Post: #1
Title: البابا ليو الرابع عشر والقديس الأمازيغي- عودة الروح الإفريقية إلى الكنيسة الكاثوليكية
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 05-12-2025, 03:22 AM
03:22 AM May, 11 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
رايت كما كل الذين لهم شغف بالكنيس الكاثولكي اهتمامات البابا الأمريكي الجديد “ليو الرابع عشر” وتجدد الجدل حول الإرث المسيحي الجزائري
في مشهد تاريخي داخل كنيسة القديس بطرس بالفاتيكان، جرى تنصيب البابا ليو الرابع عشر، أول أمريكي يُنتخب على رأس الكنيسة الكاثوليكية، يوم 11 مايو 2025. ومنذ اللحظة الأولى لاعتلائه الكرسي البابوي، أطلق إشارات لافتة حول توجهاته الروحية والفكرية، كانت أبرزها إعلانه الصريح بأنه “أوغسطيني المنهج”، في إشارة إلى تأثره العميق بأحد أكبر مفكري المسيحية في التاريخ، القديس أوغسطين، المولود في الجزائر قبل أكثر من 16 قرناً. تأثر بالقديس أوغسطين- إعلان له دلالات كلمة البابا الجديدة حملت صدىً واسعاً، ليس فقط داخل الأوساط الكاثوليكية، بل أيضاً في الجزائر، التي أعادت اكتشاف أوغسطين كشخصية محورية في ماضيها الديني والفكري. هذا التأثر لا يُقرأ فقط في بُعده العقائدي، بل أيضاً كرسالة رمزية من البابا نحو إعادة تموضع الكنيسة في سياق أكثر انفتاحاً على الجذور المتعددة للروح المسيحية، بما فيها الإفريقية والمتوسطية. من هو القديس أوغسطين؟ أوغسطين (354–430 م) وُلد في طاغست، حاليًا سوق أهراس شرق الجزائر، وعاش وعمل في هيبون (عنابة). يُعتبر أحد أهم آباء الكنيسة الغربية، وصاحب مؤلفات عظيمة مثل “الاعترافات” و*“مدينة الله”*. جمع في فكره بين الفلسفة اليونانية وخاصة الأفلاطونية، والتعاليم المسيحية، ليُنتج فلسفة لاهوتية أثّرت لقرون في الغرب المسيحي.
تفاعلات جزائرية واسعة- الهوية والتاريخ في الواجهة تصريح البابا الجديد فجّر نقاشاً كبيراً على وسائل التواصل في الجزائر، وحرّك ذاكرة طالما ظلّت خاملة حول المرحلة المسيحية من تاريخ البلاد قبل الإسلام. الصحافي السعدي نور الدين علّق “بعد 16 قرناً من رحيله.. القديس أوغسطين يزرع اسم الجزائر في كل وسائل الإعلام في القارات الخمس”.
وذهب نور الدين بوكروح، الوزير السابق والمفكر، إلى أبعد من ذلك في مقاله “الجزائر المسيحية”، حين دعا إلى إعادة دمج هذا التاريخ في الوعي الوطني. كما اقترح البعض، من داخل الجالية الجزائرية في أمريكا توجيه دعوة رسمية للبابا لزيارة عنابة، في خطوة قد تحمل رمزية كبرى لإعادة بناء روابط ثقافية بين الجزائر والفاتيكان. الجدل الهوياتي: أمازيغي، كنعاني أم عالمي؟ ككل رموز التاريخ، لم ينجُ أوغسطين من سجالات الهوية. فقد أثار الباحث الإسلامي الحاج ذواق مسألة أصوله الأمازيغية، فيما استحضر آخرون الأصول الكنعانية، ما يفضح التجاذبات المستمرة حول من يملك “حق التمثيل الرمزي” في الجزائر. بل ذهب البعض، مثل يوسف عبد الرحمن، إلى مهاجمة الاحتفاء بأوغسطين، واعتباره ممثلاً لفكر مهد للهيمنة الدينية والاستعمارية لاحقاً، مستشهدًا باستخدام أفكاره في التبرير الديني للحروب الصليبية. البابا الأمريكي- تقاطعات ثقافية وروحية اهتمام البابا ليو الرابع عشر بأوغسطين لا ينفصل عن خلفيته الأمريكية، حيث يشهد المسيحيون الكاثوليك في الولايات المتحدة تحولات عميقة، منها العودة إلى الجذور اللاهوتية والروحية، بعيداً عن النزعات السياسية. إعلانه تأثره بأوغسطين يُمكن قراءته كدعوة لربط الإيمان بالعقل، والروح بالتاريخ، وهو ما يتوافق مع المسار الإصلاحي الذي ينتظره كثيرون من البابا الجديد. هل تنجح الجزائر في استعادة أوغسطين؟ التحدي المطروح الآن أمام الجزائر لا يقتصر على الانبهار اللحظي بالاهتمام العالمي بشخصية من ماضيها، بل في القدرة على توظيف هذا الرأسمال الرمزي في إعادة تعريف الذات الثقافية دون عقدة، وفي سياق مدنيّ يتجاوز الانقسامات الطائفية والهوياتية. إعادة الاعتبار لأوغسطين لا تعني بالضرورة إعادة التبشير بالمسيحية، بل الاعتراف بأن الجزائر كانت، في لحظة من التاريخ، منبراً لفكر عالمي يتجاوز الحدود. فهل تكون هذه اللحظة فرصة لإعادة ربط الجزائر بجذورها المتعددة، أم تمر كما مرت لحظات أخرى من الانبهار العابر؟
صلاة لأجل القديس أوغسطين
يا رب، نشكرك لأجل حياة عبدك القديس أوغسطين، الذي علّمنا أن فيك وحدك الراحة والسلام، وأن العقل لا يضيء إلا بنور الإيمان.
يا من اخترته من أرض إفريقيا، ومنحته قلباً متقداً بالحكمة، اجعلنا، مثله، نبحث عنك بكل جوارحنا، ونطلبك لا بالكلام فقط، بل بالحياة الصادقة.
بارك إرثه في عالمنا المعاصر، وألهمنا أن نُصغي لما تركه من نور، كي نكون صانعي سلامٍ وحاملي محبة، من هيبون إلى روما، ومن الجزائر إلى العالم.
آمين.
|
|