Post: #1
Title: جائزة نوبل للفيزياء تدخل عصر الذكاء الاصطناعي- من هوبفيلد إلى هينتون- عقول إلكترونية تُغيّر العالم-
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 06-27-2025, 00:41 AM
00:41 AM June, 26 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
جائزة نوبل للفيزياء تدخل عصر الذكاء الاصطناعي- من هوبفيلد إلى هينتون- عقول إلكترونية تُغيّر العالم- زهير عثمان
في تحول لافت في مسار جوائز نوبل، والتي كانت لعقود تكرم تقليديًا الاكتشافات الفيزيائية الصلبة في مجالات مثل الجسيمات والمادة والطاقة، منحت جائزة نوبل للفيزياء لعام 2024 إلى جون هوبفيلد وجيفري هينتون، تقديرًا لدورهما في تأسيس وتقوية البنية الرياضية والتقنية لـ"الشبكات العصبية الاصطناعية" التي تُعد الآن العمود الفقري للذكاء الاصطناعي الحديث. هذا التتويج العلمي يفتح نقاشًا أعمق: هل تحوّلت الفيزياء نفسها إلى "فيزياء معرفية"؟ وكيف أصبح تعلم الآلة – وهو في جوهره محاولة لتقليد العقل البشري – أحد أعظم إنجازات الفيزياء المعاصرة؟
ما الذي أنجزه هوبفيلد وهينتون؟ في الثمانينيات، طرح هوبفيلد نموذجًا ثورياً عُرف باسم "شبكة هوبفيلد"، يقوم على مبدأ بسيط وفعّال: قدرة النظام على "تخزين" أنماط معينة من المعلومات واسترجاعها عند الحاجة، بطريقة تشبه الذاكرة البشرية. هذا النموذج لم يكن مجرد أداة حسابية بل اقترب من تمثيل معرفي للدماغ نفسه.
بعده بعقد، جاء هينتون ليدفع الحدود إلى الأمام، مطورًا ما يُعرف بـ "الشبكات العصبية العميقة" (Deep Neural Networks)، وهي بنى خوارزمية تستخدم طبقات متعددة من "الخلايا العصبية" لمحاكاة عمليات الإدراك والتعلم في العقل البشري. بفضله، قفز الذكاء الاصطناعي من مرحلة "ألعاب الأطفال" إلى مرحلة الرؤية الحاسوبية، التعرف على الكلام، الفهم اللغوي، والقيادة الذاتية.
الذكاء الاصطناعي في قلب الفيزياء: لماذا نوبل؟ قد يتساءل البعض: لماذا حصل علماء الحوسبة على نوبل في الفيزياء؟ الجواب يتضح عند فهم طبيعة ما أنجزوه:
الذكاء الاصطناعي العميق يعتمد على مفاهيم رياضية وفيزيائية معقدة، مثل الديناميات غير الخطية، الأنظمة التكيفية، وتحسين الطاقة في الفضاءات المتعددة الأبعاد. هذه ليست مفاهيم برمجية فحسب، بل هي امتداد مباشر لمفاهيم فيزيائية نشأت في ميكانيكا الكم والإحصاء الحراري.
الشبكات العصبية تعمل مثل أنظمة حرارية تبحث عن أقل طاقة ممكنة لحل مسألة معقدة، تمامًا كما تفعل الجزيئات في الأنظمة الفيزيائية عند وصولها إلى حالة توازن.
بفضل هذه النماذج، بات بالإمكان محاكاة وتحليل الظواهر الطبيعية على مستوى غير مسبوق، من التنبؤ بالطقس إلى تحليل الجينات، وصولًا إلى اكتشاف مواد جديدة.
لماذا تُعد "الشبكات العصبية" اختراقًا في تاريخ العلم؟ لأنها المرة الأولى التي يتم فيها بناء نموذج حوسبي قابل للتعلّم من التجربة، يشبه إلى حد بعيد ما يفعله البشر.
هذه الشبكات ليست فقط تُقلّد الذكاء البشري، بل أحيانًا تتفوق عليه في مهمات محددة مثل تصنيف الصور، قراءة الأشعة، أو تلخيص نصوص معقدة.
تعمل على جعل الآلات قادرة على الفهم، التوقع، والابتكار، وهي مهارات كانت حتى وقت قريب حكرًا على الإنسان فقط.
تحديات أخلاقية وعلمية: ماذا بعد الإنجاز؟ رغم التقدم الهائل، إلا أن "الشبكات العصبية العميقة" تواجه انتقادات جوهرية:
صندوق أسود (Black Box): لا أحد – بمن فيهم المخترعون – يستطيع تفسير دقيق لكيفية اتخاذ النموذج لقراراته المعقدة.
التحيز والهلوسة: النماذج تتعلم من البيانات المتاحة، فإذا كانت منحازة أو ناقصة، تنتج قرارات غير عادلة أو معلومات مختلقة.
الاستهلاك الهائل للطاقة: تدريب نموذج واحد قد يستهلك طاقة تفوق رحلة طيران عبر المحيط.
الخطر الوجودي المحتمل: كما حذر هوبفيلد نفسه، ما لم تُبنى آليات رقابة وفهم أعمق، فإن الذكاء الاصطناعي قد يتحول إلى أداة لا يمكن السيطرة عليها، كما حدث في تطوير السلاح النووي.
الذكاء الاصطناعي كأداة للفهم العلمي رغم المخاطر، لا يمكن إنكار أن التعلم العميق أصبح أداة علمية فعالة للغاية:
يُستخدم في التلسكوبات الفلكية لتحليل صور المجرات والثقوب السوداء.
وفي الطب لتشخيص السرطان قبل أن تراه عين الطبيب.
وفي الفيزياء الجزيئية لتوقع كيفية طي البروتينات، كما فعل نموذج "ألفا فولد" الشهير.
هذه الأمثلة تُشير إلى أن ما أنجزه هينتون وهوبفيلد لا يقل أهمية عن أي اكتشاف في ميكانيكا الكم أو النسبية، لأنه يُعيد تعريف العلاقة بين العقل والآلة.
منح نوبل لهوبفيلد وهينتون لا يُكرّم فقط إنجازًا علميًا، بل يعلن عن دخول الإنسانية عصرًا جديدًا، حيث "العقول الاصطناعية" لم تعد مجرد أدوات صماء، بل شركاء محتملين في التفكير، التخطيط، وربما اتخاذ القرار. إنه نوبل لعصر الذكاء – بكل إمكاناته، ومخاطره، وأحلامه التي تتجاوز كل ما تخيله العلم في القرن العشرين.
|
|