Post: #1
Title: قراءة في الدستور الانتقالي لعام 2025 الصادر عن تحالف السودان التأسيسي
Author: Moutassim Elharith
Date: 03-05-2025, 05:54 PM
04:54 PM March, 05 2025 سودانيز اون لاين Moutassim Elharith-UK مكتبتى رابط مختصر
قراءة في الدستور الانتقالي لعام 2025 الصادر عن تحالف السودان التأسيسي معتصم الحارث الضوّي 5 مارس 2025
شهدت العاصمة الكينية نيروبي مؤتمرا موسعا لقوات الدعم السريع والجماعات السياسية والمسلحة المتحالفة معها يوم 4 مارس 2025، وتمخض الاجتماع عن إصدار الدستور الانتقالي لعام 2025. أدناه تحليلا سريعا لأهم النقاط التي وردت به.
1. يتحدث الدستور عن علمانية الدولة وفصل الدين عن الدولة. إذا كان الدستور "انتقاليا"، فلماذا الإصرار على إقحام قضية جوهرية كهذه في صلبه؟ أليس المنطقي تناول هذه المسألة في الدستور "الدائم" الذي سيُناقش في المستقبل؟ أليس المنطقي الاستئناس برأي الشعب في مشورة لا تستثني أحدا بخصوص ركن جوهري يُنظم الأساس لحُكم البلاد؟
2. يتطرق الدستور إلى تأسيس جيش جديد أساسه "قوات الدعم السريع والجيش الشعبي لتحرير السودان وحركات الكفاح الُمسلَّح الموقعة على ميثاق السودان التأسيسي نواةً للجيش الوطني الجديدة". ماذا عن أفراد الجيش الحالي؟ ماذا عن قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال (السيد/ مالك عقار)؟ ماذا عن حركات (مع حفظ الألقاب) جبريل ومنّاوي ومصطفى تمبور.. إلخ؟ ما الضمان بأن "الجيش الجديد" سيحظى بالاستقلالية اللازمة لأداء مهامه، ولن يكون مجرد تابع تهيمن عليه الفصائل المسلحة التي سيتألف منها؟
من ناحية أخرى، أقر الدستور بحل الميليشيات التابعة للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وجميع الميليشيات الأخرى اعتباراً من تاريخ إجازة وسريان الدستور. ماذا عن التنظيمات الأخرى، التي لا تؤسس جزءا من تحالف السودان التأسيسي ولا تتحالف مع القوات المسلحة؟
3. يشير الدستور المطروح إلى أن حكومة السلام الانتقالية التأسيسية ستتخذ الخطوات الضرورية لتأسيس "...جيش وطني جديد موحَّد، مهني وقومي، بعقيدة عسكرية جديدة، على أن يعكس في تكوينه التعدُّد والتنوُّع لكافة الشعوب السودانية ويخضع منذ أول يوم من تأسيسه للرقابة والسيطرة المدنيتين، ويعكس في تكوينه كافة أقاليم السودان على أساس التوزيع السكاني العادل...". هنا تساؤل: ما المقصود بالتوزيع السكاني العادل؟ هل يعني ذلك تقعيدا لمحاصصة عددية بين الأقاليم في تأليف الجيش الوطني الجديد؟
4. يضيف الدستور في ذات الفقرة عن تأسيس الجيش الوطني الجديد "...ويقتصر دوره على حماية البلاد وأراضيها وسيادتها الوطنية، والشعوب السودانية وحماية النظام العلماني الديمقراطي...". تارة أخرى يعود بنا كاتب النص إلى زرع مصطلح "العلمانية" دون مشاورة شعبية.
5. يقسم الدستور المطروح المرحلة الانتقالية إلى جزأين، أولهما يبدأ فور سريان الدستور ويستمر حتى تضع الحرب أوزارها، والثاني يستغرق عشر أعوام تليها. لماذا اختيار عشر أعوام تحديدا؟ ما المغزى من هذ الرقم الماراثوني حتى لحكومة انتقالية؟ أليست العشرة أعوام تمكينا؟ ما الآليات التي ستكفل إنجاز الحكومة الانتقالية لمهامها دون تغوّل الجهات المسلحة والعسكرية التي ستتألف منها، وهي التنظيمات المنضوية تحت لواء تحالف السودان التأسيسي؟
6. ورد في الدستور المنشور أن تأسيس الدولة السودانية يقوم على "الوحدة الطوعية والإرادة الحرة لشعوبها واحترام التنوع والتعدد العرقي والديني والثقافي والمساواة بين جميع الأفراد والشعوب في الحقوق والواجبات". ألم يفطن كاتب النص أنه يدعو صراحة لممارسة حق تقرير المصير، وبذلك يتبنى رأيا محددا بخصوص قضية يكثر حولها اللغط في السودان مؤخرا؟ هل المغزى الدعوة المبطنة للانفصال؟
7. عاد كاتب النص في فقرة أخرى ليقول إن مهام الحكومة الانتقالية تتضمن "إيقاف وإنهاء الحروب وإحلال السلام العادل المستدام وتهيئة المناخ لإطلاق عملية سياسية شاملة لتحقيق الأمن والاستقرار والعدالة والتنمية بالإضافة إلى تعزيز دعائم الوحدة الوطنية الطوعية وإحلال التعايش السلمي ومحاربة خطاب الكراهية، مجابهة الكارثة الانسانية، حماية المدنيين، تأسيس وبناء مؤسسات الدولة"، وللمرة الثانية يزرع مصطلح "الوحدة الطوعية" في النص، وهذا يطرح تساؤلا: لماذا التركيز على مسألة الوحدة الطوعية؟ هل ذلك للتمهيد لانطلاق أطراف البلاد المختلفة إلى المطالبة بحق تقرير المصير، والذي لن يقود -في ظل الشحن العنصري والمناطقي الراهن- إلا إلى انشطار البلاد إلى دويلات؟
8. نصّ الدستور المطروح على تشكيل مجلس رئاسي يكون بمثابة السلطة السيادية لجمهورية السودان، ويختار تحالف السودان التأسيسي أعضاء ذلك المجلس. بأي حق يحتكر أعضاء التحالف حق اختيار الأعضاء في المجلس الرئاسي؟ هل حصلوا على تفويض شعبي؟ وما المعايير التي سيتبعونها في اختيار أعضاء المجلس الرئاسي؟
9. حسب الدستور المنشور تتمثل اختصاصات المجلس الرئاسي في تعيين وإقالة رئيس مجلس الوزراء، واعتماد تعيين الوزراء، وتعيين المجلس العدلي المؤقت من قانونيين وقضاة سابقين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، واعتماد تعيين رئيس القضاء ونوابه، واعتماد تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، واعتماد النائب العام ومساعديه، وتعيين المراجع العام. ما الذي تركتم لرئيس الوزراء من صلاحيات؟ ماذا عن مبدأ التوازن في السُلطات بين التشريعية والتنفيذية والقضائية؟ ماذا عن تبعات تعيين رئيس القضاء من العصف باستقلالية الجهاز القضائي؟
10. فيما يتصل بتكوين مجلس الوزراء، أقر الدستور تكوينه دون محاصصة حزبية، من أشخاص مؤهلين وملتزمين بالدستور وميثاق السودان التأسيسي، ويتكون من رئيس وزراء تختاره القوى الموقعة على ميثاق السودان التأسيسي بالتشاور فيما بينهم، على أن لا يتجاوز عدد وزراء الحكومة 16 وزيراً يختارهم رئيس الوزراء بالتشاور مع كل أطراف ميثاق السودان التأسيسي خلال فترة لا تتجاوز 30 يوماً من تاريخ تعيينه.
هنا حزمة تساؤلات مؤرقة: ما الذي يضمن تكوين مجلس الوزراء دون محاصصة حزبية؟ خاصة وأن الفقرة التالية تشير إلى "أشخاص مؤهلين وملتزمين بالدستور وميثاق السودان التأسيسي" وهذا الوصف اللاحق قد ينطبق على أعضاء الأحزاب أيضا.
التساؤل الثاني: ما الآلية التي سيتبعها تحالف السودان التأسيسي في اختيار رئيس الوزراء؟ أيضا، لماذا الإصرار على رئيس وزراء منزوع الأنياب لا يستطيع حتى اختيار الوزراء، والتأكيد عِوضا على ضرورة التشاور مع "كل" أطراف ميثاق السودان التأسيسي قبل اعتماد تعيين الوزراء؟ أيُ شخصية تحترم نفسها ستقبل بمنصب رئيس وزراء خائر القوى كهذا؟
11. مرة أخرى، يعود الدستور إلى "... تأسيس قوات شرطة وجهاز أمن ومخابرات مهني مستقل، لا يخضع لأي ولاء أيديولوجي أو سياسي أو حزبي أو جهوي أو قبلي، ويعكس في تشكيلاته التوازن السكاني بين كافة أقاليم السودان...". التساؤل المؤرق تارة أخرى: هل هذه دعوة إلى المحاصصة المناطقية في تأسيس تلك القوات؟ ما الغرض من الصياغة الملتوية؟
12. حدد الدستور ثمانية أقاليم للسودان على النحو التالي: "إقليم الخرطوم، الإقليم الشرقي، الإقليم الشمالي، إقليم دارفور، الإقليم الأوسط، إقليم كردفان، إقليم جنوب كردفان وجبال النوبة، إقليم الفونج الجديد" حيث يكون لكل إقليم دستور يراعي خصوصيته، دون المساس بطبيعة الدولة المنصوص عليها في هذا الدستور.
ما الذي يعنيه "لكل إقليم دستور يراعي خصوصيته"؟ ما آليات وضع تلك الدساتير الإقليمية؟ ما العلاقة القانونية بين دساتير الأقاليم والدستور المركزي؟ ألا تُعد الدساتير الإقليمية أٌنسب في حالة التأسيس للفيدرالية في مقابل اللا مركزية التي يشير إليها الدستور؟
13. يُعد هذا الدستور تراجعا عن مقاربات مُحكمة تضمنها دستور 2005، والذي نصّ على احترام الأديان (عِوضا عن الدعوة لعلمانية عرّفها الدستور المطروح بأنها فصل للدين عن الدولة)، ونكوص عن النظام الفيدرالي المشار إليه في دستور 2005، وعِوضا عن ذلك الدعوة للا مركزية عجفاء؛ لا شك أنها لا تتسق ومتطلبات المرحلة الآنية أو المستقبلية، ولا تحقق التطلعات الشعبية.
14. يتضمن هذا الدستور أخطاء شكلية وموضوعية تعصف بصلاحيته في أي زمان ومكان. من الأخطاء الشكلية إبهام الصياغة وعدم الدقة مما يؤدي للبس وسوء الفهم، وغياب الإشارة إلى المشورة أو التفويض أو المشاركة الشعبية مما يشير إلى الفوقية والاستئثار بالقرار، ولعل الأنكى عدم الإشارة إلى آلية إقرار الدستور مما يجعل شرعيته محلا مشروعا للتساؤل إن لم يكن الطعن الصريح.
15. كما يتضمن الدستور أخطاء موضوعية، تشمل العوار في تحديد مكوّنات الجيش الجديد، وتحديدا عدم النص على جمع المكوّنات الحاملة للسلاح في البلاد في إطار منظومة عسكرية موحّدة، والصلاحيات الهائلة التي منحها للمجلس الرئاسي مما يضرب العلاقة بين الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وإلغاء الدساتير والقوانين والقرارات السابقة لصدور الدستور في مُجملها مما يخلق إشكالية دستورية وقانونية هائلة.
من الواضح لأول وهلة أن هذا الدستور قد صيغ في عُجالة، ولذا يحمل العديد من الأخطاء المنطقية والشكلية والموضوعية، بل والقنابل الموقوتة تشريعيا؛ فهو أٌقرب في صياغته ومحتواه إلى وثيقة سياسية تسعى لفرض واقع بعينه عِوضا عن أن يكون تأسيسا لمرحلة راسخة كما الحال في الدساتير المُحكمة، ولذا اعتقد أنه لن يحظى بالقبول الشعبي، أو إمكانية التطبيق العملي حتى إن صارت الأمور كما ترغب الجهات التي أصدرته. لذا ربما يكون الأقرب إلى المنطق أن الدستور المطروح خطوة استباقية -إن صح التعبير- تمهيدا وتعزيزا للموقف التفاوضي في أي جولة دبلوماسية مرتقبة بين تحالف السودان التأسيسي والحكومة السودانية.
|
|