الفروق الفنية بين سرور وكرومة وأثرهما على الأغنية السودانية

الفروق الفنية بين سرور وكرومة وأثرهما على الأغنية السودانية


07-12-2025, 10:42 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1752356558&rn=0


Post: #1
Title: الفروق الفنية بين سرور وكرومة وأثرهما على الأغنية السودانية
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 07-12-2025, 10:42 PM

10:42 PM July, 12 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر




(تحليل نقدي للعمارة الموسيقية والهوية الجمالية)

محمد أحمد سرور: مهندس البناء الكلاسيكي
السمات الفنية:
الصلابة المعمارية:

اعتماد على القوالب التقليدية الثابتة (الحقيبة، المدائح النبوية).

توزيع موسيقي يُشبه "بناء القباب" (بداية متدرجة، ذروة متوازنة، نهاية مغلقة).

شعر الملاحم:

اختيار نصوص تُجسّد الروح الجماعية ("يا قائد الأسطول"، "برضي ليك المولى").

كلمات تستحضر التاريخ الإسلامي والبطولات ("تخضع لك الفرسان").

الصوت كـ"أداة طقسية":

أداء جهوري يُذكّر بالإنشاد الديني في الخلاوي.

غناء خطابي يُخاطب الوعي الجمعي لا المشاعر الفردية.

"سرور يُحوّل الأغنية إلى مسجدٍ من الصوت،
حيث الكلمةُ حجرٌ أساس، والإيقاعُ مئذنةٌ تُرشد الضالين."

عبد الكريم كرومة: ساحر العوالم الداخلية
السمات الفنية:
سيولة الإيقاع:

تفكيك القوالب الجامدة وإدخال إيقاعات هامِسة (مثل إيقاع "البتّ السوداني").

مزج بين تراث الجنوب (الزاندي، التقري) وشمال السودان.

شعر التأمل الوجداني:

نصوص تُحوّل الجسدَ إلى جغرافيا شعرية ("وصف الخنتيلة"، "يا ناعس الأجفان").

استعارات حسّية ("دمعة الشوق تسيل كاللآلئ").

الصوت كـ"نهر جوفي":

تقنية "الترمييم" (الغناء الهامس القادم من أعماق الحلق).

إيحاءات موسيقية تُحاكي أصوات الطبيعة (حفيف الأشجار، خرير المياه).

"كرومة يصنع من الأغنية مرآةً للروح،
يُسقط عليها أضواء الذاكرة فتتكسرّ إلى ألوانٍ لا تُعد."

جدول المقارنة الجوهرية:
المعيار سرور كرومة
مصادر التأثير الخلاوي + المدائح النبوية التراث الأفريقي + التصوف
بنية الأغنية هرمية (مقدمة-عرض-ختام) دائريّة (تدوير لحني)
علاقة بالموسيقى الكلمة تُهيمن على اللحن اللحن يحاور الكلمة
الجمهور المستهدف العامة (المساجد، الأسواق) النخبة (الصالونات الثقافية)
التأثير على المسار الفني للأغنية السودانية:
١. سرور: تأسيس "المدرسة الوطنية"
خلق هوية موحّدة: أغانيه أصبحت "أناشيدَ وطنيةً غير رسمية".

تكريس قدسية الكلمة: جعل الشعراء شركاء أساسيين في العملية الإبداعية.

إرثه: ظهر في أداء محمد وردي (الخطاب الثوري)، وصلاح بن البادية (الصلابة اللحنية).

٢. كرومة: فتح أبواب "التجريب"
تفجير قيود الشكل: إثبات أن الأغنية السودانية يمكن أن تكون "لوحة تجريدية".

دمج الهامش في المركز: إدخال تراث الجنوب والغرب إلى التيار الرئيسي.

إرثه: تجلى في كمال ترباس (التأملات الوجودية)، وأميرة توكل (الحسّ الأنثوي العميق).

الصدام الإبداعي الخلّاق:
لم يكن الاختلاف بينهما انقسامًا، بل حوارًا جماليًا صنع ثراءً:

سرور قدم "الجذع الشامخ" الذي يحمل تاريخ الأمة.

كرومة قدّم "الأغصان المتشابكة" التي تصل الأرض بالسماء.

معًا أنتجا الظلّ الوارف الذي حمى الأغنية السودانية من رياح التسطيح.

"لو كان سرورُ هو النهرَ الذي يروي حقولَ الهوية،
فإن كرومةَ هو الندى الذي يلامس الزهرَ في الصباح."

كيف مات الإرث اليوم؟
المأساة أن الأجيال الجديدة تقطف الثمرة وتنسى الشجرة:

يقلّدون "همسة كرومة" دون عمقه الشعري.

يحاكون "صلابة سرور" دون رسالته الوطنية.

النتيجة: أغانٍ كالطوفان تُغرق الساحة بلا معنى،

"كأنها نيلٌ بلا منبع،
يصل البحرَ فيفقد اسمه."

درسٌ من التاريخ الفني
الأغنية السودانية العظيمة تحتاج:

جذور سرور (التمسك بالهوية).

أجنحة كرومة (حرية التجريب).
فهل نرى فنانًا جديدًا يجمع بين صَلابة البناء وسيولة الروح؟

"المجدُ لفنٍّ يبني أوطانًا من الصوت،
لا لمجرد صوتٍ يبحث عن وطن."

✒️ تحليل: د. ياسمين السني
(أكاديمية سودانية متخصصة في الأنثروبولوجيا الموسيقية)