Post: #1
Title: تحليل- الخطاب الداعم للحرب... تشريح للواقعية وتداعيات التحدي
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 11-07-2025, 05:46 PM
05:46 PM November, 07 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
تحليل: الخطاب الداعم للحرب... تشريح للواقعية وتداعيات التحدي
يمكن فهم هذه الظاهرة من خلال تفكيكها إلى عدة مستويات مترابطة: البنية الداخلية للخطاب، طبيعة التحدي الذي يطرحه، والتداعيات الاستراتيجية المعقدة. أولاً: لماذا يُعتبر الخطاب الداعم للحرب "غير واقعي"؟ لا تقوم "عدم الواقعية" على إنكار الحقائق المادية تماماً، بل على بنائها ضمن إطار مغلق ومُحرّف. ملامحه: الاختزال الثنائي (Simplistic Dichotomy): يحول الصراع المعقد إلى معادلة بسيطة: "الخير المطلق" مقابل "الشر المطلق"، "النحن" ضد "الهم". هذا التجريد يلغي كل السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية المعقدة ويبرر أي فعل بكونه "دفاعاً عن الوجود". الانفصال عن التكاليف الحقيقية: يركز الخطاب على المكاسب المجردة (السيادة، الأمن، الردع) بينما يتجاهل أو يقلل من: التكاليف البشرية: معاناة المدنيين، نزوحهم، وموت الجنود يُصوَّر كـ "تضحيات بطولية ضرورية" دون تقدير حجم الخسارة الفعلية. التكاليف الاقتصادية والهيكلية: تدمير البنى التحتية، استنزاف الموارد، وتجميد الاستثمارات على المدى الطويل. يتم تقديم هذه التكاليف على أنها "ثمن مؤقت" يمكن تحمله بسهولة. التكاليف الدبلوماسية والعزلة الدولية: يتم تصوير العزلة والعقوبات على أنها "مؤامرة" أو "ثمن الفخر والكرامة"، مما يحول العواقب السلبية إلى شارة شرف. الاعتماد على الرواية الأسطورية (Mythologized Narrative): يعيد إنتاج روايات تاريخية مجازة أو مبالغ فيها لخلق حالة من "الاستثنائية" تبرر الخروج على الأعراف الدولية. يرتبط هذا بشدة بالخطابات القومية المتطرفة أو الدينية المتشددة. تفضيل الإرادة على الإمكانية (The Primacy of Will): يتم التركيز على "الإرادة الحديدية" و"التصميم" كعوامل حاسمة تفوق أي اعتبارات مادية أو عسكرية أو اقتصادية. هذا يخلق وهمًا بأن الرغبة وحدها كفيلة بتجاوز أي عقبة وهو ما يتعارض مع تحليلات الميزانيات والقوى.
ثانياً: طبيعة "التحدي للمجتمع الدولي" هذا التحدي ليس مجرد خلاف سياسي، بل هو هجوم على النظام الليبرالي الدولي القائم منذ 1945. يتجلى هذا التحدي في: تحدي شرعية المؤسسات الدولية: بتصوير الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية على أنها أدوات للقوى العظمى المهيمنة، وليست جهات محايدة. هذا يقوض فكرة "القانون الدولي" كمرجعية عليا. رفض مفهوم السيادة المطلقة للدول: أي حرب عدوانية هي انتهاك صريح لمبدأ سيادة الدولة وسلامة أراضيها، وهو حجر الزاوية في النظام الدولي. الداعمون للحرب إما يعيدون تعريف "العدوان" أو ينكرونه تماماً. اختبار تماسك التحالفات: يهدف هذا التحدي إلى كشف الانقسامات داخل التحالفات الدولية (مثل الناتو أو الاتحاد الأوروبي). من خلال الضغط، يحاول مروجو الحرب إيجاد شقوق بين الحلفاء يمكن استغلالها (مثل الخلافات حول تمويل الحرب، أو الطاقة، أو اللاجئين). تطبيع خرق الأعراف الإنسانية: التحدي الأكثر خطورة هو محاولة جعل انتهاك قواعد القانون الإنساني الدولي (استهداف المدنيين، استخدام أسلحة محظورة) أمراً مقبولاً أو مبرراً في ظل "الضرورة". ثالثاً: التداعيات المعقدة على القوى الدولية والمشهد العالمي هنا تكمن التعقيدات الحقيقية التي تجعل إدارة الأزمة صعبة: مفارقة الرد (The Response Paradox):
الرد القوي: قد يرفع من سقف التصعيد، ويدفع بالداعم للحرب إلى مزيد من التطرف، وربما يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع تداعيات غير محسوبة.
الرد الضعيف: يُفسر على أنه ضعف أو انقسام، مما يشجع على مزيد من السلوك التصادمي ويقوض مصداقية النظام الدولي.
هذا يخلق حالة من "المأزق الاستراتيجي" للقوى الدولية.
إعادة تشكيل تحالفات غير تقليدية: الأزمة تجبر دولاً على اتخاذ مواقف قد لا تتناسب مع مصالحها الاقتصادية المباشرة، مما يؤدي إلى تحالفات جديدة ومتغيرة. قد تقترب دول "محايدة" ظاهرياً من جانب، بينما تبحث دول أخرى عن شركاء جدد لتجنب التبعية. أزمة الشرعية المزدوجة: شرعية الداعمين للحرب: تُستمد من الدعم المحلي عبر الخطاب القومي أو الديني، وليس من الشرعية الدولية.
شرعية المجتمع الدولي: تُهدر من قبل الداعمين للحرب، وتتعرض للاختبار من قبل دول العالم التي ترى تناقضات في تطبيق القانون الدولي (مقارنة مع صراعات أخرى). هذه الأزمة تؤدي إلى "تعددية أنظمة القيم" في العالم، حيث لم يعد هناك إجماع على ما هو "شرعي". التداعيات الاقتصادية العالمية غير المباشرة: ليست العقوبات والثمن الاقتصادي المباشر فقط هما المشكلة، بل انزياح سلاسل التوريد، تضخم أسعار الطاقة والغذاء، وعدم الاستقرار في الأسواق المالية. هذه التأثيرات تضرب دولاً ليست طرفاً مباشراً في الصراع، مما يوسع دائرة التأثر. صعود "اقتصاديات الحرب الموازية": يؤدي الحصار والعقوبات إلى نشوء شبكات تهريب وتمويل معقدة، وعلاقات اقتصادية غير رسمية مع دول مستعدة لخرق الحظر. هذه الشبكات تصبح قوى مؤثرة بحد ذاتها، وتستمر حتى بعد انتهاء الحرب.
* الخطاب الداعم للحرب ليس مجرد دعاية، بل هو أداة استراتيجية لخلق واقع سياسي جديد داخلياً وخارجياً. "عدم واقعيته" تكمن في قدرته على بناء منطق داخلي منغلق يبرر الأفعال بغض النظر عن تكاليفها. تحديَه للمجتمع الدولي هو اختبار وجودي لأسس النظام العالمي الحالي. أما تداعياته فمعقدة لأنها تدفع بالقوى الدولية إلى مفاضلة صعبة بين خطر التصعيد وخطر التراخي، مما يسرع عملية إعادة تشكيل التحالفات العالمية ويُضعف فكرة النظام الدولي القائم على القواعد ليحل محله عالم أكثر انقساماً وتسييساً، حيث تتفوق حسابات القوة المباشرة على دبلوماسية القانون والمؤسسات.
|
|