Post: #1
Title: أزهري محمد علي- حين يصبح الشعر سلاحاً في وجه الطغيان#
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 10-12-2025, 10:57 PM
10:57 PM October, 12 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
منذ أعوام، وأنا أحمل مشروعاً شخصياً لم يكتمل"كرّاسة" صغيرة أجمّع فيها شظايا ضوءٍ من سيرة شاعرٍ كبير. كان أزهري محمد علي يستحق أكثر من كرّاسة – كان يستحق سفراً يُخلّد صوتاً أصبح جزءاً من صوت الشعب السوداني نفسه. لكن سنوات الثورة والحرب والانشغال بالشأن العام، بقسوتها وجبروتها، كانت أقوى من كل الجهود الفردية. كانت تأخذنا من التفاصيل الصغيرة إلى المصائر الكبيرة، تاركة الكرّاسة مفتوحة على صفحات بيضاء، وحبر القلم يجفّ في انتظار هدنة لا تأتي. لكن بعض الأصوات لا تموت، ولا تَنسىها الذاكرة. بعض الأسماء يظل نجمها متقداً حتى في أظلم الليالي. وها هي منصة "عَزَة" الثقافية، بتوقيتٍ يحمل نفحات الأمل، تستضيف الشاعر أزهري محمد علي في حوارٍ حميم على "كلوب هاوس". إنها لحظة تستحق التوقف، لا لأنها مجرد ندوة ثقافية عابرة، بل لأنها إحياء لذكرى حية، وتذكير بأن صوت الحقيقة، رغم كل شيء، ما زال يخترق ضجيج الزمن. في هذه الجلسة، لن يكون الحضور مجرد مستمعين، بل شهوداً على حكاية وطن سُطرت بكلماته، وشهادة على جيل حمل حلم الحرية على أكتافه. إنها فرصة لأن نستعيد معاً ذلك الصوت الذي حوّل القصيدة إلى سلاح، والكلمة إلى ثورة. فرصة لأن نرى كيف تبقى بعض السير، رغم انشغالنا عنها، محفورة في الذاكرة، تنتظر فقط من يمرّر لها الميكروفون لتعود حية، نابضة، وكأنها لم تغب قط. لم يكتفِ أزهري بالترديد؛ بل أدّى قصيدته عبر الأداء الحي، فتحولت القصيدة إلى "نشيد مباشر" يعبّد الطريق أمام جماهير خرجت ترفض العودة إلى زمن الباطش. وقد كان لهذا الموقف ثمن: اعتداءات، مخاطر، محاولات تشويه عبر تسجيلات مزيفة وآثار نفسية وجسدية. لكنه، رغم ذلك، بقي صامدًا، يدافع عن فكرة أن الكلمة أقوى من البندقية حينما تُترجم إلى وعيٍ جماعي. تأملوا هذه العلاقة: عندما يعلن مثقف أو شاعر موقفًا أخلاقيًا، فهو لا يواجه فقط خصمًا مادّيًا بل يقاطع رواية الشرعية التي تبنيها الطغمة. لذلك، أي مشروع سياسي حقيقي لا بد أن يضمّ الثقافة كرافدٍ مركزي. أزهري محمد علي حين يصبح الشعر سلاحاً في وجه الطغيان مدخل صوت من أعماق الوجع السوداني في وطنٍ يختزل مأساة التاريخ الحديث، حيث تتداخل أنغام الغناء بصرخات الألم، ويسقط الشعراء شهداء أمام الرصاص، يبرز اسم أزهري محمد علي ليس مجرد شاعر، بل ظاهرة ثورية فريدة. إنه شاهد العصر الذي لم يكتفِ بتسجيل الأحداث، بل شارك في صنعها، حاملاً قلماً تحول إلى بندقية في معركة الكرامة. لقد جعل من الشعر وظيفة أخلاقية وسياسية، ورفض أن يكون شاعر بلاط أو مناسبات، مطلقاً صيحته التي تزلزل عروش الطغاة "الرصاصة ما تقتل... الذي يقتل هو صمت الناس." جذور الوعي: النشأة التي شكّلت المناضل وُلد أزهري محمد علي في 19 نوفمبر 1954 في قرية المكناية بولاية النيل الأبيض، في بيئة ريفية بسيطة تختزل قسوة الحياة وطيبة الإنسان السوداني. فقد والديه وهو في الرابعة من عمره، ليعيش تجربة اليتم والفقر التي رسخت في نفسه حسّ المسؤولية والتمرد على الظلم. عمل في مصنع للنسيج في سن مبكرة، حيث استقى من معاناة العمال أولى دروس الوعي الطبقي والاجتماعي، فتشكل لديه ضميرٌ شعبي أصبح لاحقاً المادة الخام لأشهر قصائده. من الواقع إلى القصيدة الشعر كسجل للجماعة لم ينفصل أزهري عن واقعه لينحت قصيدة منعزلة في برج عاجي، بل جعل من حياته جزءاً من نصه الشعري. فتجارب الفقد والعمل الشاق والاحتكاك المباشر بهموم الناس جعلت لغته "خشنة" وصادقة، كأنها تنبع من حنجرة الشارع نفسه. لم يكن صوته مجرد تعبير عن الذات، بل كان صوتاً جمعياً، سجلاً حياً لأحلام شعب وآلامه. الشاعر في الميدان- حين تتحول القصيدة إلى هتاف مع انطلاق شرارة الحراك الثوري في السودان، لم يكن أزهري محمد علي شاعراً يراقب من بعيد، بل كان مقاتلاً في الصفوف الأمامية. أصبح مشهد الشاعر الأشيب حاملاً الميكروفون في ساحات الاعتصام والمظاهرات أيقونةً للثورة. تحولت أبياته إلى شعارات تُرتّل كأنها أناشيد مقدسة، تُحيي الحشود وتذكي جذوة المقاومة. بيت واحد من شعره، مثل "الرصاصة ما تقتل..." كان كفيلاً بتلخيص فلسفة كفاحية كاملة: أن الخطر الحقيقي ليس في قوة القمع، بل في استسلام الضمير. الشعر والغناء تشريح لوجدان أمة كان أزهري محمد علي واعياً تماماً لدور الأغنية كحامل أساسي للهوية والذاكرة الجمعية. في ندواته المهمة، مثل "مسامرة في أشعار الغناء السوداني"، قدم قراءة نقدية لتطور الشعر الغنائي في السودان، مسلطاً الضوء على دور "شعراء الاغنية" ثم جيل الرواد مثل محجوب شريف ومحمد وردي. رأى أن الأغنية الوطنية هي الجسر الأخير بين النخبة المثقفة والجماهير العريضة، خاصة في عصر طغت فيه لغة التزييف والتضليل. من هنا، سعى هو نفسه لأن تكون قصائده قابلة للغناء والترديد لتصبح جزءاً من السجل الموسيقي الثوري. ثمن المواقف الشاعر أمام آلة القمع لم يكن طريق الثورة مفروشاً بالورود. دفع أزهري ثمناً باهظاً لمواقفه الشجاعة. في مشهدٍ أصبح رمزياً، تعرض للاعتداء والاختناق بعلم السودان على يد قوات القمع، في إشارةٍ صارخة إلى كيف تحولت رموز الوطن إلى أداة لخنق أبنائه. كما واجه تهديدات بالقتل والاعتقال المتكرر ومحاولات مستميتة لتشويه سمعته، منها اتهامات بنشر تصريحات مفتعلة عبر حسابات إلكترونية مُخترقة، في تكتيك مألوف لإسكات الأصوات الحرة. الحرب الراهنة صوت العقل في زمن الجنون مع اندلاع الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ظل أزهري محمد علي حارساً لأخلاقية الثورة. رفض أن يصطف في معسكر ضد آخر، ووصف الصراع بأنه "جريمة ضد الفقراء" يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء. لم يتردد في توجيه النقد للطرفين، معتبراً إياهما وجهين لنظام واحد اغتصب حلم الشعب في الحرية والعدالة. ظل وفياً لموقفه المبدئي: أن الحرية لا تُسترد بالمدافع، وأن الكلمة الحق أصدق من كل البنادق. التقييم بين الجمالي والفكري أدبياً، يصنف شعر أزهري محمد علي ضمن المدرسة الواقعية النضالية، التي تزاوج بين بلاغة الفصحى وحيوية العامية. أسلوبه مباشر وقوي، يمتاز بإيقاع موسيقي قريب من القلب، يجعل قصائده سهلة الحفظ والترديد، وهو سر انتشارها الواسع. فكرياً، يمثل امتداداً طبيعياً لتراث محجوب شريف الثوري، وحاملًا لروح محمد وردي ومحمد حميد، لكنه أضاف بعداً معاصراً يتفاعل مع هموم جيل الثورة الشبابي الذي يتوق إلى وطنٍ حرٍ كريم. الشاعر كأسطورة حية أزهري محمد علي هو أكثر من مجرد شاعر. إنه ظاهرة ثقافية واجتماعية وسياسية نادرة. إنه الجسر بين المثقف والجمهور، بين التراث والحداثة، بين القصيدة والصرخة. في زمنٍ يبيع فيه الكثيرون أقلامهم ويخونون ضمائرهم، يبقى أزهري شاهداً على أن الشعر يمكن أن يكون آخر معاقل الكرامة، وأن الكلمة قد تقوى على كل الطغيان. النصوص الشعرية والاغنيات الشعبية تغذي الذاكرة الجمعية، وتشكّل عُقدًا تواصلية بين الماضي والحاضر، بين المطالبة بالعدالة والجهد السياسي المؤسسي. هنا يتقاطع نصّ "وداع الطغمة" مع شخص مثل أزهري. الأولىُ تدعو للمساءلة والعزل وقطع أي غطاءٍ يمدّ الطغمة بالحياة، والثاني يجعل من الكلمة مصدرَ تحريض أخلاقي واجتماعي. اثنان من جوانب مشروعٍ واحد: استعادة الدولة التي تحمي المواطن بدل أن تكون آلة قمعٍ ضده. لكن الطريق إلى السلام والعدالة لا يخلو من صعوبات. المساءلة تتطلب مؤسسات قوية ومستقلة؛ والذاكرة تحتاج إلى تأطير قانوني واجتماعي—برامج عدالة انتقالية، آليات تعويض، برامج لإعادة بناء النسيج الاجتماعي. والشعر؟ يظل مهمته أن يروي الشهادة، وأن يذكّر بأن الضحايا لهم اسم، وأن الكرامة لا تُباع ولا تُهادن. لننهي إذًا بنداءً مزدوجًا: للمجتمع المدني ولمناضلي الكلمة — حافظوا على صوتكم، لا تبيعوه لرخصٍ سياسي أو مكاسب آنية؛ وللسياسيين وصنّاع القرار — لا سلام حقيقي دون عدالة. فاسترداد الوطن يبدأ بمساءلة من جلبوا الخراب، ويستمر ببناء خطابٍ ثقافي يعيد للأجيال معنى الكرامة. في النهاية، الشعر لا يُبقي الإنسان فقط على قيد الحياة الأدبية؛ بل أعلمنا التاريخ أن القصيدة قد تُعيده للحياة السياسية، وتصبح مرآةً تقود إلى إنقاذ المجتمع من سطوة الطغاة. فليكن أزهري وغيرهم شاهدين لا يُمحى حضوره في ذلك الطريق.
|
Post: #2
Title: Re: أزهري محمد علي- حين يصبح الشعر سلاحاً في و�
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 10-12-2025, 11:13 PM
Parent: #1
أزهري محمد علي: الشعر المغنى وذاكرة الوطن
في عالم الغناء السوداني، لا يمكن تجاوز صوت الشاعر أزهري محمد علي، الذي استطاع أن يحوّل الكلمات إلى أغانٍ تُحاكي نبض الشارع ووجدان الجماهير. منذ عقود، حمل أزهري على عاتقه مهمة توثيق حياة الناس، همومهم، وأحلامهم، بأسلوب شعري جمع بين الصدق الشعبي والبلاغة الأدبية، ليصبح صوته جزءًا من ذاكرة الأمة السودانية. من الواقع إلى القصيدة المغناة لم ينفصل أزهري محمد علي عن واقعه؛ فقد استقى من معاناة الحياة اليومية، والبيئة الريفية التي نشأ فيها، ومن تجربة الفقد المبكر والمعاناة الاجتماعية والاقتصادية، المادة الخام لأشعاره. هذه التجارب جعلت لغته خشنة وصادقة، وكأنها تنبع من حنجرة الشارع نفسه، الأمر الذي جعل أغانيه قادرة على الانتشار بسرعة، والتواصل مباشرة مع الناس. الأغاني المغناة- صدى الشعر في الوجدان من أبرز الأغاني التي كتبها أزهري محمد علي "يا صالحة" – غنتها إسراء عبد الرحيم أحمد، وأصبحت واحدة من أبرز الأغاني التي جسدت التوتر النفسي والوجداني للفرد السوداني. "جرحت ليه خاطر الحبيبة" – أداء إسراء عبد الرحيم أحمد، أغنية مليئة بالعاطفة والصراع الداخلي، تحمل حسًّا شعريًا عميقًا. "خمسة سنين كمان ليه شنو؟" – غنتها البشري أحمد، وقدمت مقاربة موسيقية لقلق الانتظار والحنين إلى الماضي. "ثرثرة المياه والعصافير" – أداء مازن ريس، أغنية تعبّر عن الطبيعة والحياة اليومية بأسلوب شعري بسيط وراقي. هذه الأغاني تمثل مرحلة من تطور الأغنية السودانية، من الأسلوب الكلاسيكي الذي قدمه الفنان مصطفى سيد أحمد إلى لمسات ياسر مبيوع الحديثة، التي أضافت طبقات موسيقية جديدة مع الحفاظ على الروح الشعبية للأغنية. الشعر والغناء التفاعل بين النص والموسيقى أزهري محمد علي كان واعيًا لدور الأغنية كجسر بين النخبة والجمهور. في ندواته، مثل "مسامرة في أشعار الغناء السوداني"، قدم قراءة نقدية لتطور الشعر الغنائي، مع التركيز على جيل الرواد مثل محجوب شريف ومحمد وردي، مؤكّدًا على أن الأغنية الوطنية هي وسيلة لحفظ الهوية والذاكرة الجمعية. إرثه الثقافي والفني أزهري محمد علي ليس مجرد شاعر؛ بل هو ظاهرة ثقافية، جسدت العلاقة بين الشعر والموسيقى والوجدان الشعبي. أعماله المغناة تغذي الذاكرة الجمعية، وتربط بين الماضي والحاضر، وبين الفرد والمجتمع، مما جعل من قصائده وسيلة تواصل أخلاقية وجمالية، قادرة على التعبير عن أحلام وآلام السودانيين. يمكن القول إن أزهري محمد علي قد نجح في توسيع أفق الشعر المغنى، محافظةً على الصدق الشعوري والارتباط بالواقع، ومضيفًا لمسة عصرية من خلال التفاعل مع الموسيقى الحديثة. هو شاهد حي على قدرة الشعر على تحويل الكلمات إلى نبض جماعي، وعلى إمكانية الغناء في تشكيل وجدان الأمة السودانية.
|
|