الرباعية وفشل ولاة الامر الاقليميين

06:55 AM July, 30 2025

سودانيز اون لاين
محمد حيدر المشرف-دولة قطر
مكتبتى
رابط مختصر

وتعبير ولاة الأمر لم يأت من فراغ !!.. فاجتماع الرباعية الذي كان مزمعا بواشطن في جوهره اشبه ما يكون باجماع اولياء الأمور .. وهذه بنية فوقية فرضها واقع البؤس وغياب الرشاد عنا كسودانيين القوا ببلادهم في غيهب المجهول, وما من امة تفقد رشادها لهذا الحد حتى تفقد تفقد قدرتها على تحيد مصيرها بيدها ..

حرب 15 ابريل حرب سلطوية بإمتياز في سياق الصراع ما بين ثورة ديسمبر المجيدة و الثورة المضادة التي تعمل على عكس نتائج الثورة واستعادة المصالح والأوضاع التي كانت قائمة قبل نجاح الثورة في اقتلاع رأس النظام و انهاء هيمنة المؤتمر الوطني على مفاصل الحكم في البلاد..

والعلاقة بين الثورة والثورة المضادة علاقة دياليكتية متفاعلة بخصائص ترتبط بطبيعة ثورة ديسمبر السلمية و طبيعة دولة الإنقاذ العسكرية الامنية والفكرية بتكويناتها الاسمنية والخرصانية الصلبة ومنطق قوتها العنيف.

ولقد تميزت دولة الانقاذ (دولة 1989) بخصائص فريدة غير مسبوقة اهمها بروز فكرة ديكتاتورية التنظيم مقابل فكرة ديكتاتورية الفرد التي اختبرها السودان في نظامي عبود وجعفر نميري.. وبالتالي, ومن خلال قاعدة اجتماعية وفكرية عريضة للحكم الشمولي, نجحت الانقاذ, عبر 30 عاما من عمرها ما قبل الثورة, في فرض هيمنتها, لا على المستوى الدولة والحياة السياسية فحسب, وانما تمدد التمكين المطلق ليشمل كل مناحي الحياة عبر آلية استخدام الدولة وأدواتها ومؤسساتها وقوانينها ومقدراتها وفسادها في عمليات اعادة هندسة وصياغة المجتمعات السودانية فكريا وثقافيا.

وذلك هو لب الذي كان يُعرف بالمشروع الحضاري لتفريخ وانتاج ما ادعوه ب (الانسان الكوز) بخصائص فكرية وسلوكية يغلب فيها غياب العقل النقدي ويسهل فيها الانقياد للسلطة, لاسيما وقد تدثرت هذه السلطة بعباءة المقدس الديني,..

إن نموذج (دولة 1989) في السودان يحتاج لمجلدات من البحوث الاكاديمية لمحاولة فهم الديناميكية العالية التي إمتلكوها في افساد الشعب السوداني وعمليات احلال وابدال مكامن الخير في الشخصية السودانية بمكامن النزعات السالبة فيه من خلال عمل مؤسسي دؤوب ومستمر يفتقر تماما للرشاد والإستقامة الوطنية والأخلاق.

في 25 أكتوبر 2021 بلغ الصراع أشدة ما بين ثورة ديسمبر المجيدة والثورة المضادة ما أفضى للانقلاب العسكري بقيادة النواة العسكرية الأمنية الصلبة لدولة 1989 والمكونة من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع..

وهو الانقلاب الاول في تاريخ السودان الذي افشلته المقاومة الشعبية السلمية استمرارا عنيدا لسيروة ثورة ديسمبر, مما قاد لاحداث شروح عميقة داخل هذه النواة العسكرية الصلبة.

وذلك من طبيعة عمل الثورات عموما. اذ تشتغل على تفكيك البنى المتماسكة للنظام القديم وتصنع التناقضات بين مكوناته, وهو ما حدث بدقة متناهية. فسرعان ما انشقت هذه النواة الانقاذية العسكرية الأمنية الصلبة واندلعت الحرب بين مكونيها الاساسيين (الجيش والدعم السريع).

وهكذا عزيزي القاريء الكريم تغيرت طبية الصراع من صراع سلمي حميد الى صراع عسكري كارثي بمثابة تهديد وجودي مباشر للدولة والشعب السوداني..

والحرب حدث زلزالي للشعوب بتاثيرات عاطفية مباشرة تهز اليقين وتفقد العقول موضوعيتها وقدرتها على الحكم والتمييز بين الخطأ والصواب ..

الأمر أشبه ما يكون بثقب اسود عملاق قادر على ابتلاع العقول بلا حول ولا قوة لها تحت ضعط العواطف الملتهبة و جراء حالة الاستقطاب العنيف وبحيث تعود بديهيات بسيطة بسيطة غائبة تماما عن الناس ..

بديهيات بسيطة كافضلية السلام و أرجحية صواب الحلول السلمية ورفض القتل والتدمير والخراب الوطني الشامل ..

ولذلك أقول أن ساحة الحرب الأساسية ليست في ميادين القتال وانما في نفوس الناس .. أو عندما يتحول المواطن الى اداة من من أدوات الحرب, تماما كالدانة والدوشكا والمسيرة والرباعي والثنائي الى آخر قاموس أدوات الحرب .. تنجح الحرب عندما تتحول الحرب من طبيعتها الاساسية كحرب سلطوية الى حرب المواطن الخاصة بمعادلات صفرية يكون فيها او لا يكون ..

ولقد علم مهندس الحرب ذلك تماما .. ونجح في ان يحيك على منوال الخداع سرديات narratives بديلة للحقيقة تخاطب العواطف وتلغي العقول وتفقدها قدرة التمييز الحر بين الخطأ والصواب .. وغاية خطاب الحرب أن يصنع الانتماء لها .. أن تؤمن كمواطن أنك تنتمي لهذا الطرف برابطة الحمائية وحمية الدم و وحدة المصير المشترك.. فهو الذي يقاتل في اعداءك من أجل الوطن ماضيه وحاضره ومستقبله, وهو الذي يقاتل من اجلك ويضحي بحياته رخيصة في سبيل كرامتك وأمنك وحياتك ... يصنع لك هذا الخطاب الزائف لتقع في أحابيل حربه وتدميرها لك ولوطنك وأمنك وإستقرارك, بل ولتصطف خلفه بيدك, فإن لم يكن فبلسانك, فإن لم يكن فبقلبك وذلك أضعف الإيمان

وهكذا تحولنا لأمة فقد رشادها .. ولا تملك من أمر نفسها عقلا يرى الاشياء بوضوح مباشر يشير لطبيعة هذه الحرب بصورة جوهرية كصراع سلطوي لا صالح له فيك حتى تقتل فيها وتفقد ما تملك وتلجأ وتنزح وتفقد فيه كل مقومات الحياة الكريمة ناهيك عن مآلاتها الحتمية نحو الهلاك الوطني الشامل .. تلك هي الحرب في جوهرها .. وعبر التأريخ كان الناس وقودا لحروب السلطة والنفوذ .. وكانوا اسرى لسردياتها الكذوبة .. وماتوا من أجلها, وعانوا فيها وكانوا مادة للمآسي الانسانية العظيمة جراءها ..

تحولنا لامة فقد رشادها تهدي بلادها طوعا للجحيم .. وعدنا عالة على العالم .. مهدد للأمن والسلم الاقليمي والعالمي ويلزم ان يتم التعامل معنا بصورة فوقية من خلال ولاة امرنا الاقليميمن مصر والسعودية والامارات لنخضع كلنا لخلافاتهم حولنا بخلفية مصالحهم فينا فبئس من نحن فيه من هوان ومن جنون

حقا فبئس ما نحن فيه من هوان ومن جنون
تحياتي

تحليل دقيق. تحياتي، السودان بالفعل تحول إلى أمة لاتملك من أمرها رشداً والأسوأ قاد جهل صناع الحرب البلاد إلى لعبة تجاذبات اقليمية خطيرة يصعب الفكاك من عواقبها، وحاجة مخجلة بصراحة ان نرى الغرباء احرص على السودان من بعض أبناءه، وفعلا كلمة السر في كل هذا الكيزان ومافعلوه في البلد طيلة 36 عاما!