قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع

قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع


05-12-2006, 10:39 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=60&msg=1147469983&rn=0


Post: #1
Title: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-12-2006, 10:39 PM









قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع:


شاعر الوجدان والاشجان



مال ايقظ الشجون فقاست وحشة الليل واستثار الخيالا

ماله فى مواكب الليل يمشى ويناجى اشباحه والظلالا



هين تستخفه بسمة الطفل قوى يصارع الأجيالا

حاسر الرأس عند كل جمال مستشف من كل شىءٍ جمالا

ماجنُُ حطم القيود وصوفى قضى العمر نشوة وابتهالا



خلقت طينة الأسى وغشتها نارُ وجد فاصبحت صلصالا

ثم صاح القضاء كونى فكانت طينةُ البؤس شاعراً مثالا

يتغنى مع الرياح اذا غنّت فيشجى خميله والتلالا

صاغ من كل ربوة منبرا يسكب فى سمعه الشجون الطولا

هو طفل شاد الرمال قصورا هى آماله ودك الرمالا

هو كالعود ينفح العطر للناس ويفنى تحرقا واشتعالا






الصدى الخالد



أمسيت أصداء وذكرى يا لحظة بالخلد أحرى

ماكنت إلا صفحة فاضت علي سني وبشرا

نضحت كعاطرة الورود وقصرت عن تلك عمرا

ضاعت ولكن خلفت نفسا علي الايام حسري



***

لك يا قضارف روعة تركت شعاب النفس سكرى

قامت حواليك الهضاب فأظهرت تيهاً.. وكبرا

زفت من الافق البعيد لأعين الرواد بشرى

زرقاء تحسب أنها غيم تجمع بعد مسرى

حتي إذا انحسر القناع تجسمت للعين صخرا



***

جئنا وأطيار الخريف صوادح يبنين وكرا

والصيف آذان بالرحيل فودع الايام...سرا

والارض حالمة تخبىء للخريف ندي وعطرا

حتي إذا حيا غدا واختال بين رباك نضرا

أفضي الي مجري السراب فرده للماء مجري

وتفتقت بين المروج حياته عشباً وزهرا



****

كانت حياتى كالربى في الصيف قاحلة وحرّى

واليوم صرت خريفها فاخضر منها ما تعرى







Post: #2
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: 3bdo
Date: 05-13-2006, 01:58 AM
Parent: #1

سلااام
واصل ... منتظرينك

Post: #3
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: قرشـــو
Date: 05-13-2006, 02:26 AM
Parent: #1

الجميل كمال محمد

لك التحية

ولك الشكر على فتح نافذة للجمال الباقى فى وجداننا وللروعة التى لم تتكرر فى وطننا ..
ولاننى شخصيا لم اطلع على الديوان قبلا ولذا ارجو رجاءً خاصا ان تبدأه لنا من الالف الى الياء حتى نستطيع نسخه والاحتفاظ به لدينا...

لك التحية والاحترام

Post: #4
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-13-2006, 09:30 PM
Parent: #3

رحلة النيل


النيلُ من نشوة الصهباءِ سَلْسلُهُ
وساكنو النيلِ سُمّار ونُدْمانُ
وخفقةُ الموجِ أشجانٌ تُجاوبها
من القلوب التفاتاتٌ وأشجان
كلُّ الحياةِ ربيعٌ مشرق نَضِرٌ
في جانبيه وكلُّ العمرِ رَيْعان
تمشي الأصائلُ في واديه حالمةً
يحفّها موكبٌ بالعطر ريّان
وللخمائل شدوٌ في جوانبهِ
له صدىً في رحاب النفسِ رنّان
إذا العنادلُ حيّا النيلَ صادحُها
والليلُ ساجٍ، فصمتُ الليلِ آذان
حتى إذا ابتسم الفجرُ النضيرُ لها
وباكرتْه أهازيجٌ وألحان
تحدّر النورُ من آفاقه طَرِباً
واستقبلتْه الروابي وَهْو نشوان

****


تدافع النيلُ من علياء ربوتهِ
يحدو ركابَ الليالي وَهْوَ عجلان
ما ملَّ طُولَ السُّرى يوماً وقد دُفنِتْ
على المدارج أزمانٌ وأزمان
ينساب من ربوة عذراءَ ضاحكةٍ
في كلّ مغنًى بها للسحر إيوان
حيث الطبيعةُ في شرخ الصِّبا ولها
من المفاتن أترابٌ وأقران
وِشاحُها الشَّفقُ الزاهي وملعبُها
سهلٌ نضيرٌ وآكامٌ وقيعان
وربَّ وادٍ كساه النورُ ليس لهُ
غيرُ الأوابدِ سُمّارٌ وجيران
وربّ سهلٍ من الماء استقرَّ بهِ
من وافد الطيرِ أسرابٌ وَوُحْدان
ترى الكواكبَ في زرقاء صفحتهِ
ليلاً إذا انطبقتْ للزهر أجفان

****

وفي حِمى جبل الرجّافِ مُختلَبٌ
للناظرين وللأهوال ميدان
إذا صحا الجبلُ المرهوبُ رِيعَ لهُ
قلبُ الثرى وبدتْ للذعر ألوان
فالوحشُ ما بين مذهولٍ يُصفّدهُ
يأسٌ وآخرُ يعدو وَهْوَ حيران
ماذا دهى جبلَ الرجّافِ فاصطرعتْ
في جوفه حُرَقٌ وارتجّ صَوّان
هل ثار حين رأى قيداً يكبّلُهُ
على الثرى فتمشّتْ فيه نِيران

****

والنيلُ مُندفِعٌ كاللحن أرسلَهُ
من المزامير إحساسٌ ووجدان
حتى إذا أبصر «الخرطومَ» مُونقةً
وخالجتْه اهتزازاتٌ وأشجان
وردّد الموجُ في الشطّين أغنيةً
فيها اصطفاقٌ وآهات وحرمان
وعربد الأزرقُ الدفّاق وامتزجا
روحاً كما مزج الصهباءَ نشوان
وظلَّ يضرب في الصحراء مُنْسرباً
وحولَه من سكون الرملِ طُوفان
سارٍ على البِيد لم يأبه لوحشتها
وقد ثوتْ تحت سترِ الليلِ أكوان
والغيمُ مَدَّ على الآفاق أجنحةً
ونام في الشطّ أحقافٌ وغُدران
والليلُ في وحشة الصحراءِ صومعةٌ
مَهيبةٌ وتلالُ البيدِ رهبان

****
إذا الجنادلُ قامتْ دون مسربهِ
أرغى وأزبد فيها وَهْوَ غضبان
ونشّرَ الهولَ في الآفاق مُحتدِماً
جمَّ الهياجِ كأنّ الماءَ بركان
وحوَّل الصخرَ ذَرّاً في مساربهِ
فبات وَهْو على الشطّين كُثبان
عزيمةُ النيلِ تُفني الصخرَ فورتُها
فكيف إن مسّه بالضيم إنسان
وانساب يحلم في وادٍ يُظلّلهُ
نخلٌ تهدّل في الشطّين فَيْنان
بادي المهابةِ شمّاخٌ بمفرقهِ
كأنما هو للعلياء عنوان
****






Post: #5
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-13-2006, 09:45 PM
Parent: #4

لقاء القاهرة :


أألقاكِ في سحركِ الساحرِ
مُنًى طالما عِشْنَ في خاطري ؟
أحقّاً أراكِ فأروي الشعورَ
وأسبحَ في نشوةِ الساكرِ ؟
وتخضلَّ نفسي بمثل الندى
تَحدّرَ من فجركِ الناضر
تُخايلني صورٌ من سناكِ
فأمرحُ في خفّة الطائر
تُخايلني خطرةً خطرةً
فما هيَ بالحُلُم العابر
ويحملني زورقُ الذكرياتِ
إلى شاطئٍ بالرؤى عامر

****

غدًا نلتقي وغدًا أجتلي
مباهجَ من حُسنكِ الشاعري
وأُصغي فأسمع لحنَ الحياةِ
في الروض في فرحة الزائر
وفي ضجّة الحيِّ في زحمة الطْـ
ـطَريقِ وفي المركب العابر
وفي القمر المستضامِ الوحيدِ
تُخطّئه لمحةُ الناظر
تطالعني بين سحر الجديدِ
تهاويلُ من أمسكِ الغابر
وتبدو خلاصةُ هذا الوجودِ
من عهد «مينا» إلى الحاضر

****

سألقاكِ في بسمةٍ كالربيعِ
وما شاء من حُسنه الآسر
يُقسّم بهجتَه في النفوسِ
ويُطلق أجنحةَ الشاعر
وينفخ من روحه جذوةً
تَشعّعُ في مُجتلى الناظر
ويُسمعني نبضاتِ الحياةِ
في الطَلّ في الورق الثائر
صنعتُ البشاشةَ من روضكَ الْـ
بهيجِ ومن نفحه العاطر
وصُغتُ من الزهر من طيبهِ
سجايا من الخُلُق الطاهر
شبابٌ شمائلُه كالمدامِ
تَوقّدُ في القدح الدائر
وتكمن في روحه قُوّةٌ
كمونَ التوثُّبِ في الخادر

****
تمايلَ من طربٍ مركبي
وجاشت مُنى قلبِه الزاخر
وقد جدّ يطوي إليكِ السهولَ
ويعلو وينصبّ من حادر
يسير وطيفُكِ في خاطري
يُقصّر من ليله الساهر
وبي فيه من لفحات الحَنِينِ
كما فيه من لهبٍ مائر
يسايرني النيلُ إلا لماماً
فيفلت من بصرٍ حائر
ولكنْ مع النيلِ يجري شعوري
ويطفح في موجه الفائر
وتهزج روحي له ساجياً
وتعنو لتيّاره الهادر

****








Post: #6
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-13-2006, 11:10 PM
Parent: #5

لك الشكر الجزيل أستاذ ـ قرشو -:

علي المرور الكريم وسأواصل نشر ما أملك من قصائد العبقري الراحل إدريس جماع

Post: #7
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-13-2006, 11:13 PM
Parent: #6

لك الشكرالجزيل أستاذ 3bdoعلي المرور


وسأواصل

Post: #8
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-14-2006, 10:23 AM
Parent: #7

إدريس جماع:


المصدر: مقال للكاتب حسن إبراهيم الأفندي بمجلة أزمنة عربية






لعل أول اللحظات الباقية المحفورة داخل الصدر والعقل معاً هذا الموضوع نفسه, إذ قررت أن أكتب فيه منذ وقت مبكر من الشهر حتى يصل إلى المجلة في وقت مناسب يمكن الجهاز الفني القدير بها من تصميم إخراج جيد لموضوعي, وبما يرضي غرور شاعر يتمتع بشيء غير يسير من الصلف والكبرياء الزائفة أو الحقيقية, فكلاهما سيان والمثل يقول: (كله عند العرب صابون).

جلست لساعة ونصف الساعة قبل يومين خلياً وكتبت سبع صفحات كاملة منسقة, وكان الحديث ينساب في سلاسة ويسر ودونما كلفة أو تكلف. كتبتُ شيئاً أُعجبت به كثيراً وظننت أنه سيلقى رضى وإعجاب القراء, ولكن... يبدو أني ضغطت على مفتاح طباعة على لوحة المفاتيح بدلاً من أن أضغط على مفتاح الحفظ, وأسرعت مغلقاً الجهاز للذهاب إلى النوم والمتابعة مساء اليوم التالي. كانت الطابعة مغلقة وفي العادة لا أفتحها إلا عند الحاجة, ومن عادتي أني أحفظ ما أبدأ كتابته على سطح المكتب ريثما تتم مراجعته وتكامل عناصره لأحوله بعد ذلك إلى حيث ينبغي أن يحفظ, ومن حرصي أنني أسجل جديد كتابتي وشعري على ما يشبه القلم ويمكن أن يستوعب ما تحفظه مائة وثمان وعشرون من الأقراص المرنة, وذلك أيضاً بعد الانتهاء من العمل بكامله.

جئت في اليوم التالي مساءً وبعد أن تواصلت عبر الإنترنت بابني بالسودان والسعودية وأردت مواصلة الكتابة. كان عجبي واستغرابي كبيرين عندما وجدت الملف على سطح المكتب وليس به من سطر واحد ولا عنوان حتى. جُن جنوني ولعنتُ حظي العاثر ألف مرة, والمنحوس يجد العظم في الرئتين كما يقولون:



إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه

ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه

إن من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه

ولعل هذه الأبيات من الأبيات الشهيرة يحفظها الكثيرون حتى من الرجرجة والدهماء وسواد الناس ولكنها صادقة معبرة, مثلها في ذلك مثل الأبيات التي قال فيها الشاعر المرحوم هاشم الرفاعي:

مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها

ومن كانت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها

وأرزاق لنا متفرقات فمـن لم تـأتـه منا أتـاهـا

ولعل البيت الأخير مما لا يحفظه إلا القلة والراسخون في ميادين الشعر والحفظ. عموماً كل شيء بقضاء, وعسى أن نكره شيئاً وهو خير لنا, وعسى أن نحب شيئاً وهو شر لنا, والله يعلم ونحن لا نعلم. ولابد أن نستفيد مما يمر بنا من تجارب وممارسات في مستقبل أيامنا إن تبقى منها شيء. ولابد أيضاً من أن أعاود الكتابة من جديد للموضوع محاولاً تذكر عناصره وما سبق أن كتبت, وإن كنت أؤمن أني لن أفلح في كتابته على النحو السابق, فالمزاج والحالة النفسية تختلف من وقت لآخر, ولكنها محاولة جديدة ربما لا تمتّ إلى ما سبق أن كتبت بصلة, فلله ما أعطى ولله ما أخذ, وإني والله على ما ضاع مني لمحزون كليم. ولست أملك ذلك الذكاء الوقاد الذي يجعلني أستعيد بسهولة ما ضاع, ولست كذلك خلي قلب ولا خلي عقل, وربما كان من نعم الله ألا أكون بذلك الذكاء الذي يقرب المرء من الموت أو ينبئ أن صاحبه إلى موت قريب, فالوسطية خير جعلتني على مشارف السنة الأولى بعد الستين. قيل أن أبا العلاء المعري عندما قال:

وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل

قال له صبي صغير: جاءت العرب بثمانية وعشرين حرفاً, فزدها. أعجز ذلك طبعاً أبا العلاء, ولكنه رأى في الصبي ذكاءً خارقاً. ويقال أن أبا العلاء تنبأ بموت قريب لذلك الصبي, وقد كان. ولعلي أذكر أن أحد أبناء خال أولادي كان ذكياً جداً وكان منضبطاً وجاداً في حياته رغم صغر سنه, وتعودت النساء عندنا في السودان أن تقول الواحدة منهن: سجمى. ذلك اللفظ دليل على وقوع شيء ما لا ترغب فيه عليها وتعتبره مصيبة, وقد قالت إحدى عماته ذلك اللفظ, فأجابها بكل جدية: والله لا أدع السجم يأتي إليك. كان حازماً, ولفتت عبارته تلك انتباهي, ولكني لم أكن أربط بين سلوكه المنضبط وذكائه والموت.

كان يسكن في منزل جده لأبيه عمي أو حماي أو صهري بمفهومها لدى مختلف الأطياف في البلدان العربية, وفي يوم من الأيام والتيار الكهربائي كان مقطوعاً عن الحي, ذهب ليملأ وعاءً بلاستيكياً من الجازولين لتشغيل مولد الكهرباء الذي يقبع حتى تاريخه في فناء العمارة. كانت خبرته غير كافية لسحب الجازولين بخرطوم من برميل كبير, شُرق بالجازولين ودخل إلى رئته. تجبنت الرئة حسب إفادة الأطباء بهذا المصطلح الطبي. حاولوا إنقاذه, ولكن الموت كان أسرع من جهودهم, وبلغني الخبر فتذكرت ذكاءه الوقاد, وقصة ذلك الصبي مع أبي العلاء المعري, وعجبت كيف لم أستفد مما قرأت وعلمت.

نعود إلى موضوعنا, فالعنوان يوحي لكل سوداني له إلمام متواضع بالأدب والثقافة, أنني ربما أود الحديث عن شاعر سوداني كبير هو الأستاذ "إدريس جماع", فعنوان ديوانه كذلك, ووددت فعلاً أن لو كان حديثي هذا عن ذلكم الشاعر الرقيق المرهف المشاعر والأحاسيس, والذي عاش معلماً للغة العربية بالمدارس الثانوية بالسودان, وكان من فحول المعلمين. لم يحتمل على ما يبدو الحياة وتقلباتها وآلامها وما فيها من تجاذبات وتناقضات, فقضى آخر عمره بمصحة للأمراض العقلية, تاركاً إرثاً خالداً باقياً من شعر قلما يجود به الشعراء من رصفائه ومن مبدعي الكلمة المنظومة. ورغم ذلك لم يلقَ حظوة على المستوى العربي والعالمي, ولعل مرجع ذلك يعود إلى إعلامنا البائس المهترئ في ذلك الزمان وإلى وقت قريب. ولعل عام 2005 أن يستغل استغلالاً جيداً للتعريف بفحول الشعراء السودانيين الذين لا يقلون شأواً ولا شأناً عن غيرهم ممن ذاع صيتهم وجاب الآفاق, بل ولعلهم أفضل منهم, فلطالما قلت أن التيجاني يوسف بشير كان أعمق تجربة وأرجح فلسفة من أبي القاسم الشابي التوزري المشهور من تونس الشقيقة, وكلاهما عاش في نفس الحقبة ومات بذات الصدر وفي نفس العمر. ولم يجد التيجاني عناية إلا محدودة من أخوتنا المصريين, فقد كتب عنه المرحوم الدكتور عبد المجيد عابدين, وقد عمل بجامعة الخرطوم كتابه التيجاني شاعر الجمال, وسمعت أن هناك كتاب آخر كتب عنه ولكنه لم يصادفني حتى تاريخه, ولعلي أجزم أن التيجاني كان فيلسوفاً كبيراً ومجّد الجمال كثيراً:

من عدم لعدم ومن عناء لرهق

هذه كانت نظرته عن الروح. أما الجمال فقد رآه بعيون فاحصة:

وعبدناك يا جمال وصغنا لك أنفاسنا هياماً وحبا

وحبوناك ما يزيد معناك وضوحاً وأنت تفتأ صعبا

ومثال آخر لشعر حبه وتعلقه بالجمال:

آمنت بالحسن بردا وبالصبابة نارا

وبالمسيح ومن استظل به واستجارا

إيمان من يعبد الحسن في عيون النصارى

ترى ماذا كان سيقول لو حضر عهد الفضائيات وما تقدم من ذوات خدود وقدود ونغز جميلة, أتراه كان يزيد إبداعاً أم يتقزز لما يلقى من تجارة جسد مثلي؟

ومن المؤسف ألا يعلم عالمنا العربي شيئاً عن شاعر العروبة عبد الله عبد الرحمن الضرير ولا عن شعر الشيخ عبد الحميد العباسي, أو شعر قامة ضخمة مثل أحمد محمد صالح على سبيل المثال لا الحصر, وإن برز ربما فقط عملاق وعلامة هذا العصر في اللغة العربية وأشعارها وسير وأخبار العرب البروفيسور عبد الله الطيب (رحمه الله), وذاع صيت القاص السوداني الطيب صالح ربما لظروف أحاطت بما تقلد من وظائف, وعرف العالم من حولنا قلة من الشعراء المحدثين لما لهم من نشاط ذاتي وملاحقة للمنابر والفضائيات وصلات ربما شخصية بالآخرين, وإلا فلماذا لا يشتهر كاتب قصة كبير مثل إبراهيم إسحاق إبراهيم, وله عدة قصص بدأها بكتابه (حدث في القرية) طبعته مطابع جامعة الخرطوم وهو من أرقى القصص العالمية, ثم أتبعه بكتابه (أعمال الليل والبلدة) وعدة قصص أخرى, وقد كان لي شرف تقديمه لأول مرة للقراء على صفحات جريدة الأيام السودانية على ما أتذكّر عام 1969 في ملفها الثقافي.

ومن المؤكد أني جئت أكتب عن لحظات خالدة باقية في نفسي لا علاقة لها بالآخرين والشعر والشعراء والأدباء, لحظات يمازج فيها الحزن الفرح أحياناً أو تكون فرحاً صرفاً أو ألماً صرفاً, وما أكثر مثل هذه المواقف لرجل عاش ستة عقود بالتمام والكمال ودخل في عقده السابع تقريباً, ولكنه يعيش للعلم بقلب ابن العشرين أو أصغر قليلاً. فربما تفكر متطوعة في خطبتي دون أن أتحمل نفقات مالية, ففاقد الشيء لا يعطيه, وأذهب إلى أبعد من ذلك فأؤكد أن بيني وبين المال عهد وميثاق, لا يصل يدي ولا أقتنيه أو ألامسه, والمعاهدة سارية المفعول, وأخاف أن أنكص بها فتهاجمني قوة عظمى تقضي علي في طرفة عين, أو توعز للسيد كوفي عنان بعرض أمري على ما يعرف بمجلس الأمن الذي أصبح لا شغل له إلا إرهاب الآمنين في كل صغيرة وكبيرة. ومثل هذا الشيخ لابد أن يكون قد حلب الدهر أشطره كما تقول العرب, أحياناً يعبر عما في ذاته باقتدار وجرأة وإقدام وأعجب لذلك, وأحياناً يمسك في حكمة قل أو في جبن, أو ليس الجبن والخور والضعف يسمى في هذا الزمان حكمةً ورشداً؟

حقيقة أنا كثير التردد وأتمتع بقلق كبير في أمور لا تستحق قلقي ولا فزعي, ولكني أتفاجأ بمواقف لي كأنما أملك فيها قلب أسد وأعجب لذلك, ولست من المصارعين أو من يميلون للمصادمات ولا أحب أذى لأحد ولو كان خصماً، إذ أنني أعتقد أنني آدمي ولست من فصيلة الثعابين ولا العقارب, فحب الأذية من طباع العقرب, وأستغفر الله إن آذيت بشراً, من المؤكد دون قصد مني. يصيبني الإحباط تارة, خصوصاً في زمان الحزن والأسى العربي هذا, فأقرر التوقف عن الكتابة, ويمسني اليأس فلا أرى جدوى للكتابة, وأردد في نفسي:

لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي

حتى جعلت عنواني على الإنترنت الذي يراه الناس, جريض الإلهام, جد رهام ووئام, ورهام ووئام حفيدتان لي من بنتي الكبرى وابني الكبير, ولكن لفظ جريض يعني الهم والغصص, وقد استخدمها عبيد بن الأبرص عندما قابل الملك النعمان وكان ملكا للعراق, ومعروف أن له يومان: يوم سعد يغدق فيه على من يلاقيه, ويوم نحس يجز فيه الرقاب. ومن سوء حظ عبيد أنه لاقى النعمان في يوم النحس, فقال له النعمان بعد أن عرف أنه عبيد الشاعر: أنشدنا, وكان عبيد خائفاً من القتل فأجاب: حال الجريض دون القريض. فسارت مثلاً تماماً مثل قولة الشنفرى في أسر بني سلامان في موقف مماثل: إنما النشيد على المسرة, وإن قتل الشنفرة ونجا عبيد. بالمناسبة لم يكن عبيد شاعراً في بداية أمره, وصدف أنه وأخته مي كانا يرقدان تحت ظل شجرة, ومر عليهما أعرابي سليط لسان, فأنشد عنهما قوله:

ذاك عبيد قد أصاب ميا

ياليته ألقحها صبيا

فحملت فولدت ضاويا

غضب عبيد لما سمع وسعى لإجابته, وقد نبغ في الشعر على ما يبدو بعدها حتى كانت له معلقته العاشرة الشهيرة, وذلك لا يتأتى لشاعر غير مقنع لعرب بلاغتهم كانت عالية, ولكن ما يحيرني أن العرب كانوا يعرفون أن الزواج من الأقارب ينتج عنه الولد الهزيل الضعيف, وتلك حقيقة علمية أثبتها العلم الحديث.

قلت أزهد عن الكتابة وللعجب بومضة صغيرة تبدو هنا أو هناك, يعاودني حنين إلى الكتابة ثانية, فالكتابة قدر وصرعى ومرض ولا مناص للنزوع عنهم, فما يملك النيل تغييراً لمجراه, ورأيت إرضاءً لمن يقرأ مقالي من الأخوة السودانيين أن أحقق حدسهم إلى حد يسير في إلقاء بصيص ضوء على صاحب ديوان (لحظات باقية) أستاذنا الكبير إدريس جماع, وذلك قبل أن أدخل في خضم لحظاتي الشخصية الباقية.

هو مؤلف نشيد:

أنت حر فامش حرا تحت خفق العلم

وقلنا إنه كان مفرطاً في أحاسيسه, مثالياً إلى درجة كبيرة, ومن يدري فلعل تلك العوامل ساهمت في نهايته المأساوية:

ماله أيقظ الشجون فقاست وحشة الليل واستثار الخيالا

ماله في مواكب الليل يمشي ويناجي أشباحه والظلالا

هيّن تستخفه بسمة الطفل قوي يصارع الأجيالا

خلقت طينة الأسى وغشتها نار وجد فأصبحت صلصالا

ثم صاح القضاء كوني فكانت طينة الأسى شاعرا مثّالا

ومن أجمل قصائده (أنت السماء) التي تغنى بها المطرب السوداني المعروف المرحوم سيد خليفة المعروف بأغنيتي (المامبو السوداني) و(إزيكم... كيفنكم), ومنها:

أعلى الجمال تغار منا ماذا عليك إذا نظرنا

هي نظرة تُنسى الوقار وتسعد الروح المُعنّى

أنت السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنا

ولو لم يقل غير البيت الأخير هذا لكفاه وأغناه. وللناس فيما يرون مذاهب, ولولا اختلاف الذواق لبارتْ السلع. ورغم ذلك كله فيقيني أن الجميل يظل جميلاً مهما اختلفت وذهبت الأذواق والمشارب كل مذهب وكل اتجاه.

لست مؤمناً بأن النفس أولى من الصاحب, فذلك فيه الكثير من الأنانية المفرطة, فأين هذا القول من الإيثار وإنكار الذات؟ ولكني على كل حال جلست لأكتب عن لحظات تخصني لا عن شيء آخر. وإشفاقاً على القارئ الكريم وعدم إرهاقه, سأنزع إلى خلط اللحظات بين مر وحلو, ولولا تمازجهما لما استقامت الحياة, وقد قالها قبلي عميد الأدب العربي الراحل (يرحمه الله), فلو استمرت الحياة على وتيرة واحدة لسئمنا ولما أصبح لها معنى, فلابد من المرض لمعرفة قيمة الصحة, ولابد من الجوع لنعرف قيمة الغذاء, ولابد من الحزن لنقف على ضرورة الفرح, وهكذا تستمر الحياة, التي أبدع خلقها قادر مقتدر بعناية ودقة وتناغم وانسجام تؤكد وحدانية الخالق.

أبدأ بلحظات حزني الأول الكبير حينما مرض أبي (يرحمه الله) مرضه الأخير ويلاقي رباً كريماً في منتصف ديسمبر عام 1958, وكنت حينها بض الأنامل ولا أعرف عن الحياة كثيرها أو قليلها. كنت مقرباً منه جداً, فأنا أحمل اسم أبيه ولعل الرجل كان يجد في عوضاً عن والده الذي رحل, مثلما أطلقت أنا اسم أبي على ابني الأول الدكتور إبراهيم. اشتدت على أبي وطأة المرض وبدأ ينازع في لحظاته الأخيرة, وتوافد أهلنا وأهل قريتنا الطيبون يعودونه. كان يرقد في الصالة الوحيدة البائسة بمنزلنا. استدعت أختي الكبرى لأبي (يرحمها الله) ويرحم أخواتي التسعة بما فيهن توأمتي, بالإضافة إلى شقيقي الأصغر أخي الأكبر مني سناً بثلاث سنوات فقط, وهو من بقي على قيد الحياة بجانبي, أقاسمه ويقاسمني ظُلَم الحياة وظُلْمها. وأذكر أنها قالت له أن أبانا يموت ولا يجوز أن يترك تحت الأنظار هكذا, وعلينا أن ننقله إلى الحجرة الوحيدة المجاورة للصالة, ولا يدخل عليه إلا المقربون. كانت الأخت حكيمة عاقلة واشتهرت بذلك. سمعت منها ذلك القول. صرخت في وجهها لأول مرة في حياتي ودعوت لها بالموت لا أن يموت أبي. تأثرت جداً وأجهشت بالبكاء, وأخذ أخي يواسيها ويلاطفها بأني صغير سن ولا أقصد وغير مسؤول وانتهرني بعض الشيء. أجابته بأنها تبكي علي لأني غشيم ولا أعرف شيئاً, ولا تبكي غضباً مني. عندها تأثرت على ما صدر مني, ولكني توجست شراً من الأيام القادمة.

وفي صباح يوم الاثنين الموافق 15/12/1958, وبينما كنت أجلس مع شقيقي بفناء البيت نسعى للدفء بحرارة الشمس من برد شمال السودان الصحراوي الجاف البارد جداً, خرجت علينا أختنا الكبيرة لتقول أن الوالد مات. أسرعت مهرولاً للخارج لأرجع أخي الأصغر الذي كان ينوي الذهاب للمدرسة فقد كان بالصف الأول الابتدائي, وكان إن وجدنا نبكي يبكي, وإن أمسكنا عن البكاء أمسك. ولصغر سني فقد حاولت رثاء أبي بقصيدة كانت موزونة, ولكن معانيها طبعاً لا تزيد عن معاني ذلك السن المبكر, ولا أذكر منها إلا بيتاً واحداً الآن:

مات الذي قد كان يملأ دنيتي ويحبني حب الحياة لجاهل

ولا أذيع سراً, فقد بدأت منذ وفاة أبي أفكر في الموت والحياة, مرجحاً فكرة الموت وفلسفته على الحياة, وإن كنت أخاف كثيراً من الموت, وبالتحديد ما قبل الموت: المرض, فهو كما يقول العقاد فيه الكثير من إذلال المرء وإخراجه عن وقاره واتزانه, ولذلك فإن معظم دعواتي لله أن يكون موتي كما يقولون: من قوة لهوّة, أي من قوة لقبر بلا مرض. وبالمناسبة لا أنسى اللحظة التي وصلني فيها فجأة موت أخي الأصغر بذبحة صدرية لم تمهله لا كثيراً ولا قليلاً, وكان على سفر. حاولت جاهداً أن أعتبر الأمر عادياً وألا أبكي كابتاً مشاعري مصلياً قارئاً للقرآن منذ عدت من رحلة قريبة إلى المنزل في منتصف النهار, وحتى التاسعة مساءً, حيث انفجرت باكياً وأنا أستقبل هواتف السودان التي تعزيني, وعشت شهوراً عصيبة بعده. ولعل قصيدتي (ذكرى) في رثائه بعد معاناة شهرين من وفاته, جاءت صادقة تحمل من المعاني ما قدمني لكثير من القراء ممن لهم وزن أدبي مرموق ومواقع مميزة في الحياة, سعوا على التعرف علي لما أعجبتهم معانيها ومشاعرها الجياشة وكانت مقنعة لهم.

ويجدر بي أن أخرج من هذا الجو الكئيب إلى موقف آخر سجل لحظة لا تنسى في حياتي, فقد صدف أن امتحنت الشهادة السودانية التي كان لها ارتباط وثيق بجامعة كمبريدج ببريطانيا, وكانت شهادتي تجمع بين المواد الأدبية من لغة عربية وإنجليزية وتاريخ والمواد العلمية, رياضيات أولية وإضافية وعلوم عامة وإضافية, وكان لنا حق اختيار المواد التي نمتحن فيها بحيث لا تقل عن ست مواد ولا تزيد عن تسع. وبقبولي بجامعة الخرطوم ولظروف سبق أن تحدثت عنها لم أستطع الالتحاق بكلية القانون إرضاءً للمرحومة الوالدة التي كانت تخشى علي من لقاء الله ظالماً في مجال القضاء أو المحاماة. وكان عندي عزوف عن كلية الطب لأن قلبي لا يحتمل حتى الآن رؤية مريض يقاسي الألم وسكرات الموت ولا تطيب نفسي لرؤية الدم والقيح وإجراء العمليات الجراحية. أما الهندسة فهي طبيعة عمل لا تتفق وشاعر يتعامل معها في حر وغبار وعرق, فكان علي أن أتجه مكرهاً إلى كلية الاقتصاد رغم عداوتي مع المال وجفاء دنيا الأعمال لي. وظل البروفيسور المصري (حنين) يكثر الحديث في دنيا منهجه, بينما وجدت نفسي لأسبوعين كاملين بلا تركيز, ويعلم الله لم أستفد ولم أعِ حرفاً واحداً, لا لضعف ولا لقلة علم المحاضر, حاشا, ولكن لأنني في الأصل كنت موجوداً داخل حجرة المحاضرات جالساً على المدرجات جسداً بلا ذاكرة ولا عقل ولا قلب. كنت أهوّم في عالم بعيد عن المحاضرة والحجرة ذاتها. كان المحاضر في وادٍ وكنت في وادٍ آخر تماماً, وكان الواديان متوازيين لا يلتقيان ولا في الخيال.

كان ذلك هو الحال حتى اضطررت لتغيير مسار حياتي والالتحاق بالتربية لدراسة الرياضيات لأتخرج معلماً بالمرحلة الثانوية. وأشهد أني سعدت بالإقامة بالقسم الداخلي النظيف, عمارة من جملة عمارات للأقسام الداخلية, وكانت الوجبات الثلاثة بدرجة خدمة فندقية خمسة نجوم, الأكل بالشوكة والسكين وأطباق من لحم أو سمك وحلويات أو فواكه مع توافر الشوربة, يعني آخر فنطازية.

ومما يحضرني أني عندما حضرت في البداية إلى القسم الداخلي, طلب مني أحد المشرفين الإيصال المالي رقم (15), وهو إيصال تحصيل رسمي لمبلغ خمسة جنيهات أمنية كتب ومقتنيات الجامعة التي أستفيد منها خلال فترة دراستي, بالإضافة لمبلغ نصف جنيه سوداني رسوم اتحاد الطلاب, كان المبلغان يسددان في وصل واحد. قلت له بأني لم أدفع, فأخطرني بأنه لا يستطيع إلحاقي بالقسم إلا بالإيصال أو مقابلة عميد الطلاب ليكتب لي إذناً خاصاً إن اقتنع بظروفي. وكان عميد الطلاب حينها البروفيسور المشهور الفيلسوف المرحوم "جعفر محمد على بخيت", اشتهر بالعمل الإداري الحاذق, واشتهر أكثر حينما تعاون مع "جعفر النميري" وزيراً, وكان فيلسوف الوضع وجاء بفكرة الترقي بالزانة دون الالتزام بالأقدمية, وإنما الكفاءة هي المعيار الأوحد, ولا شك أن الفكرة جيدة وقد استفدت أنا شخصياً منها, إذ ترقيت مرتين في عام واحد حينما أجاز مجلس الوزراء كسر حاجز القيد للترقي لعدد من معلمي مواد الندرة الرياضيات والإنجليزي والعلوم, مما جعلنا نرأس حتى من درّسونا في المدرسة الثانوية.

ذهبت إلى مكتب عميد الطلاب وطلبت مقابلته. كان على ما يبدو على وشك الخروج من المكتب, ولإلحاحي تمت الاستجابة لطلبي. دخلت عليه. كان واقفاً. قلت له بأن مشرف القسم الداخلي رفض إدخالي إلا بعد إبراز الإيصال المالي أو بورقة منك, أما عن دفع المبلغ فلا أستطيع لظروف الفقر واليتم. فأجابني: ولكن القانون هكذا لا يسمح, فقلت له بأني أستحق أن تدفع لي إعانة مالية للنثرية والكسوة, لا أن تؤخذ مني نقود. فقال لي: إن شاء الله سنعطيك الإعانة فيما بعد, ولكن الآن ادفع المبلغ المقرر! أخبرته بعدم قدرتي على دفع المبلغ واستحالة ذلك, فقال لي: وما الحل في نظرك؟ أجبته: تقرر لي إعانة مالية تخصمون منها الرسوم المقررة وتعطوني الباقي! وفوجئت بالرجل يقول لي بحماس بالغ وإعجاب بالإنجليزية:YOU ARE VERY GENIUS, كررها مرتين ووعدني خيراً, وكتب لي أمراً بالبقاء بالقسم الداخلي. ومن لطف الله أنه لم يراجع كشوف من دفعوا, فقد كان اسمي ضمنهم, إذ كتبت الجامعة لوليّ أمري بقبولي بكلية الحقوق وطلبت تسديد المبلغ, فأرسل لهم به شيكاً. لم أكن أعلم ذلك وما علمت به إلا بعد أن تركت الجامعة والتحقت بالتربية وأرسلت خطاباً لوليّ أمري أخطره بما فعلت, فرد علي في استياء بالغ, بأن الأمر يخصني وحدي, وكان علي أن أستشيره قبل أن أقدم على هذه الخطوة لا بعد تنفيذها, وذكر لي ضمن جوابه بأن علي أن أسترد من الجامعة الشيك المدفوع. كان الرجل (يرحمه الله) يريد لي أن أعمل بالقانون وبالتحديد محامياً ومهما كلف الأمر.

ذهبوا وبقيت بعدهم أجتر الذكريات... وهكذا تسير الحياة:

يدفن بعضنا بعضا ويمشي أواخرنا على هام الأوالي



Post: #9
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: عبدالغفار محمد سعيد
Date: 05-14-2006, 10:55 AM
Parent: #1

الاخ Kamel mohamad

شكرا لهذا البوست الجميل

سانتظر المزيد من شعر الشاعر العبقرى

الراحل إدريس جماع

كل الود

عبدالغفار سعيد

Post: #10
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-14-2006, 11:10 AM
Parent: #9



ان حظي كدقيق فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمـــــعوه
صعب الامر عليهم الامر عليــــــهم
قال بعـــــض ادركـــــــــــــــــــــــوه
ان من اشــــــــــــــــــــــقاه ربــي
كيــــف انتـــم تســــــــــــــــــعدوه

















Post: #11
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-14-2006, 11:12 AM
Parent: #10



على الجمال تغــار مــنا **** ماذا عــلينا اذا نظــــــرنا
هى نظرة تنسى الوقـــار**** وتسـعد الروح المــعنى
دنياى انت وفرحتى ومنى**** ومنى الفؤاد اذا تمنى
انت السماء بدت لنـــــــــا****واستعصمت بالبعد عنا
هلا رحمت متيما عصــفت**** به الاشـــــــــواق وهنا
وهفت به الذكرى وطــــاف****مع الدجىمغناً فمغنــا
هزته منك محاسن غــنى****بها لمــــــــــــــــا تغنى
يا شعلة طافت خواطــــرنا**** حـــــــــــواليها و طفنا
انست فيك قداســــــــــة ****ولمست اشراقاً وفـــنا
ونظرت فى عـــــينــــــــيك****آفاقاً واســـراراً و معنى
جمع عهودك فى الصــــبا **** وسأل عهودك كيف كنا




Post: #12
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-15-2006, 11:57 AM
Parent: #11

.........

Post: #13
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-15-2006, 12:11 PM
Parent: #12

إدريس جماع :

(صوت الجزائر)ـ

يهتزُ وقعك في المشاعر

يا صوت أحرار الجزائر

لحن إذا مس الشعور

فكل من في الأرض شاعر

صوت تجمع في انبعاث

دويه صوت الضمائر

هيهات للمحتل

أن ينزاح إلا وهو صاغر

Post: #14
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-15-2006, 04:08 PM
Parent: #13

ان حظي كدقيق فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمـــــعوه
صعب الامر عليهم
قال بعـــــض ادركـــــــــــــــــــــــوه
ان من اشــــــــــــــــــــــقاه ربــي
كيــــف انتـــم تســــــــــــــــــعدوه




Post: #15
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-15-2006, 06:50 PM
Parent: #14

على الجمال تغــار مــنا **** ماذا عــلينا اذا نظــــــرنا
هى نظرة تنسى الوقـــار**** وتسـعد الروح المــعنى
دنياى انت وفرحتى ومنى**** ومنى الفؤاد اذا تمنى
انت السماء بدت لنـــــــــا****واستعصمت بالبعد عنا
هلا رحمت متيما عصــفت**** به الاشـــــــــواق وهنا
وهفت به الذكرى وطــــاف****مع الدجىمغناً فمغنــا
هزته منك محاسن غــنى****بها لمــــــــــــــــا تغنى
يا شعلة طافت خواطــــرنا**** حـــــــــــواليها و طفنا
انست فيك قداســــــــــة ****ولمست اشراقاً وفـــنا
ونظرت فى عـــــينــــــــيك****آفاقاً واســـراراً و معنى
جمع عهودك فى الصــــبا **** وسأل عهودك كيف كنا




Post: #16
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-19-2006, 11:54 AM
Parent: #15

...

Post: #17
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-19-2006, 11:55 AM
Parent: #15

...

Post: #18
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-21-2006, 11:35 AM
Parent: #17

ماله أيقظ الشجون فقاست وحشة الليل واستثار الخيالا

ماله في مواكب الليل يمشي ويناجي أشباحه والظلالا

هيّن تستخفه بسمة الطفل قوي يصارع الأجيالا

خلقت طينة الأسى وغشتها نار وجد فأصبحت صلصالا

ثم صاح القضاء كوني فكانت طينة الأسى شاعرا مثّالا


Post: #19
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: عشة بت فاطنة
Date: 05-21-2006, 01:01 PM
Parent: #18

حاجة غريبة
اي شاعر عبقري ينبغ في السودان ، يموت
ناقص عمر
تماما مثل الشابي ن رغم عباقرة الغرب
يعمرون
هل للاستعمار يد في بؤسهم وشقاهم
كما حدث للتجاني ومعاوية وادريس جماع
شكرا يا كامل لهذا الشعر الجميل وهذا
الشاعر الفلتة
واصل

Post: #20
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: saif massad ali
Date: 05-21-2006, 01:18 PM
Parent: #18

ربيع الحب لجماع

في ربيع الحب كنا نتساقي ونغني
نتناجي ونناجي الطير من غصن لغصن
................................ثم ضاع الامس مني
................................وانطوت في القلب حسرة
اننا طيفان في حلم سماوي سرينا
واعتصرنا نشوة العمر ولكن ما ارتوينا
انه الحب فلا تسال ولا تعتب علينا
كانت الجنة ماوانا فضاعت من يدينا
................................ثم ضاع الامس مني
................................وانطوت في القلب حسرة
اطلقت روحي من الاشجان ما كانسجينا
انا ذوبت فؤادي لك لحنا وانينا
فارحم العود اذا غنوا به لحنا حزينا
................................ثم ضاع الامس مني
................................وانطوت في القلب حسرة
ليس لي غير ابتساماتك من زاد وخمر
بسمة منك تشع النور في ظلمات دهري
وتعيد الماء والازهار في صحراء عمري

ثم ضاع الامس مني وانطوت في القلب حسرة

Post: #21
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-23-2006, 02:34 PM
Parent: #20

الخالة عشة بت فاطنة:

لك التحية والتقديرـ

وشكرآ علي المرور الكريم

Post: #22
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-23-2006, 02:36 PM
Parent: #21


الأخ سيف مساعد علي عوج الدرب:

كفارة وماتشوف شر إن شاء الله وحمدآ لله علي سلامتك وأشكرك علي هذه القصيدة الجميلة ورجائي بنشر المزيد

Post: #23
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: saif massad ali
Date: 05-23-2006, 02:53 PM
Parent: #22

كامل محمد

شكر ليك كتير


اها دي الشاعر شعر جماع غناء الكابلي


ماله ايقظ الشجون فقاست وحشة الليل واستثار الخيالا
ماله في مواكب الليل يمشي ويناجي اشباحه والظــــلالا
هين تستخفه بسمة الطفـــــل قـــــوي يصارع الاجيالا
حاسر الرأس عندكــــل جمال مستشف من كل شئ جمـــالا
خلقت طينة الاسي وغشتها نار وجد فـــاصبحت صلـــصالا
ثم صاح القضاء كوني فكانت طينة البؤس شاعرا مــثالا


املي ان تنال اعجابك

Post: #24
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: Kamel mohamad
Date: 05-23-2006, 04:55 PM
Parent: #23

شكرا لك

Post: #25
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: محمد بهنس
Date: 05-23-2006, 06:01 PM
Parent: #24

Quote:
ماله أيقظ الشجون فقاست وحشة الليل واستثار الخيالا

ماله في مواكب الليل يمشي ويناجي أشباحه والظلالا

Post: #26
Title: Re: قراءة في ديوان الشاعر العبقري الراحل إدريس جماع
Author: محمد بهنس
Date: 05-23-2006, 06:22 PM
Parent: #25

للذاكرة خدع عجيبه مع الزمن,لماذا احفظ هذا المطلع هكذا:
ماله ايقظ الشجون وقاسى وحشة الليل واستثار الخيالا?
.. .. ..
.. .. ..
.. .. ..
دون شك,هذا بوست باقية لحظاته في وجداننا الجمعي,فكلنا نحفظ:
" ادريس جماع شاعر ولد بحلفاية الملوك".
..
..
كان مختلفا,له خصوصية واحساس نهر النيل,مهذبا كمن هو من القمر,كما يحكون عنه,رحمه الله واخذه بالحسنى.
..
شعره عميق دون جفاء,وحسه مرهف طليق مثل عصفور هام في السماء لايلوي.
ادريس جماع..
اسم كتب في هامة الشعر,احب مصر وسافر الى لبنان,وكان يعتريه احيانا ذهول
من خلق الطبيعة,فتحسه يتحنث متعبدا, دليله الجمال والمحبه,ففنه من نوع الفنون الموحية,ونحن نعلم ان هناك فنانين توحدوا مع فنهم بايمان عميق,وتركوا
اثرا تحوليا في فنون بلدانهم,ادريس جماع واحد منهم.
..
..
لك تحية من القلب عزيزنا كامل
وشكرا ليك

Post: #27
Title: قيثارة الانسانية.........جمـــاع الانسان
Author: Siddig A. Omer
Date: 05-25-2006, 02:17 PM
Parent: #26

أنت انسان بحق و انا
بين قلبينا من الحب سنا
كل يومٍ صور على الطريق
تزحم النفس بها ثم تفيق
ليس ما هزك حساً عابراً
انه فى النفس احساسً عميق
انه انسانية قد وصلت
كل نفسُ بك بربط وثيق

*******
فاذأ رايت الشيخ برعاه السقم
أترى فى النفس شدوً من نغم؟؟؟
أم الى نفسك يمتد الالم؟؟؟

أنت انسان بحقٍ و أنا

*******

فاذأ ما سقط الطير جريح
وهو مخضوب على الارض طريح
يضرب الارض بريش و ويصيح
و حوله "زغبٌ" من الطير تنوح
قترفقت و تلمست بجنبيك الجروح

فأنت انسان بحقٍ و روح


رحم الله أدريس جمــاع الشاعر الانسان..رحمةً واسعة و اسكنه فسيح جناته ..انشاء الله

Post: #28
Title: Re: قيثارة الانسانية.........جمـــاع الانسان
Author: Kamel mohamad
Date: 05-27-2006, 00:09 AM
Parent: #27

قيثارة الانسانية.........جمـــاع الانسان

Post: #29
Title: Re: قيثارة الانسانية.........جمـــاع الانسان
Author: Hisham Ibrahim
Date: 05-27-2006, 03:20 AM
Parent: #28

اخوتي
كم جميل هذا الكلام والشعر العميق المعاني
وهو القائل:
بين الجنون والعبقرية شعرة!!

الرحمة له ولذويه وعزائنا شعره الباقي بيننا، نجد فيه كل يوم معنى جديد وعمق شعري فريد!!
وستظل لحظاته باقية فينا ما دام شعره بيننا!

هشام ابراهيم

Post: #30
Title: Re: قيثارة الانسانية.........جمـــاع الانسان
Author: Kamel mohamad
Date: 05-27-2006, 04:10 PM
Parent: #29

قيثارة الانسانية.........جمـــاع الانسان

Post: #31
Title: Re: قيثارة الانسانية.........جمـــاع الانسان
Author: Kamel mohamad
Date: 05-29-2006, 06:57 PM
Parent: #30

,,