Post: #1
Title: جوهر عزلتنا ,, ترجمة ابراهيم سلوم,,
Author: Marouf Sanad
Date: 03-29-2005, 09:11 AM
هذه ترجمة للكلمة التي القاها الكاتب الكولمي غابريل غارسيا ماركيز , بالاكاديمية السويدية بمناسبة منحه جائزة نوبل للاداب 1982 , ترجمة الاستاذ ابراهيم سلوم .. وقد قمت بنقلها من موقع يارا نايل ..
جوهر عُزلتنا *
غابرييل غارسيا ماركيز
ترجمة : إبراهيم سلُّوم*
كتب أنطونيو بيجافيتا ، وهو ملاّح فلورنسي صحب ماجيلاّن في أولى رحلاته حول الأرض ، وعند مرورهم بالتخوم الجنوبية لقارتنا ، كتب ما يمكن أن يُوصف في مجموعه بمغامرة في الخيال . فقد دوّن أنه رأى خنازير لها سُرَر "جمع سُرّة " على أفخاذها . وأنه رأى طيورا دون مخالب تحمل الإناث منها بيضها على أفخاذها . وهي تشبه البجع عديم اللسان ، ولها مناقير كالملاعق . وقد كتب عن مخلوق لم يُولد بعد، له رأس وأذنا بغلة ، وهيئة كهيئة الجمل ، وله ساقا غزال ، أما صوته فصهيل خيل . وقد حكى عن أول رجل يرونه من السكان ، وكيف أن ذلك الوحش المهتاج فقد صوابه حينما رأى صورته لأول مرة في المرآة .
إن ذلك الكتاب الصغير والساحر في آن ، والذي شكّل البذور الأولى للروايات التي نكتبها الآن ، هو وبلا شك أكثر الحقائق سطوعا عن حقيقة واقعنا في تلك الأزمنة . لقد استطاع كتاب " مؤرخو الأنديز"(1) أن يجعلوا منا " آخرين" لا حصر لهم . فالدورادو (2) مثلا ، تلك الأرض المتخيلة والتي بُحث عنها بلا هوادة ، تبدو في العديد من الخرائط ولمدة عام كامل ، وهي تبدّل من مواقعها وأشكالها لترضي أخيلة رسامي الخرائط . وفي بحثه عن ينبوع الشباب الأبدي تجوّل الأسطوري الفارو نونيز دي فاكا بشمال المكسيك لمدة ثمانية أعوام في تجريدة ضالة ،إلتهم خلالها الرجال بعضهم البعض . ولم يستطع العودة منهم ، ومن عددهم البالغ ستمائة رجل ، سوى خمسة رجال . وإن من إحدى عجائب ذلك العصر تلك الأحدى عشر بغلة ، والتي بلغت حمولة كل واحدة منها مائة رطل من الذهب . والتي مكّنت كوزكو يوماً من دفع فدية "أتاهوالبا" (3) . ولم يستطع شخص حتى الآن ادراك ما كان من أمر مصيرها. وفيما بعد ، وفي العهد الاستعماري كانت هنالك أنواع من الدجاج تباع بأسواق كارتاخينا دي إنديز ، والتي أطعمت نوعا من التربة الطينية تجعل من حواصلها تحتوى على قطع صغيرة من الذهب. إن جشع المستعمرين في سبيل الحصول على الذهب ما زال يحاصرنا حتى الآن . فمع نهايات القرن الماضي، أوصت شركة ألمانية كانت تعمل في مشروع خط حديدي قاري عبر مضيق بنما ، أوصت الشركة بأن يتم تنفيذ الخط من الذهب وليس الحديد ، والذي يندر في تلك الأنحاء .
إن استقلالنا عن إسبانيا لم ينأ بنا كذلك عن طائلة الجنون . فالجنرال أنطونيو لوبيز دي سانتا آنا ، والذي حكم المكسيك ديكتاتورا ولثلاث مرات ، أقام جنازة مهيبة لساقه اليمنى والتي كان قد فقدها فيما عرف بحرب الفطائر . أما الجنرال غابرييل غارسيا دي مورينو والذي حكم الإكوادور ولمدة ستة عشر عام كحاكم مطلق ، فقد وُضِع ، عند وفاته وفي ليلة السهر على جثمانه ، على الكرسي الرئاسي في كامل بزته العسكرية تزينها طبقات من الميداليات . ثم الجنرال ماكسيمليانو هيريانذيز ديكتاتور السلفادور ذو الأحوال ، والذي وقعت في عهده مجزرة حصدت أرواح ثلاثين ألف فلاح ، فقد إخترع بندولا للكشف عن السم في طعامه . وقد كانت له مصابيح كتلك التي تضاء بها الطرقات ، وذلك لدرء وباء الحمى القرمزية . وأخيرا ، فإن تمثال الجنرال فرانسيسكو مورازان والذي ينتصب بالميدان الرئيسي لمدينة تيغواسيغالبا (4) فهو ليس سوى تمثال للمارشال " ناى" والذي تم شراؤه من إحدى المحال الباريسية لبيع التماثيل القديمة .
قبل أحد عشر عام وقف على هذا المنبر الشاعر الشيلي بابلو نيرودا . وهو واحد من فحول شعراء قرننا هذا . تحدث فأمتع جمهور هذه الجائزة بكلمته . يومئذ صُدِم الأوربيون حسنو النيات منهم ، وسيئوها على السواء ، بالفتوحات الأمريكية اللاتينية . ذلك العالم اللامحدود من الرجال الأفذاذ ، والنساء اللاتي بلغ بهن عنادهن المثابر حدود الخرافة . ومنذئذ لم ننعم قط بالراحة . فمن رئيس برومثيوسي (5) متحصن داخل قصره المحترق ، أعزلا ، مات وهو يواجه جيشا بأكمله ، إلى حادثتي تحطم طائرتين لم يمط اللثام بعد عن أسباب حدوثهما . نتج عن إحداهما وفاة رئيس طبيب القلب ، وعن الأخرى وفاة عسكري ديمقراطي أعاد الكرامة إلى شعبه . لقد قاسينا مرارة خمس حروب وسبع عشرة إنقلابا عسكريا . وقد كانت المحصلة ظهور ديكتاتور شيطاني ارتكب باسم الله أول إبادة عرقية في عصرنا هذا . وفي ذات الأوان توفي عشرون مليون طفل لاتين أمريكي في عمر ما دون السنة الأولى . وهو عدد يفوق كل من ولدوا بأروبا منذ العام 1970 . أما المفقودون جراء العنف فيقرب عددهم المائة وعشرون ألفا ، وذلك كأنما تفقد حيوات أهل " أوبسالا " (6) جملة واحدة . وهنالك النساء اللاتي أعتقلن أثناء الحمل فأنجبن أطفالا داخل السجون الأرجنتينية . ولم يعد هنالك شخص يدري مصائر أولئك الأطفال ، والذين عادة ما يتم تبنيهم خلسة ، أو إرسالهم إلى دور الأيتام بأوامر من السلطات العسكرية . وفي سبيل تغيير تلك الأوضاع فقد قُتل مئتا ألف رجل وامرأة بطول القارة وعرضها . وهنالك ما يفوق المائة ألف من الأرواح التي أزهقت بثلاثة أقطار سيئة الأقدار بامريكا الوسطى وهي نيكاراغوا ، السلفادور وغواتيمالا . وإذا أجملنا كل ما حدث بافتراض حدوثه في الولايات المتحدة الأمريكية فسيطابق ذلك مليون وستمائة الف من الذين يموتون نتيجة العنف في أربع سنوات .
لقد هاجر من شيلي وحدها مليون شخص . وهي دولة ذات تقاليد عريقة في الضيافة ، وذلك ما يساوي عشر سكانها . أما الأوروغواي تلك الدولة الصغيرة ذات المليوني نسمة والتي تعد نفسها من أكثر دول القارة تحضرا فقد فقدت واحدا من بين كل خمسة أشخاص من مواطنيها بسبب الهجرة . ومنذ العام 1979 فقد إستطاعت الحرب في السلفادور أن تمد العالم بلاجئ واحد على رأس كل عشرين دقيقة. ولو استطعنا أن نقيم دولة من مهاجري أمريكا اللاتينية ، فسنحصل على دولة يفوق عد سكانها سكان النرويج .
إنني لا زلت أصر على الإعتقاد بأن هذا الواقع الماثل للعيان ، وليس التعبير الأدبي عنه ، لهو الجدير بانتباه الأكاديمية السويدية . إنه ليس بواقع يقوم من بين سطور ما نكتب ، بل هو واقع يحيا بيننا كل يوم ، ليحدّد كل لحظة من لحظات موتنا اللانهائي ، وهو الذي يمثل الغذاء لإبداعنا الشره ، ذلك الممتلئ بالحزن والجمال . والذي جاء بهذا الكولومبي الهائم ، والدائم الحنين إلى ماضيه وهو لا يساوي شيئا سوى أن الحظ قد انتخبه . فبإسم الشعراء ، الشحاذين ، الموسيقيين ، الأنبياء والأبطال بل وحتى الأوغاد ، وكل الكائنات ذوات الحقيقة المطلقة العنان ، إننا لا نسألكم سوى قليلا من الخيال ، ذلك أن كبرى معضلاتنا هي افتقادنا لوسائل متعارف عليها لنجعل من حياتنا شيئا يمكن تصديقه . إن ذلك أيها الأصدقاء ، هو جوهر عزلتنا .
|
Post: #2
Title: Re: جوهر عزلتنا ,, ترجمة ابراهيم سلوم,,
Author: Marouf Sanad
Date: 03-29-2005, 09:43 AM
Parent: #1
_______
|
Post: #3
Title: Re: جوهر عزلتنا ,, ترجمة ابراهيم سلوم,,
Author: Marouf Sanad
Date: 03-29-2005, 09:53 AM
Parent: #2
هوامش المترجم
* هذا جزء من الكلمة التي ألقاها الكاتب بالاكاديمية السويدية عند تكريمه بجائزة نوبل للآداب في عام 1982 وقد قمنا بترجمتها عن الإنجليزية حيث نشرت بمجلة :
Spring- Summer 1994 Design of Book Review
وعنوان الكلمة أعلاه تفضيل شخصي للمترجم لجملة أوردها الكاتب في كلمته .
“The Chroniclers of Indies” -1
وهو كتاب عبارة عن مجموعة شهادات كتبها أوائل الأسبان الذين مثلوا الأفواج الأولى من المستعمرين . انظر طبعة الإنجليزية بعنوان :
Conquistadors First – Person Account of the Conquest of Mexico, 1993
University of Oklahoma Press
ISBN: 0806125624
2- الدورادو : هي أرض الثراء والنعم " الذهب منه بخاصة " في تراث الماي والإنكا .
3- أتاهوالبا : وهو زعيم الإنكا والذي أخذه الأسبان مطالبين بفدية يقدرها كتاب جينيس للأرقام القياسية على أنها تاريخيا أعلى فدية دُفعت لاسترداد رهينة ، ما يساوي 170 مليون دولار . انظر :
Guiness Book of World Records, 1986 Special Edition. p.274
4- تيغواسيغالبا : عاصمة هندوراس .
5- المقصود هنا سلفادور الليندي رئيس شيلي الأسبق والذي إغتيل عقب أنقلاب عسكري دموي قاده الدكتاتور الملخلوع بنوشيه في سبعينات القرن الماضي .
6- اوبسالا : مدينة سويدية .
هوامش الناشر :
* إبراهيم سلُّوم : كاتب، مترجم ومسرحي سوداني يقيم بالولايات المتحدة صدر له :
1- طفولة " كراسة شعرية ". الطبعة الأولى 2004
2- الديّة – رواية . الطبعة الأولى 2004
3- ود ضيف الله يأسف لما حدث – مسرحية .
4- المُشْرَع – مسرحية .
5- عدد من التراجم والدراسات بمركز الثقافة السودانية ، القاهرة .
|
Post: #4
Title: Re: جوهر عزلتنا ,, ترجمة ابراهيم سلوم,,
Author: Marouf Sanad
Date: 03-29-2005, 10:45 AM
Parent: #3
-------
|
Post: #5
Title: Re: جوهر عزلتنا ,, ترجمة ابراهيم سلوم,,
Author: Marouf Sanad
Date: 03-30-2005, 07:26 PM
Parent: #4
Quote: لقد هاجر من شيلي وحدها مليون شخص . وهي دولة ذات تقاليد عريقة في الضيافة ، وذلك ما يساوي عشر سكانها
|
|
Post: #6
Title: Re: جوهر عزلتنا ,, ترجمة ابراهيم سلوم,,
Author: متوكل بحر
Date: 03-30-2005, 08:29 PM
Parent: #5
العزيز: معروف احمد عابدين سند لك تحياتى وشكرا جزيلا لجوهر عزلتنا امتعنا بالمذيد من الادب اللاتينى ولكم تمنيت ان تقدم لنا المذيد عن الضارة القديمة فى امريكا الجنوبية وخاصة حضارة المايا
|
Post: #7
Title: Re: جوهر عزلتنا ,, ترجمة ابراهيم سلوم,,
Author: متوكل بحر
Date: 03-31-2005, 08:49 PM
Parent: #6
لازلنا فى انتظار المذيد
|
|