أنا من حيث لا يريدونني أن أكون#

أنا من حيث لا يريدونني أن أكون#


05-14-2025, 07:52 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1747248752&rn=0


Post: #1
Title: أنا من حيث لا يريدونني أن أكون#
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 05-14-2025, 07:52 PM

07:52 PM May, 14 2025

سودانيز اون لاين
زهير ابو الزهراء-السودان
مكتبتى
رابط مختصر







أقسى ما في هذه الدنيا ألا تُمنح فرصة الانتماء، لا لأنك فاقد للمؤهلات، بل لأنك لست ابن السلالة التي تروق لهم، ولا حفيد الجدّ الذي تُروى حكاياته في مجالسهم، ولا صاحب الدم الذي يصفونه بـ"الأزرق" وهم يعلمون أنه لا لون له إلا ما تعارف
عليه الناس ظلمًا.
أنا الذي حملت عقلي معي في رحلة العمر، وشرفت سلوكي بالتهذيب، وروحي بالإيمان، ووقفت في صف الاستقامة، مؤمنًا أن للكون ربًّا عادلًا لا يزن الناس بأصلهم بل بأعمالهم. ومع ذلك، وجدتُ في وجوهٍ كثيرة جدارًا لا يُهدم، سُمّيتُ فيه هامشيًّا
لا لأنني قصّرت، بل لأنني أتيت من مكانٍ لا يليق بمقاماتهم المتخيلة.

كنت أظن أن المعرفة تُحرّر، وأن الأدب يُقرب، وأن التفوق يُقرّب، لكنني اصطدمت بحقيقة أكثر مرارة من الحرب: أن النسب، في عيون البعض، هو السقف الذي لا يجوز لك أن ترفعه.
ثم جاءت الحرب، وكأنها أرادت أن تجرّدني من كل ما تبقّى. وجدتُ نفسي نازحًا، لا أحمل من متاع الدنيا سوى كرامة تحاول ألا تسقط من بين أصابعي، وبقايا حلمٍ أُعيد لملمته مع كل غروب. لم أختر مكاني، ولم أصنع محنتي
لكنني وجدتُ نفسي فيها، صباحًا بلا ملامح، وخيمة بلا جدران، ووطنًا تفرّق دمه بين القبائل.

هل تسألني لماذا أكتب؟
لأني حين ضاق بي المأوى، اتّسعت لي الكلمة. حين خذلتني البلاد، آمنت بي اللغة.
أكتب لا لأطلب شفقة، بل لأنني أرفض أن أموت صامتًا.
لأن في داخلي صوتًا لا يُرضيه أن يكون مجرد صدى في صحراء النسيان.
أنا الذي قيل لي (أصلك مغمور )، وأنا أقول (ومن غمار المجهول يولد الأصيل وهذه حقائق العلوم لو تعلمون ).
ما كان الأنبياء أبناء قصور، ولا كان المصلحون من سلالة الترف، بل وُلدوا في الهوامش، وصعدوا منها لا فوق الناس، بل معهم.
أنا لا أطلب مقعدًا في مجلسهم، ولا دعوة لموائدهم، أنا فقط أطالب بحقي البسيط أن أُرى كما أنا، بلا رتوش، بلا مرآة مشوهة، بلا أسئلة عن "من أين أتيت؟".
أنا النازح الذي يحمل في قلبه مدينة. أنا المهمّش الذي يسير مستقيمًا، حتى وإن التفت حوله الطرق. أنا الذي كتبت لأن الكلمة وحدها لم تخذلني، ولأن الحبر لا يسألني عن قبيلتي، ولا يعترض على لهجتي.
أنا من حيث لا يريدونني أن أكون... لكنني هنا، أكتب، وأتقدّم، وأرفض أن أُمحى ما كتب معلون من يمسح ما يكتب بدواخله العميقة.