خطاب فوقي وواقع غائب- حين تتحدث السلطة عن الدعاء وتنسى من يُطعم الجوعى... كذابون يتكلمون عن الرحمة

خطاب فوقي وواقع غائب- حين تتحدث السلطة عن الدعاء وتنسى من يُطعم الجوعى... كذابون يتكلمون عن الرحمة


05-15-2025, 07:37 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1747334235&rn=0


Post: #1
Title: خطاب فوقي وواقع غائب- حين تتحدث السلطة عن الدعاء وتنسى من يُطعم الجوعى... كذابون يتكلمون عن الرحمة
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 05-15-2025, 07:37 PM

07:37 PM May, 15 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر






نشرت إحدى الصفحات السياسية المعروفة مؤخرًا فتوى فقهية مطولة حول "حكم الدعاء على المسلمين"، تؤكد أن الدعاء بالسوء على عموم المسلمين محرمٌ إلا في حال الظلم. هذا الطرح – وإن كان صحيحًا شرعيًّا – يتحول إلى أداةٍ للتنظير الأخلاقي المجرَّد حين يُقدَّم من سلطةٍ تُهمل في سياساتها واقعَ الجوعى والمُشرَّدين، وتتجاهل تقاريرَ الأمم المتحدة التي تشير إلى أن 75% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، بينما تُنفق ميزانيات ضخمة على مشاريعَ وهمية كجسر "الأحلام" الذي توقف بناؤه بعد تبديد 20 مليون دولار!

إن الفجوة بين الخطاب الديني المُعلَن والممارسة السياسية ليست جديدة، فتاريخيًّا استخدمت الأنظمةُ الفقهَ كستارٍ لأزماتها، كما حدث في مصر عام 2017 حين ركزت خطبُ المساجد على "حُرمة الاحتجاج" بينما ارتفعت أسعار الأدوية 200%. اليوم، تتكرر اللعبة: تُحرَّم "الغيبة" لفظًا، لكن "الغيبة" الممنهجة لحقوق الناس عبر الفساد وسرقة إغاثة النازحين في مدينة "المنارة" (كما كشف تحقيق "شفافية الدولية" 2023) لا تحظى بنفس الاهتمام!

في هذا السياق، يصبح تقنينُ الدعاء ضربًا من العبث، فكيف تُحرجموا على المظلوم قولَ "اللهم انصرني عليهم" بينما هو يرى مُعتليه يسرقون قوت أطفاله تحت مسمَّى "الضرائب التنموية"؟ وكيف تُطالبوه بتهذيب لسانه وهو يشاهد "لجان الإغاثة الرسمية" تبيع المواد الغذائية في السوق السوداء؟!

لا ينفي هذا شرعيةَ الضوابط الأخلاقية للدعاء، لكن المفارقة أن السلطة – التي تحتكر الخطاب الديني – تُجزِّئُ الشرع: تُطالب الناس بـ"الرحمة" في الكلام، بينما تقصفُ الرحمةَ في الأفعال. فالإسلام الذي حرَّم "سباب المسلم" أوصى أيضًا بـ"إماطة الأذى عن الطريق" كعلامة إيمان، فلماذا تُحارب السلطةُ متطوعي "مبادرة أحياءنا" الذين ينظفون الأحياء الفقيرة بحجة "انعدام الترخيص"؟!

الحلُّ ليس في تسييس الفتوى، بل في ربط الخطاب الديني بالعدالة الاجتماعية. فلو خصصت السلطة جزءًا من جهدها الدعوي لدعم الجمعيات الخيرية – كما فعلت الكويت عبر شراكات الأوقاف مع منظمات الإغاثة – لتحوّل الدعاءُ من لعنةٍ في الظلام إلى حوارٍ في وضح النهار. ولكانت "فتوى الدعاء" فرصةً لمساءلة الفاسدين، لا لقمع المقهورين.