الإقصائيون سر محنة الأمة......................د. محمد عبدالملك المتوكل

الإقصائيون سر محنة الأمة......................د. محمد عبدالملك المتوكل


04-16-2005, 10:24 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=6&msg=1113686648&rn=0


Post: #1
Title: الإقصائيون سر محنة الأمة......................د. محمد عبدالملك المتوكل
Author: Omar
Date: 04-16-2005, 10:24 PM

الإقصائيون سر محنة الأمة......................د. محمد عبدالملك المتوكل

الإقصائيون يميناً، والاقصائيون يساراً، الإقصائيون تسلطاً، والاقصائيون تأدلجاً، جميعهم يرفضون الآخر سواء من منطلق احتكار السلطة، أو من منطلق ادعاء امتلاك الحقيقة.
وإذا ما اضطر الاقصائيون لرفع شعار الحرية والمشاركة تحسيناً لصورتهم خارج وطنهم فإنهم يقصرون انفتاحهم على من يتفق مع توجهاتهم ومن يقبل السير في فلكهم.
الرأي الآخر في مفهوم الاقصائيين هو ذلك الذي لا يتناقض مع رأيهم وإنما هو الذي يعبر عن نفس الرأي ولكن بصياغة أخرى.
ممارسة الحقوق الدستورية التي لا تتفق مع توجهات الاقصائيين السلطويين تعتبر في نظرهم تخريباً وعمالة وتآمراً وتجاوزاً للدستور والقانون يستحق أصحابها القتل والتشريد والسجن وصواريخ سام. والاجتهاد الذي يتناقض مع اجتهادات الاقصائيين المؤدلجين هو كفر، وإلحاد، ووثنية وخروج عن الثوابت.
تنص الدساتير على حرية الناس في معتقدهم وحريتهم في التعبير عنه وحريتهم في ممارسته سراً وعلانية جماعة وفرادى، وتلتزم الأنظمة الاقصائية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبكل القوانين الدولية المتعلقة بهذه الحقوق، ومع ذلك تمارس التمييز بين مواطنيها وتقوم بسجنهم لسنوات، من دون محاكمة، ويطارد البعض لممارستهم لاجتهاداتهم ومعتقداتهم، وتصادر كتبهم ووثائقهم ويحرمون حتى من حق المحاكمة العادلة، ويقصون من وظائفهم ويهمشون داخل مجتمعهم، وحين يرفضون الاستضعاف يقابلون بالويل والثبور وعظائم الأمور، وحين تتحرك المنظمات الدولية، وتستغل الفرصة قوى الهيمنة الخارجية ينبري المتزايدون للعن المظلومين والمقهورين يتهمونهم بالخيانة الوطنية والعمالة للقوى الخارجية لأن رفضهم للظلم أتاح الفرصة للقوى الخارجية.
حدث ذلك في أفغانستان وفي العراق وفي السودان وفي لبنان ويحدث اليوم في اليمن. لقد نسي هؤلاء المزايدون كل قواعد المنطق التي تؤكد على أن المقدمات تدل على النتائج. استبعد هؤلاء كل الأخطاء والسلبيات التي قادت إلى النتائج المحزنة وأمسكوا بالبردعة وتركوا الحمار.
لقد كان الاقصائيون السلطويون والايديولوجيون هم من صنع المقدمات وهيأ المناخ للتدخل الخارجي، ولو قبل هؤلاء الاقصائيون بالآخر شريكاً حراً مواطناً له كل حقوق المواطن دون اقصاء أو تهميش لما حدث ما حدث ولما وجد الطرف الخارجي مكاناً يتسع له، ولا مواطناً يقبل به، ولا مناخاً قابلاً لتدخله.
من الذي أوصل الأزمة في لبنان إلى الحد الذي خرج فيه الآلاف من أبناء لبنان يهتفون “حلوا عنا”؟ أليس الاستبداد وهيمنة الأجهزة الأمنية التي مارست التهميش والاقصاء مما أتاح الفرصة للتدخل الخارجي؟ من صنع مأساة دارفور وأزمة جنوب السودان؟ أليست الأنظمة الاستبدادية والاقصائيون والسلطويون والايديولوجيون؟ من الذي أدخل الجزائر بلد المليون شهيد في حرب أهلية مزقت المجتمع الجزائري وبددت إمكاناته وطاقاته وأخرت تقدمه وتطوره؟ أليست الدبابة الرعناء التي خرجت لتدوس على صناديق الاقتراع وتلغي إرادة الشعب الجزائري الذي صوت لجبهة الإنقاذ؟ سجون الكثير من الدول العربية تعج بعناصر تنتمي إلى تيارات مقصية ومهمشة ومحرومة من حقها في المشاركة السياسية أو في ممارسة اجتهاداتها الدينية.
هذه المناخات المقلقة في وطننا العربي تهيئ الفرصة للتدخل الخارجي وللضغط على الأنظمة والتي- للأسف- تقبل بالتنازل للقوى الخارجية وترفض التنازل لمواطنيها وشعوبها، لأن التنازل للمواطنين قد يكون على حساب جزء من سلطاتها وامتيازاتها، بينما التنازل للقوى الخارجية سيكون على حساب كرامة الشعب وسيادة الأمة وهي من الأمور التي يسهل على الحكام القبول بها.
الإقصائيون سلطوياً وايديولوجياً يساراً ويميناً هم محنة الأمة ونقطة ضعفها وسبب تمزقها، وأداة القوى الخارجية للتدخل في شؤونها، وأي محاولة لإلقاء اللوم على المستضعفين الرافضين للاقصاء والتمييز هي قول مجرد من المنطق والعدل وهروب من الإشارة الى مكمن الداء.
لا خيار لنا سوى أن نقف في صف الحرية كقيمة هي حق للجميع سواء نحبهم أو نكرههم يتفقون في اجتهاداتهم أو يختلفون، المهم أن تكون وسائلنا جميعاً ديمقراطية وجميعنا نحتكم إلى الإرادة الشعبية التي تفرزها الأغلبية عبر صناديق الاقتراع.
علينا أن نقف في صف الحرية والعدل ونرفض الاقصاء والتهميش لأي فئة وأن نعترف بالقنوع في إطار العدل الذي يرفض أن يكون الاختلاف الفكري أو السياسي سبباً في سلب حقوق المواطنة أو نقصانها، هذا إذا ما أردنا أمناً واستقراراً وتطوراً ومنعاً للقوى الخارجية من التدخل في شؤون أمتنا وكما يقول المثل المصري “امشي عدل يحتار عدوك فيك”.

* أستاذ العلوم السياسية وحقوق الإنسان
جامعة صنعاء