كان أبو طارق قد بلغ من العمر عتياً، واستيقظ ذات صباح على فكرة لمعت في رأسه وأضاءت ما تبقى من شعيرات رأسه. لقد قرر، أخيرًا، أن يحصل على الجنسية الأمريكية! ولكن ليس بالطريقة التقليدية، بل عبر اختصارٍ خاص: الزواج بامرأة منتمية للحزب الجمهوري! فهو يعرف من أصدقائه في الديوانية أن الحزب الجمهوري مناصر قوي لأبناء جلدته من المهاجرين... أو هكذا تخيَّل. بدأ البحث على مواقع الزواج مثلما يبدأ أي شخص جاد في سعيه للوصول إلى الحلم. فأخذ ينقب وينقِّب، واضعًا أمامه شروطًا رئيسية؛ فلا بد أن تكون من أهل الفكر الجمهوري وأن تكون على استعداد لخوض مشروعه "المجنسي" معه حتى النهاية. العثور على المرشحة المثالية دخل أول موقع إلكتروني بنية صافية ورغبة متقدة، فكتب في خانة المواصفات: "باحث عن زوجة جمهورية. شرط أن تكون مخلصة للحزب ومستعدة لمنحي الجنسية بعد عامين كحد أقصى." فجاءته رسالة رد مباشرة من سيدة تدعى "ديبي"، جمعت صفاتها بين كونها "مناصرة شرسة" للحزب و"متمسكة بقيمها الوطنية". طار قلب أبو طارق فرحًا وقال لنفسه: "هذه هي! الحلم الأمريكي بين يدي!" اللقاء الأول.. في أول لقاء عبر الفيديو، ظهر أبو طارق بكامل أناقته؛ يرتدي بزةً مهترئة قليلاً منذ حفلة عرسه قبل عشرين عامًا، مع وشاح عليه علم الولايات المتحدة زين به عنقه. وعندما ظهرت ديبي في الصورة، بدأ حديثه المتحمس قائلًا: "ديبي، أنا رجل شرقي، قوي ومخلص، ومستعد أن أعيش أمريكيًا أصيلاً!" أجابت ديبي بابتسامة شاحبة "هذا رائع، أبو طارق! لكن هل أنت على دراية بقيمنا؟ الجمهوريون يحبون العمل والاجتهاد..." قاطعتها بحماسة وقال "أوه، طبعا! أنا كنت أعمل طوال حياتي، حتى أنني كدت أعمل ليلًا ونهارًا في التفكير بكيفية الحصول على جنسية! وقد قررت أن أكمل هذا الحلم معكِ!" معركة المبادئ والأوهام بدأت ديبي تسأله عن بعض آرائه في الاقتصاد والسياسة، فسارع أبو طارق للرد "نعم، نعم، أنا أيضا ضد رفع الضرائب! ولا أحب أن تتدخل الحكومة كثيرا في شؤون الناس... إلا إذا كان هذا سيضمن لي التأشيرة، فلا بأس، أنا مرن جداً في هذه الأمور!" توقفت ديبي للحظة، وهي تحاول فهم نوع المرونة العجيبة التي يتحدث عنها أبو طارق، لكنها أكملت قائلة: "حسنًا، وموضوع الحق في حمل السلاح؟" ارتبك أبو طارق قليلاً، لكنه رد بجرأة: "أنا مؤيد له بشدة! ولكن بشرط أن يكون المسدس صغيرًا بحيث يسهل إخفاؤه عند الضرورة." الخطوبة.. وتعديل الخطط استمرت اللقاءات بينهما، وأصبحت تتخللها مواقف مضحكة لا حصر لها. ففي كل مرة تحاول ديبي أن تشرح له قيم الفكر الجمهوري، كان يغير الموضوع ويتحدث عن مزايا الحياة في أمريكا: "هل صحيح أنكم توزعون الحليب والعسل في السوبرماركت؟ وهل الجنود يمرون في الشوارع لتوزيع الجنسية على من يثبت إخلاصه للحزب؟" حاولت ديبي مراراً توضيح الأمور، لكن أبو طارق كان يستمع بتركيز إلى الكلمات المفتاحية فقط: جنسية، بطاقة خضراء، حق الإقامة، وكأن هذه المصطلحات تجري في دمه. الزفاف وصدمة الواقعية بعد أشهر من التحضيرات، قرر الاثنان الزواج. وجاء يوم الزفاف، فظهر أبو طارق وهو يرتدي قبعة "Make America Great Again" مقلدة اشتراها من سوق في بلده، وأخذ يحدث كل من حوله بأنه بعد سنتين بالضبط سيحصل على جواز السفر الأمريكي. ومع أن حفل الزفاف مر بسلام، إلا أن الواقع بدأ يتسلل ببطء. فحين اكتشف أبو طارق أن عليه فعلاً العمل والدفع للضرائب، أصيب بصدمة وقال لزوجته بحسرة: "لكن، ظننت أن الحزب الجمهوري يدفع لي وليس العكس!" أجابته ديبي بصبر: "أبو طارق، يبدو أن أمامنا وقتاً طويلاً قبل أن تفهم مبادئنا، دعنا نبدأ بالحياة العملية."
وهكذا، عاش أبو طارق بين واقع جديد وأحلام أمريكية متعجلة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة