Post: #1
Title: السودان بين مأزق السلطة والتدخلات الخارجية- سيناريوهات المستقبل والمآلات المحتملة
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 02-28-2025, 10:37 PM
09:37 PM February, 28 2025 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
يعيش السودان اليوم مرحلة من أصعب مراحله السياسية منذ الاستقلال، حيث لم تعد الأزمة تقتصر على صراع داخلي بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل تحوّلت إلى قضية إقليمية ودولية بامتياز. فمع توقيع "ميثاق نيروبي التأسيسي" من قبل قوات الدعم السريع وبعض الفصائل المسلحة، بدأ الحديث عن إقامة حكومة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، مما أثار تساؤلات حول مستقبل السودان، ومخاطر التقسيم، وتأثير التدخلات الدولية على مسار الأزمة. في هذا المقال، سنحلّل المشهد السياسي السوداني من ثلاثة زوايا رئيسية: الأوضاع الداخلية، التفاعل الإقليمي والدولي، والسيناريوهات المستقبلية المحتملة. أولًا: المشهد الداخلي – أزمة السلطة والتفتت المجتمعي ميثاق نيروبي: خطوة نحو دولة موازية أم مناورة تكتيكية؟ الميثاق الذي وقعته قوات الدعم السريع مع بعض الحركات المسلحة والسياسية يهدف إلى تقديم بديل للحكومة المركزية بقيادة الجيش السوداني. لكن السؤال الأهم: هل تمتلك قوات الدعم السريع القدرة على تأسيس كيان سياسي وإداري فعّال، أم أن هذه الخطوة مجرد ورقة تفاوضية في صراع القوة مع الجيش؟
على الأرض، تُسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء من غرب السودان وأجزاء من العاصمة الخرطوم، لكنها تواجه تحديات ضخمة في إدارة هذه المناطق، خصوصًا مع تصاعد النزوح الجماعي والأزمات الإنسانية. هناك رفض شعبي واسع للحكم العسكري سواء من الجيش أو الدعم السريع، مما يضعف شرعية أي حكومة جديدة تسعى هذه القوى لتأسيسها. موقف القوى المدنية – انقسام وضعف المعسكر المدني في السودان يعاني من انقسامات حادة، حيث تتوزع القوى بين:
داعم لميثاق نيروبي، بحجة أنه يوفر فرصة لإنهاء سيطرة الجيش وفتح المجال أمام حل تفاوضي شامل. رافض للميثاق، ويعتبره خطوة نحو تقسيم البلاد وتكريس هيمنة الدعم السريع عسكريًا. قوى محايدة أو مشتتة، تبحث عن حلول وسط لكنها تفتقر إلى التنظيم والقوة السياسية اللازمة لإحداث تغيير فعلي. هذا الانقسام أدى إلى إضعاف قدرة القوى المدنية على فرض رؤية موحّدة للحل، وترك الساحة مفتوحة للقوى العسكرية للتنافس على السلطة.
ثانيًا: التفاعل الإقليمي والدولي – صراع النفوذ والمصالح القوى الإقليمية – السودان كساحة حرب بالوكالة؟ تسعى عدة دول للعب أدوار مختلفة في السودان، بما يتماشى مع مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية:
مصر والسعودية: تميلان إلى دعم الجيش السوداني باعتباره الضامن للاستقرار الإقليمي ومنع انتشار الفوضى. الإمارات: رغم دعمها التاريخي للجيش، تُتهم بمساندة قوات الدعم السريع من خلال قنوات تمويل غير رسمية، خصوصًا عبر تجارة الذهب واللوجستيات. قطر وتركيا: تراقبان الوضع بحذر، وتركّزان على النفوذ السياسي عبر دعم بعض الفصائل الإسلامية. 2. القوى الدولية – غياب دور أمريكي واضح وصعود روسيا والصين الولايات المتحدة: لم تتخذ موقفًا حاسمًا بسبب انشغالها بأزمات أخرى مثل أوكرانيا والشرق الأوسط، مما أضعف تأثيرها على الملف السوداني. روسيا: تدعم قوات الدعم السريع عبر شركة "فاغنر"، في إطار سعيها للهيمنة على الموارد المعدنية السودانية. الصين: تركز على حماية استثماراتها في البنية التحتية والطاقة، وتسعى إلى استقرار سياسي يضمن استمرار تدفق التجارة. الاتحاد الأوروبي: قلق بشأن تصاعد موجات اللجوء، لكنه يفتقر إلى أدوات ضغط فعالة. هذا التنافس الدولي يُعقّد الأزمة السودانية، حيث أن كل طرف يسعى لتحقيق أجندته الخاصة دون اهتمام حقيقي بإيجاد حل مستدام للأزمة.
ثالثًا: السيناريوهات المستقبلية – بين التصعيد والتسويات الهشّة يمكن توقع ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمسار الأزمة السودانية خلال الأشهر القادمة: . سيناريو التصعيد العسكري الشامل (الأكثر خطورة) في ظل استمرار تدفق الدعم الخارجي لكلا الطرفين، قد يتحول السودان إلى ساحة حرب مفتوحة على غرار الصراع الليبي أو السوري.
قوات الدعم السريع قد تسعى إلى توسيع رقعة سيطرتها، مما سيؤدي إلى تدخل عسكري أوسع من الجيش بدعم إقليمي مباشر (مصر والسعودية). احتمالية تدخل عسكري خارجي إذا بدأ الصراع في تهديد استقرار الدول المجاورة. سيناريو التقسيم الفعلي (الأسوأ للسودان) في حال نجحت قوات الدعم السريع في تكريس سيطرتها على الغرب والوسط، فقد يصبح السودان مقسّمًا فعليًا بين حكومة الجيش في الشمال والشرق، وكيان مدعوم من الدعم السريع في الغرب. هذا السيناريو سيؤدي إلى تعميق الأزمات الإنسانية والاقتصادية، وسيجعل السودان ساحة لصراعات إقليمية ودولية طويلة الأمد. سيناريو التسوية السياسية الهشة (الأفضل لكنه صعب التحقيق) بضغط من المجتمع الدولي، قد يتم التوصل إلى اتفاق سياسي هش يجمع الجيش والدعم السريع والقوى المدنية، لكنه سيكون عرضة للانهيار بسبب انعدام الثقة بين الأطراف. أي تسوية ستحتاج إلى ضمانات دولية قوية وآلية تنفيذ حقيقية لتجنب العودة إلى الحرب. السودان أمام مفترق طرق الأزمة السودانية اليوم ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي اختبار لمدى قدرة السودانيين على إعادة بناء دولتهم وسط تدخلات خارجية معقدة وانقسامات داخلية حادة.
إذا استمرت المواجهة بين الجيش والدعم السريع دون حلول سياسية، فإن السودان سيكون على أعتاب كارثة أمنية واقتصادية قد تستمر لعقود. لكن في المقابل، فإن القوى المدنية والمجتمع الدولي لا يزالان قادرين على الضغط نحو حل تفاوضي يضمن وحدة البلاد واستقرارها.
في النهاية، يظل مستقبل السودان رهينًا بمدى قدرة السودانيين أنفسهم على تجاوز الانقسامات، وبناء مشروع وطني حقيقي بعيدًا عن الصراعات العسكرية والتجاذبات الدولية.
|
|