ممارسة العمل السياسي للنخب السودانية: بين شطحات الدراويش ويقين العلماء بحتمية التغيير

ممارسة العمل السياسي للنخب السودانية: بين شطحات الدراويش ويقين العلماء بحتمية التغيير


06-24-2025, 08:42 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1750794156&rn=0


Post: #1
Title: ممارسة العمل السياسي للنخب السودانية: بين شطحات الدراويش ويقين العلماء بحتمية التغيير
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 06-24-2025, 08:42 PM

08:42 PM June, 24 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر





نخبة تبحث عن مركزها في دوامة التاريخ
في تاريخ السودان السياسي، لم تكن النخبة في يوم من الأيام خارج دائرة الفعل والتأثير، لكنها ظلت أسيرة خيارات مشوشة بين الولاء للتقاليد الدينية والمشيخية، والرهان على التنوير الليبرالي، والانجرار خلف الواجهة العسكرية
في وقتٍ كانت فيه شعوبٌ أخرى في جوار السودان – رغم أزماتها – تحرز قدرًا من الاستقرار السياسي النسبي أو تبلور مشروعًا وطنياً جامعًا.

هذا المقال يحاول إجراء مقارنة تحليلية بين الأنماط السياسية السودانية كما تمثلت في الأحزاب الطائفية، والأحزاب الليبرالية الحديثة، والعقلية العسكرية السلطوية، ويضع هذه التجربة في سياق إقليمي أوسع، مستندًا إلى قراءات نقدية ظهرت
في الفضاء السياسي السوداني، ما بين مناصرة التغيير ونقد المأزق البنيوي للنخب.

أولاً: الطائفية السياسية وشطحات الدراويش
الجذور- الأحزاب الطائفية في السودان، كـ"حزب الأمة القومي" و"الاتحادي الديمقراطي"، لم تنشأ كتنظيمات سياسية بالمعنى العصري، بل وُلدت من رحم الطرق الصوفية والبيوتات الدينية الكبيرة، كالمهدية والختمية.

الممارسة -ارتبط أداؤها السياسي بشخصيات روحية كالصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني، حيث تختلط الزعامة الدينية بالقيادة السياسية.

ركّزت على المصالح العائلية والمناطقية، واعتبرت الولاء الطائفي سندًا للشرعية، مما جعل خطابها يميل إلى الغيبية والشعارات المجردة مثل "الهوية الإسلامية" أو "الحفاظ على وحدة الصف".

النقد:
وصفها كثير من النقاد السودانيين (كعبد الله علي إبراهيم وحيدر إبراهيم علي) بأنها تمارس "شطحات الدراويش في السياسة"، حيث تفتقر إلى البرامج الاقتصادية والاجتماعية الدقيقة، وتفتعل التحالفات ثم تتخلى عنها عند أول اختبار.

❖ المقارنة -في المغرب مثلاً، تحولت الزوايا الدينية (كزاوية الفاسية) إلى قوة أخلاقية تدعم الأحزاب المدنية، ولم تُحافظ على سلطة مباشرة، بينما ظلت الطائفية في السودان تحتكر الفعل السياسي وتمنع التداول الحقيقي.

ثانيًا: الليبراليون ويقين التغيير المتعثر
النشأة- ظهرت أحزاب وتنظيمات ليبرالية متأثرة بالفكر الحداثي، أبرزها الحركة الاتحادية في خمسينيات القرن، وتيارات الشباب المدني في انتفاضتي 2018 و2021، ومبادرات مثل "قحت" (قوى الحرية والتغيير).

الممارسة -تبنّت خطابًا عقلانيًا-دستوريًا، يدعو للحكم المدني، والحرية الفردية، والمواطنة المتساوية.
لكنها عانت من تفكك داخلي، غياب القيادة الموحدة، ومحدودية التجذر الشعبي.
النقد- انتُقدت على لسان كتّاب مثل خالد التيجاني النور ومحمد بدوي بأنها تمارس "النضال من المقاهي"، أي أنها تعجز عن التحول إلى حركة جماهيرية قادرة على التنظيم والتواصل خارج المدن.

كثير من هذه التيارات تستورد نماذج غربية لا تجد لها قاعدة واقعية في المجتمعات التقليدية.

المقارنة:
بالمقارنة مع تونس، نجد أن التيارات الليبرالية (مثل حزب التكتل والتيار الديمقراطي) وإن كانت محدودة الحجم، نجحت نسبيًا في فرض نفسها داخل المشهد السياسي الدستوري، بينما في السودان غلب على الليبراليين التشتت والمزايدات.

ثالثًا: كلاسيكية العسكر والاحتكام للقوة
الخلفية -منذ انقلاب عبود في 1958 وحتى صعود البرهان وحميدتي، ظل الجيش السوداني لاعبًا أساسيًا في السياسة، إما مباشرة عبر الانقلابات أو عبر الوصاية على الحكومات المدنية.

الممارسة -يستند الخطاب العسكري إلى شرعية الأمر الواقع و"الاستقرار الأمني".
يُقدم القائد العسكري نفسه كـ"منقذ من الفوضى"، ويستثمر في صراعات المدنيين والطوائف.

النقد- وصفت كتابات مثل مقالات فيصل محمد صالح وصلاح شعيب هذه النمطية بـ"الكلاسيكية الخشبية"، حيث لا يُقدَّم أي مشروع وطني بل إدارة سلطة عبر التهديد والقمع.
العسكر في السودان غالبًا ما يوحدهم الطمع ويفرقهم الغنيمة.
المقارنة- في مصر مثلاً، استطاع الجيش بناء مشروع اقتصادي وأمني متماسك – ولو تسلطي – تحت قيادة السيسي، بينما فشل العسكريون في السودان في صياغة حتى خطاب موحد، وتركوا الساحة للانفلات الأمني.
رابعًا: مقاربات الفضاء السياسي السوداني
تناولت أقلام عديدة هذا المشهد، منها من دعم التغيير ومنها من شخّص المأزق:
زهير السراج وصف النخبة بأنها "تعيش أزمة أخلاقية، لا أزمة برامج".
عثمان ميرغني رأى أن المدنيين يعجزون عن الانتقال من الثورة إلى الدولة.
آمنة مختار كتبت عن "خوف النخبة من الديمقراطية" وتواطئها مع العسكر أحيانًا.
عبد الغني كرم الله تناول الظاهرة بلغة سردية فلسفية حين قال: "نخبتنا تنام في رؤوس الملائكة، وتفيق على أصوات الجنرالات".
الحاجة إلى مشروع عقلاني وواقعي
التمييز بين شطحات الدراويش، ويقين التغيير الليبرالي، ونزعة الحسم بالقوة، يُظهر لنا أن كل طرف يحمل جزءًا من المشكلة:

الطائفيون يحكمون بالوراثة وليس بالبرامج.

الليبراليون يحلمون بدون تنظيم.

العسكر يحكمون بلا رؤية وطنية.

التجربة السودانية في حاجة إلى مشروع سياسي جديد يجمع بين العقلانية العملية، والتجذر الشعبي، والقدرة المؤسسية، كما بدأت بعض المحاولات تظهر – خجولة – في الحراكات النقابية وتنظيمات الشباب والأقاليم.

إن الاعتراف بالمأزق لا يعني التيه، بل هو أول الطريق إلى الخروج من الدوران في حلقات مفرغة.