سوزان سونتاغ: حوار

سوزان سونتاغ: حوار


01-25-2025, 08:44 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1737791093&rn=0


Post: #1
Title: سوزان سونتاغ: حوار
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 01-25-2025, 08:44 AM

07:44 AM January, 25 2025

سودانيز اون لاين
محمد عبد الله الحسين-
مكتبتى
رابط مختصر



حوار جميل مع سوزان سونتاغ:

(ربما كان اختراع الكاميرا أهم من المطبعة )

Post: #2
Title: Re: سوزان سونتاغ: حوار
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 01-25-2025, 08:54 AM
Parent: #1

كتابات سونتاغ وانطباعاتها وةتحليلاتها بتفتح كثير من ينابيع التأمل في مواضيع متعددة...

وهذا مكمن جمال وسحر كتاباتها..فكتاباتها تنشط ملكة التفكير الهامد..

Post: #3
Title: Re: سوزان سونتاغ: حوار
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 01-25-2025, 12:16 PM
Parent: #2

سوزان سونتاغ: حوار
ربما كان اختراع الكاميرا أهم من المطبعة (حوار)‏

حوار جيوفري موفيوس مع سوزان سونتاغ

نشر في عدد يونيو 1975 من مجلة بوسطن ريفيو ترجمة: زين الشافعي
الترجمة خاصة بـ ‏Boring Books
سوزان سونتاغ، عن ‏boston review

جيوفري موفيوس: في أحدث مقالاتك في مجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس، والتي كانت عن التصوير ‏الفوتوغرافي، كتبت: «لا يمكن لأي عمل أدبي
روائي أن يحمل أصالة الوثائق»، وأنه يوجد «في أمريكا ‏عداء مريب مع كل ما يحمل سمة الأدب». هل تعتقدين أن الأدب الروائي في طريقه إلى الزوال؟
هل ‏ستنتهي الكلمة المطبوعة؟

سوزان سونتاغ: يعاني كتّاب الأدب من قلق شديد إزاء انعدام المصداقية. لم يعد هناك اطمئنان تجاه الكتابة ‏الأدبية الصريحة، بالإضافة إلى محاولات
إضفاء الواقعي على الروائي. ومن أمثلة ذلك مؤخرًا، فيليب روث ‏في كتابه «حياتي كرجل»؛ يحوي الكتاب ثلاث روايات قصيرة، كُتبت أول روايتين -
كما يزعُم- بواسطة ‏الراوي الأساسي في الرواية الثالثة. هو أمرٌ شائعٌ هنا أن أن تحمل الوثيقة التي تحتوي شخصية الكاتب ‏وتجربته سلطة أكبر من الأدب
الروائي، ربما أكثر من أي بلد آخر، وهذا يعكس امتداد الرؤية السيكولوجية ‏التي أصبحت تسيطر على كل شيء. لقد أخبرني بعض الأصدقاء أن كتابات
الروائيين الوحيدة التي ما ‏زالت تثير انتباههم هي رسائلهم ومذكّراتهم.‏

موفيوس: هل تعتقدين أن سبب حدوث هذا هو حنين الناس إلى الماضي، والالتقاء به وبذويهم والآخرين ‏مجددًا؟
سونتاغ: أعتقد أن الأمر باعثه انقطاع عن الماضي أكثر مما هو اهتمام به. لا يؤمن العديد بقدرة المرء ‏على إماطة اللثام عن العالم والمجتمع، لكن فقط عن
نفسه.. «كما يراها». وفي اعتقادهم ليس للكتّاب سوى ‏الإدلاء بشهادتهم، إن لم يكن الاعتراف. وأن الكتابة ليست إلا عن رؤيتك للعالم، وأن تضع نفسك
على ‏المحكّ. على الأدب أن يكون «حقيقيًا..» مثل الصورة الفوتوغرافية.‏
موفيوس: لم تكن رواية «الراعي» ولا «عدّة الموت» سيرة ذاتية.‏
سونتاغ: في الروايتين اختلقت محتوى أكثر إلحاحًا من محتوى السيرة الذاتية. وهناك قصص حديثة ‏مستوحاة من حياتي بالفعل؛ مثل قصة «مشروع رحلة
إلى الصين» التي نُشرت في إبريل عام 1973 في ‏مجلة أتلانتيك الشهرية. لكن لم أقصد القول إن الميل إلى الإفادات الشخصية والاعترافات، الواقعي
منها ‏والروائي، هو الدافع الذي يحرِّك القراء والكتاب الطَموحين. الميل إلى الرؤية المستقبلية والتنبؤ على الأقل ‏بنفس الأهمية. لكن هذا الميل يؤكد
أيضًا سيادة الخيال على الماضي التاريخي المتيقّن. هناك بعض ‏الروايات التي تقع أحداثها في الماضي، مثل أعمال توماس بينشون، هي حتمًا خيال علمي.‏

موفيوس: الاختلاف عندك بين كتّاب السيرة الذاتية وكتّاب الخيال العلمي يذكّرني بمقطع من إحدى مقالاتك ‏في نيويورك ريفيو، التي ذكرت فيها أن
بعض المصوّرين ينصبون أنفسهم علماء، والبعض الآخر أخلاقيين. ‏العلماء «يجعلون من العالم مادة قابلة للتشكيل» بينما الأخلاقيون «منكبّون على
القضايا الصعبة» ما هو ‏نوع القضايا التي تعتقدين أنه يجب على المصوّرين الأخلاقيين التركيز عليها؟

سونتاغ: أنا لا أرغب في إبداء ملاحظات توجيهية الناس، وما الذي يجب أن يفعلوه، لأنني دائمًا ما آمل أن ‏يفعلوا العديد من الأشياء المختلفة. يتركّز
اهتمام المصوّر كأخلاقيّ على الحروب والمجاعات والكوارث ‏الطبيعية والحوادث، الخراب والدمار. عندما يقول المصور الصحفي «لم أجد شيئًا حتى
أصوِّره»، هذا عادةً ‏ما يعني أنه لم يجد ما هو مريع ليصوره.‏

موفيوس: والعلماء؟

سونتاغ: أظن أن الاعتقاد السائد في التصوير الفوتوغرافي هو أن أي شيء بإمكانه أن يكون مثيرًا للاهتمام ‏إذا صورته. يتضمن هذا اكتشاف الجمال؛
الجمال الذي يمكن أن يكون موجودًا أي مكان، ولكن يُعتقد عادةً ‏أنه يسكن العشوائية والركاكة. يخلط التصوير الفوتوغرافي بين مفهوميّ «الجميل»
و«المثير للاهتمام». إنه ‏نمط يضفي نظرة جمالية على العالم أجمع.‏

موفيوس: لماذا قررت الكتابة عن التصوير الفوتوغرافي؟

سونتاغ: لأنني خضت تجربة أن أكون مهووسة بالصور. ولأنه تقريبًا كان لجميع القضايا الجمالية ‏والأخلاقية والسياسية المهمة، وسؤال «الحداثة» نفسه
و«الذوق الحداثي»، دور في تاريخ التصوير ‏الفوتوغرافي الوجيز نسبيًا. قال ويليام إيفينز عن الكاميرا إنها الاختراع الأهم على الإطلاق منذ المطبعة.
‏وربما اختراع الكاميرا أكثر أهمية لتطور الإدراك. إنها كذلك، بالفعل. استخدامات التصوير الفوتوغرافي التي ‏التحمت بثقافتنا، وفي المجتمع الاستهلاكي،
كل هذا يجعل من التصوير الفوتوغرافي أمرًا مؤثرًا ومثيرًا ‏للاهتمام. في جمهورية الصين الشعبية، لا يملك الناس نظرة «فوتوغرافية»؛ يصوّر الصينيون
بتصوير ‏بعضهم والأماكن المشهورة والآثار، مثلما نفعل، لكنهم يفزعون من أجنبيّ يهرع لتصوير باب مزرعة قديم، ‏ومحطم، ومقشور. إنهم لا يفهمون
فكرة «التصويريّ» ولا يدركون التصوير الفوتوغرافي كأداة لإعادة ملاءمة ‏الواقع وتحويله -إلى قطع- مما ينكر وجود كل ما هو غير ملائم أو لا يستحق
الذكر. مثلما يُذكر حاليًا في ‏إعلان كاميرا « ‏Polaroid SX-70‎‏»: «لن تستطيع التوقف. فجأة، حيثما تنظر، سترى صورة».‏

موفيوس: كيف يمكن للتصوير الفوتوغرافي تغيير العالم؟

سونتاغ: عبر منحنا قدر عظيم من الخبرة، والتي هي «بطبيعة الحال» ليست ملكنا. واختيار الخبرات التي ‏تحمل في طيّاتها كل ما هو منحاز وأيديولوجي.
بينما يظهر أنه لا شيء لا يمكن للتصوير الفوتوغرافي ‏التهامه، إلا أنه كل ما لا يمكن القيام بتصويره يصبح أقل أهمية. فكرة مالرو عن المتحف الذي
بدون ‏جدران (المتحف المتخيّل) هي فكرة عن آثار التصوير الفوتوغرافي؛ علاقتنا باللوحات والتماثيل، وكيفية ‏تأملها، هي حاليًا مقيّدة بالصور. ليس
فقط أننا نعرف عالم الفن وتاريخ الفن أساسًا من خلال الصور، وإنما ‏أيضًا نعرفهم بشكل لم يدركه أحد قط. عندما كنت في أورفيتو للمرة الأولى منذ
بضعة أشهر، انقضيت ‏ساعات وأنا أتأمل واجهة الكاتدرائية، لكن لم أرها حقًا -بالمعني الحديث من الرؤية- إلا بعدما اشتريت كتابًا ‏عن تلك الكاتدرائية
بعد أسبوع؛ أتاحت لي الصور رؤية «حقيقة» الكاتدرائية التي لم يكن في وسع عيني ‏‏«المجرّدة» رؤيتها.‏
موفيوس: هذا يوضّح قدرة التصوير الفوتوغرافي على خلق نسق جديد تمامًا للرؤية.‏

ملحوظة: لأن الحوار طويل لذلك سأقسمه على 3 أجزاء

Post: #4
Title: Re: سوزان سونتاغ: حوار
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 01-25-2025, 09:10 PM
Parent: #3

أواصل الجزء الثاني من الحوار

سونتاغ: تحوَّل الصور الأعمال الفنية إلى مواد معلوماتية. يحدث هذا بواسطة التوازن التي تحدثه بين ‏الجزئي والكلّي. عندما كنت في أورفيتو، كان
بإمكاني رؤية الواجهة بكاملها عند العودة للخلف، ولكن حينها ‏لم أبصر التفاصيل. ثم كان بإمكاني الاقتراب ورؤية تفاصيل كل ما لم يكن أعلى من،
لنقل، ثمانية أقدام، ‏لكن لم يكن هناك من وسيلة أدرك بها الكلّ. ترتقي الكاميرا بالجزء إلى مستوى مميز. كما يشير مارلو، ‏بإمكان الصورة عرض جزء
من تمثال؛ رأس أو يد، والذي يبدو بكامل روعته، ويمكن أيضًا استنساخه ‏بجانب عنصر آخر، ربما أكبر عشرات المرات، لكنه بين صفحات الكتاب ما زال
يحتلّ نفس الحيّز من ‏المساحة. وعلى هذا الأساس، يقضي التصوير الفوتوغرافي على شعورنا بالقياس.‏

بالإضافة إلى أنه يفعل أشياء عجيبة في شعورنا بالزمن. لم يحدث أبدًا في التاريخ البشري أن عرف الناس ‏شكلهم عندما كانوا أطفالًا. كلَّف الأغنياء بإعداد
البورتريه لأطفالهم، لكن كان فن البورتريه محدودًا منذ ‏عصر النهضة خلال القرن التاسع عشر بمفاهيم الطبقة الاجتماعية، مما منع الناس من الحصول
على ‏معرفة يعوّل عليها عن شكلهم في الماضي.‏

موفيوس: في بعض الأحيان كان يحوي جسم شخص آخر مع رأسك.‏

سونتاغ: أجل. والسواد الأعظم من الناس لم يستطيعوا تحمّل ثمنه، ولم يعلموا أبدًا كيف كان شكلهم حين ‏كانوا أطفالًا. حاليًا، لدى جميعنا صور نرى فيها
أنفسنا ونحن في عامنا السادس، ونرى وجوهنا ملمّحة إلى ‏ما سنبدو عليه لاحقًا. وأيضًا لدينا نفس المعلومات عن والدينا وأجدادنا، توجد عاطفة غامرة في
هذه الصور؛ ‏إنها تجعلك تدرك لوهلة أنهم كانوا أطفالًا يومًا ما. أن يكون المرء قادرًا على رؤية نفسه أو والديه عندما كانوا ‏صغارًا هي تجربة فريدة خاصة
بعصرنا الحالي. لقد شكَّلت الكاميرا علاقات جديدة ومثيرة للأسى للناس مع ‏أنفسهم، ومظهرهم الخارجيّ، وشيخوختهم، وفنائهم. إنه نوع من الرثاء لم يكن
موجودًا أبدًا من قبل.‏

موفيوس: لكن هناك شيء ما في حديثك يناقض فكرة أن التصوير الفوتوغرافي يُبعدنا عن التاريخ؛ أثناء ‏قراءتي لعامود أنتوني لويس في جريدة نيويورك
تايمز هذا الصباح، دوَّنت اقتباس أليكسندر وودسايد، هو ‏متخصّص في الشؤون الصينية-الفيتنامية ويدرّس في هارفارد. قال: «ربما ُتعدّ فيتنام واحدة من
أنقى الأمثلة ‏على المجتمع ذي الحسّ الاعتمادي بالتاريخ، والمهووس به. بينما على النقيض تحاول الولايات المتحدة ‏باستمرار محو التاريخ، حتى تتفادى
التفكير بالمنظور التاريخي؛ مقترنةَ بدينامية مع فقدان الذاكرة المتعمّد». ‏كان الأمر صادمًا أنك تؤكدين في مقالاتك أيضًا على أننا في أمريكا مستأصلون،
لا نملك من ماضينا من ‏شيء. ربما احتفاظنا بالسجلات الفوتوغرافية هو توق إلى الانعتاق.‏

سونتاغ: التفاوت بين أمريكا وفيتنام أمر صادم حقًا. بعد رحلتي الأولى إلى شمال فيتنام عام 1968، ذكرت ‏في الكتاب القصير الذي كتبته «في رحلة إلى
هانوي» كم كان صادمًا ميل الفيتناميين إلى الإشارات ‏والمقارنات التاريخية، مهما كان الأمر فجًا وبسيطًا في نظرنا؛ أثناء حديثهم عن العدوان الأمريكي، تجد
‏الفيتناميين يشيرون إلى أمر ما فعله الفرنسيون، أو حدث آخر أثناء احتلال الصين لهم، الذي استمر آلاف ‏السنين. يعيش الفيتناميون في ظل الاستمرارية
التاريخية، وهذه الاستمرارية تحوي تكرارات. إنما الأمريكيون، ‏إذا فكروا يومًا في الماضي، لا يبالون بتلك التكرارات. أحداث كبرى مثل الثورة الأمريكية والحرب
الأهلية ‏والكساد الكبير، يجري التعامل معها كأحداث فريدة وغير مألوفة ومستقلة. إنها علاقة مختلفة مع التجربة: لا ‏يوجد شعور بالتكرار. لدى الأمريكيين
حسّ خطّي تمامًا بالتاريخ، في حالة كان لديهم حسّ بالتاريخ من ‏الأساس.‏

موفيوس: وما دور التصوير الفوتوغرافي في كل هذا؟

سونتاغ: العلاقة الأمريكية بالماضي لا يتضمّنها حمل الكثير منه. الماضي يعوق الحركة، ويستنزف الطاقة؛ ‏إنه عبء، لأنه يغيّر ويناقض التفاؤل. إذا كانت
الصور هي كل علاقتنا بالماضي؛ فهي علاقة غريبة ‏وهشة وانفعالية. عندما تلتقط صورة قبل تدمير شيء ما. تتحول تلك الصورة إلى وجوده الآخر، بعد الموت.‏

موفيوس: لماذا تظنين أن الأمريكيين ينظرون إلى الماضي على أنه عبء؟

سونتاغ: لأن، على عكس فيتنام، هذه ليست دولة «حقيقية» وإنما مُختلقة، ذات عزيمة، دولة خارقة. معظم ‏الأمريكيين أبناء أو أحفاد لمهاجرين، وجزء كبير من
أسباب قرارهم بالانتقال هنا في الأساس يعود إلى ‏تعويض خسائرهم. كان الأمر انتقائيًا عندما حاول المهاجرون الحفاظ على رابطتهم بوطنهم وثقافتهم
‏الأصلية، كان المحرك الأساسي هو النسيان. ذات مرة سألت جدتي من ناحية أمي، والتي توفّيت وأنا في ‏السابعة، من أين أتت؟ قالت: «أوروبا». حتى
وأنا في السادسة كنت أعلم أنها ليست إجابة وافية. قلت: ‏‏«ولكن، من أين جدتي؟» كررت بحدة: «أوروبا». وحتى يومنا هذا لا أعرف من أي بلد أتى أجدادي.
ولكن ‏لدي صور لهم، أعتزّ بها، وكأنها تذكارات غامضة لكل ما لا أعلمه عنهم.‏

موفيوس: أنت تتحدثين عن الصور مثل شرائح قوية ومستقلة من الزمن يمكن السيطرة عليها، «شرائح ‏متقنة» من الزمن. هل تعتقدين أننا نحتفظ في ذاكرتنا
بالصور الفوتوغرافية على نحو أكمل من الصور ‏المتحركة؟

سونتاغ: أجل.‏

موفيوس: ولماذا تظنين ذلك؟

سونتاغ: أعتقد أن الأمر له علاقة بالذاكرة البصرية. ليس الأمر فقط أنني أتذكر الصور الفوتوغرافية أفضل ‏من الصور المتحركة، ولكن حتى ما أتذكره من فيلم ما يعادل مجموعة من الصور المتفرقة. أنا أستطيع ‏تذكّر القصة، وسطور من الحوار، والإيقاع، ولكن ما أتذكره بصريًا عبارة عن لحظات مُختارة، حوّلتها، في ‏الواقع، إلى لقطات. مثل ذلك في حياة الإنسان. كل ذكرى من الطفولة، أو من أي فترة ليست من الماضي ‏القريب، هي أقرب إلى صورة فوتوغرافية أكثر منها شريط من فيلم. وقد جعل التصوير الفوتوغرافي هذه ‏الوتيرة من الرؤية والتذكّر أكثر موضوعية.‏

موفيوس: هل ترين الأشياء فوتوغرافيًا؟

سونتاغ: بالتأكيد.‏


Post: #5
Title: Re: سوزان سونتاغ: حوار
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 01-26-2025, 10:44 AM
Parent: #4

الجزء الأخير من الحوار:
موفيوس: هل ترين الأشياء فوتوغرافيًا؟

سونتاغ: بالتأكيد.‏

موفيوس: هل تلتقطين الصور؟

سونتاغ: لا أملك كاميرا. أنا مولعة بالصور، لكن لا أحبذ التقاطها.‏

موفيوس: لماذا؟

سونتاغ: ربما لأنني سوف أتعلق بالأمر كثيرًا.‏

موفيوس: وهل هذا أمر سيء؟ هل سيعني هذا أن شخصٌ ما تحوّل من كونه كاتبًا ليكون شيئًا آخر؟

سونتاغ: أنا أعتقد أن موقف المصوّر تجاه العالم يتناقض مع نظرة الكاتب للأمور.‏

موفيوس: كيف يختلفان؟

سونتاغ: يسأل الكتّاب أسئلة أكثر. إنه أمر شديد الصعوبة عند الكاتب أن يعمل تحت افتراض أن أي ‏شيء يمكنه أن يكون مثيرًا للاهتمام. العديد من
الناس يعيشون حياتهم وكأن بحوزتهم كاميرا. لكن لا ‏يمكنهم القول، أثناء رؤيتهم. وعند روايتهم لحدث مثير للاهتمام، عادةً ما تتلاشى تدريجيًا تلك
الرواية ‏في عبارة «ليت لو كان بحوزتي كاميرا». توجد حالة عامة من التداعي في مهارات الحكي؛ لم يعد هناك ‏الكثير ممن يجيدون حكاية القصص.‏

موفيوس: هل تعتقدين أن هذا التداعي نتج عن بزوغ التصوير الفوتوغرافي من قبيل الصدفة، أم أن ‏هناك علاقة سببية مباشرة بينهم؟

سونتاغ: الحكي خطّي، بينما التصوير الفوتوغرافي لاخطّي. يمتلك الناس الآن شعور شديد التطور ‏بالعابر والمؤقت، لكنهم ما عادوا قادرين على معرفة
ما يشكّل البداية والمنتصف والنهاية. لقد فقدت ‏النهايات والاستنتاجات مصداقيتها. كل حكاية، مثل جميع أنواع العلاج النفسي، لا يبدو أن لها نهاية. ‏ولذلك
أي نهاية ممكنة تبدو متعسفة وذاتية، وأصبح الأسلوب الذي اعتدنا عليه للفهم هو التعامل مع ‏الأمور وكأنها قطع أو أجزاء من شيء أكبر، ربما لا حصر له.
أعتقد أن هذه الحساسية ذات صلة ‏بانعدام الحسّ التاريخي الذي تحدثنا عنه منذ قليل. أنا أتعجّب وأشعر بخيبة الأمل من هذه الرؤية شديدة ‏الذاتية التي
يرى بها أغلب الناس العالم، إذ بإمكانهم إعادة تشكيل كل شيء ليتناسب مع همومهم ‏وأزماتهم، لكن ربما هذه، مرة أخرى، سمة أمريكية للغاية.‏

موفيوس: ويتعلّق كل هذا أيضًا بامتناعك عن الاعتماد على تجربتك الخاصة في كتابة أعمالك الروائية.‏

سونتاغ: يتراءى لي أن الكتابة بصفة رئيسية عن نفسي هي طريقة ملتوية لكتابة ما أريد. لم أعتقد يومًا ‏أن ذوقي أو حياتي بمسرّاتها وعثراتها لهما طابع
نموذجيّ يُقتضى به، رغم أن تطوري ككاتبة كان منصبًّا ‏على حرية أكثر مع «الأنا»، واستخدام تجربتي الخاصة بشكل أكبر. حياتي هي كل ما أملك، وكل ما
‏خيالي يملك. ولذلك أحب إحكام السيطرة عليها.‏

موفيوس: هل تحضر هذه الأسئلة في ذهنك أثناء الكتابة؟

سونتاغ: أثناء الكتابة لا أبدًا. لكن أثناء الحديث عن الكتابة، بالتأكيد. الكتابة هي عمل غامض؛ يجب ‏على الكاتب أن يكون واعيًا بطبقات مختلفة من المفهوم
وكيفية تنفيذه، وأن يكون في حالة قصوى من ‏التأهب والاستشعار، وأيضًا في حالة من البساطة والجهل. رغم أن هذا ينطبق على أي نوع من الفن، ‏إلا أنه
يرتبط أكثر بالكتابة؛ لأن الكاتب على عكس الرسّام أو الملحّن يعمل على وسيط يستخدمه ‏الجميع طوال الوقت خلال حياتهم. قال كافكا: «ينتزع الحديث
القيمة، والجديّة، والحقيقة من كل شيء ‏أفكر فيه». في اعتقادي أن أغلب الكتّاب يرتابون من الحديث، يرتابون مما يقال في استخدامات اللغة ‏اليومية. ويتم
التعامل مع هذا الأمر بأشكال مختلفة، بعضٌ منهم بالكاد يتحدّث، وآخرون يلعبون ‏الغميضة، مثلما أنا، بلا شك، ألعب معك الآن. يملك المرء الكثير ليبوح به.
كل إبانة للذات يجب أن ‏يصاحبها إضمار؛ يتطلب الالتزام بالكتابة مدى الحياة تحقيق التوازن بين هاتين الحاجتين المتناقضتين. ‏لكنني أعتقد أن اتخّاذ الكتابة
كنموذج للتعبير عن النفس هو أمر بدائي للغاية. لو كنت ظننت يومًا أن ‏ما أفعله أثناء كتابتي هو التعبير عن نفسي لرميت الآلة الكاتبة في القمامة. لن
أستطيع تحمّل ذلك، ‏لأن الكتابة أكثر تعقيدًا من مثل هذا النشاط.‏

موفيوس: ألا يعود بنا هذا إلى موقفك المبهم تجاه التصوير الفوتوغرافي؟ أنت مفتونة به، ولكنك تجدينه ‏شديد البساطة.‏

سونتاغ: أنا لا أظن أن المشكلة مع التصوير الفوتوغرافي هو أنه شديد البساطة، لكن ذلك الأسلوب ‏المستبدّ للنظر إلى الأشياء. التوازن الذي يُحدثه بين
أن تكون «حاضرًا» و«غائبًا» هو أمر سطحي، ‏خصوصًا عندما يتم اعتماده كأسلوب؛ والذي يحدث بالفعل حاليًا في ثقافتنا. لكنني لست معادية للبساطة
‏في حد ذاتها. هناك علاقة ديالكتيكية بين البساطة والتعقيد، مثل تلك الموجودة بين إبانة الذات ‏وإضمارها. الحقيقة الأولى هي أن كل موقف هو بالفعل
شديد التعقيد، وكل ما يفكر فيه الإنسان يصير ‏بطبيعة الحال أكثر تعقيدًا. الخطأ الأساسي الذي يقع فيه الناس عند التفكير في شيء، سواء كان حدث
‏تاريخيًا أو في حياتهم، هو أنهم لا يدركون أن الأمر شديد التعقيد. الحقيقة الثانية هي أن الإنسان لا ‏يستطيع العيش بعيدًا عن كل هذه التعقيدات التي
يدركها، ويحتاج الأمر إلى التبسيط الشديد حتى يكون ‏قادرًا على التعامل معها بحكمة وعطف وبشكل لائق وفعّال. ولذلك يحاول الإنسان أحيانًا أن ينسى،
‏ويكبت، ويتجاوز ذلك الإدراك المعقّد الذي يُعرقله.‏

زين الشافعي, سوزان سونتاغ ‏