الهدنةُ الإنسانيةُ في السودان- واجبٌ وجودي أمام انهيارِ مقوّماتِ الحياة

الهدنةُ الإنسانيةُ في السودان- واجبٌ وجودي أمام انهيارِ مقوّماتِ الحياة


11-02-2025, 02:18 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1762093091&rn=0


Post: #1
Title: الهدنةُ الإنسانيةُ في السودان- واجبٌ وجودي أمام انهيارِ مقوّماتِ الحياة
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 11-02-2025, 02:18 PM

02:18 PM November, 02 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر






لم تعد "الهدنة" في السياق السوداني مجرد أداة دبلوماسية عابرة، بل تحولت إلى قضية وجودية تمثل الفارقَ الجوهري بين بقاءِ أمةٍ أو اندثارها. فالحرب الدائرة لم تُصنف فقط كنزاعٍ على النفوذ والسلطة، بل تجاوزتها لتكون كارثةً منهجيةً تطحنُ
كرامة الإنسان وتدمرُ مقومات الدولة الأساسية. المشهدُ الإنساني يتجاوزُ كلَّ تصور: ملايين المشردين، بنيةٌ صحيةٌ منهارة، أطفالٌ يواجهون المجاعةَ بأجسادٍ نحيلة، ومدنٌ محاصرةٌ تئنُّ تحت وطأة الحصار. وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن ما بين
عشرين إلى ثلاثين مليون إنسان باتوا رهينةً لاحتياجاتٍ إنسانية عاجلة، بينما تشرد الملايين قسراً من ديارهم. هذا الحجمُ من المعاناة لا يحتملُ المماطلة أو المناورة؛ إنه يصرخُ بوجه العالم: "كفى!"
الهدنةُ ضمانةٌ للبقاء.. وليس ترفاً تفاوضياً
تشكل الهدنة الإنسانية ضرورةً حتميةً لعدة أسباب جوهرية:
أولاً: تُمثّل الهدنة شريانَ حياةٍ مباشراً لإنقاذ الأرواح المهددة. فهي تفتح نافذةً زمنيةً آمنة لمرور الغذاء والدواء، وتتيح إخلاء الجرحى والمرضى إلى مرافقَ طبيةٍ قادرةٍ على استقبالهم.
الدراسات الميدانية وخبراء الإغاثة يؤكدون أن فترات التهدئة المبكرة تخفضُ عددَ الضحايا بشكلٍ ملحوظ، وتمنحُ فرقَ الإغاثة هامشَ حركةٍ ضروري لتوصيل المساعدات.
ثانياً: تحمي الهدنةُ الفئاتَ الأكثر ضعفاً، وخاصة الأطفال والمرضى.
فالهجماتُ المتكررة على المرافق الصحية، وفرضُ الحصار على المدن، أوصل النظامَ الصحي إلى حافة الانهيار التام. تقاريرُ موثقةٌ تُظهر معاناة آلاف الأطفال من سوء التغذية الحاد في مناطق مثل الفاشر
مما يستدعي تدخلاً عاجلاً لتأمين وصولِ المساعداتِ الطبية والغذائية.
ثالثاً: تمنع الهدنةُ تداعياتِ الأزمة من التمددِ إقليمياً. فموجاتُ النزوحِ الهائلة تشكل ضغطاً غير مسبوق على دول الجوار، مما يهدد باستقرارِ منطقةٍ بأكملها.
الهدنةُ تُشكل صمامَ أمانٍ لإدارة تدفق النازحين، والحيلولة دون تفكك النسيج الاجتماعي لمجتمعاتٍ بأكملها.
رابعاً: تُعدُّ الهدنةُ مدخلاً أساسياً لأي حلٍّ سياسيٍ مستقبلي. فهي تخلق مساحةً من الهدوء النسبي، تمهّد لبدء مفاوضاتٍ جادة بعيداً عن وطأة القصف اليومي. أبحاثُ حل النزاعات تؤكد أن "فترات التهدئة" تزيد من فرصِ تحقيق اتفاقياتٍ أوسع وأكثر استقراراً.

المدنيون.. وقودُ حربِ الآخرين
يعيش المدنيون في العديد من المناطق، مثل الفاشر، واقعاً مأساوياً يفوق الوصف: انقطاعٌ شبه كامل للكهرباء، شحٌ حاد في المياه، ندرةٌ في الأدوية، وتهديدٌ دائمٌ بالقصف والهجمات العشوائية.
التقاريرُ الدولية توثقُ بمصداقيةٍ استهدافَ مخيمات النزوح، والاعتداءَ على المرافق المدنية، وارتفاعَ حصيلة القتلى من غير المقاتلين. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات؛ إنها قصصُ ألمٍ لأسرٍ فقدت كل شيء، لأطفالٍ حُرموا من براءة الطفولة،
ولأمهاتٍ يبحثن عن لقمة عيشٍ بين الأنقاض.
من يربح من استمرار الحرب؟
في خضم هذه الكارثة، يبرز وجهٌ قبيحٌ للنزاع: استغلالُ المأساة الإنسانية لأغراضٍ سياسيةٍ وإعلامية. هناك من يحوّل جثث الضحايا إلى رصيدٍ في معاركِه الإعلامية، ويستثمرُ الألمَ لتعزيز مواقعه.
هذا النفاقُ السياسي لا يقلّ خطراً عن الرصاص itself؛ فهو يزيد الشرخَ الاجتماعي عمقاً، ويطيلُ أمدَ العنف، ويُغذي ثقافةَ الإفلات من العقاب.
إنَّ من يتبارز بالخطابِ الوطني من على الشاشات، بينما تقوم قواته باستهداف المدنيين وتدمير البنى التحتية، ليس سوى متاجرٍ بدماء شعبه.
مطالبُ ملحةٌ أمام الضمير العالمي
هدنة إنسانية فورية وخاضعة للمراقبة الدولية: يجب أن تُفتح ممراتٌ آمنةٌ لوصول المساعدات دون عوائق، وإخلاء الجرحى والمرضى. على المجتمع الدولي والإقليمي ضمانُ تنفيذ هذه الهدنة بآليات رقابية فعالة.
محاسبةُ المستهدفين للمدنيين: لا بد من توثيق كافة الانتهاكات ومحاسبةُ مرتكبيها، لأن الإفلاتَ من العقاب يُشجع على استمرار الجرائم.
حمايةُ البنى التحتية المدنية: المستشفيات، الطرق، محطات المياه، وشبكات الكهرباء يجب أن تكون خارج دائرة الاستهداف، وفقاً للقانون الدولي الإنساني.
وقفُ الاستغلال السياسي والإعلامي للأزمة: على وسائل الإعلام والمجتمع المدني فضحُ خطاب الكراهية والاستغلال، والكشفُ عن الجهات التي تُدير اقتصادَ الحرب من خلف الكواليس.
الحياةُ فوق كل اعتبار
إننا نوجه دعوةً أخيرة، باسم الإنسانيةِ والضميرِ الحي، لرفض الحرب كخيارٍ من الأساس. الصمتُ أمام هذه الجرائم ليس حياداً، بل هو تواطؤ. آن الأوان لأن تعلو الأصواتُ المدافعة عن الحياة، لطمأنة الأمهات على أطفالهن
ولإعطاء جيلٍ كامل فرصةَ النمو بعيداً عن رائحةِ الموت والجوع. كلُّ يومٍ يمرُّ دون هدنةٍ هو شهادةُ إخفاقٍ للضمير العالمي، ومزيدٌ من الدماءِ التي ستلوّن ذاكرةَ أمةٍ بأكملها.

لا.. للحرب.
نعم.. للحياة.