Post: #1
Title: في بيتٍ واحد... كانت البداية- قصة قصيرة
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 07-04-2025, 03:41 PM
03:41 PM July, 04 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
في بيتٍ واحد... كانت البداية حين اتفقنا على الزواج، كنت أرى في العائلة حضنًا دافئًا، واللمة جسرًا من مودة. ما كان في قلبي خوف من العيش في بيت العائلة، حتى لو في شقة منفصلة. قلت لنفسي: «سأكون قريبة منهم، أمد يدي إليهم، نكون عائلة واحدة». أهلي حذروني، قالوا: «باب للمشاكل يفتح على مصراعيه». لم أسمع لهم، ظننت الخير يغلب الشر إذا صدق النية. مرت أعوامي الأولى بين جدران هذا البيت مثل موج خفيف تتخلله عواصف قصيرة. أكثرها بسبب أخ زوجي، أصغرهم ومدللهم. كان طائشًا أحيانًا، صاخبًا في طلباته، نزقًا في أحكامه. تجاهلت كثيرًا، التزمت الصمت، قلت هذا حال الصغار في البيوت الكبيرة. كظمت غيظي حين رأيته يتسلط، يراقب، يمد يده ليربي أبنائي كأنه الأب. قبلت ذلك على مضض أدرت ظهري لغضب يغلي داخلي. حماتي دائمًا في صفه، وزوجي؟ كان يطلب مني أن أتحمل، يردد: «هو أخي الصغير، اصبري عليه حتى يتزوج وينشغل». تلك اللحظة الفاصلة وحانت تلك اللحظة. فرحت في سري: سيتزوج أخوه أخيرًا، سيتركنا وشأننا، سيبني عالمه الخاص. لكن فرحتي لم تعش طويلًا. أتاني الخبر مثل صاعقة شتوية باردة: «يريد أن يتزوج في شقتنا، وننتقل نحن إلى شقته». لم أصدق. هل يعقل؟ قال زوجي: «هي في الطابق الذي تسكنه أمي، لا أريد إغضابها». خيّم الصمت. اشتعلت نار في داخلي. تشاجرت معه، بكيت، توسلت، ثرت، لكنني وجدت نفسي في النهاية أسيرة لعاطفة أخيرة، عاطفة الأب الذي جاء يقنعني: «عديها يا بنتي، ما فيش حاجة بتستمر على حالها». نزحت عن شقتي مثل من يخلع جلده. غادرت مكان أحلامي الصغيرة، ذكرياتي الأولى، تعب سنواتي. انتقلت إلى شقته. وكأنني انتقلت إلى سجن آخر. ظلال ثقيلة لم يكن الزواج حاجزًا بيني وبينه. بل صار أكثر قربًا، أكثر تسلطًا. كل يوم مشاجرة، كل ساعة مشكلة، زوجته تتعلم منه الكراهية، تنسخ أسلوبه في كل لفتة وهمسة. صار بيتنا حلبة صراع، أغلقت بابي دونهم، أطبقت على وحدتي مثل نعش. لكن حتى هذا الانعزال لم ينقذني من سياطهم، من كلماتهم الجارحة، من افتعال الأذى وكأنه هواية.
مرضت نسيبتي. صارت طريحة الفراش. قلت في نفسي: «هنا يظهر معدن الناس». قمت على خدمتها. تقاسمت الخدمة مع زوجة أخي، لكنها كانت تتحجج بطفلها الصغير. تحملت. لم أتأخر يومًا. وبدل الشكر، نلت مزيدًا من الإيذاء، مزيدًا من الشكوى. حماتي التي أخدمها دافعت عنهم، قالت: «ابني لا يخطئ». لم تقل لي يومًا: «أحسنتِ». كانت كلماتها مثل قيد حول عنقي: «تحملي، هو صغير». الوحدة في الزحام في هذه الدوامة كنت أبحث عن عين ترى، عن أذن تسمع، عن قلب ينصف. لكن زوجي كان مغلوبًا على أمره، صامتًا، خانعًا، يخشى إغضاب أمه أكثر من خشية دمار بيته. كلما استنجدت به، أدار وجهه عني. كان يكرر: «بر أمي». لكن أي بر هذا الذي يرضى أن تداس كرامتي ويذل أبنائي؟ كيف يكون البر للوالدة مبررًا لخيانة الزوجة، وهدم الأسرة، وإطلاق يد أخيه في حياتنا؟ كان يقول لي: «اصبري»، لكنه لم ير كيف يتراكم الألم، كيف يتورم في القلب جرح لا يندمل. لم يفهم كيف صرت أخشى الصباحات، أكره الليل، أرتعد من فكرة مواجهة جديدة. صارت حياتي حالة ترقب دائم. كل كلمة قد تشعل فتيلًا. كل نظرة قد تفتح حربًا. وحتى أبنائي، لم يسلموا من تلك الأجواء المشحونة. رأيت الخوف في أعينهم. رأيتهم يتعلمون الصمت المذل. النهاية المعلقة وحين طفح الكيل، توسلت إليه أن نغادر هذا البيت، أن نبحث عن سلام مفقود. قال كعادته: «لا أستطيع». وكنت قد تعبت من محاولات الإقناع، من الجدال العقيم. رأيتني أنزوي شيئًا فشيئًا، أترك ابنتي الكبرى تعتني بجدتها بدلا عني. لم أعد أحتمل. لكني كلما ابتعدت، لاحقني شعور بالذنب. هل أخون واجبي؟ هل أترك مريضة بلا رعاية؟ أم أبقى وأُذل؟ أي مفترق هذا الذي لا يؤدي إلا إلى الخسارة؟ صرخة أخيرة يا من تسمع، دلني: كيف أجد مخرجًا من هذا النفق المظلم؟ كيف أسترد كرامتي التي تداس كل يوم؟ كيف أجمع شتات نفسي وأبنائي في بيت لا أُحمد فيه على خير أفعله وأهان فيه على خطأ لم أرتكبه؟ أجيبوني ما ذنبي؟ وما ذنب أولادي؟ هل كتب علينا أن نعيش غرباء في بيتنا، غرباء في وطن صغير اسمه العائلة؟
|
|