Post: #1
Title: السودان بين شبح التقسيم وخيار الحرب- رؤية استراتيجية من منظور الجيش السوداني
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 06-08-2025, 07:54 PM
07:54 PM June, 08 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
ا بعد مرور أكثر من عامين على الحرب الدموية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تتضح معالم مرحلة جديدة من الصراع: الجيش يُحكم قبضته على العاصمة الخرطوم، بينما تُهيمن قوات الدعم السريع على أغلب دارفور، عدا مدينة الفاشر. هذا الانقسام الجغرافي يُنذر بسيناريو خطير يتمثل في تقسيم فعلي، خاصة مع اشتداد العزلة الدولية، وانهيار الاقتصاد، وتراجع الدور المدني في تسوية النزاع. ورغم الدعوات الدولية والإقليمية للتفاوض، يظل الجيش السوداني، كما يبدو من تحركاته الميدانية والتعبئة الإعلامية المحيطة به، ماضياً في خيار الحرب بوصفها وسيلة لاستعادة وحدة البلاد وتفكيك المشروع الانفصالي لقوات الدعم السريع. فما هي الركائز الاستراتيجية لخيار الحرب من منظور الجيش؟ وكيف يمكن توظيف الجغرافيا، والدبلوماسية، والمجتمع المحلي لصالح هذه المعركة المعقدة؟
أولًا: السياق الميداني – إعادة ترتيب الجغرافيا السياسية الجيش سيطر على أغلب الخرطوم، مما عزز شرعيته "الرمزية" كقوة الدولة.
فقدان أغلب ولايات دارفور لصالح قوات الدعم السريع أدى لتآكل الجغرافيا الاستراتيجية للجيش غرباً.
مدينة الفاشر تُعد الخط الدفاعي الأخير في الغرب، وسقوطها يعني انهيار الوجود العسكري للدولة في دارفور.
ثانيًا: الأركان الاستراتيجية لخيار الحرب من منظور الجيش 1. حماية الرمزية الوطنية: الفاشر كخط أحمر يجب تثبيت الدفاع عن مدينة الفاشر كقضية وجودية وطنية، ليس فقط عسكرية.
إرسال تعزيزات ودعم عبر المحاور الشمالية الآمنة (دنقلا – وادي حلفا – كتم – الفاشر).
استثمار الرمز التاريخي للفاشر في حشد الدعم القبلي (خاصة الفور، الزغاوة المناوئين للدعم السريع، والتاما).
إبراز الفاشر كـ"القدس الوطنية"، آخر بوابة سيادية في دارفور.
2. الخرطوم كمقر للشرعية تحويل السيطرة على العاصمة إلى منصة دبلوماسية لاستعادة الشرعية أمام المجتمع الدولي.
عقد لقاءات دبلوماسية في الخرطوم مع دول محايدة (تركيا، الصين، روسيا).
إظهار العاصمة كمكان آمن نسبيًا لعودة بعض مظاهر الدولة.
3. التحول من الهجوم إلى الدفاع الذكي تقليل التمدد العسكري في جيوب غير حيوية داخل الخرطوم.
تعزيز جبهات كردفان ودارفور بوحدات عسكرية منضبطة.
اعتماد حرب العصابات في مناطق انتشار الدعم السريع، خاصة في الأرياف والممرات بين المدن.
4. التفوق الجوي والمدفعي تشغيل سلاح الطيران بفعالية لتعويض قلة القوات البرية في الغرب.
ضرب مراكز القيادة والإمداد الخاصة بالدعم السريع في دارفور وكردفان.
استخدام طائرات بدون طيار لتوجيه الضربات الدقيقة.
5. توظيف العمق الجغرافي والاستراتيجي شرق السودان يجب أن يُحول إلى قاعدة لوجستية متقدمة:
موانئ بورتسودان وسواكن كممرات لتوريد الأسلحة من مصر وإيران.
إنشاء مراكز تدريب وإمداد عسكري في كسلا والقضارف.
النيل كحزام دفاعي طبيعي:
تحويل مجرى النيل من الدمازين إلى حلفا إلى خط دفاع استراتيجي ضد أي توغل أو اضطرابات داخلية.
ثالثًا: خطة الحرب عبر ثلاث مراحل تكتيكية المرحلة الأهداف الأدوات التثبيت (6 أشهر) وقف تقدم الدعم في كردفان، تأمين الفاشر حرب استنزاف جوية، تحالفات محلية قبلية التوازن (12 شهر) استعادة معاقل شمال ووسط دارفور، عزل قوات الخرطوم عمليات كوماندوس، حصار اقتصادي الحسم (18+ شهر) تفكيك الدعم السريع واستعادة المدن الكبرى في الغرب هجوم بري، تمردات محلية، مخابرات
رابعًا: إدارة المخاطر – كيف يضمن الجيش ديمومة المعركة؟ 1. التمويل فرض رسوم عبور على صادرات الذهب عبر الشرق.
تحويل احتياطي بنك السودان المركزي الموجود في الخرطوم إلى عملة صعبة عبر شبكة مالية بديلة.
2. الدعم الإقليمي والدولي استغلال تعارض المحاور الإقليمية:
مصر والسعودية يمكن توظيفها لكبح جماح الدعم السريع.
ليبيا وتشاد تدعمان الدعم حاليًا، ما يستدعي تحركًا دبلوماسيًا لتقويض هذا الدعم.
تسويق الحرب بوصفها معركة ضد الإرهاب، عبر ربط الدعم السريع بجماعات متطرفة تنشط في الساحل الأفريقي.
3. المكون السياسي الموازي تفعيل الحملة المدنية والإعلامية لفضح جرائم الدعم السريع في المناطق الخاضعة لسيطرته.
دعم كتلة سياسية مدنية معتدلة تقدم مشروع مصالحة وطني بديل عن مشروع "الفصل العنيف".
خامسًا: خطة الطوارئ – في حال سقوط الفاشر إعلان حكومة عسكرية موقتة في بورتسودان تمثل استمرار السودان الشرعي.
تحويل دارفور إلى منطقة عازلة عبر حرب استنزاف طويلة، تمنع تشكل كيان مستقر.
الاحتفاظ بعضوية السودان في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، بما يُصعّب الاعتراف بأي كيان جديد.
هل الحرب خيار عقلاني؟ رغم كلفتها الباهظة، فإن الحرب تظل خيارًا منطقيًا للجيش ما لم تظهر تسوية سياسية واقعية تقطع الطريق على التقسيم. الحرب ليست هدفًا في ذاتها، بل وسيلة لمنع تشكل دولة موازية تُمزق السودان فعليًا.
النجاح في هذا الخيار يتوقف على أربعة أركان:
تحصين الفاشر وحمايتها كمفتاح لوحدة السودان.
تحويل السيطرة على الخرطوم إلى منصة دبلوماسية.
توظيف الجغرافيا لصالح الدعم اللوجستي والدفاع.
تأمين العمق السياسي والمالي لاستدامة الحرب.
فالهزيمة في هذه الحرب لن تكون بخسارة الأرض، بل بخسارة المعنى السياسي والاقتصادي للدولة.
|
|