مع قوش!! بقلم عمار محمد آدم

مع قوش!! بقلم عمار محمد آدم


11-03-2025, 08:52 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1762159978&rn=0


Post: #1
Title: مع قوش!! بقلم عمار محمد آدم
Author: Yasir Elsharif
Date: 11-03-2025, 08:52 AM

08:52 AM November, 03 2025

سودانيز اون لاين
Yasir Elsharif-Germany
مكتبتى
رابط مختصر



Quote: ... مع قوش!!

بقلم عمار محمد ادم

صلاح عبد الله محمد صالح الملقب بصلاح قوش نسبة الي استاذ الرياضيات الهندى الجنسية فى كلية الهندسة جامعة الخرطوم الذي ضبط صلاح حينما كان يخفي بين ملابسه راديو صغير تمتد منه السماعة الي اذنه وهو حالس في قاعة الدرس وكان يتابع بالراديو احدي مباريات كرة القدم واظنه قد نسي انه في محاضرة واستغرق فيما هو فيه حتي اذا ما احرز فريقه هدفا صاح صلاح صيحة عالية فزع لها الاستاذ الهندي، وما ان اكتشف الامر حتي قام بطرده من قاعة الدرس . هذه هي الرواية التي انتظرتنا حينما دخلنا الجامعة وكان هو علي وشك الخروج منها...

وبيني وبين الاخ صلاح مودة لما لمسته فيه من صدق مخطئا او مصيبا ولربما هنالك بعض الصفات المشتركة بيننا الا انه كتوم وانا غير ذلك اذ انني، شديد الوضوح لربما الي درجة الازعاج كما قال عني الاستاذ الراحل فضل الله محمد .وقد تسبب هذا البوح وتلك الشفافية المطلقة لى كثيرا من المشاكل ولم تزل.

كان صلاح وهو مسؤول كبير في،الجهاز او مديرا له يصطحبني في سيارته حينما يصادفني في احدي المناسبات او حين اكون واقفا انتظر المواصلات وهو بطبعه شخص هميم ويتمتع بحيوية ونشاط دائم ولعل ذلك ما لفت نظر الترابي اليه وطلبه شخصيا وفق ما ورده عنه من صفات اهمها انه لايشبه الاخوان ويتعاطي التبغ ولربما الخمر سرا وليست لديه التزامات دينية . وكان التعاون بينهما مستمرا خاصة وان صلاح قد بدا حياته التنظيمية كاحد افراد الحراسة في بيت الترابي ،وكما ذكر لي كانت السيدة وصال تاتيهم بالشاي بالحليب صباحا وهي كما هو معروف عنها سيدة كريمة ومن اصل كريم الا ان صلاح ذاته هو من قام باعتقال الترابي في بداية المفاصلة واودعه سجن كوبر وهو نفسه من زاره في مستوصف ساهرون حينما اخرج من السجن للعلاج ويبدو ان صلاح ينفذ الاوامر التي توكل اليه باحترافية عالية وهذا ماقد تبدي في الكثير من المواقف بغض النظر عن راينا فيها. وقد قال لي مرة لو اقتضي الامر ان اعتقل علي عثمان فانني سوف افعل ذلك من دون ان يرمش لي جفن واذكر حينما التقيته في زواج نجل يحي المكي في معرض الخرطوم الدولي من بعد اعفائه من منصبه سالته عن دور علي عثمان فيما حدث فقال لي بحدة وانفاسه تتصاعد.. (دا راس الحية.).

في ذات مرة من المرات وقد حملني في سيارته حين وجدني انتظر المواصلات سالني عن رايي فيه فاجبته (ياصلاح انت من ناحية انك فارس زول فارس مافي كلام) فقال لي: وتاني؟ .. فاجبته: (قلبك دا ما فيهو رحمة) .. وبدأ التأثر علي وجهه قائلا: (انا قلبي ما فيهو حبة رحمة) واردف: (طيب ديني كيف؟) .. فاجبته: (والله دين بي تعريفة ما عندك) .. صمت برهة ولم يجبني). ثم فجأة سألني: (انا بعمل كدة ليه؟) .
فاجبته ان هنالك حديث قدسي يقول:( الظالم سيفي اسلطه علي من أشاء فان شئت اقتص منه وان شئت غفرت له) .. فقال لى: (تقصد اني ظالم؟) .. هنا انقلبت جمهوريا وقلت له (انت بمعيار الشريعة ظالم وبمعيار الحقيقة ربما غير ذلك).

وفي احدي المرات حينما كنا نتجاذب اطراف الحديث في سيارته قلت له: (الجماعة ديل حيقدموك كبش فداء).. هنا اوقف سيارته وهو ممسك بالمقود وينظر الي الامام ومكث علي هذا الحال مليا ثم اوقف محرك السيارة وفتح الباب وخرج وقد فتحت الباب وخرجت كذلك (قلت الزول دا يكون قام عليهو جنو) .. اتجه الي خلفية السيارة وذهبت الي هناك وحينما فتح باب الخلفية كان فيها اشياء كثيرة عملات واموال وسلاح ومنها باكوهات السجائر التي سحب منها صندوقا وانتزع منه سيجارة واشعلها من بعد ان اغلق باب الخلفية واستند اليه وهو ينظر بعيدا.. ثم صافحني وقال لي....( يا عمار انا مافي زول بيقدر علي!!).

رويت هذه الرواية للاستاذ سيد احمد الحسين الذي قال لي (الود ده فارس انا بعرفو من خلال الاعتقالات عليك الله قول ليهو لو حصل ليك اي حاجة انا بيتي مفتوح ليك.)... اخبرت صلاح بذلك ورد علي قائلا: (قول لي عم سيد حمد انا بموت واقف) .. لا اعتقد ان صديقي سيستسلم وقد انتقم من اعدئه جملة وفرادي ولم يتبق له الا طه عثمان!!.

ومن حكاياتي مع صلاح قوش انه طلب مني ان ابحث له عن بيت بمواصفات معينة بمعني ان يكون بعيدا عن الانظار ووعرة دروب الوصول اليه .كان ذلك ابان حكومة السيد الصادق المهدي وقبيل الانقلاب العسكري في العام ١٩٨٩ وكان ذلك البيت مخبأ ومسستتر لاسرار تنظيمية واجهزة ومعدات او فلتقل وكرا سريا وقد اخترت البيت بعناية في حي قديم علي شاطئ النيل وهو من البيوت العتيقة التي اكل عليها الدهر وشرب ونصفه الاسفل في باطن الارض ونصفه الاخر فوقها الا ان فيه غرفا موصدة ومغلقة اغلاقا محكما وبالرغم من ان نوافذها صغيرة ومن الخشب علي نسق الطراز القديم فى البناء الا ان عليها من الخارج قضبان حديدية واستاجرنا البيت من صاحبه بمبلغ محترم ولم يسألني عن الغرض الذي سوف استخدم فيه ذلك البيت المهجور والغريب. وفي صاحب البيت نفسه غرابة ومكر ودهاء وكان يحمل فوق جثته راسا ضخما وعينان ماكرتان.

ظل صلاح قوش يتردد كثيرا علي ذلك الوكر خاصة حينما يرخي الليل سدوله ويخلد الناس للراحة والاستجمام وفي مرة من المرات جاءني صلاح قوش منزعجا وقال لي بهدوء رغم الانزعاج ان هنالك من قد دخل البيت فلما سالته كيف عرفت ذلك اجابني انه قد ترك نافذة مفتوحة ولكنه عاد ووجدها مغلقة...طلبت منه ان ننتظر قليلا ويعطيني فرصة لمعرفة الحقيقة فان لدي من الوسائل والطرق ما اتحقق به ذلك. وانصرف عني صلاح دون ان ينبس ببنت شفه بعد حديثي الاخير. ثم مضيت الي شخص يعرف صاحب البيت جيدا وتمكنت من الحصول علي معلومة ان الرجل يمكن ان يفعل اي شئ من اجل الحصول علي المال .. اطمأننت قليلا فان كان يرغب في المال فسيساومنا اولا وهو شخص جاهل قد يتعرف علي بعض الموجودات الظاهرة في البيت ولكن قد تخفي عليه حقائق اخري ،وعتبت في نفسي علي قوش انه استخدم الموقع دون ان يغير الاقفال وهذه من ابجديات التأمين. وفي المساء طرق باب منزلي طارق فلما فتحته وجدته صاحب البيت المؤجر واقترب مني وقال لي هامسا وفيه شئ من الرعب ولربما كان يرتجف: (انا ياعمار عرفت البيت فيهو شنو والله ما بكلم زول لكن بس تدوني حقي).. هززت له رأسي ولم اجيب عليه وذهبت و اخبرت صلاح قوش بما دار بيني وبين الرجل فاشعل قوش سيجارة واطلق تنهيدة وبعد فترة صمت لم تكن طويلة قال لي: (خلاص كويس انا حااتصرف).. وتركته ليتولي الامر وطلبت منه ان يفهم الرجل بانني لاصلة لي بالامر بان يقوم بالاساءة اليّ بسبب انني ورطته مع مثل هذا الرجل.

وبعد عدة ايام جاءني صاحب البيت وهو يرتعد خوفا وتصطك اسنانه وقد جف ريقه وهو يتلعثم في الحديث وقال لى: (يا عمار انا ما داير منكم اي حاجة الايجار زاتو خليتو ليكم بس فضوا لي بيتي) .. لم ارد عليه وتركته يجرجر اقدامه وهو يردد: لا حول ولاقوة الابالله . وقد ظل صلاح قوش كل ما يلتقيني يسألني عن الرجل وهو يضحك ولم اسأله عن ما فعله به .

ومن حكاياتي معه حين طلب رئيس تحرير جريدة (الجريدة)، اشرف عبد العزيز من الصحفي علي الدالي ان يجرى معي حوارا هو اشتات ذكريات يوم ان كنت عضوا في الاتجاه الاسلامي بجامعة الخرطوم. جلس الي ذلك الصحفي ورويت له عدة حكايات من ذلك الزمان ويبدو انه لم يكن يخلو من الغرض خاصة وانه من منطقة نوري وهي ذات المنطقة التي منها صلاح قوش فاهتم فقط بما رويته له في الحوار عنه، واختار لذلك عنوانا (اسرار تروي لاول مرة عن صلاح قوش) وتم عرض المادة بصورة تفي بغرض الصحفي لكنها لاتعطي الصورة الحقيقية لكل الحوار الذى جرى معي فى الصحيفة، وكان في المادة التى نشرت تعريض بصلاح قوش وقد واثار ذلك غضب إخوته واقربائه وهاجوا وماجوا ثم قاطعوني لذلك السبب إلا بعض منهم اتخذ موقفا محايدا مني.

ولم التق صلاح قوش من بعد ذلك الحوار الاّ في ماتم عمنا عثمان عبد الوهاب (شعطوط) بمنزل ابنه محمد(حميدة) بالاملاك ، وهنالك ناداني قوش قائلا: (تعال اقعد هنا انت اصلك هاجمتني في الجريدة ولا قطعت راسي؟) .. فجلست اليه قائلا: (ناسك ديل ما فهموا كلامي انا ما قلت انك ما بتفهم انا قلت انك مابتنتج افكار) .. فقال لي: ( دى ذاتها ما صاح انا منذ ان كنت في مكتب الطلاب عملت افكار جديدة) .. فقلت له (ممكن تكون افكار عامة) .. وقبل ان انهي كلامي باغتني قائلا: (انا متهمك انو ادوك قروش).. ولعل ذلك كان مقصده من مناداتي، فقلت له: (انت ما كنت مدير الجهاز وعارف اي حاجة وبي بساطة تقدر تعرف ادوني كم واداني منو؟) .. فقال لي: (مابينك وبينو بس) فقلت له ( تقصد منو؟) فأجابني: (محمد عطا) .. قلت له: (دي بسيطة شوف واحد من الصحفيين المعاك ديل وخلي يعمل معاي حوار ويسالني عن محمد عطا شوف اقول رايي فيهو كيف).. فحرك يديه الي الامام قائلا: (ماتمشي الجرايد وتقول كلامك في محمد عطا) .. فقلت له: (امشى الجرايد براي واطلب منهم حوار واقول ليهم اسالوني عن محمد عطا؟!! .. دي كده مابتبقي) .. ثم اضفت له: (بعدين ياصلاح انت وكت كنت مدير كبير مش عرضت علي وظيفة عليا في شركة النيل الكبرى للبترول قبل انفصال الجنوب؟) .. رد علىّ بالإيجاب (ايوا و انت رفضت) .. فقلت له (يعني انا الرفضت الوظيفة ديك هسي خلاص جعت شديد ومشيت افتش القروش من محمد عطا بي نبذك في الجرايد؟!!) .. قال لي: (علي كل حال الكلام الاتنشر كعب خالص).. فقلت له (علي كل حال دا رايي) .. ولم اشا ان احمل الصحفي المسئولية وهو للحقيقة لم يكن امينا في عرض حديثي. ثم اشار صلاح قوش الي حسب الله عمر الذي كان يبعد عن مجلسنا قليلا وقال لي: (داك حسب الله القلت بيديني الافكار) .. فالتفت الي حسب الله عمر وسلمت عليه من علي البعد اذ انني اصلا لا احبه وكان يجلس الي جواره عبد الرحمن عمر بشير الاخ غير الشقيق للبروفسير محمد عمر بشير والذي خاطبني قائلا: (لوكان حسب الله بيديك قروش ما كنت قلت كلامك دا فيهو) فقلت له غاضبا يديني قروش انا يا.............) فقال لي(......) .فقلت له (ايوا) .ثم قلت له بصوت عال من بعد ان انتصبت واقفا (انتو عندكم قروش دي ماقروش الشعب السوداني انا بعرفكم كلكم اوضاعكم كانت كيف قبل الانقاذ وهسي اوضاعكم كيف) وانطلقت لاقول ما شاء الله لي ان اقول. فصار صلاح قوش يمد يديه يقول لي: (ياعمار الفاتحة) بما يعني (خلاص امشي) .. ولكنني ظللت في حالي اتحدث بغضب الي ان جاءني السيد مدني عبد الوهاب شقيق المرحوم ورفع لي يديه بالفاتحة و مضيت خارجا من المكان احتراما لمدني وللمناسبة.

مشهد اخر مع صلاح قوش من بعد توليه منصب مدير الجهاز حين حضرت الي مكان المأتم وسرادق العزاء منصوبة لاعزي في وفاة والد وزير المالية بدر الدين، وعند مدخل السُرادق لاحظت ان صلاح قوش كان يجلس والي جانبه الحاج عطا المنان وبعد ان رفعت يدي بالفاتحة لاهل الميت حاولت ان اتجنب المرور بهما ولكن الحاج عطا المنان انتصب واقفا ليصافحني فلم يكن امامي من بد سوي ان ارد التحية باحسن منها للاخ الحاج عطا المنان ثم مددت اطراف اصابعي الي قوش وقد اشحت وجهي عنه. كان ذلك في تلك الايام التي استخدم عمر البشير صلاح قوش ضد من كان يسميهم القطط السمان.

واثناء جلوسي امام سرادق العزاء تحرك قوش من مكانه واتجه نحوي فوقفت له ،ثم قال لي وهو يشدني اليه معانقا: (انا مش اخوك انا مش صاحبك انا مش ود عمك ليه بتسلم علي كده... واللا البعمل فيهو ده ما عاجبك؟!!).. صحت فيه بغضب: (طبعا مابيعجبني وما ممكن ابدا يعجبني) ... رد علي: (انت ذاتك بجيبك) ... فقلت له: (والله مابتقدر) وانا الوح باصبعي امام وجهه ،فاصبح يردد (والله بقدر والله بقدر).. فقلت له: (انت عندك حاجة اكتر من الموت والله الموت زاتو انا ما خايف منو انا مابخاف غير الله) .. فقال لي: (انت الله ذاتو.....) ولم يكملها ثم مضي لسبيله يحيط به حراس غلاظ وتنتظره عربات فارهات... اتصلت بابني اخبره بانه سوف يتم اعتقالي ولكن ذلك لم يحدث.

كان صلاح قوش قد تعامل بقسوة بالغة مع من اطلق عليهم عمر البشير (القطط السمان( وهم مجموعة من رجال الاعمال بعضهم ليس لديه علاقة بالانقاذ والسياسة. ولكن توسعت ثروتهم ابان عهد الانقاذ وقليل منهم من كوادر الحركة الاسلامية مثل عكاشة الذي مارسوا عليه ضغوط فوق احتمال البشر افقدته صوابه ومات منتحرا تحت التعذيب النفسي العنيف وكان يقول لهم (بالطريقة دي انا بنتحر) فقد كانوا يعذبونه نفسيا حينما ينقلون له أن احوال اطفاله الان سيئة للغاية وهذه من وسائل التعذيب النفسي التي يستخدمونها وقد استخدمت ضدي في بيوت الاشباح في العام ١٩٩٣وحتي ١٩٩٤ حينما كانوا يأتون باطفالي وزوجتي ويستخدمونهم كوسيلة ضغط وتعذيب نفسي كان ذلك في عهد ادارة نافع علي نافع لجهاز الامن ونائبه اللواء حسن ضحوي (حسن كيس) وتولي عبد الغفار الشريف التحقيق معي.

حين كان عكاشة يصرخ ويقول انه سينتحر اغلق فرد الامن باب الزنزانة في وجهه قائلا (ماتنتحر لو عاوز تنتحر) وكانوا يخرجون المعتقلين كل واحد من زنزانته من بعد ان تفتح لهم الابواب ليتناولو افطار رمضان مع بعضهم البعض ولكن عكاشة لم يخرج كالعادة وظلوا ينادون عليه فلا يجيب .. فدخل أحد الأفراد الي زنزانته ثم خرج منها مرعوبا!! .. اذن فقد أدي التعذيب النفسي الي ان يفقد عكاشة عقله وينتحر مستخدما حبل (المرتبة) الذي يكون في اطارها ومزق (عراقيه) الي قطع صغيرة صنع منها طوق المشنقة حول عنقه وربطها بحبل (المرتبة) وربط الحبل في واجهة مكيف الهواء من بعد ان صعد علي حافظة مياه الشرب ووضع الحبل حول عنقه ثم دفع الحافظة برجله واشتد حبل المشنقة علي عنقه من بعد ان اصبح معلقا في الهواء حتى لفظ أنفاسه .. وهكذا مات منتحرا. هذا عن انتحار عكاشة والذي كان من الاسلاميين وعضوا في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم برئاسة فتح الرحمن محمد خير ومن اعضائه الوليد فايد وهو ذات الاتحاد الذي سُجنت بسبب كشفي تزوير الانتخابات فيه في العام ١٩٩٣..

اما بقية المعتقلين ممن كانوا يطلقون عليهم القطط السمان فقد اطلق سراحهم مقابل مبالغ مالية ضخمة باعتبارها تسويات وخرج الكثير من اولئك التجار من زنازين الامن بتشوهات نفسية حادة وبعضهم اصيب بمرض نفسي عضال وانهيار عصبي اقعده تماما. اما اسرهم وذويهم فحدث عنهم ولاحرج ولقد شقيت ايما شقاء في تلكم الايام والكثير من الاسر تنتظرني ان افعل لهم شيئا باعتبار علاقتي مع مدير الجهاز صلاح قوش ولكنني كنت حين اجده واحدثه في امر اولئك االمعتقلون يهز راسه بالرفض و يرد علي باطلاق صوت مكتوم دون ان يفتح فمه.. ومابين تأوهات الابناء والزوجات وانين الامهات تجدني ممزقا داخليا فالامر يتعدي اولئك الاشخاص ليشمل كل من حولهم خاصة الاطفال. وقد اقتحموا منزل الاخ محمد اسماعيل صاحب شركة (مام) في الساعات الاخيرة من الليل يضربون الابواب بعنف حتي فتحت لهم ثم يَمّموا صوب غرفته الخاصة يحدثون جلبة وضوضاء واستيقظت الطفلة الصغيرة حديثة الولادة مفزوعة شاخصة العينين وهي تصرخ واقتيد والدها من غرفة نومه تحت تهديد السلاح من بعد تفتيش الغرفة ثم اصبحت الطفلة وامها وحيدتين مروعتين مرعوبتين وظلت تفزع وتصرخ كلما دخل عليهم داخل الي البيت.

اما ذلك النائب البرلماني رجل الاعمال فضل محمد خير والذي لم يستطيعوا رفع الحصانة عنه لاعتقاله بسبب رفض البروفيسور ابراهيم احمد عمر رئيس المجلس الوطني ذلك. وحتي يمارسوا الضغط والتضييق علي رئيس المجلس الوطني والنائب البرلماني في عهد حكومة البشير فقد جعل جهاز الامن بيته ثكنة من ثكناتهم تري عرباتهم تتوزع في المكان وجنودهم يفترشون الارض امام باب منزله. يراقبونه ويحصون انفاسه واذا خرج من بيته لاداء غرض ما تبعوه بعرباتهم واسلحتهم حتي انه تمني ان لو تم القبض عليه واودع السجن وهذا ماحدث بالفعل اخيرا.

تمت التسوية مع من كان يطلق عليهم (القطط السمان) واُخِذت اموالهم بغير وجه حق ولم يقدموا للعدالة الا البعض منهم وقد اخذت منهم اموال تلك التسويات وهي ملايين الدولارات ولست ادري الي اين ذهبت فقد ذكرت لجنة التفكيك ان مبلغ ال٥٠ مليون دولار التي اُخِذت من فضل محمد خير لم تورد الي الخزينة العامة. وخرج بعضهم ووجد انه تم العبث بممتلكاته واستغل شركائه غيابه ففعلوا به الافاعيل. والكثير منهم اصيبوا بامراض مزمنة وعلل. ولم يكن يخطر ببال احدهم ان يحدث لهم ماحدث. فهم من تعودوا على حياة الدعة والعيشة الرغدة ولكنهم اودعوا حراسات مغلقة وسجن عتيق ومن حياة القصور والعربات الفارهة جاء بهم صلاح قوش الي ذات الامكنة التي مكث فيها هو من قبل سبعة اشهر كاملة.

ومن قصصي مع صلاح قوش اننى اتصلت به ذات نهار اسأله عن مكانه فأجابني بانه قرب الفلل الرئاسية ثم سألني: (عندك ونسة لي).. فاجبته: (بالحيل عندي ليك ونسه جد) .. طلب ان نلتقي عند المساء في منزل الخليفة عبد المجيد والذي كان قد عاد لتوه من القاهرة من بعد رحلة علاجية. وهنالك وعلي شارع المطار التقيت بصديقي صلاح قوش وكان قد سبقني في الوصول . وما ان فرغت من مصافحة الحاضرين حتى انتحي بي جانبا يسألني عن الامر وياله من امر فهو يتعلق بمؤامرة للاطاحة بالرئيس البشير اثناء زيارته لروسيا. وقد احكمت المؤامرة واستكملت حلقاتها وفيها ضباط كبار ورجال اعمال ووجهاء فى المجتمع ونافذين في الدولة والحزب الحاكم وان صلاح قوش هو( مايسترو) هذا السيناريو والذي يتضمن احلال بكري حسن صالح مكان الرئيس، لكن بكري حسن صالح افشل العملية تماما برفضه ان يخون صاحبه الرئيس .. كان صلاح قوش يستمع الي باهتمام بالغ وهو مطرق. وما إن انتهيت من حديثي حتي انتصب واقفا وذهب الي الحمام ثم اشار الي ان اصحبه و دون ان يودع اهل البيت ويبدو ان الامر ازعجه لانه بدا مهموما جدا. وفور خروجنا من الصالون الفخيم امسك باصبعي وسألني..( ياعمار الكلام ده جبتو من جهة مهمة ولا لقطتو ساكت) .. فاجبته وقد خفت صوتي: (جبتو من بيت الكلاوي) .. وامام دهئشتي رد عليّ: (على كل حال الكلام القلتو ده كلو صاح لكن في ناس اي حاجة تحصل بيزقوني فيها).. ولست ادرى من يعني بالناس الذين يزجون باسمه دائما!! .. وافترقنا ولم يمض يومان او ثلاثة حتي سمعنا ان رئيس الجمهورية قد عين صلاح قوش مديرا لجهاز الامن والمخابرات .. ومابين مصدق ومكذب وبين دهشة الجميع كان اداء القسم في منتصف النهار في بيت الضيافة، وقد ذكر لي رئيس القضاء الراحل مولانا حيدر احمد دفع انه اُستدعي فجاءة لحضور مراسم اداء القسم لمدير جهاز المخابرات الجديد المتجدد.
وكان البشير بهذه الخطوة كمن يسعي لحتفه بظلفه ،و قد كتبت في ذلك اليوم بصفحتي في الفيس بوك بيت الشعر العربي(ومن يجعل الضرغام بازا لصيده.. تصيده الضرغام فيما تصيدا).

وتذكرت يوم ان كان مجلسنا قرب برج الاتصالات في شارع النيل وقلت لصاحبي (ياصلاح اطلع من البلد دي بالاسرار العندك دي بتسقط النظام).. فاجابني: (ليه اطلع .. من جوه هنا مابقدر اسقطو)!! واكتفيت بالصمت حينئذ ولم ارد عليه) .. وتمر الايام وانا اجلس اليه نهارا في ساحة مكتبه بحي نمرة 2 ننتظر مولانا شيخ تاج السر ود الفكي ابراهبم وكان قد تأخر علينا كثيرا. اذكر انني قلت له: (ياصلاح انت ربنا سلّطك في بداية الانقاذ علي المعارضة تعبتهم تعب شديد طلعت عينهم وتاني جاء ربنا سلطك علي الترابي وناس الشعبي نجضتهم نجاض والظاهر انو حيسلطك تاني علي ناس الحكومة ديل) قلت له ذلك فضحك ملء شدقيه حتي كاد ان يسقط علي قفاه.

واذكر حين روي لي قوش كيفية كشف مقر الاستاذ محمد ابراهيم نقد والذي اختفي اثناء هجوم الخليفي علي منزل بن لادن في الرياض فانشغلت قوة حراسته بالرد علي المهاجمين فاستغل نقد الفرصة للاختفاء وانقاذ الحزب من القرصنة التي قامت بها مجموعة الخاتم عدلان والحاج وراق علي المؤسسات ... قال لي صلاح قوش انهم كانوا يراقبون الاستاذ كمال الجزولي وعربته الحمراء وجاء في تقرير المتابعة ان عربة كمال كانت تقف بعيدا ويأتي اليه رجل كبير في السن ويركب معه في السيارة فاستدعي صلاح قوش ذلك الشخص الذي كان قد عرض على الحركة الاسلامية تقديم معلومات من داخل الحزب الشيوعي وذلك من بداية الثمانينات فاستدعي صلاح قوش ذلك الشخص ليعرفه علي ذلك الرجل المسن الذي يركب مع كمال الجزولي فلماراه قال لهم بانه نقد .. فقام قوش بتكليف احد الضابطات في الجهاز والتي تسكن في ذلك الحي الا تأتي الي العمل وحدد مهمتها فى رفع تقارير عن جميع من يسكنون بالحي .. وفعلا ذكرت في احد تقاريرها ان هناك رجل مسن يسكن في احدي الشقق .. وكان ذلك الرجل هو الاستاذ محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني والمختفي منذ زمن. اخبر قوش الرئيس البشير انهم اكتشفوا او عثروا علي مقر محمد ابراهيم نقد وانهم بصدد عملية لاعلان ذلك. وكان قوش كما اخبرني قد كلف نائبه محمد عطا بمراقبة وتطويق المكان ثم جاء لاحقا ومعه محمد عطا يرافقهما التصوير التلفزيوني وجلسا الي نقد واعلن في التلفزيون الرسمي ان مدير الجهاز ونائبه سجلا زيارة للسكرتير العام للحزب الشيوعي ، الاستاذ محمد ابراهيم نقد بمقر إقامته....الخ .. بعد حين ذهبت الي نقد في منزله وكان يبدو عليه التأثر الشديد ولا ادرى لماذا كانت تغالبني ضحكة بررتها بقولى له: (صاحبي صلاح قوش ده بيستمتع بالعمليات الزى دي.. فقال لي: الزول الداهم الشقة اتفاجأ بانو لقاني).

واذكر انه حينما مر بي الصديق صلاح قوش في تلكم المناسبة وهو يلبس جلبابا وعمامة امسك قبضته وضرب علي صدري قائلا.. ياعمار الاسرار الفي صدرك دي اصبر عليها.. ثم مضي في طريقه وهو يطلق الدخان المنبعث من فهمه في الهواء ولم ينتظر ردى عليه ولكنني قدرت في نفسي انه كان يكلم نفسه من خلال الحديث معي وهو ذات الشئ الذي كان يفعله كارلوس كلما مر بزنزانتي ويقول لي: be strong وانا الذي ظللت في تلك الزنزانة في الحبس الانفرادي لما يقرب من الاربعة اشهر وهو لم يمر علي مجيئه يوم او يومان ،فلاشك انه كان يحدث نفسه من خلالي وكان احد المعتقلين قد ذكر لي انه رأي صلاح قوش وهو ياتي بذلك الرجل والذي لم نكن ندري انه كارلوس .. أتى به مصفد اليدين بالكلابيش .. ذكرت ذلك لصلاح ..فكان رده لي: قال ليك انا جبت كارلوس ويطلق ضحكة.. فعل ذلك مرتين وهو يحب المغامرات ويجد نفسه في المصائب ، ولم تكن تلك المرة هي التي سلم فيها كارلوس ولكن حينما قبض عليه وهو يقتلع المسدس بطريقة دراماتيكية من يد ذلك الشاب الذي أخرج مسدس وشهره في وجه كارلوس فاستخدم كارلوس قدمه بمهارة ليطيحه في الهواء ثم يستقر في يده .. وقد قبض عليه وقال لي صلاح قوش انهم قاموا بتحويله من البوليس الي الامن حتي لا يكتشف امره.

واذكر اننا كنا نجلس نتآنس ومعنا الاخ توت قلواك مرة قرب برج الاتصالات ومرة قرب عفراء عند ست بائعة شاي ثم سافرنا معا الي مروي وبتنا ليلتنا تلك في منطقة البلل بنوري في منزل الاخ صلاح قوش واستيقظنا انا والاخ توت قلواك من قبل أن يتبين الخيط الابيض من الخيط الأسود من الفجر ففي هذه الساعة من المقرر أن تغادر نوري الي الخرطوم وكان الاخ صلاح قوش بانتظارنا في صالة بيته الكبير وقد توقف توت معه برهة من الزمن قبل أن يلحق بي قرب السيارة المرسيدس الفارهة وفيها السائق ينتظر ركوبنا فجلس الاخ توت في المقعد الأمامي واتخذت المقعد الخلفي مكانا لي وانطلقت السيارة بنا بسرعة البرق حتي كادت من شدة سرعتها أن تقفز من فوق الارض ورغم ذلك لم نكن نشعر باهتزاز داخلها وقطعنا مسافة أربعمائة كيلومتر من مروي حتي الخرطوم في اقل من ثلاث ساعات والشمس في بداية شروقها.

وتظل الأخوة بيننا باقية والود والاحترام متبادلا ومقيم .وتمتد العلاقة الأخوية بيننا منذ العام 1981 عند دخولي جامعة الخرطوم .وكنت اهاجمه منذ ذلك الزمان. واذكر أنني قمت في المؤتمر العام اللاتجاه الاسلامي بمهاجمة الإخوان الذين يدخنون السجائر ويسفون السعوط. وكان الاخ صلاح قوش حاضرا ذلك المؤتمر وهو من الذين يدخنون السجائر هو وحسب الله عمر وابن عمر محمد احمد بينما كان الاخ بكداش احمد المصطفي من الذين يسفون السعوط. . لكن بعدها احسست بتأنيب الضمير انني هاجمت اخي وصديقي فصرت كلما ألقاه اسلم عليه بحرارة بالغة تنطوي علي اعتذار مبطن عن مهاجمتي له ليلة أمس. فسمعته يقول لآخر وهو يضحك (عمار دا قايلني زعلان من كلامو امبارح) قال ذلك وهو ينفث دخان سيجارته في الهواء .

لست من الذين يهاجمون الرجال حينما يفقدون السلطة واهرع إليهم تاتيهم طائعة مختارة. بل إنني علي عكس ذلك يشتد نقدي وتقريعي للذين هم في السلطة. حتي اذا مانزعت منهم رق قلبي لهم .. ولكن صلاح قوش الان لا هذا ولا ذاك فلا هو بالضعيف مسلوب الإرادة ولا هو بالقوي المتحكم بل إنني أعتقد أنه في موقع يؤثر علي الأحداث ليس علي مستوي الداخل ولكن علي مستوى الإقليم كله . وانا لا اقصد الإساءة إليه والتقليل من قدره. فهو اخي وصديقي ولكنني لست مثل (.....) لحم اكتافي من خيره وقد ظل وفيا لي وظللت وفيا له حتي هذه اللحظة. ولكن من طبعي العناد كلما حاول أقوام أن يثنوني عن أمر ما اشتدت رغبتي فيه وهذا ما حدث حينما تكاثر علي (القوّاشة) وهم علي وزن (القحاتة) يحاولون الضغط علي أو التأثير ولا يدركون ذلك عني مطلقا. وقد قال المثل السوداني (التركي ولا المتورك) ويلزمنا أن نقول هنا (قوش ولا المتقويش)..
أما اخوانه وأهله فإنني أتفهم غضبتهم المضرية كلما (هبشت) في حديثي صلاح قوش. فهم لايقبلون فيه كلمة خاصة إذا كانت من شخص قريب منه مثل شخصي الضعيف .ولكن رغم ذلك لا اعطيهم الامان فإنني سأكتب عن صلاح قوش متي ماعنّ لي ذلك باعتباره شخصية عامة سياسية وأمنية. وانا لا استطيع ان الجم نفسي عن الحق حتي وان كان علي نفسي والحق بطبعه مُر ولايراعي الزمان والمكان.

والغريب في الأمر أن محمد الإبن البكر لصلاح قوش، رجل فاهم وعاقل ومهذب ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالاسلاميين مثل أعمامه ،كذلك ابنيه الصغيرين في غاية الادب وبالطبع فإن صلاح قوش لايجد فرصة لأن يكون بينهم فهو يأتي من مكتبه عند ساعات الصباح الأولي ويعود إليه بعد ثلاث أو أربع ساعات وذلك تقريبا طيلة أيام الإنقاذ وحتي حين أبعاده عن الوظيفة الرسمية فهو لايكف عن العمل عبر مصادره ووسائله المختلفة بل لربما تكون الرغبة في العمل عنده اشد .

الاخ صلاح قوش علي المستوي الأخوي والإنساني شخص لطيف وفيه نزعات أخري نسمعها ولم نرها وقد سبقني الي ذلك الراحل حميد حينما أجرت معه مجلة الخرطوم لقاءا قال فيه إنه لايصدق ماتقوله المعارضة عن صلاح قوش .. ومن المؤكد أن صلاح قوش الامس ليس هو صلاح قوش اليوم . وفي أخر مكالمة له معي كان يتحدث اللغة العربية الفصحي ولم يذكر لي اسمه وكلما اطلب منه ذكر اسمه كان يدخل في دوامة من الضحك ثم قال لي بالدارجي(دايرني اقول ليك انا منو عشان تمشي تشيل حالي؟) .. فعرفته من صوته وقلت له اوووووه صلاح قوش ،وقلت له ماشاء الله لغتك العربية قوية . فأجابني انا تطورت كثيرا ثم تطرقنا لعدد من المواضيع وذكر فيما ذكر انه يأتي كثيرا الي الخرطوم..

وفي مكالمة لي مع الاخ صلاح قوش في يوم التوقيع علي الاعلان السياسي بعد ثورة ديسمبر إنبري مدحا وتقريظا في الاعلان وحدثني اننا سوف نعيش في ظل دولة مدنية متطورة وانه قد انتهي عهد الدولة الدينية ، لكنه استدرك قائلا: يأتيكم احد الذين يطلقون لحاهم ويحكمونكم باسم الله كان في تلك اللحظات من الحديث منسحم مع نفسه تماما ومرتب الافكار لدرجة ادهشتني. وسألته: لماذا لاتبث مثل هذا الحديث عبر تسجيل فيديو؟.. فأجابني دعني أُقلّب هذه الفكرة في رأسي .. وعندما سألته عن حقيقة مايقال بانه سيكون الشخص الحادي عشر في مجلس السيادة.. اجابني بانه لم يسمع بذلك .. حدثته عن الامر وان وجوده سيوزن هذا الامر فرد علي قائلا: وجودي سيوزن اشياء كثيرة!! .. شكرته علي المبلغ المالي الذي بعث به اليّ وانتهت تلكم المكالمة التي اشاد فيها بحميدتي وآثر الصمت او متابعة الحديث حينما تطرقت للتدخل الاجنبي في الشأن السوداني.

اورد ذلك وكانت قد تغيرت لهجة المتحدثين باسم قوي الحرية والتغيير عن صلاح قوش وانكشف المستور عن علاقة الأخير بثمانية عشر شخصا ممن يبدون الان للعيان. ورغبة صلاح قوش الملّحة والعارمة في الوصول الي قمة السلطة امر لاتخطئه العين فهو شره للسلطة بشكل لايوصف حتي إننا لنخشي عليه من مغبة ذلك وكم سنحت له الفرصة ثم ضاعت.

من ناحية أخري وحينما أراد مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش تبديل مدير مكتب الرئيس طه عثمان باللواء ابوبكر دمبلاب ثارت ثائرة طه والذي كانت تجمعه علاقة وثيقة بعبد الغفار الشريف والذي كانت بينه وبين صلاح قوش عداوة بسبب أن مجذوب الخليفة كان يعمل علي تقوية عبد الغفار الشريف داخل الجهاز ليكون بديلا لصلاح قوش ومن ذلك أن أن عبد الغفار قام بمنح ضابط كبار في الجهاز عربات خاصة علم بها المدير العام صلاح قوش واجبر عبد الغفار علي جمعها منهم وايقافها أمام مكتبه ثم استلام مفاتيحها والصعود بها لتسليمها للسيد المدير .ثم قام بنقله الي سفارة السودان بسوريا ..وهكذا تآمر كل من عبد الغفار الشريف وطه عثمان وامراتان واُحكِمت الخطة التي أدت إلي أن يفقد صلاح قوش منصبه ويتحول الي مستشار. وتطور هذا الصراع واستفحل واشتد اواره واتخذ أشكالا مختلفة خاصة وأن كل من الطرفين أصبح يستقوي خارجيا فطه عثمان أصبح جزءا أساسيا من محور السعودية الإمارات وذهب في ذلك مذاهب شتي وقطع شوطا بعيدا حتي وصل الأمراء واولياء العهد. إلا أنه ظل قاصرا عن إكمال العلاقة مع هذا المحور بإقامة علاقة مع جمهورية مصر العربية ذلك لأن غريمه صلاح قوش ثابت الخطي بارض الكنانة موطّد الأركان فيها ومنذ عهد الفريق عمر سليمان..

ولكن وبرغم كل التحولات والتغيرات فإن علاقة البشير وطه ظلت متصلة ولم تنقطع وبينهما وداد..!! .. اما علاقة صلاح قوش الشخصية مع الرئيس فلم تكن علي مايرام وكان صلاح قوش قد قال لي من قبل، أن اخوان الرئيس وأهله يدعمون علاقة البشير مع بكري وعبد الرحيم باعتبارهم اهل ثقة ويطمئنون إليهم ولكنهم لا يثقون فينا نحن وناس علي عثمان والجاز لأنهم بيعتقدوا أننا ممكن نبيع الرئيس وهنا أطلق ضحكة خفيفة.

وبعد أن اقال الرئيس البشير صلاح أثار هذا الأمر غضبا في اوساط الشايقية حتي أن الشيخ كبوش وفي تلك الليلة بمنزل قوش تحدث بصوت متهدج غاضبا مما حدث .. وبعد أيام من إقالة قوش تصادف ان كان عندنا عقد زواج من اهلنا فى القرير بمسجد النور ورأيت البشير يجلس في عقد زواج اخر لأهله ،وحينما وقف لينصرف قلت له: عندنا عقد شايقية ما تحضروا ؟ .. فقال لي جدا ياعمار نحضروا معاكم .. فباغته قائلا: لكن الشايقية كابسين منك كده (وضممت يدي اليسري وضربتها كفي اليمني)، فتغير وجه الرئيس البشير سلبا لثواني قليلة ثم ركب لي وجه آخر حتي غدا شرامي من شرامة كوبر ورد علي قائلا: (بنفّسهم ليك بي دبوس) ثم أردف قائلا (طيب القاعدين الباقين ديل مايحردوا )فقلت له علي الفور: (الاستاذ احمد خير المحامي قال عن أهله الشايقية راجلنا عينة وباطلنا عينة) فرد البشير قائلا: دا كلام صاح مية المية ثم انصرف دون أن يشهد عقد زواج أهلنا.

وبعد عدة أيام وفي مناسبة مهرجان الشعر العربي بقاعة الصداقة والذي افتتحه البشير وبينما كنا نهم بالخروج قابلت طه عثمان وناديته طه طه مرتين فلم يجبني ،وكان بالقرب منا الفريق بكرى حسن صالح فرفعت صوتي قائلا (ياسيادتو بكري طه دا ما سامعني ولاشنو ؟) .. هنا التفت طه الي وقال غاضبا: (ايوا سامعك لكن مطنشك) .. فناداه الفريق بكري: (تعال ياطه سلم علي عمار) .. فاندفع نحوي وامسك بيدي وهو يقول غاضبا: (تقول للرئيس الشايقية زعلانين منك عشان شلت صلاح قوش هو صلاح زاتو شايقي؟) فقلت له (ايوا شايقي) فرد قائلا (طيب علي عثمان ماشايقي؟!) فأجبته ببرود (علي عثمان برضو شايقي) وكان طه مرتبكا شيئا ما.

ما أعرفه عن صلاح قوش أنه لن ينسي ثأره وقد انتقم من البشير ومن عبد الغفار الشريف ولم يتبق له الاّ طه عثمان.

وكنت قد كتبت لقوش هذه الرسالة حينما منعته الولايات المتحدة دخول أراضيها:

صديقي العزيز.. صلاح عبد الله محمد صالح (قوش)

احييك بتحية الاسلام السلام عليك ورحمة الله وبركاته

انت من اب مسلم صحيح الاسلام ومن ام مسلمة كذلك وانخرطت في صفوف الحركة الاسلامية باكرا واني لأظن انك كنت تعتقد انها الطريق الي الجنة واسلمت امرك لها وكرّست حياتك كذلك وقد بذلت عمرك في سبيلها وقدمت النفس والنفيس من اجلها حتي انك قد انصرفت اليها تماما وتركت الاهل والولد وغصت في اعماق التنظيم ودروبه المتشعبة وانت تعمل في المجال التنظيمي في اجهزة تنظيم الاتجاه الاسلامي بالجامعة وفي اتحاد الطلاب حينما كنت عضوا فيه ولم اكن اعرفك وانت في مدرسة بورتسودان الثانوية حين كنتم بين حلقات التلاوة وصلوات الجماعة ولكني التقيتك في جامعة لعام واحد كنت قد تاخرت فيه انت في الدراسة وكنت وحسب الله عمر اول من التقاني حينما كنتما عضوان بالمكتب السياسي للاتجاه الاسلامي بجامعة الخرطوم حين كان امينه العام طالب القانون الديرديرى محمد احمد واخبرتماني بانني تم اختيارى لاكون ضمن قائمة اصلب العناصر لاصلب المواقف كما يحلو للاسلاميين ان يطلقوا ذلك علي قائمة الاتجاه الاسلامي لانتخابات طلاب جامعة الخرطوم.

ثم اني عملت معكم او تحت اشرافكم وانتم في مكتب الجامعات يوم ان كنت في الامانة العامة للتنظيم بجامعة الخرطوم واستمرت العلاقة المتقطعة وانت في شركة دانفوديو وتقيم في مبني بنك التضامن شارع البلدية قبل اكتماله وتمارس نشاطك الامني من هناك في بداية الانقاذ من قبل انضمامك الي جهاز الامن رسميا. وسبق ان قلت لي في لحظة صدق: كيف يعينوك مديرا لجهاز امن السودان وانت لم تدرس العلوم الأمنية في اي مكان لا في الداخل ولا الخارج؟.

واذكر انك قد قلت لي انك تعتمد في عملك الامني علي المصادر فحين تأتي قائمة الطلاب المقبولين في الجامعة من الاسلاميين تطلع علي التقارير المكتوبة عنهم ثم تختار من تختار وتسحب اسمه فلا تعلم به حتي قيادة التنظيم في الجامعة وتأخذه مباشرة الي الترابي ليزوده ببعض النصائح والتوجيهات وليشعر باهمية ماهو مقبل عليه ثم تقوم بزرعه في احدي التنظيمات واستغرقت في ضحك شديد حينما اتاك ذلك المصدر المغوّص في الجبهة الديمقراطية وشكي لك من انه لايستطيع ان يؤدي الصلاة فما كان منك الا ان ذهبت به الي الترابي.

مواقف واحداث ذكرت بعضها ولم اذكر الاخر والصراع بينكم والاخ بكداش احمد المصطفي وشركة قمم ثم الصراع بينك وبين عبد الغفار الشريف في عهد مجذوب الخليفة ومع طه عثمان من بعد وحتي اخر مواجهة بيننا في القيادة العامة بعد انتصار الثورة واخر المكالمات بعد خروجك من السودان.ورغم وقوفي ضدك مرتين في الدائرة 5 مروي واختلافي معك الا انني كنت اعلم انك تتحين اللحظة المناسبة للانقضاض علي عمر البشير وزمرته ليس حبا في الثورة والثوار ولكن انتقاما لنفسك من بعد ان غدروا بك ولا اعتقد ان لديك الرغبة في الانتقام.. وتجدني اليوم اقف الي جانبك واشد من ازرك وانت تقف وحيدا وقد تخلي عنك الامريكان وكنت نصيرهم في اخر مكالمة بيني وبينك ولم يكن الحديث مباشرة ولكنني افهم مابين السطور وفي اخر تنوير لك لشباب المؤتمر الوطني حدثتهم انكم مع محور مصر السعودية الامارات.. فلا عليك ياصديقي فان الله لايغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وكل مافعلته هو دون ذلك وان الله يغفر الذنوب (جميعا) وقد ذكرت لي انك صادق في انتمائك للطريقة الختمية والختمية سفينة نوح فاركب معنا فانت منا والينا ولن نتخلي عنك في لحظة من اللحظات وقد كنا الي جانبك وانت تواجه السجن وتم اعتقالي والتحقيق معي في ذلك ومرة اخري انا معك وساظل معك وان تخلي عنك الاخرون.

اخوك في الله
عمار محمد ادم (الكوز التائب)