في ضباب المكيدة يأكل البرد الروح...قص

في ضباب المكيدة يأكل البرد الروح...قص


06-20-2006, 03:12 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1150812766&rn=0


Post: #1
Title: في ضباب المكيدة يأكل البرد الروح...قص
Author: Bannaga ELias
Date: 06-20-2006, 03:12 PM

قص

في ضباب المكيدة يأكل البرد الروح


"بقليل من الكلمات
نهى الممثل دوره،ومضى
لم يقل غير حرفين (من خارج النص)
" إنَي تعبتُ"
ومال إلى جهة من حنان الخشب
قال: إني أحبُ هنا أن أنام."
( الشاعر محمد على شمس الدين)


في حالة توحد مع ذاته أدخل يديه في جيوبه محاولا درء شبح الغربة والوحشة عن نفسه وسط هذا الحشد الهائل من السواح العجائز‘ فالمتحف الضخم ذي الصالات الواسعة قد اضحى ضيقا وهو بين اسئلتهم المتقاطعة اطرشا في زفة. حاول التقاط بعض كلمات الدليل لكنه فشل، وعندما وقف صمتهم عمودا ابتعد مسرعا عنهم فوجد نفسه أمام امرأة ألف جمالها، تناثرت حولها قطع من الزينة الذهبية يرقد على وسطها حجر مدور له مقبض ، حاول أن يستبنه فقرأ حلي وأدوات زينة من مملكة مروي. عرف أن التي خلبت لبه كانت مليكة مروية. أخرج مفكرته وبدأ في تسجيل ملاحظاته. لاحظ السواح الفضوليون اهتمامه فألتفوا حوله وأشرعوا كاميراتهم. لماذا أتي هؤلاء السُرقة بهذه الملكة الى هنا وقبل أن يكمل تساؤله ارتفع صوت الدليل مرة أخرى هذا مليك مروي، تحسس قلمه مرة أخرى إلا أن مكبر الصوت باغته معلنا انتهاء وقت الدوام. احتطب من أساه دليلا وأتجه نحو باب الخروج عينا على الملكة وعينا على الملك هاهما قد اضحيا حدقات اعينه وهو يتمتم متوجها إلى الملكة يعذبني ان بيني وبينك سواى.
أخذه رزيم طبل وهو في غمرة احساسه فوجد نفسه يحدق في وجهة امراة ما نظر إليها أحد إلا وداهمه رُخ الحزن والفجيعة الذي يعتصر المرارة في ضربات الطبل المصلوب بين فخذيها ، تحاوره حينا وتعًنفه أحيانا كأنها تخاطب أرواحا تراها وحدها أو أناسا في بلاد بعيدة، وقدماها مغروستان في الأرض بصلابة عبثا تحاول كل شرطة المتاحف إقتلاعها. أمراة يلمع في عينيها حزن دفين ولا تجيد الابتسام حتى لمن يجود ببعض دراهمه في إنائها المفغور الأشداق. تذكركيف يردد شحاذو المواصلات العميان النفاذي العرق في بلاده كلمات بعضها مبهما بعيون نصف مفتوحة وهم يترنمون بإنشاد متفق عليه في العذاب والوعيد تفوح منه رائحة الموت خالقين جوا من الابتزاز الروحي. احتفظ ببسمته العذبة وشجرة تمزقه العنيف الذي هو وطنه وتابع الايقاع. تراها أول مرة فترى فيها ملامح فلاحة تخب في حقل أرز أو قطن في العالم النائم بقسماتها الصارمة وشعرها المتسخ وبنطالها الذي أخذ الطبل عند الفخذين من لونه الكثير.
أطل من جديد وجه المليكة المروية مكسوا بصمت جليل لعله صمت الهيبة والوقار أو لعل حضور الجسد وحده يكفي. أنتزعته ضربات الطبل عن الاسترسال فرأى شعوبا بأكملها تخرج من رزيمه، رأى أطفالا ذاهبين إلى المدارس وهم يرددون أناشيدا بكل اللغات الكونية وحصادين يرددون ألحانا جماعية. في ذات نفير في القرية كانوا يرددون خلف أعذبهم صوتا وهم يزرعون ويوم رافقنهم بعض فتيات القرية تمكنوا في يوم واحد من زراعة خمس (حواشات). زحم صوت الطبل الأجواء فازدحمت الحلقة بالسواح. تقدم سائح عجوز ورمي قطعة فضية وابتعد. في حلقة مداح السوق الكبير يغلب الفقراء الحماس فينقذفون إلى وسط الحلبة يرقصون مليا ويرمون ببعض الملاليم وينسحبون وعلى وجوههم فرح غامر وهم يهزون بأيديهم في بهجة فوق رأس كل من يقف امامهم.
غنت فخرج صوتها من كهف سًري بين فكيها وهي في حالة وجد غائبة عن ما حولها فعرف إنها تمطر في السًر وتنهمر بكلمات غير مفهومة فتذكر يوم حصدت الذرة كيف أنهمرت أمرأة في قريته لبست طربوشا وبنطالا في حلقة زار وقالت الخواجة يريد (كدوسا) و ويس… الأخير حسبنه زيا أو طعاما وضحكن.
داهمه رزيم صوت الطبل مرة أخرى فبعث فيه ذكرى من يجىء من أدغال الحرب بحاجة خاصة، وطلبات الأهل وبخار البرد الحارووقفة الساعات الطويلة أمام ماكينة غسيل الصحون لحساب شيخ أبيض يكبر في البنك. امتعض رافعا يده فاصطدمت براس عجوز اصلع حاول أن يعتذر له غير أنه ابتعد متحسسا صلعته فتلمس هو الآخرلا أراديا صلعته الكبيرة ، همهم العجوز كلمات بلغة غريبة ورحل.
حدق مليا في وجهها الخارج لتوه من انفلونزا وعيونها تخترقه ببريق كالنصال. تساءل هل كانت هذه المرأة نزيلة في عنبر الأورام ذي الصبايا ذوات النظرات النافذة الألم. ما زال يذكر كيف اخترقته نظراتهن كالأبر الطويلة الحادة. دفع الذي يقف امامه برفق وقذف بكل ما في جيبه فى إنائها وابتعد مسرعا وصوت الطبل مازال يلاحقه حتى نهاية الممرالطويل، نافضا عنه غبار أيامه المسوسة، جارحا نهايات إحساسه بمشرطه الصاخب وهو يتناهى إلى سمعه دم دم ددمدم دم دم .. دخل في ضباب المكيدة ، وفي عينيه تومض نوافذ الذكرى مترنحة مثل أنوار تحت الغبار. قفز إلى داخل عربة القطار الدافئة وهو يردد صحيح أن البرد يأكل الروح وسقط في النوم فتلقفته بيقين شاحب دعوات أمه الواقفة خلف باب الفجر وهي تدعو له، بينه وبينها وجع الرسائل وتعب المسافة وهو يتبع شعاعا من القلب لايمشي الليل فيه على باطن قدمه ولا يعني الليل فيه غير الليل حرا طليقا حتي الإشراق.

Post: #2
Title: Re: في ضباب المكيدة يأكل البرد الروح...قص
Author: Elkhawad
Date: 06-21-2006, 07:49 AM
Parent: #1

Bannaga ELias
شكراً جميلاً

Post: #4
Title: Re: في ضباب المكيدة يأكل البرد الروح...قص
Author: Bannaga ELias
Date: 06-21-2006, 01:35 PM
Parent: #2

شكرا يا أستاذ خواض على زمنك الذي وجدته فينا وهذا المرور البهي.

Post: #3
Title: Re: في ضباب المكيدة يأكل البرد الروح...قص
Author: وانجا
Date: 06-21-2006, 08:27 AM
Parent: #1

نعم..

Quote: حتي الإشراق



ولك الشكر أجمله..

أستاذ بانقا الياس

Post: #5
Title: Re: في ضباب المكيدة يأكل البرد الروح...قص
Author: Bannaga ELias
Date: 06-21-2006, 02:44 PM
Parent: #3

العزيزة وانجا أشكر لك جزيل اهتمامك بكتاباتي. يسعدني دوما رأيك. بالله عليك كيف انتخبت صورة هذه الطفلة ذات العيون الميدوزية الحزن والتي تشعرنا نظراتهابتقصيرنا في عدم انجاز مشروع التنمية في الوطن. شكرا مرة أخرى وإلى اللقاء.