Post: #1
Title: تصريح ياسر العطا- هل هو رأي سياسي… أم إعلان انقلاب مكتمل الأركان؟
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 11-30-2025, 01:33 PM
01:33 PM November, 30 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
تصريح ياسر العطا: هل هو رأي سياسي… أم إعلان انقلاب مكتمل الأركان؟
أثار التصريح الأخير لياسر العطا، مساعد قائد الجيش السوداني، حول استعداده لإسقاط أي حكومة مدنية منتخبة بالقوة، موجة واسعة من الصدمة والغضب داخل الأوساط السياسية والقانونية . فالتهديد العلني بانقلاب جديد لا يمكن التعامل معه كـ«رأي شخصي لضابط»، بل هو — بحكم موقع قائله — إعلان نية لقلب نظام الحكم، وانتهاك واضح للدستور والقانون، وعودة صريحة لنهج الوصاية العسكرية الذي عطّل تطور الدولة السودانية لعقود طويلة
*من ضابط في الجيش إلى وصيّ على الدولة؟ تكمن خطورة هذا التصريح في طبيعته ومصدره معاً. فالعطا ليس معلقاً سياسياً ولا ناشطاً، بل الرجل الثالث في قيادة الجيش. وبالتالي، فإن حديثه لا يعكس نزوة أو انفعالاً، بل يشير إلى ثقافة سلطوية متجذرة داخل جزء من قيادة المؤسسة العسكرية، ثقافة ترى أن الجيش فوق المجتمع وفوق الإرادة الشعبية، وأن من حقه التدخل أو الانقلاب كلما اقترب السودانيون من صناديق الاقتراع. إن مجرد التلويح بقلب الحكومة المنتخبة — قبل قيامها أصلاً — يمثل خروجاً على الحدود القانونية والأخلاقية التي تضبط عمل الجيوش في الدول الحديثة الجيش-- مؤسسة لحماية الحدود لا أداة لحكم الشعب تحدد القوانين الوطنية والدولية، بوضوح لا التباس فيه، مهام المؤسسة العسكرية في الدول المعاصرة حماية حدود البلاد ووحدة ترابها حماية الدستور واحترام الشرعية الخضوع الكامل للسلطة المدنية المنتخبة الالتزام بالحياد السياسي والابتعاد عن العمل الحزبي وعليه، فإن أي خطاب سياسي صادر من ضابط رفيع يهدد بالتدخل أو الانقلاب ليس فقط انتهاكاً للمؤسسة العسكرية ذاتها، بل اعتداء على مبادئ الدولة الحديثة وعلى العقد الاجتماعي بين الجيش والمواطنين جريمة قانونية مكتملة الأركان يجمع خبراء القانون الجنائي والعسكري على أن تصريح العطا يندرج تحت طائلة المادة 50 من القانون الجنائي المتعلقة بتقويض النظام الدستوري المادة 65 المتعلقة بإدارة تنظيمات غير مشروعة والتحريض على العنف مواد قانون القوات المسلحة التي تجرّم الانخراط في عمل سياسي، وتمنع الضباط من إصدار مواقف تهدد الأمن الدستوري وبالتالي، يمكن وصف حديثه بأنه تحريض صريح على قلب نظام الحكم بالقوة، وهي جريمة تضع صاحبها تحت طائلة المساءلة الجنائية والعسكرية تهديد مباشر للتحول المدني يمثل خطاب العطا تهديداً جدياً لمسار التحول المدني في السودان. فهو يكشف أن جزءاً من قيادة الجيش ما زال ينظر إلى الحكم المدني باعتباره «خطراً» يجب إجهاضه، وليس «شراكة دستورية» يجب احترامها . وهذا المنطق يعيد إنتاج الدائرة المفرغة التي عاشتها البلاد منذ الاستقلال: كلما اقتربت خطوة نحو الديمقراطية، خرجت أصوات من داخل المؤسسة العسكرية لتعيد عقارب الساعة إلى الوراء إن تمسك العطا بخيار «الانقلاب الوقائي» هو في الواقع نسف كامل لأساس الشرعية التي لا تُستمد إلا من الشعب عبر صناديق الاقتراع، لا من تهديدات السلاح ضرب لوحدة الجيش ومفهوم الأمن القومي لا يقل خطر هذا التصريح على المؤسسة العسكرية نفسها عن خطره على الدولة. الجيش، بصفته مؤسسة قومية، لا يمكن أن يتحول إلى طرف سياسي يصنف المواطنين بين مؤيدين ومعارضين حين يحدث ذلك، تفقد القوات المسلحة صفتها القومية وتتحول إلى حزب مسلح، وهو ما يشكل التهديد الأكبر على الأمن القومي ووحدة البلاد الشعب السوداني… صاحب الكلمة الأخيرة جرّب السودانيون الانقلابات بما يكفي وهزموا البشير في الشوارع. وواجهوا الرصاص من أجل دولتهم المدنية. ولن يقبلوا اليوم بعودة الوصاية العسكرية تحت أي ذريعة، ولا بأي ضابط يرفع سلاحه في وجه الشعب بدلاً من حماية حدوده إن الرسالة واضحة-السودان بلد يُحكم بالصندوق لا بالبندقية. ومهمة الجيش هي احترام الدستور لا تغييره بالقوة. تصريح ياسر العطا ليس مجرد زلة لسان، بل جرس إنذار يجب أن تأخذه كل القوى المدنية على محمل الجد. فالتحول الديمقراطي لا يمكن أن يكتمل ما دامت قيادات عسكرية تلوّح بالانقلاب عند كل منعطف سياسي الجيش للسلاح… والدولة للشعب… والقرار للانتخابات وحدها.
|
|