Post: #1
Title: رواية أوو نيجاتيف- حين يتحوّل النص إلى جرح مفتوح#
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 09-03-2025, 05:10 PM
05:10 PM September, 03 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
لا تأتي رواية «أوو نيجاتيف » للكاتب السوداني المعز عبد المتعال لتضيف حلقة جديدة إلى سلسلة الأدب السوداني فحسب، بل لتفتح أفقًا مختلفًا في مقاربة الكتابة الروائية. فهي نص لا يكتفي برصد الخراب والتمزق الذي ولّدته الحروب وإنما يُعيد صياغة هذا الواقع داخل لغة وسرديات تكسر المألوف وتُربك القارئ، ليجد نفسه في مواجهة جمالية جديدة تُصعِّب الإجابة وتضاعف الأسئلة. العنوان كلغز دلالي منذ العنوان، «أوو نيجاتيف »، يُدرك القارئ أنه أمام لعبة لغوية ومعرفية معقدة. غرابة التهجئة وعدم إحالتها إلى معنى مباشر يُحوِّلان العنوان إلى ما يشبه «الأثر» عند دريدا؛ إشارة تتأجل دلالتها باستمرار ولا تستقر على يقين. إنه بداية تشي بأن النص كلّه يقوم على زعزعة المرجعيات واليقينيات، فاتحًا المجال لتأويلات لا نهائية. تشظي السرد وانهيار الحكاية الكبرى الرواية تقوم على بنية سردية متقطعة، أقرب إلى شذرات متناوبة، تكسر منطق الحبكة التقليدية. هذا التشظي يعكس انهيار السلطة المركزية للحكاية الواحدة، ويفتح المجال أمام تعددية الأصوات والخطابات. هنا يلتقي النص مع فكرة ميشيل فوكو حول الخطاب بوصفه فضاءً لإنتاج السلطة والمعرفة. فكل شذرة سردية ليست مجرد حدث بل وثيقة صغيرة تعيد كتابة تاريخ الخراب من زوايا متعددة. لغة تنحاز إلى اللذة والتمرد لغة الرواية مشحونة بالشعرية والمجاز، إلى حد أنها لا تنقل العنف فقط، بل تمارسه على القارئ. هي لغة تُذكر بما وصفه رولان بارت بـ «نص اللذة»، نص يهز القارئ من موقع الراحة ويجرّه إلى تجربة قراءة مقلقة. وفي خلفية ذلك، تلوح إشارات إلى ما تحدثت عنه جوليا كريستيفا حول «الانزياح» من المنطوق إلى ما هو قبل رمزي، أي اللغة كطاقة خام تتجاوز حدود النظام القائم. الجسد والهوية: نصوص ممزقة الجسد في الرواية ليس كيانًا بيولوجيًا متماسكًا، بل سطحًا يُكتَب عليه عنف التاريخ وتمزق الوطن. إنه جسد «مبتذل» بالمعنى الكريستيفي؛ جسد مقصي لكنه يعود في لحظة صادمة ليُهدّد النظام القائم. كذلك الهوية، فهي ليست جوهرًا ثابتًا بل أداء متحول يتغير بتغير الظروف، في توازٍ مع رؤية جوديث بتلر. هذا ينسجم مع ما أعلنه ليوتار عن «نهاية السرديات الكبرى»، حيث تتفتت الأطر التي تمنح الهوية ثباتها. تفكيك السلطة وصناعة المعنى ما يفعله النص في النهاية هو تقويض كل سلطة: سلطة الحكاية الخطية، سلطة اللغة المستقرة، سلطة الهوية الثابتة. الرواية لا تقدم بديلاً نهائيًا، بل تترك القارئ في مواجهة «اللايقين» بوصفه الحالة الطبيعية. إنها لا تشرح الواقع بل تُعيد إنتاج ارتباكه، لتجعل من فعل القراءة مشاركة في صناعة المعنى لا استهلاكًا له. «أوو نيجاتيف » حدث أدبي بامتياز، نص يرفض أن يكون مرآة للواقع، بل يتحول إلى جرح مفتوح في قلب هذا الواقع. المعز عبد المتعال يكتب من داخل الخراب لكنه لا يستسلم لسطوة السرديات السائدة، بل يفتح ثغرة في جدار اللغة ليتسرب منها ما لا يمكن قوله. إنها رواية تُؤسِّس لمقام جديد في الأدب السوداني المعاصر، حيث تصبح الكتابة فعل مقاومة للمعنى الجاهز، واستدعاءً لجمالية التمزق بوصفها أفقًا للتفكير والتأمل.
|
|