لهي أفضل ألف مرة من حياة مليئة بصخب الحياة ومغالباتها ..

وهاهو الرجل وبكل بساطته يلتقي رئيس الجمهورية وأكبر الأطباء في العالم وتتم عملية فصل أبناءه ويزور الإمارات ويدخل قرية أم ريكا في خضم التاريخ ..

نعم دخلت (( أم ريكا )) التاريخ حينما تبرع نفر كريم من الأطباء السودانيين ببعض الدول الأوربية للحضور والمشاركة في عملية الفصل .. وكذلك فإن كثير من الجهات الطبية التي أرسلت لها الصور والتقارير قد شاركت بإبداء رأيها الطبي في الأمر ..

ولم ينتهي الأمر في هذه المرحلة .. فقد قامت الخطوط الجوية السودانية بنقل التوأم من الإمارات الى مطار الخرطوم ... ومن مطار الخرطوم الى قرية ( أم ريكا ) عبر طائرة هيلوكوبتر حديثة ومجهزة هي جزء من الطائرات التي إستجلبتها الخطوط الجوية السوداني للإستعانة بها في عمليات الإنقاذ والإسعاف ..

أما الحضور الرسمي والشعبي الذي كان في إستقبال التوأم بقرية (( أم ريكا )) فقد كان حدثا مشهودا إصطفت له كل القبائل والفرقان .. حيث دقت الطبول والنحاس في مشهد مهيب لم تراه المنطقة من قبل حتى أصبحت (( أم ريكا )) قبلة لوسائل الإعلام المختلفة المحلية والعالمية .. بل أن التوأم قد تم التكفل بهما مدى الحياة من قبل كثيرين من أهل الخير والعطاء ..

ولقد جلست أسأل نفسي كثيرا هل ترى يتمكن لهذا الرجل بكل هذه البساطة من يزور أمريكا ؟؟ هذه الأمنية الخفية التي نمت في أعماقه من مجرد حديث عابر بيننا .. وقد تهيئت له الدنيا كلها بسؤال بسيط أفضى الى هذه النقلة الواسعة التي كللت بفصل إبنيه .. ؟؟

وختاما نقول تصوروا أن هذه الأم قد ولدت التوأم تحت شجرة في قريتها وبواسطة (( داية )) عادية بخبرة تقارب الثلاثين عاما .. هذه الولادة العادية قد حيرت كل الأطباء الذين تحدثوا عن إعجاز لا يمكن تخيله لمثل هذه العمليات التي تحتاج الى تقنيات عالية ..

التحية للداية (( آمنة )) التي أستحقت كل هذا الحديث الطيب من الأساتذه الأطباء .. التحية لها وهي لاتعلم عن هذا الحديث شيئا .. التحية لها وهي لا تعلم أنها قد قامت بعمل كبير هز المراكز العمية هزا .. وقد علمت أن هناك وفدا طبيا سيزور المنطقة وسيلتقى هذه الداية .

هكذا حق لنا أن نقول شتان بين أم ريكا وأمريكا ..

(( وسبحان الله مسبب الأسباب )) ..



--------------------------
ملء السنابل تنحني بتواضع ..... والفارغات رؤوسهن شوامخ
-------------------------


صلاح شكوكو