‎الانفصاليون : خطل الفكرة وتمزيق البلاد ‏!!

‎الانفصاليون : خطل الفكرة وتمزيق البلاد ‏!!


06-18-2006, 01:36 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1150591019&rn=0


Post: #1
Title: ‎الانفصاليون : خطل الفكرة وتمزيق البلاد ‏!!
Author: Faisal Al Zubeir
Date: 06-18-2006, 01:36 AM

‎الانفصاليون : خطل الفكرة وتمزيق البلاد ‏
بقلم : خالد أحمد بابكر : الصحافة العدد 4680 الاحد 18 يونيو 2006‏‎
[email protected]
ل(‎أحمد عبد المعطي حجازي‎) :
هَمَجٌ رمتْ بهم الصحارى جنة المأوى‎
تَهِرُّ‎ ‎كلابهم فيها وتجأرُ في المدى قُطْعَانهم‎
يمشونَ في سُحبِ الجرادْ‎
كأنَّ‎ ‎أوجُهَهُم لغربان‎
وأعْينَهُم لذؤبان‎
وأرجُلَهُم لثيران‎
يدوسونَ البلادَ‎ ‎ويَزْرعُونَ خَرابَهُم‎
في كلِ وادْ‎
مضى زمانٌ على أهل السودان كانت المجاهرة‎ ‎في الدعوة للانفصال أو الترويج له بمنزلة الجرم، وإنْ ‏بدا شيء من ذلك يُقابل‎ ‎باستهجان واسع وتذمر من الأكثرية التي كانت تنظر للوحدة الوطنية بعين ‏الرضا، وتراها‎ ‎قيمة سامية لا ينبغي المساسُ بها والتجرؤ على لكز صرحها المنيع في نفوس ‏السودانيين‎. ‎فبالوحدة يكون صلاح البلد وأهله وتنتفي عوامل التشرذم المهددة للمصلحة العليا‎ ‎لإنسان ‏هذه الأرض. لكننا عشنا حتى يوم الناس هذا، ورأينا كيف كرّس بعض الإسلامويين‎ ‎للانفصال، ليس ‏بإبداء الرأي فحسب، بل شرعوا في إنشاء منابر التحريض الدعائي وبناء‏‎ ‎منصات الهجوم على الوحدة ‏الوطنية. ماذا أصاب أهل السودان؟ الآن صحيفة بكاملها تنفثُ‎ ‎روائح الانفصال الكريهة كالتي تنبعثُ ‏من ديدان التعفن (صحيفة انفصالية في ظل ما‎ ‎يُسمَّى بحكومة الوحدة الوطنية) يتولاها شماليون ‏متأسلمون، وسلطان المدينة وعيونه،‎ ‎متغافلون‎!!‎لقد احتملَ أهل السودان ـ بكل تصنيفاتهم ـ مرارات ‏الحرب سنين عددا،‎ ‎ودفعوا فاتورتها باهظة ومكلّفة، وصبروا على الأذى صبراً جدُّ جميل، يحدوهم أمل‎ ‎الوحدة ويتغشّاهم نسيمها بعد كل منعطف سياسي مرّوا عبره، يخرجون منه وهم أكثر‎ ‎إلحاحاً في تحقيق ‏هذه الأمنية. وخلال تلك المنعطفات، كانت تُسمع من حين لآخر بعض‎ ‎الأصوات تنادي بالانفصال عبر ‏الصحافة السودانية، لكنها كانت تمثلُ وجهةَ نظر أناسٍ‎ ‎بعينهم، ولا تمثل الموقفَ الرَّسميّ للأحزاب ‏والتكوينات السياسية، وسرعان ما كانت‎ ‎تخبو.. فلماذا الآن بالذات يجري تصعيد الأمر وإعطائه حجماً ‏ما كان ينبغي أن يكونَ‎ ‎عليه، والسماحُ لرهط من الإسلامويين باستصدار صحيفة تنادي بدعاوى بغيضة ‏تسعى عبرها‎ ‎لتقطيع الوطن الكبير (بلحيل) على مقاس أيديولوجيتهم؟؟.. فالسودان أوسع من أن‎ ‎تستوعبه منظورات الأصوليين الانفصاليين‎.‎الأصولية الإسلاموية بضيق أفقها كفّرتْ‎ ‎كلَّ مَنْ خالفها ‏الرأي، وراحت تدينُ بالجُرم المشهود كل مجتهد جَرُؤ على التفكير‎ ‎وتُهدر دماء الكتّاب. وليس بخافٍ ما ‏جرى للأستاذ الحاج وراق من تهديدٍ ووعيدٍ بلغ‎ ‎بالتكفيريين مبلغاً عظيماً جعلهم يُهدرونَ دمَه!.. ‏والأستاذ محمود محمد طه قتلته‎ ‎محكمة التفتيش النميرية بإيعازٍ من الظلاميين، في محاكمة ـ قال عنها ‏الأستاذ‎ ‎المرحوم صلاح أحمد إبراهيم ـ تستنكف عن قِصَرها وتلفيقها العدالة الوضعية ناهيكَ عن‎ ‎عدالة ‏الإسلام. وأمر القاضي (المهلاوي) بإحراق كتبه. ومن الكتّاب كذلك نصر حامد أبو‎ ‎زيد الذي صُودِر ‏كتابه «الخطابُ والتأويل». وإدوارد سعيد الذي دافعَ عن الحقِّ‎ ‎الفلسطيني في أكثر مراكز الصهيونية ‏ضراوة، ودافع عن الإسلام والحضارة الإسلامية‎ (‎وهو المسيحي البروتستانتي) ما لم يدافعه مسلمو ‏الغرب.. هو نفسه إدوارد سعيد الذي‎ ‎أهدر الأصوليون دمه في كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام» ‏للأصولي السعودي عوض القرني‏‎ ‎عام 1989م. إذن كيف للتكفيريين والمتزمتين ومن نحا نحوهم أنْ ‏يقيموا وطناً يسع‎ ‎الجميع على اختلاف مشاربهم؟إنَّ ما يُقْدمُ عليه الآن الإسلامويون الانفصاليون‎ ‎هو ‏مخططٌ يسعى لتمزيق البلاد وتقطيعها من أطرافها بدعاوى بائسة ممعنة في التضليل‎ ‎والمغالطة. وهم ‏بذلك يزرعون بذور الفرقة بين أبناء البلد الواحد ويخدمون أجندات قد‎ ‎تكون دافعاً لاستهداف وحدة ‏البلاد والعمل على خلخلة جسد هذه الأمة التي تعوّل على‎ ‎الوحدة بأكثر من الانفصال. وأنّ مثل هذه ‏الدعاوى تنطلق من نظرة آحادية لا تخدم‎ ‎مصلحة أهل السودان على أية حال، ولا تعزز من اقتناص ‏فرص الوحدة مستقبلاً. كما أنّ‎ ‎بعض الانتهازيين منهم استغلَّ (أحداث الاثنين) ليبرهن على هشاشة ‏الوحدة بين الشمال‎ ‎والجنوب‎.
كنتُ ومازلت أرى مصلحة السودانيين في وحدتهم وتصالحهم مع أنفسهم. وقد‎ ‎ذكرتُ قبل أكثر من عام ‏أنّ خطاب السّاسة الشماليين في مؤتمر «المائدة المستديرة‎» ‎عام 1965م كان متسامحاً على النقيض ‏من موقف الجنوبيين.. حيث عرض السيد إسماعيل‎ ‎الأزهري تصور حزبه في خطاب ألقاه أمام ‏المؤتمر، ورد فيه:" إننا نسعى جاهدين‎ ‎للالتقاء بإخواننا الجنوبيين حول نظام يوفر السعادة والرفاهية لنا ‏جميعاً ويوطدُ‎ ‎أواصر المحبة والسلام بين مختلف أجزاء القطر. وسوف نقبل طواعية واختياراً بل بكثيرٍ‎ ‎من الغبطة والرضا أي وضع يبلغ بنا هذا الهدف، ولا يهم في كثير أو قليل أن يُسمّى‎ ‎ذلك النظام ‏بالفيدرالية أو الحكم المحلي أو الحكم الإقليمي. ونحن كإفريقيين نعلمُ‎ ‎جيداً أنّ قرارات منظمة الوحدة ‏الإفريقية تنادي بأنْ تُعلن الدول المنضوية تحت‎ ‎لوائها في تأكيدٍ وعزم أنَّها تحافظُ على الحدود التي ‏ورثتها عندما نالت‎ ‎الاستقلال‎". ‎إلا أنَّ الانفصالي الشمالي المتطرف ذي النزعة الطالبانية، والذي‎ ‎استبدّ ‏به الرأي واشتطّ عن الحق، ما فتئ يتردّى وهو يتساءل متهكماً في كل محفل‏‎ ‎ومنتدى..."ما السبب الذي ‏جعل السودان مليون ميل مربع؟ من قرر ذلك، ليسوا هم‎ ‎السودانيين"؟!. إنَّ هذا القول مع بؤسه وخطله ‏البائن لا يَصْلُح أنْ يُتَّخَذ حُجة‎ ‎يُقيم عليها عتاة الانفصاليين الشماليين مزاعمهم وأهواءهم الذاتية. فأهل ‏السودان لم‎ ‎يُقرروا ولم يُنصِّبوا دعاة الانفصال متحدثين بالوكالة عنهم. منْ الذي أقرّ هذه‎ ‎الدعاوى؟ ‏ليسوا بالطبع أهل السودان، بل فئة من عاطلي الفكر تحاول النيل من استقرار‎ ‎ووحدة هذا النسيج ‏البشري المتسامح بطبعه، والذي تربطه أواصر ووشائج وعلائق ضاربة في‎ ‎القدم منذ مملكة سنار ‏الماجدة(1504 - 1821م)، والتي قامت على نهج سوداني استطاعت‎ ‎عبره توحيد أهل السودان داخل ‏إطارها على أسس قوية وراسخة، جعلتها تستمر لعدة‎ ‎قرون‎.‎في ندوة (إشكالات البناء الوطني، رصد ‏الصحافة 22 / 7 / 2004م)، قال زعيم‎ ‎الانفصاليين الإسلامويين الجدد الطيب مصطفى: " ظللنا نعالج ‏الأمر معالجة عاطفية، لا‎ ‎نريد أن نتعامل مع الأمر بالعقل، نريد أن نتعامل تعاملاً هتافياً وعاطفياً كتبه‎ ‎شعراء (منقو قل لا عاش من يفصلنا) .. وظللنا نردد هذه الكلمات حتى ترسخت في وجداننا‎ ‎بشكل ‏عاطفي قوي، غدونا أسرى له حتى الآن، ولا نريد مواجهة الحقيقة.. مواجهة الحقيقة‎ ‎تقتضي شيئاً ‏واحداً، أن نتخلص من كل العواطف، من كل الثوابت‎" .‎هكذا يبدو الخطاب‎ ‎الانفصالي الإسلاموي في ‏أردأ صوره، فهذا الحديث ليس غريباً على هؤلاء النفر من‎ ‎الإسلامويين الذين ساهموا في تصعيد ‏مرارات الحرب وأضرموا النيران في الجسد السوداني‎ ‎إبان حقبة التمكين (التُّرابية) الطالبانية المتزمتة. ‏هم أنفسهم الذين ساقوا الشباب‎ ‎والكهول إلى الأحراش للقتال تحت شعارات أصولية، وهو ما أسموه ‏‏(جهاد الكفّار‎) . ‎وعمدوا إلى فكرة (إعادة) صياغة الإنسان السوداني، وتفننوا وأبدعوا في (بيوت‎ ‎الأشباح) وممارسات الفصل القسري من الخدمة بدعوى الصالح العام، وأصبح الولاء‎ ‎للتنظيم يومئذٍ ‏معياراً للوطنية والانتماء للوطن. والثوابت التي أراد الطيب مصطفى‎ ‎التخلص منها هي الثوابت الداعية ‏للوحدة ـ التي ما يزال بعض أوفياء أهل السودان‎ ‎يُلْزِمون بها أنفسهم، وتنضح بها صدورهم.. هذه ‏الثوابت الوحدوية هي التي تُكبِّل‎ ‎تفكير الزعيم الانفصالي ورهطه الذين ما برحوا يسيرون على خُطاه، ‏حذوكَ النَّعْلَ‎ ‎بالنَّعْل، لكي يُعيدوا النظر في الخطأ التاريخي الذي ارتكبه (صُنّاع الاستقلال‎) ‎حين ‏اعترفوا بهذه الحدود التي حدّها (غيرهم) وجعلوا السودان بهذا الشكل المتناقض‎ ‎الذي استمرت الحرب ‏فيه لنصف قرن ـ على حد تعبيره‎!!.‎هذا وأيم الحق قولٌ يدعو‎ ‎للعجب، إذ من فرط الزهو والتعالي ‏‏(الفارغ) على أهل السودان، اتخذ الطيب مصطفى من‎ ‎ذاته مُخطِّطاً جديداً و(رسّاماً) لحدود السودان ‏المقترحة في مخيلته، وهو بهذا‎ ‎يُنكر علينا حدودنا التي ورثناها وأقرها أهل الاستقلال الشوامخ، ‏ويستعدي في جُرأة‎ ‎بالغة لا تكاد تصدر إلا عن نزق مهووس حين يصف السودان بـ (الشكل المتناقض) ‏‏. ماذا‎ ‎يريد الطيب مصطفي؟ هل يريد من كل ذلك أن يَخْلُصَ إلى أنَّ هذا السودان بشكله‎ ‎الحالي لا ‏يُعجبه؟ أم يود أنْ يُصمّم سوداناً ذا (سحنة واحدة) على طريقته، أم تراه‎ ‎يسعى لتجريم الذين ناضلوا من ‏أجل استقلال ووحدة هذا البلد؟‎ ‎في السياق ذاته،‎ ‎يمضي في اجتراح أسئلته غير الوقورة وغير البريئة: ‏هل فعلاً كانت هناك دراسة موضوعية‎ ‎ومنطقية لتجعل السودان بهذا الشكل، لم تكن هناك دراسة ‏تراعي التجانس بين عناصره‎". ‎ونحن بدورنا نناشده أن يمددنا بأنموذج لدراسة منطقية بحوزته تتحدث ‏عن أي قطر مماثل‎ ‎للحالة السودانية. هذا الحديث عن التجانس (المزعوم) ينطوي على إهمالٍ فكريّ ‏كبير‎ ‎لدى الذهن الانفصالي، وينبئ عن قصور جدُّ مزرٍ بمعرفة وأحوال الشعوب والتكوينات‎ ‎البشرية. ‏فالأمم والمجتمعات الإنسانية ـ منذ عصور سحيقة ـ بمختلف عناصرها وسحناتها،‎ ‎قامت على من ‏التعايش، ولم تقم على المزاعم والتأويلات والأقاويل والأباطيل‎ ‎المختلقة‎. ‎هل كان الطيب مصطفى ‏يرمي بالحديث عن الدراسات المنطقية إلى أنه كان‎ ‎ينبغي أنْ تُجرى دراسة لأهل السودان تجمع شمل ‏العناصر المتجانسة في وطن واحد، وتبقى‎ ‎العناصر غير المتجانسة في رقعة أخرى تخصها؟ إنْ كان ‏ذلك ما يعنيه حقاً فهي‎ ‎الكارثة.. إنَّ المرء ليأسف لهذا المنطق المنقوص الأرعن.. إنه منطق الاجتثاث ‏والبتر‎ ‎وتفصيل الوطن على (قدر) مقاس فئة تجتاحها أفكار مجنونة ليست خاضعة لسلطة العقل‎ ‎والمنطق. وهم كأولئك الذين أبدع في وصفهم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في مُفتتح‎ ‎هذه الكلمة‎.
فاصلة‎
قال محدثي: ماذا لو اختار الجنوبيون الانفصال بعد الفترة‎ ‎الانتقالية التي حددتها اتفاقية السلام وبعد ‏الاستفتاء؟ قلت: إن اختاروه فهو حقهم،‎ ‎لكن أن يجرى تصعيد أمر الانفصال من قِبَل بعض الشماليين ـ ‏وهم في هذه الفترة أحوج‎ ‎ما يكونون لثقافة التسامح وقبول الآخر ـ فهو ما لا ينبغي الصمت إزاء