***الزار: بين علم النفس وعلم الاجتماع

***الزار: بين علم النفس وعلم الاجتماع


11-25-2024, 11:44 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=515&msg=1732531454&rn=0


Post: #1
Title: ***الزار: بين علم النفس وعلم الاجتماع
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 11-25-2024, 11:44 AM

10:44 AM November, 25 2024

سودانيز اون لاين
محمد عبد الله الحسين-
مكتبتى
رابط مختصر



الزار بين التهميش الاجتماعي ورفض الاستعمار(1)‏
ينطلق هذا المقال من دراسة بعنوان (الأرواح والرقيق في وسط ‏السودان: الريح الأحمر ‏في ‏سنار)، أجرتها الباحثة (سوزان م. كينيون). والدراسة هي إحدى الموضوعات
التي وردت في ‏كتاب بعنوان "الرق" الذي يضم مجموعات من المقالات التي ترجمها البروفسير بدرالدين حامد ‏الهاشمي. وقد شرفني البروفسير الهاشمي مع آخرين
لكتابة مقدمة الكتاب. أجرت سوزان كينيون ‏في بحثها الذي أجرته في مدينة سنار في حوالي عام 1980 بين آثار الرق وبين الزار ‏كممارسات اجتماعية ‏ معروفة. ‏
تحدثت كينيون في دراستها الميدانية عن طقوس الزار وتلبس ‏الأرواح. من بين ذكرت كينيون أن ‏من يقوم بتنظيم طقوس الزار (في منطقة سنار تحديدا) هم أسر أو جماعات
ترجع أصولها ‏لجنوب السودان (السودان الجنوبي حاليا) لقبائل مثل ‏الدينكا والنوير...إلخ. وقد ربطت الباحثة ‏بالتالي بين ممارسة ‏تلك الطقوس من قبل تلك الجماعات
وبين تاريخ من الاسترقاق لأسلاف ‏هؤلاء الأسر. وأن تلك الأسر تستعيد من خلال طقوس الزار ذكرى أسلافهم، وما كابدوه من ‏عذابات ومعاناة ‏خلال رحلة الاسترقاق، التي
استبيحت فيها أرواحهم وحرياتهم. تعتبر تلك ‏الطقوس وفق تفسير الباحثة بمثابة ارتباط واتصال روحي مع أسلافهم وهي كذليك تأكيد على ‏أوضاعهم الهامشية في المجتمع.‏
الجدير بالذكر أنه تمت مناقشة الكتاب في قاعة الشارقة في ‏حوالي 2014. وقد شارك في مناقشة الكتاب لفيف من المهتمين بهذه الظاهرة ب إلقاء الضوء ‏على عدة جوانب
كانت قد وردت في الكاتب.‏
تعليقا على استنتاجات كينيون في بحثها الذي اطلعت عليه من الكتاب الذي أشرت إليه آنفاً ‏فهناك عدة نقاط سأحاول التعليق عليها. من بين أهم تلك النقاط أن طقوس
الزار في السودان ‏ليست وقفاً على منطقة جغرافية معينة، ‏أو قبيلة أو إثنية بعينها. ظلت طقوس الزار (وربما زالت) ‏منتشرة في كثير من مناطق ومدن ‏السودان، (وإن
صارت أقل كثيرا من الفترة التي أُجري فيها ‏البحث). وتأكيداً على ذلك فقد ذكرتٍ كثير من المصادر أن الزار موجود في العديد الدول في ‏شرق أفريقيا وغربها كما هي موجودة
في مصر وبعض دول الحجاز. تؤكد مصادر عدة أن الزار ‏جاء إلى السودان، من الخارج لربما من الحجاز أو أثيوبيا. هناك رأي يقول بأن اسم الزار نفسه ‏مشتق من الأمهرية (إثيوبية)
كما ورد في كتاب (الزار و‏الطمبرة) للدكتور أحمد الصافي‏ ود. سميرة ‏أمين وغيره من المصادر. وبالتالي فإن حصر الظاهرة في إثنية أو منطقة محددة كما ورد في ‏تفسير كينيون،
يعتبر مخالف للواقع.‏ بناء عليه يمكن القول أن الربط بين طقوس الزار وحالة ‏التهميش لدى طيف أوسع من الإثنيات المختلفة أو في مناطق مختلف هو الاستنتاج الأقرب ‏للمنطق
والواقع ولإمكانية استخلاص نتائج يمكن قبولها بكل ثقة.‏
عند مناقشة بحث كينيون تتبادر إلى الذهن عدة أسئلة من بينها: هل يمكن أن ينطبق التصوّر ‏الذي قدمته كينيون عن الجماعات التي تنظم طقوس الزار في سنار على كل مناطق
السودان؟ ‏وهل يمكن اعتبار مدينة سنار مثالا يمكن تعميمه على كل مناطق السودان الأخرى؟ ثم أيضاً ما ‏هو موقع أو دور المشاركين في تلك الطقوس من الذين تنظم تلك
الحفلات لأجلهم من التفسير ‏أعلاه؟ ‏
يمكن القول إن حصر ممارسة الطقوس الزار على الأسر المنحدرة من جنوب السودان فقط هو ‏استنتاج لا ينطبق ولا يمكن تعميمه على كثير من مناطق السودان ولا على من
يقومون من ‏ناحية أخرى. كذلك ليس هناك رابط واقعي أو فعلي يربط بين ممارسة الزار وبين معارضة ‏الاستعمار على الأقل في وقت إجراء البحث في مدينة سنار، (وفي معظم
مناطق السودان). من ‏ناحية أخرى فإن ربط طقوس الزار بالتهميش الاجتماعي أو السياسي (أو الجندري كما ذكرت ‏بعض المصادر) قد يكون أكثر شمولا وواقعية.‏
من بين تلك الأبحاث التي أشرت إليها، بحث بعنوان:( ‏المتلازمات الإثنية كاحتجاج مستتر على ‏الاستعمار: ثلاثة أمثلة إثنوغرافية). وهو بحث كانت قد أجرته إليزابيث هيغيمان،
المتخصصة ‏في علم النفس. تذكر هيغيمان ثلاثة نماذج مختلفة لبحثها عن الزار وبعده الإثني كممارسة في ‏ثلاثة مناطق مختلفة من بينها جنوب السودان. تربط هيغيمان
‏في هذا ‏البحث بين طقوس الزار، ‏وبين تلبس الأرواح كوسيلة خفية لمقاومة الهيمنة الاستعمارية والصدمات النفسية والفواجع في ‏بورتريكو. في اعتقادي أن تفسير هيغيمان
لممارسة الزار هو الذي قاد كينيون للتماهي معه في ‏الربط بين ممارسات الزار وبين معارضة الاستعمار. وكذلك في فكرة تلبس الأرواح كنوع ‏من ‏التداعي النفسي المرتبط
بذكريات سابقة من الاسترقاق وبحالة من التهميش الراهن. ‏
‏ في الختام أشير إلى أن الموضوع بامتداداته المتشعبة والممتعة قادني للاطلاع على بعض ‏الكتابات حول نفس الموضوع وإن اختلفت زاوية التناول واختلف بالتالي التفسير.
يعتبر بحث ‏إليزابيث هيغيمان من بين الكتابات التي تثير الانتباه عند البحث في ظاهرة الزار. تأتي بأهمية ‏بحث هيغيمان لأنه يتجاوز تناول الموضوع من جانبه الاجتماعي و/ أو
الأنثروبولوجي، ليضم ‏إليها الجانب النفسي والجانب المرتبط بالأسرة والجندر.‏