كيف استطاعت الانقاذ ان تصطاد مني اركو مناوي بقلم/ صديق عثمان - جوهانسبيرج

كيف استطاعت الانقاذ ان تصطاد مني اركو مناوي

بقلم/ صديق عثمان - جوهانسبيرج
[email protected]


استراتيجية الانقاذ في الحكم منذ انقلابها على الديمقراطية قامت على تكريس سياسة" فرق تسد",وفي سبيلها اكتنزت رصيدا لا بأس به من التجارب , دعنا نستصحب بعضا من تلك التجارب , ففي مواجهتها حركة التحرر الجنوبية بقيادة الراحل دكتور جون قرنق , عاصرنا المرحلة العصيبة التي مرت بها الحركة الشعبية حينما تشظت الى فصائل وجماعات وعلى ضوءها طبخت الانقاذ ما عرف آنذاك باتفاقية الخرطوم للسلام ,ولم تمض سوى بضعة اشهر حتى انهارت وعلى ضوءها عادت بعض الفصائل الى الحركة الام . وفي ازمة دارفور سلكت الانقاذ ذات الطريق المحفوف بالمخاطر بغية القضاء على حركات التحررالغربية ليس بقوة السلاح كما ارادت في البداية , ولكن بإنتهاج سياسة تفضى الى تفكيك تلك الحركات المسلحة , كانت البداية بحركة العدل والمساواة حيث عانت هذه الحركة كثيرا من مسلسل الخلافات والانشقاقات , الا انها صمدت وحافظت على وحدتها , والدليل على ذلك ان القيادات الفاعلة والمؤثرة في الحركة ظلت راسخة المبادئ ولم تتزحزح عن اهدافها قيد انملة , بل لعبت دور الطليعة التى ادارت معارك التحرر في ميادينها المختلفة حتى ادخلت الانقاذ في النفق المظلم , وبفشل الانقاذ في النيل من حركة العدل والمساواة , ركزت على الحركة الاخرى وهي حركة التحرير, وفيها تولى عرّاب الانقاذ الثان على عثمان من بعد ان اطاح بشيخه الترابي عرّاب الانقاذ الاول في سنوات المشروع الحضاري واسلمة المجتمع , والجميع يعرف على عثمان بحنكته السياسية وذكائه, وهي من الاسباب التي قربت الرجل سابقا من الشيخ على الرغم من صغر سنه في ذلك الوقت , ما يهمنا هنا هو كيف استطاع الرجل ان ينسج خيوط الشبكة التى امسكت بأحد قيادات التحرر الغربي هو القائد مني اركو مناوي الامين العام السابق لحركة وجيش تحرير السودان , ورئيس الجناح المنشق عبر مؤتمر حسكنيته .
تمرحلت مؤامرة الاصطياد عبر مراحل نوجزها في الاتي :
المرحلة الاولى : هي مرحلة الاختيار اي من قيادات حركة تحرير السودان يسهل التاثير عليه واقناعه لتنفيذ المخطط الآثم في حقوق اهله , بعد ان تعذر النيل من قيادات حركة العدل, وقع الاختيار على مني لحداثة عهده بالعمل السياسي وتواضع رصيده في المعتركات السياسية وهو ليس الوحيد في جيله من ابناء المهمشين في السودان فهم كثر, وفي هذه النقطة يستحضرني لقاءا في احدى الفضائيات تناولت ازمة دارفور, وكان من بين ضيوف الحلقة عبر الاقمار الصناعية من الخرطوم الاستاذ امين حسن عمر الذي ابدى استهجانه وسخريته من بعض قيادات الحركات ذكر بانهم حديثي العهد بالسياسة وليس لهم اي خبرة , ونسي ان الظروف التي اتيحت له هي غير تلك التي مر بها ابناء الفقراء من قادة التحرر في الغرب, فهم على قلة درايتهم بالسياسة فقد حققوا انتصارات عجز ان يحققها فطاحلة السياسة السودانية في خندق المعارضة . نعود لاختيار القائد مني من قبل عرّاب الانقاذ الاستاذ على عثمان فقد استعرض لمني قدراته في حسم القضايا المصيرية وانه فاوض الراحل دكتور جون قرنق بأعتباره الرجل الاقوى في المعادلة السياسية , وقائد لاقوي حركة تحرر افريقية وفي الاخر استطاع ان يمنحه حق تقرير المصير وحكم جنوب السودان وتنازله طوعا عن منصبه في ديوان الرئاسه , فقال له انت الاقوي من بين المجموعات المتمردة في دارفور واذا ما اتفقت معي سوف اسلمك حكم اقليم دارفور ومنصبا رئاسيا لا بأس به , اخيرا وبعد تردد ابدى رفيقنا مني موافقته على العرض ولكن على مضض .
المرحلة الثانية : في هذه المرحلة اراد مني اركو ان يثبت بان حركته هي الاقوى والاكبر في الميدان , فكان ذلك وراء المعارك التي دارت مع حركة العدل والمساواة في اكثر من محور, ربما من شروط الانقاذ القضاء على هذه الحركة واضعافها , الا انه لم يبلغ غايته بسحق حركة العدل والمساواة والتي تصدت بصلابة وافشلت المخطط الآثم في مهدها , واخيرا تدخل الاخوة في الجماهيرية العظمى بحل الخلاف بين رفقاء السلاح في دارفور عبر اللقاء الذي جمع القيادتين في طرابلس الغرب.
المرحلة الثالثة : مرحلة اضفاء الشرعية على حركة التحرير جناح مني عبر المؤتمر الذي عقد في حسكنيتة بشرق دارفور, برعاية الحكومة السودانية والجماهيرية الليبية والاتحاد الافريقي وبحضور ممثلين للولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي , وهذه المرحلة تعتبر تحضيرا لمسرحية ابوجا القادمة .
المرحلة الرابعة : وهي مرحلة تمرير مؤامرة الانقاذ بحق اهل دارفور عبر وثيقة صفراء بإعتبارها تحمل بين سطورها كل حقوق ومطالب اهل دارفور في القسمة العادلة للسلطة مع المركز وقسمة عادلة لثروات السودان , وهي وثيقة حتى في ظاهرها لا تبدو ان فيها الرحمة والمنعة والرخاء والاستقرار لاهل دارفور, ناهيك عن باطنها والتي لاشك تضمر مزيدا من ازهاق الارواح وعدم الاستقرار وتغيير الخارطة السكانية بالاقليم وضياع حقوق ومطالب اهل دارفور .
تحرك العرّاب صوب ابوجا بدعاية اعلامية مضللة , قوامها ان رجل المهام الصعبة تحرك الى ابوجا من اجل الحسم على خلفية نيفاشا, وما ان حل الرجل حتى كثف من لقاءاته الفردية مع قيادات الحركات , وكان التركيز واضحا على جناح مني دون سواه من قادة الثورة المسلحة في دارفور, ويبدو ان الامور قد تغيرت بعض الشئ وحدث نوع من التردد في موقف القائد مني , ربما اشتم رائحة المؤامرة , وكما ذكرنا سالفا بانه وافق على العرض المقدم له بتولي حركته حكم اقليم دارفور ولكنه متوجسا بعض الشئ , مما استدعى الامر مزيد من الاقناع والمبررات , خاصة بعد ان وقع ميثاق الشرف مع قيادات دارفور, والتي اعلنت فيها تلك القيادات رفضها للوثيقة جملة وتفصيلا , ايقن رفيقنا في اللحظات الاخيرة طبيعة المؤامرة ولكن بعد فوات الاوان , ومن الجانب الاخر ازدادت عليه الضغوط من كافة الاطراف التي لديها اجندة خفية وتريد تمرير المؤامرة بأي ثمن مما زاد من ضغطه النفسي , في الآخر وقع على الوثيقة وفي النفس حسرة .
المرحلة الخامسة: في هذه المرحلة سوف تكون حركة تحرير السودان شريك المؤتمر الوطني في ادارة دارفور, والاتفاقية التي وقعت عليها تلزمها بحمايتها وتنفيذها ,في هذه المرحلة ربما لانستبعد ان تلعب حركة التحرير جناح مني دور مخلب القط الانقاذي في الحفاظ على المكتسبات التي حققها عبر وثيقة الخزي والعار في ابوجا , سننتظر لنرى هل تتسلم حركة التحرير ادارة دارفور وهل سنرى مني في منصب كبير مساعدي الرئيس كما وعد العرّاب .

.

!

^