وداعا سودان ابن خلدون.. ومعه ذلك الماضي الفقير

وداعا سودان ابن خلدون.. ومعه ذلك الماضي الفقير


01-10-2005, 06:09 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=6&msg=1105333796&rn=0


Post: #1
Title: وداعا سودان ابن خلدون.. ومعه ذلك الماضي الفقير
Author: خالد عويس
Date: 01-10-2005, 06:09 AM

وداعا سودان ابن خلدون.. ومعه ذلك الماضي الفقير

حسن ساتي
[email protected]

مسكين هذا السودان، ظلمه المؤرخون مثلما ظلمه بنوه، ففيلسوف الإسلام عبد الرحمن بن خلدون (1332 ـ 1406) الذي قال لنا أساتذتنا في الجامعة انه مؤسس فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع، لم يتعرف على السودان، في ذلك الزمن المتقدم نسبيا، مثلما تعرف على مصر والمغرب، فقال في مقدمته المشهورة: «إن المصريين لا يدخرون قوت يومهم، فيما يختزن الفرد في المغرب حنطة عام»، فتعامل مع السودان ككم مهمل، عنى به كل الجغرافيا الجنوبية لمصر، فقال: «إن أهله يمتازون بالخفة والطيش وقدرة الرقص على مختلف الإيقاع»، ثم مضى مشتطا ليقول ان تجارة أهله وقبائله تتم بالمقايضة وبالجلود وما شاكلها، لأن أهله لا يتعاملون بالحجرين الشريفين، ويقصد الذهب والفضة، ليختتم بالقول ان قبائله يغير بعضها على بعض، وانهم أغلب الظن ليسوا في عداد البشر.
ومسكين هذا السودان، فقد زاره صحافي بريطاني، ليشهد تجربته الديمقراطية في مطلع خمسينات القرن الماضي، والسودان أول قطر أفريقي، بالاشتراك مع غانا، ينال استقلاله عام 1956، بعد اثيوبيا وليبريا، فشاهد ديمقراطية وستمنستر بكل طقوسها ولكن في بلد يمارس أهله سباق الهجن، فخرج بكتاب يسخر من التجربة، أسماه «حيث ضحك الإله» (Where God Laughs).
ولم لا، فقد ضاق الأفق بالشاعر السوداني سيد أحمد الحردلو في ستينات القرن الماضي، فأخرج مجموعة قصصية باسم «ملعون أبوكي بلد»، وتوالت الدهشة لتصل بالأديب الطيب صالح ليطلق في تسعينات القرن الماضي عبارته التي سارت بين الألسن مسار الشمس: «من أين أتى هؤلاء الناس؟».
ومسكين هذا السودان، جرب (الحكم الائتلافي)، ولكنه طائفي في مطلع الاستقلال (بحكومة السيدين)، والإشارة للسيدين الراحلين عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني، فانقض عليها انقلاب الفريق (إبراهيم عبود 1958 ـ 1964) ليجرب السودان الحكم العسكري، وبعده الثورة الشعبية، وبعده الحكم الديمقراطي 1964 ـ 1969 ، وبعده الحكم العسكري ثانية 1969ـ 1985، ثم الثورة الشعبية ثانية، فالحكم الديمقراطي 1986 ـ 1989، ثم الانقلاب العسكري بنظام الإنقاذ الحالي 1989 ـ 2005، ليدخل مرحلة جديدة بتوقيع اتفاق الأمس وطي صفحة أطول حروب القارة الأهلية التي التهمت نحو مليونين من بنيه وتركت نفس العدد في عداد النازحين.
مسكين هذا البلد، لم تكن كل انقلاباته العسكرية بعوامل داخلية، إن لم يكن العامل الخارجي أو الإقليمي هو الذي يتقدم العامل الداخلي، فانقلاب عبود 1958 كان بعد محاولة من الجارة مصر لإعادة توحيد الأحزاب الاتحادية، وانقلاب 1969 جاء بعد غضب القاهرة من رفض حكومة المحجوب لمشروع روجرز الذي قبلته، وانقلاب 1989 تزامن، إن لم يأت بعد أيام معدودة من ملاسنة بين الرئيس مبارك والصادق المهدي.
ومسكين هذا البلد لأن مسيرة 48 عاما بعد الاستقلال لم تتعرف على مستحقات التباين العرقي والديني والثقافي، فغاب ذلك عن آباء الاستقلال، مثلما غاب عن ورثتهم، فاعتبروها كما طلاء الجدران، يمكن أن تسكن بترميم الشقوق بالرمل والحجارة والخرسانة، وهي ليست كذلك، مثلما اعتبر ورثة ميراث آباء الاستقلال، على ضعف ذلك الميراث، أن العقائدية يمكن أن تقطع بالوطن وقضاياه أرضا، فتعاملوا مع قضايا بذلك التعقيد، كما المتعجل (المنبت) مع دابته، ألهبها بالسياط، فلم يبق لها على ظهر، ولم تقطع به أرضا. أدخله اليساريون في التأميم، وهو الاقتصاد اليافع، فانتهى به المطاف بالخضوع لفواتير صندوق النقد الدولي، وأدخله الإسلامويون بالإسلام السياسي في معارك مع كل العالم، فكاد لهم الكيد كيدين، وأصبح السودان في عداد الدول الداعمة للإرهاب، لتستقبل المنافي ملايين السودانيين.
كل ذلك ماض، ولكن من قال إن الماضي لا يظل على تآمره على الحاضر والمستقبل.
فلماذا لا يكون اتفاق السلام الموقع بداية لتحصين السودان ضد تآمر هذا الماضي، ولن يكون ذلك بالطبع باقتسام الثروة والسلطة فقط، مثلما لن يكون بالتهوين القاتل لقضايا التمايز العرقي والديني والثقافي، بعد ان اكتسبت هذه القضايا منبرا وآذانا في عصر العولمة وحقوق الإنسان، ومثلما لن يكون بمصافحات أمام عدسات التلفزيونات أو بأمان تلوكها النخب.
المشوار طويل..
ومع ذلك، فليقل السودانيون: وداعا سودان ابن خلدون.. بل والسودان الإنجليزي المصري.. وقبل ذلك لكل ذلك الماضي الذي خلا، وللأسف، من أي وميض للإشراق، ولكن بقطع الطريق على كل أخطائه حتى لا تعود، فيعيد التاريخ نفسه علينا.

الشرق الأوسط" اللندنية

Post: #2
Title: Re: وداعا سودان ابن خلدون.. ومعه ذلك الماضي الفقير
Author: أبنوسة
Date: 01-11-2005, 02:11 AM
Parent: #1

شكرا خالد لنقل هذا المقال.

والشكر للمقال القيم للأستاذ حسن ساتي

Post: #3
Title: Re: وداعا سودان ابن خلدون.. ومعه ذلك الماضي الفقير
Author: قرشـــو
Date: 02-06-2005, 11:53 PM
Parent: #1

الأخ خالد عويس

شكرا لنقلك لنا للمقال الضافى


نشتاق ليراعك المبدع النظيف والله

هلا عدت سيدى للمشاركة