حين يغيب النقاء حلمي القاعود في ذمة الله ببالغ الحزن والأسى، ننعي رحيل الناقد الكبير والأديب الإنسان الدكتور حلمي محمد القاعود، الذي فارق دنيانا صباح اليوم عن عمر ناهز التاسعة والسبعين، بعد رحلة ممتدة بالعطاء، والنُبل، والكلمة الصادقة. لقد كان الدكتور حلمي القاعود صوتًا راسخًا في ميدان النقد الأدبي والفكر الإسلامي، لا تُخطئه البصائر، ولا تنكره الساحة الثقافية العربية. لكنه، قبل كل شيء، كان إنسانًا من طراز نادر—عاش وسط البسطاء، وظل وفيًّا لقضاياهم منحازًا للحق، مُجافيًا للزيف، حارسًا للكلمة في زمن الجلبة. وُلد في قرية "المجد" بمحافظة البحيرة، وكان من أبناء الريف المصري الذين حملوا معهم فصاحة النيل، وصدق الأرض، إلى قاعات الجامعات ومنابر الفكر، فلم يتخلَّ يومًا عن جذوره، ولا استعلت كتاباته على الناس. بل ظل حتى لحظاته الأخيرة قريبًا من وجدان القرّاء وتلامذته، حاضرًا في عقول طلابه، وفي قلوب من قرأوا كتبه أو استمعوا إليه. لم يكن القاعود ناقدًا أكاديميًا تقليديًا، بل كان شاهدًا على تحولات الثقافة العربية، مؤرخًا لهمومها، ومقاومًا لمظاهر التفاهة والتغريب، بقدر ما كان منفتحًا على الأدب المقارن والحوار الحضاري، مؤمنًا أن للثقافة رسالة تتجاوز الحدود. إن رحيله فقد جسيم للساحة الثقافية في مصر والعالم العربي، وفقد شخصي لكل من عرفه عن قرب أو نهل من علمه أو استفاد من مواقفه الثابتة. وما بقي منه ليس فقط كتبًا أو مقالات بل روح مقاومة، ونموذجًا للمثقف الحر الشريف الذي لم تفتنه المناصب ولا أغرته الأضواء.
نسأل الله أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يُلهم أسرته وطلابه ومحبيه الصبر والسلوان.
وداعًا أيها الناقد النبيل.. أيها المعلم الذي لم يساوم، والكاتب الذي عاش بين الناس ولهم. إن رحيلك لا يُطفئ ضوءك، بل يخلّده.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة