Post: #1
Title: عرض كتاب- "شجرة نسب الغول" لعبدالله بولا
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 09-08-2025, 09:35 PM
09:35 PM September, 08 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
يمثل كتاب "شجرة نسب الغول" أحد أهم إسهامات المفكر الراحل عبد الله بولا في تحليل التجربة السودانية الحديثة، ليس فقط كوثيقة فكرية بل كجزء من إرثه النقدي والفلسفي الذي تركه للأجيال. بولا، الذي جمع بين الحس النقدي العميق والالتزام بقضايا الحرية والعدالة، يقدم في هذا الكتاب قراءة جذرية لظاهرة الاستبداد في السودان، مُجسدًا إياها في استعارة "الغول". غير أن هذا الغول، كما يرى بولا، ليس وحشًا طارئًا، بل له شجرة نسب متشعبة تمتد في التاريخ السياسي والاجتماعي للبلاد. الغول وشجرة النسب الغول عند بولا ليس النظام الإسلاموي وحده، بل نمط حكم متكرر عبر تاريخ السودان: من المهدية إلى عبود، مرورًا بالنميري، وصولًا إلى الإنقاذ. كل مرحلة أعادت إنتاج الاستبداد بشكل جديد. الإنقاذ لم تكن البداية، بل التجسيد الأكثر عنفًا لأنها استخدمت الدين كأداة للهيمنة المطلقة. أما "شجرة النسب"، فهي بنية متجذرة في الدولة السودانية منذ الاستعمار، الذي أسس لمركز قوي وأطراف مهمشة، ورسّخ فكرة الدولة السلطوية بدل الدولة التعاقدية. هنا يفتح بولا بابًا واسعًا للتفكير في أن أزمة السودان ليست فقط في الأشخاص أو النخب، بل في البنية العميقة نفسها.
توسيع الإطار التحليلي يمكن تطوير أطروحة بولا بدمج أدوات من حقول أخرى. علم النفس السياسي: لفهم كيف صُنعت صورة "العدو" في خطاب الإنقاذ – الجنوبي، الدارفوري، العلماني – وكيف وُظف الخوف كأسلوب للسيطرة. نظرية التبعية: لتوضيح كيف ارتبط اقتصاد الإنقاذ بالنهب والريع، من خلال الخصخصة وتفكيك الزراعة التقليدية وتحويل العنف نفسه إلى وسيلة للإنتاج. هكذا وُلدت طبقة من "البارونات الجدد" تعيش على اقتصاد الحرب. الهوية كأداة للهيمنة يكشف بولا بذكاء كيف حوّل النظام قضية الهوية إلى أداة سياسية. لم يخترع الصراع الهوياتي، لكنه قننه واستثمر فيه: عربي/أفريقي، مسلم/غير مسلم، إسلامي/علماني. في هذا السياق، الهوية لم تكن مجالًا للتنوع، بل سجنًا قسريًا يُقاس به الانتماء والولاء. غير أن المشهد اليوم يشير إلى تحولات جديدة: فجيل الشباب يطرح هويات مركبة – سودانوية، أفريقية، عالمية – تتجاوز الثنائيات القديمة وتعيد تعريف الانتماء على أساس المشاركة والعدالة، لا العرق أو الدين وحدهما. حقوق الإنسان كآلية بنيوية للانتهاك الكتاب يوثق الانتهاكات التي مارسها النظام، لكن التحليل يكشف أنها لم تكن مجرد أخطاء عرضية. الإنقاذ أعادت بناء الدولة نفسها كآلة قمع: من الدولة العميقة إلى دولة الميليشيات، حيث جرى تفكيك مؤسسات الدولة لصالح قوات موازية مثل "الجنجويد" و"الدعم السريع". من اقتصاد الإنتاج إلى اقتصاد الحرب، حيث أصبح العنف وسيلة للسيطرة على الأرض والثروة: الذهب، الأراضي، المواشي. العنف لم يكن فائضًا عن السلطة، بل جزءًا من بنيتها الاقتصادية. تقييم نقدي إنجاز الكتاب أنه لا يقف عند نقد النظام بل يتساءل عن شروط ظهوره واستمراره. فهو يحلل التربة التاريخية والاجتماعية التي سمحت لمشروع مثل الإنقاذ أن يترسخ. لكنه يفتح أيضًا باب النقد: هل تناول بولا بما يكفي دور القوى الدولية في تمكين النظام؟ مثل الدعم الأمريكي في التسعينيات أو التحالفات مع دول الإقليم؟ هل تعامل مع الإسلاميين ككتلة صلبة أم أغفل الانشقاقات الداخلية ومحاولات الإصلاح الجزئي؟ وهل قدّم تصورًا عمليًا لكيفية الخروج من "شجرة النسب"، أم ترك ذلك مفتوحًا للمستقبل؟ هذه الأسئلة تجعل من الكتاب ليس نصًا مغلقًا، بل منطلقًا لحوار مستمر حول معنى الدولة والحرية في السودان.
إرث بولا وأفق المستقبل بقراءة "شجرة نسب الغول" ندرك أن عبد الله بولا لم يكن يكتب للتاريخ فحسب، بل كان ينحت في صخرة الحاضر أفقًا جديدًا. إرثه الفكري يدعونا إلى التفكير في القطيعة لا مع أشخاص أو أنظمة فقط، بل مع نمط كامل من إنتاج السلطة. هذه القطيعة تتطلب: اعترافًا جذريًا بالجرائم والانتهاكات. تفكيك تحالفات النهب الاقتصادي التي ولّدتها الأنظمة. عقدًا اجتماعيًا جديدًا يعترف بالتعدد لا كتهديد، بل كأساس للدولة. هكذا يصبح الكتاب ليس مجرد شهادة على ماضٍ مأساوي، بل أداة فكرية لبناء مستقبل مختلف. مستقبل لا تُعرّف فيه الدولة بهوية مفترضة، بل بعدالتها وقدرتها على حماية الكرامة الإنسانية. في النهاية، "شجرة نسب الغول" ليس نصًا للتاريخ وحده، بل دعوة مفتوحة لقطع مع الاستبداد وبناء سودان جديد. وإذا كان الغول استعارة للاستبداد المتجدد، فإن إرث عبد الله بولا هو في المقابل استعارة للأمل المتجدد: أن الفكر النقدي قادر على تفكيك الغول، وأن السودانيين قادرون على صياغة شجرة نسب جديدة، جذورها الحرية وثمارها العدالة.
غلف الكتاب https://www.0zz0.com
|
|