Post: #1
Title: قراءة نقدية لكتاب "التصوف والسياسة في السودان" للدكتور عبد الجليل عبد الله صالح
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 03-02-2025, 03:46 PM
02:46 PM March, 02 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
قراءة نقدية لكتاب "التصوف والسياسة في السودان" للدكتور عبد الجليل عبد الله صالح منهج التحليل ما وراء النص: رؤية نقدية . السياق التاريخي والاجتماعي-
يُقدم الكتاب تحليلًا موسعًا للتفاعل بين التصوف والسياسة في السودان، بدءًا من دولة الفونج (1504) وحتى الفترة الانتقالية (2022). يعتمد المؤلف على سرد تاريخي يُظهر كيف شكلت الطرق الصوفية (كالسمانية، الختمية، القادرية) قوة اجتماعية وسياسية، لا سيما في مقاومة الاستعمار وبناء الهوية الإسلامية.
نقد السياق: رغم شمولية الإطار الزمني، يُلام على المؤلف تركيزه على الفترات الإسلامية المبكرة (كعهد الفونج) دون تعمق كافٍ في التحولات الحديثة، مثل دور الصوفية في مواجهة الأنظمة العسكرية (كحكم النميري وإنقلاب 1989). كما غاب تحليل تأثير العولمة والحركات الإسلامية السلفية على تراجع النفوذ الصوفي.
الاستقلالية أم التوظيف السياسي؟
يُجادل الكتاب بأن الصوفية لم تكن "دمى في يد الأنظمة"، بل كانت ضمانة لحماية الدين من الاستغلال السياسي. يستشهد المؤلف بمواقف شيوخ الصوفية الذين رفضوا الانخراط في الصراعات السياسية المباشرة، مع الحفاظ على دورهم كوسطاء اجتماعيين.
نقد الاستقلالية - يطرح الكتاب تناقضًا عند مناقشة تحالف بعض الشيوخ مع الأنظمة العسكرية (كحكومة الإنقاذ 1989–2018). فالمؤلف يفسر هذا التحالف كـ"استثناء" ناتج عن استغلال السلطة، لكنه لا يقدم تحليلًا كافيًا لآليات هذا الاستغلال أو كيفية مقاومة الصوفية له.
المنهجية والمصادر-
يعتمد المؤلف على مزيج من المصادر الأولية (كالمقابلات مع شيوخ الصوفية) والثانوية (كالأدبيات التاريخية). يُبرز الكتاب شهادات لشخصيات مثل الشيخ محمد الأنيور إدريس، الذي يؤكد توافق التصوف مع الديمقراطية.
نقد المنهجية يُلام على غياب التحليل النقدي للمصادر. فالمقابلات مع الصوفيين قد تعكس تحيزًا ذاتيًا، بينما يغيب صوت المعارضين أو النقاد الخارجيين. كما يفتقر الكتاب إلى مراجع أرشيفية داعمة (كوثائق حكومية أو مراسلات تاريخية).
التصوف كمنهج ليبرالي؟
يرى المؤلف أن التصوف يُشجع التعددية ويرفض الإقصاء، مستندًا إلى مقولة: "لكل شيخ طريقته". ويُقارن هذا المنهج بالليبرالية، حيث يُعتبر المسيد (الزاوية) نموذجًا مصغرًا لدولة المواطنة التي تذوب فيها الانقسامات القبلية.
نقد المقارنة هذه الرؤية قد تُبالغ في مثالية التصوف. فبعض الطرق الصوفية تعاني من مركزية السلطة الروحية للشيخ، وقد تكرس الانقسامات بين المريدين أنفسهم. كما أن فكرة "التصوف الليبرالي" تتعارض مع ممارسات بعض الطرق التي تفرض طقوسًا صارمة.
الصوفية والأنظمة العسكرية
يُفند الكتاب الادعاء بأن الصوفية دعمت الأنظمة العسكرية بشكل مطلق، مشيرًا إلى أن هذا الاستقطاب أضر بسمعتها. يوضح كيف استخدمت حكومة الإنقاذ الصوفية لتقويض الأحزاب التقليدية (كالأمة والاتحادي).
نقد التوظيف السياسي - رغم إبراز هذه النقطة، يغيب تحليل الأسباب الهيكلية التي جعلت الصوفية عرضة للاستغلال، مثل ضعف التنظيم المؤسسي واعتمادها على الزعامات الفردية.
الإسهامات والثغرات -
الإسهامات - يكشف الكتاب عن دور الصوفية في بناء السلام الاجتماعي عبر الوساطة بين القبائل وحل النزاعات. كما يسلط الضوء على "الدبلوماسية الشعبية" للطرق الصوفية، التي ساهمت في نشر الإسلام بطريقة سلمية.
الثغرات- يغيب تحليل الصوفية في جنوب السودان، رغم وجود ممارسات صوفية هناك. كما يُهمل تأثير العوامل الاقتصادية (كالفقر) على تحولات الصوفية من الزهد إلى الانخراط في السياسة.
الكتاب يُقدم رؤية تحررية للتصوف، تُعارض الصورة النمطية عن الصوفية كقوة محافظة. لكنه يقع في فخ المثالية أحيانًا، ويغفل تحليل التناقضات الداخلية للطرق الصوفية وتأثير العوامل الخارجية. رغم ذلك، يظل العمل مرجعًا مهمًا لفهم التداخل المعقد بين الروحي والسياسي في التاريخ السوداني.
التقييم النهائي-القوة- تحليل تاريخي غني، ودعوة لإعادة تقييم دور الصوفية في بناء الدولة.
الضعف- غياب النقد الذاتي للصوفية، وتحليل محدود للسياقات الحديثة.
الابتكار- ربط التصوف بمفاهيم الليبرالية والمواطنة يفتح آفاقًا جديدة للبحث.
|
|