مِيلادٌ بعد تجربة عسيرة. قصة قصيرة

مِيلادٌ بعد تجربة عسيرة. قصة قصيرة


04-18-2025, 05:15 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1744992915&rn=0


Post: #1
Title: مِيلادٌ بعد تجربة عسيرة. قصة قصيرة
Author: طه جعفر
Date: 04-18-2025, 05:15 PM

05:15 PM April, 18 2025

سودانيز اون لاين
طه جعفر-تورنتو..اونتاريو..كندا
مكتبتى
رابط مختصر




ميلادٌ بعد تجربة عسيرة. قصة قصيرة
خرجت متعبة من صراعِ روحها مع ألوان اللوحة. الألوان في أجزاء اللوحة التي يغيب عنها وجهُها غاضبةٌ. غضبت الألوانُ البعيدة في فضاء اللوحة عن وجهها لغيابِ حبيبِها، و قالت الألوان " جمالها لا يستحق أهوال الإنتظار و اللهفة" . جمالها شفّاف كطيفٍ مُرهَق لذكريات مُنهَكة ، طيفّ من ذكريات أيام الهروب الكبير.
ما دفعها للعيش بين الألوان و الأشكال و الخطوط في تلك اللوحة لم يكن من نوع الأسباب التي تُقال. لجأت لتلك اللوحة لتحتفظ بوجودها في عالمٍ ملونٍ و جميل كأيامها مع أسرتها و حضور حبيبها. الجميع يعرف أنّه كان في مقدورها العيشُ في صورةٍ إلتقطها مصوّرٌ بكاميرا حديثة. صورةٌ رقميةٌ قابلة للمعالجة ببرامج الكمبيوتر لتحريرِ الصور. لكنها كحالكم ، كانت تعرف أن تحرير الصُوَر يشتمل علي عمليات التصويب، الحذف، التكثيف و الإصلاح. كانت متأكدة من أن هذه العمليات يمارسها مصورون مستبدون و أنذال كجمهرة الجُنْد الذين إغتصبوا روحها و أهلكوا جسدها و انتهكوه بالخراب ، الألم و العذاب. كغيرها لم تحتمل الإغتصاب لأنه فادح العداوة و الهَجوم، لذلك تبخّر جسدها و سافرت روحها إلي حيثٍ لا حيث له و عندٍ لا عِنْد له.
كان حبيبها في مكان آخر يعالج لوعته، خوفه و كوابيسه جراء غيابها. الأخبار غير مطمئنة تلك الأيام. فرسم وجهها في لوحة ملونة بألوان الماء الزاهية. خرج الرسم للعيان كخروج الروح متعذبة بالوجود و فداحته و غلوائه زمن الحرب. أكمل الرسم و عند إكتماله أحس حبيبها أن الرسم حىٌّ و يتنفس و له قلب ينبض و لسان يلهج بالشكر لخالق هذا الرسم الذي ليس هو. خالق الرسم خاطر عنيد يقاوم آلام الفقد و إبتعاد الحبيبة. الخالق عنيد و متمرد و يرفض الإذعان لإشتراطات الوجود القاسية. أعجبته فكرة إعادتها للحياة في ذلك الفضاء الملوّن في رسمٍ نفّذَه تنفيذاً. إتخذ قراراً حازما بالإحتفاظ بهذا الرسم لنفسه قائلاً : لن يشاهد هذا الرسم الحيُّ شخصٌ غيري فهي حبيبتي و لقد أعدتها للحياة.
من مرقد أو قبر إغتصابها غادرت روحُها أولاً لأن الألم لم يكن يطاق. هصروا جسدها و مزقوه ثم أتلفوه بالإختراق العنيف فتبخر الجسد و صار غازاً سماوي الزرقة غازٌ متفلت و هارب. إلتقي الغاز الذي تحوّل إليه جسدها بروحها المغادرة و حلّا وجها و جسدا مختبيء في اللوحة التي رسمها حبيبها الغائب.
مرّ علي الحرب عامان من العذاب. مرّ العامان مرور السيف في العنق لحظة البتر. قتلت الحرب نفسها و تشتت دمها بين الدول. لم تعد في المكان فقط و لا في زمان فقط. صار مسرح العمليات العسكرية الغاشمة في كل نفس مهاجرة، نازحة، لاجئة، منتهكة، بعيدة، مبعدة و متألمة من الجوع و المرض و غرابة المكان و عداوة الزمان.
فقدت أثناء الإعتداء إسمها، صار إسمها المُنتهَكة ثمّ تحوّل إلي المُعذَبة ثمّ تحول إلي المُدمّرَة. مكثت تلك الأسماء معها موسما من الخراب كما كانت تعتقد. أظن أنها كانت ثلاثة مواسم.
عندما غادرت الرسم الذي رسمه حبيبها الذي فقد إسمه أيضا جراء الإنتظار. غادرت الرسم في أمسية هادئة، لم يكن معه أحد في شقته بمدينة المٍهجر، خرجت من الرسم، كان الرسام بين الصحو و المنام بين الفقد و العذاب، بين الإنسحاق من الإنتظار و اليأس كان علي فراشه في المكان الغريب. غادرت الرسم، رأتها أولاء أضواء صالة إستقبال الضيوف. كان وجهها في إشراق زهرة التوليب المختلفة الألوان. بان نهدها و الجيد للضوء فاستحي. جمالها مؤكد و موفور الثقة حتي إن أسمها صار عائدة. بعودتها إستعاد الرسام إسمه فهو المحبوب. إحتضنها ثم قبّلها أحست روحه بحضورها فتأكد من أنها عادت تاركة مساحة بيضاء في اللوحة التي رسمها. عادت ملونة و جمالها شفّاف كطيفٍ مُرهَق لذكريات مُنهَكة ، طيفّ من ذكريات أيام الهروب الكبير.
طه جعفر الخليفة
كندا - أونتاريو
18 ابريل 2025م