السفير/الرشيد خضر يعقب..احزاب مقبل العمر

السفير/الرشيد خضر يعقب..احزاب مقبل العمر


01-17-2005, 01:31 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=6&msg=1105965115&rn=0


Post: #1
Title: السفير/الرشيد خضر يعقب..احزاب مقبل العمر
Author: luai
Date: 01-17-2005, 01:31 PM

تابعت ما خطه الأستاذ عبدالمحمود الكرنكي رئيس تحرير «الأنباء» الغراء في عموده «رأي الأنباء» بعنوان: «أحزاب أرذل العمر» ولا أود هنا أن تكون لي مساهمة معاكسة لما كتبه بقدر ما أثارت كتاباته في نفسي شجوناً مرتبطة بقيام الأحزاب وشروط تكوينها وقوانينها وما إلى ذلك. وهو أمر في تقديري قد أسهم بقدر كبير في عدم الاستقرار السياسي وبتعبير أشمل عدم النضوج السياسي وازدحام الساحة السياسية السودانية منذ فجر الاستقلال بأعداد كبيرة من الأحزاب تذكرنا بالحالة التي مرت بها كثيرٌ من الدول المتقدمة مثل فرنسا في الفترة ما قبل قيام الجمهورية الخامسة بقيادة ديجول في عام 1958م.
والسودان الذي دخل مرحلة بناء السلام في الإطار السياسي الديمقراطي المفتوح لابد له من أدوات سياسية كالأحزاب تقف على أرض صلبة من حيث الخبرة والسند الجماهيري والتكوين، إذ أن ما اقعد السودان عن التطور السياسي -وبالتالي الاقتصادي والتنموي في حقب الديمقراطيات السابقة- هو عدم نضوج أحزابه السياسية صاحبة الحق المشروع في إدارة وممارسة اللعبة السياسية في الحكم بوجود ما يزيد عن الستين حزباً في البلاد - حسب آخر ممارسة من هذا القبيل- قبل عام 1989م.
ü لماذا تكون هذه السمة ملازمة للممارسة الديمقراطية في دول العالم الثالث ولا يوجد لها نظير في الدول المتقدمة التي تمارس النظام السياسي المفتوح في عالم اليوم ؟
ولتحقق استقراراً حقيقياً في الساحة السياسية وتجبر بذلك الكيانات المتقاربة فكرياً وبرامجياً ومنهجياً لجأ عدد من الدول المتقدمة إلى سَن قوانين قيام الأحزاب. ألمانيا الاتحادية لجأت إلى فرض نسبة 5% من أصوات الناخبين المسجلين شرطاً لحصول أي كيان سياسي عليه إذا أراد أن يتم تسجيله كحزب سياسي يمارس نشاطه ويحق له المشاركة في السلطة والمثال على ذلك حزب الخضر المشارك في التركيبة الألمانية الحاكمة اليوم والذي بدأ كياناً سياسياً يدعو إلى الحفاظ على البيئة ولم يدخل سباق الحصول على نسبة الخمسة بالمائة في كل مرة حتى تمكن وبعد سنوات من المثابرة على الحصول على نسبة 7% من أصوات الناخبين مكنته من دخول البندوستاك «البرلمان» وصار واحداً من أهم أحزاب الوسط التي عادة ما يلجأ إليها الحزبان الرئيسان - المسيحي أو الاشتراكي- لتكوين الائتلاف الحاكم، وكان الحزبان في السابق يستعينان بحزب الوسط الآخر الديمقراطي الحر بقيادة جنشر وزير الخارجية الأسبق ونائبه من بعد موليمان الأكثر شهرة في دعم القضايا العربية من خلال ترؤسه لجمعية الصداقة الألمانية العربية وبوصفه في عقد الثمانينات من أصغر الوزراء «نائب وزير الخارجية جنشر» في وقته. أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي الأخرى تقدم العون للأحزاب السياسية الراغبة في دخول حلبة التسابق لدخول البيت الأبيض أو الكونجرس ولكنها قد فرضت قانوناً مماثلاً بدونه لا يتأهل الحزب للحصول على هذا الدعم وهو الحصول أيضاً على نسبة 5% من أصوات الناخبين.
إن الدول المتقدمة إذن استطاعت بهذه الكيفية خلق مناخ مستقر يجعل الساحة مجالاً للممارسة السياسية للأحزاب ذات التمثيل الشعبي المعقول والمقبول فقط مع استبعاد الكيانات السياسية -وليس الأحزاب بعد- التي قامت ربما على أساس أقليات أو جهويات أو ربما عائلات، كما أن فوائد هذا الإجراء تتضح من أن عدم اعتمادها أحزاباً سياسية بالكامل قد يدفع بها إلى التوحد والتحالف في مظلة واحدة. بمعنى آخر فإن هذا القانون لا يحرم الكيانات الصغيرة من أن تمارس نشاطها العادي في فترة نضالها للحصول على النسبة التي يحددها القانون حتى تتمكن من الحصول على النسبة المطلوبة لتشارك في السلطة أو دخول البرلمان بسند جماهيري لا يقل عن الخمسة بالمائة من أصوات الناخبين.
إذن فإن القانون المذكور والذي إذا ارتضيناه في السودان فإن من شأنه أن يخلص الساحة الانتخابية من كثرة عدد الأحزاب الصغيرة وذات السند الجماهيري المحدود والتي غالباً ما تدعي الصفة التمثيلية دون وجه حق.. وهنا تعود بي الذاكرة إلى عام 1989م عندما كنت منتدباً مديراً للإدارة السياسية بالقصر وكنت شاهداً بحكم عملي الإشرافي على إدارة توقيع الأحزاب على وثيقة الدفاع عن الديمقراطية والتي كانت مطروحة وقتها حيث تدفقت صوب القصر أرتالٌ من ممثلي الأحزاب قاربت الستين حزباً سياسياً للتوقيع على تلك الوثيقة التي لم يجف مدادها بعد وشهدت في ذلك العام قيام ثورة الإنقاذ الوطني وكانت أبلغ تعبير على وهن الساحة السياسية الحزبية في زمانها.

السفير: الرشيد خضر
الأمين العام لمجلس الإعلام الخارجي