سابا… حين يتحول المِهجر إلى قلب نابض لوطنٍ جريح#

سابا… حين يتحول المِهجر إلى قلب نابض لوطنٍ جريح#


11-30-2025, 09:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1764536637&rn=0


Post: #1
Title: سابا… حين يتحول المِهجر إلى قلب نابض لوطنٍ جريح#
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 11-30-2025, 09:03 PM

09:03 PM November, 30 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر






سابا… حين يتحول المِهجر إلى قلب نابض لوطنٍ جريح#
فخرٌ يليق بتجربة وُلدت من الحكمة والألم

هناك لحظات في التاريخ تتجاوز منطق الفعل اليومي، لحظات تشبه الإلهام الخالص؛ حين تتناثر البلاد في كل اتجاه، وينهض فردٌ أو جماعة ليلمّ ما تبقى من الروح
في زمن الهزيمة الوطنية الكبرى، وفي مساحة تتكسر فيها مؤسسات الدولة كالزجاج، ظهرت سابا — تجمع الأطباء السودانيين بالولايات المتحدة — كأنها صوت ضميرٍ جمعيٍّ ظل صامتاً طويلاً قبل أن ينطق
إنها ليست منظمة فقط، بل وعيٌ جديد
وعيٌ يفهم أن الوطن ليس قطعة أرض، بل شبكة من العناية والرحمة والمسؤولية الأخلاقية
وعيٌ يخبرنا أن ما سقط في السودان ليس الدولة فقط، بل القدرة على الحلم
وأن أبناء المهاجر يمكنهم، إذا صدقوا، أن يعيدوا بناء ما عجزت عنه الأنظمة المتعاقبة
من هنا يأتي فخري، بل بهجتي العميقة، بتجربة سابا
تجربة تضع الإنسانية في مقام الفلسفة، والعلم في مقام الحكمة، والعمل في مقام القول
تجربة تقول لنا- ليس ضرورياً أن تكون الحكومة كي تنقذ شعباً… يكفي أن تكون إنساناً
سابا- قوة مدنية تُعيد تعريف معنى العطاء السوداني
في بلدٍ تتراكم فوقه الجراح السياسية والإنسانية، برزت سابا كأقوى نموذج حيّ لطاقات السودانيين في المهجر
هي ليست تجمع أطباء فحسب؛ إنها آلة إنسانية شغّالة بلا توقف، تستبدل الضجيج بالإنجاز، وتقدّم نموذجاً يمكن أن يُلهم جيلاً كاملاً.
“الدبلوماسية الصحية الصامتة” — فن إنقاذ الأرواح بلا معارك إعلامية
ما يميز سابا أنها لا تعمل بالشعارات، ولا تتورط في الخطابات الفارغة
إنها تمارس ما أسميه الدبلوماسية الصحية الصامتة
تقدم خدماتها دون أن تسأل عن الجهة المسيطرة
تدخل مناطق النزاع وكأنها “استثناء إنساني” لا تمسه الحرب
تمنح الثقة لأنها لا تريد شيئاً سوى الحياة للناس
وتتعامل مع الطب كممر عبور نحو السلام الاجتماعي
ذلك هو الفرق بين منظمة تريد صورة… ومنظمة تريد أثراً
نصف مليون طفل… مشروع بحجم دولة لا بحجم منظمة مهاجرين
تعمل سابا على إطلاق حملة تاريخية تهدف إلى تطعيم نصف مليون طفل سوداني— رقم أسطوري في ظروف بلد بلا دولة، بلا بنية صحية، وبلا استقرار.
هذا النوع من المشروعات عادة تنفذه-منظمة الصحة العالمية
اليونيسيف
أو وزارات حكومية ضخمة
لكن أن يأتي من منظمة سودانية مهاجرة؟
ذلك هو معنى الريادة… ومعنى أن تتحول الجغرافيا إلى قوة لا إلى غربة
إعادة الحياة لخمسة مستشفيات كبرى
في بلدٍ توقفت فيه المستشفيات عن العمل، تمكنت سابا من
إعادة تأهيل وتشغيل عدد من المستشفيات المحورية
تزويدها بالأجهزة
تدريب الكوادر
ضمان استمرار الخدمة رغم الحرب
إنها ليست إسعافاً مؤقتاً… إنها بناء دولة من جديد
حضور واسع من دارفور إلى الشرق
في وقت تراجعت فيه معظم المنظمات الدولية أمام تعقيدات الحرب، ظلت سابا موجودة
في الغرب المحاصر
في الخرطوم المنهكة
في كردفان المتصدعة
في الوسط والشرق
تعمل بثقة وصمت وتأثير… كأنها شبكة أعصاب جديدة لوطنٍ يتعلم المشي من جديد
قيادة لا تبحث عن أبواق… بل تبحث عن “أثر”
القيادات التي تقف خلف سابا اختارت طريقاً مختلفاً
لا مؤتمرات صاخبة
لا صور استعراضية
لا مناصب رمزية
لا ادعاء بطولة
اختاروا أن تكون الأفعال أقوى من الوجوه، وأن يكون النجاح جماعياً لا فردياً
وهذا ما يمنح سابا قوة أخلاقية هائلة
سابا… حين يصبح العطاء مشروع وطن
تجربة سابا تقول لنا شيئاً جوهرياً
إن السودان لا ينهض حين تتغير الحكومات… بل حين ينهض أبناؤه أينما كانوا
سابا ليست منظمة--هي مدرسة.
هي درس في الوطنية الجديدة.
هي برهان أن المهجر ليس نهاية بل بداية أخرى للوطن.
وكلما ازداد الجرح عمقاً… ازداد يقيننا أن هناك من يحمل هذا البلد في قلبه لا في جواز سفره.