Post: #1
Title: بين التهدئة والتكتيك- هل يمهّد خطاب السودان في القمة العربية لحل أم يكرّس الأزمة؟
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 05-17-2025, 09:30 PM
09:30 PM May, 17 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
في القمة العربية المنعقدة حديثاً، أطل السودان بخطاب طال انتظاره، حاملاً ما بدا في ظاهره لغة عقلانية حذرة، وسط تساؤلات مشروعة: هل يمثل الخطاب تحوّلاً في موقف السلطة السودانية نحو مسار تسوية شامل؟ أم أنه مجرد مناورة سياسية تهدف إلى كسب المزيد من الوقت والدعم الإقليمي دون تغيير في جوهر الموقف الداخلي؟ قراءة في بنية الخطاب جاء الخطاب متسقاً مع الخطاب الرسمي الذي تتبناه قيادة الجيش منذ اندلاع الحرب، حيث حمّل ميليشيا الدعم السريع المسؤولية عن الفوضى والانتهاكات، مع التأكيد على ضرورة استعادة الدولة وهيبة المؤسسات، وخاصة المؤسسة العسكرية. كما حرص على طرح الأزمة ضمن إطار وطني-عروبي، مناشداً الدول العربية الوقوف إلى جانب "الدولة السودانية" في مواجهة ما وصفه بـ"التمرد والعبث بأمن السودان ومحيطه".
وبين سطور الخطاب، كانت هناك محاولات واضحة للعودة إلى المسرح الإقليمي من بوابة الدبلوماسية الدفاعية، أي تقديم الطرف الحكومي كضحية، لا كجزء من الانقسام الذي يعيق أي تسوية.
خطاب بين عقل الدولة ومناورة السلطة يمكن القول إن الخطاب يحمل سمات مزدوجة:
من جهة، هو خطاب استعادة الشرعية أمام المحيط العربي، في وقت باتت فيه صورة السودان قاتمة ومشوّشة بفعل الحرب والانقسامات.
ومن جهة أخرى، هو خطاب تكتيكي، لا يعكس بالضرورة تحوّلاً في الرؤية السياسية أو استعداداً للدخول في تسوية شاملة مع كل القوى السودانية الفاعلة، بما فيها القوى المدنية والمسلحة والمجتمعية.
لم يحمل الخطاب إشارات إلى فتح أفق حوار شامل، أو الاعتراف بجذور الأزمة الممتدة لعقود: من التهميش، إلى تغوّل المركز، إلى غياب العقد الاجتماعي الجديد. كما لم يتطرق إلى ضرورة وقف الحرب فوراً كأولوية إنسانية وأخلاقية، بل تحدّث ضمنياً عن الحسم العسكري كخيار لا يزال مطروحًا.
القضايا المسكوت عنها ورغم الإشارة إلى الأزمة الإنسانية التي تمر بها البلاد، فقد غابت عن الخطاب الاعترافات الضرورية التي يتطلبها أي خطاب عقلاني وجاد: مثل أزمة الحريات، واعتقال النشطاء، وملاحقة لجان المقاومة، والانقسام السياسي، وانهيار مؤسسات الدولة.
وبدا أن الخطاب يتعامل مع الواقع السوداني وكأنه نزاع بسيط بين طرفين فقط، متجاهلاً ما هو أوضح من الشمس: أن السودان غارق في حالة انهيار شامل لا يمكن ترميمه بالقوة العسكرية وحدها، ولا بالاستثمار في كسب المواقف العربية المؤقتة.
القمة كمنصة… وليست حلاً من المؤكد أن القمم العربية ليست هي المكان الذي تُصنع فيه حلول معقدة كالوضع السوداني، لكنها منصة رمزية لإبراز التوجهات، ولفتح نوافذ على الحلول. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار الخطاب نوعاً من جسّ النبض الإقليمي ومحاولة لترميم صورة مهترئة في الخارج، دون التزامات حقيقية بتغيير الداخل.
إلى أين يقود هذا الخطاب؟ إذا أرادت السلطة السودانية أن تحوّل هذا الخطاب من تكتيك لحظي إلى مشروع سياسي ناضج، فعليها أن تخاطب الداخل قبل الخارج، وأن تضع يدها بجدية في مسار سلام شامل يُنهي الحرب ويعيد الدولة إلى جميع السودانيين.
أما إن ظل الخطاب أداة لكسب الوقت والتفافًا على الحلول الجذرية، فإنه لن يغير من حقيقة أن الحرب السودانية أكبر من أن تُحتوى ببيانات وتصريحات، وأن أزمات السودان لا تُحل بالعواطف العربية، بل بالإرادة السودانية أولاً.
|
|