مدينة حالمة وصرح تداعي

مدينة حالمة وصرح تداعي


04-18-2005, 02:58 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=6&msg=1113832724&rn=0


Post: #1
Title: مدينة حالمة وصرح تداعي
Author: نزار باشري ابراهيم
Date: 04-18-2005, 02:58 PM

الزمان خريف 1987
مدينة في الذاكرة وصرح شامخ تدآعي من الداخل تلك هى مدينة بابنوسة الجميلة وجنة الله فى الأرض كسائر الجنان فى رحاب عازة الأنيقة والصرح الشامخ الذى تدآعى من الداخل هو مصنع ألبان بابنوسة سابقاوسحن الكركدى حاليا
يومها فرحت أسرتى كثيرا إذ تمكنت من الإنتقال إلى المرحلة الثانوية بنجاح رغم عدم إكتراثى بدروسى وإلحاح أسرتى المتواصل وحثهم لى على الاجتهاد أكثر والتحصيل وتنظيم وقتى ما بين المذاكرة واللهو ولعله بعد ذلك النجاح سمحت لى الأسرة بزيارة تلك المدينة البعيدة يومها فقط أحسست بان
دائرةالحريةفى محيط أسرتى بدأت تتسع لى شيئا فشيئا ويومها لا أكذبكم القول شعرت بأننى قادر على
تحمل المسوؤليه حزمت أمتعتى وتوجهت صوب تلك المدينة مستقلا قطار نيالا والذى إمتلأ على آخره لم
يترك القوم فية مجالا لمرور الأفراد حتى سطح القطار قد أسرج تماما ثمة أمرغريب لفت نظرى ربما لم نعتاده نحن من قبل وهو إعتلاء النساء لسطح القطار كانت رحلة جميلة وشاقة أيضا, فالقطار فى سيرة نحو تلك المدينة البعيدة كثيرا ما يفأجأ بأن قضبانه قد أزيلت بفعل السيول والأمطار الغزيرة كنا نتوقف فى بعض المحطات لأيام حتى ادركنا المدينة ذات صباح جميل حيث إستغرقت رحلتنا ثمانية عشر يوما ليس فى وسعى أنأ أصف لكم جمال تلك المدينة فقد كان شيئا فوق الوصف والخيال جمال ساحروطبيعة خلابة يوازى سحر الطبيعة إن لم يكن يضاهية فى القرى النيلية والتى يضفى عليها النيل شيئا من الحسن فمدينة بابنوسة باحيائها الرائعة وفى فصل الخريف تحديدا ما هى إلا روضة من رياض الارض مساحة من الخضرة والجمال على مد البصر وقوائم متينة فى الارض من أشجار الدليب والفافا وكل خيرات الدنيا التى تعتمر بها منطقة القشارات بالإضافة إلي الفول السودانى والذى يعشقة إخوة لنا فى شمال الوادى أكثر من عشقهم للحوم الخريف فى تلك المدينة له طابع مميز فالشمس كأن لاوجود لها والأرض تضحك تعطشا فيبكى الغمام ويجود بماء المزن الطاهر ليسقى كل مكان ويروى كل بادية صبوح قامت على تخوم تلك المدينة الحالمة الشى الذى يميز بابنوسة عن سائر مدن السودان أنه وعلى أسطح منازلهاأقيمت موانع الصواعق حتى يتسنى لأهل تلك الديار أسبابالسلامة والعيش فى أمان فصوت البرق والرعد كأنه إيذانا بقيام الساعة إلا أنه شى تعوده أهل بابنوسة الجميلة
صباح يوم رائع ساقتنى فيه الخطى صوب صرح ألبان بابنوسة وما أن أدركته حتى شعرت بالأسي ,فالمصنع ضخم جدا فى بنائه ورائع فى تنسيقة لابد أن ميزانية ضخمه وضعت لتاسيسة شارك فيها جميع أفراد هذا الشعب لكى يكتفوا فى الغد من ألبانه فالشعور بالأسي والحزن نتاج توقف هذا المصنع عن العمل
وتحويلة إلي مؤسسة باهتة متمثلة فى سحن الكركدى أدركت حينها إن إنشاء هذا المصنع قد تم
عشوائيا ودون دراسه تكفل له النجاح على أدني مستوى وربما أن الذين فعلوا ذلك سعو إلي المجد أكثر من الموضوعية فالوقوف عليه يمنحك إحساسا غريبا مفاده أن جل مؤسساتنا قد نمت عشوائيا أو
قامت إن صح التعبير وأن المشاريع التى تنجز الآن تشعرك بالتخوف إذ أن آثار مصنع بابنوسة لا تزال قائمة بعد
لم يمضى كثير من الزمان على وجودى فى تلك المدينةحتى عدت أدراجي أحمل ذكريات مدينة جميلة وصرح قد تداعى وتحول لاطلال ليس إلا