Post: #1
Title: السوداني عاطف الحاج سعيد في «غراميات استثنائية فادحة»
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 09-08-2024, 06:35 AM
06:35 AM September, 08 2024 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
السوداني عاطف الحاج سعيد في «غراميات استثنائية فادحة»: الهروب بالرواية إلى عوالم اللجوء على ضفاف أوروبا
أكثر من مفاجأة ستقابلك عند قراءة هذا العمل: هل هو متتالية حكائية كما صنفها الكاتب، حينما وضع هذه الجملة على الغلاف، أم مجموعة قصصية، أم متتالية روائية؟ غالباً، سيكون هناك تصنيف آخر بعد القراءة، يميل بشدة إلى أن العمل روائي بامتياز، مكتمل العناصر/ يقوم على أشد الأنماط الروائية كلاسيكية. وحدة الزمان والمكان، والأحداث، والشخصيات التي تتحرك عبر الحكايات/ الفصول. متقافزة من حكاية إلى أخرى بما يعطى حيوية للعمل، ويضفي ديناميكية تليق بالنقلات المفصلية، ونموها المطرد، على نحو اختار الكاتب اللجوء إليه ليكشف لنا عالماً عاينه ورآه كشاهد ملك. المفاجأة الأخرى أننا حيال اكتشاف كاتب سوداني كبير. في ظني أنه سيحتل مكانة مرموقة في مدونة السرد السوداني، والعربي، لو استمر على هذا الدرب من الإتقان واللعب على الثيمات النادرة، والدخول إليها من زوايا مغايرة، وغير تقليدية، من خلال مفهومه العميق لخبايا السرد ودروبه الشائقة. إن الكاتب عاطف الحاج سعيد قد عاش في فرنسا في إحدى مراحل حياته، وعمل متطوعاً في المجال الإنساني في رعاية اللاجئين، ورأى أبناء وطنه، والأوطان الأخرى، القادمين بغرض اللجوء إلى دول الحريات والرفاهية والأحلام المضيئة، هروباً من الفقر والحروب وفراراً من ديكتاتوريات بغيضة لا تعرف الراحة إلا بين الدمار والفتن، والاستئثار بكل الثروات وخيرات البلاد، وترك الفتات لبقية المواطنين. من هنا، يمكننا رؤية هذا العالم الموجود على الضفة الأخرى للمتوسط، حيث البحر يفصل بين حضارات وقارات وعوالم مختلفة جذرياً. قلت يفصل، ولم أشأ أن أقول: يضم! فلا شيء يجمع بين ضفتيه سوى غرقى الهجرة غير الشرعية، وأحلام الخلاص من الحياة المستحيلة. ما جعل ألروائي العارف، يلجأ إلى ما يسميه الكاتب الأمريكي الشهير ترومان كابوتي بـ«الرواية غير الخيالية» ذلك المصطلح الذي وصف به كتابه «مع سبق الإصرار» ووفقاً للروائي والناقد الإنكليزي الكبير ديفيد لودج. فقد كان هذا العمل فاتحة لتيار من الكتابة التسجيلية في العصر الحديث، مع عدد من الأعمال الأخرى مثل: «جيوش الظلام» لنورمان ميللر. وما ذهب إليه توماس وولف في «محرقة الغرور» ونجاحه في هذا التيار الذي يعتمد على الصحافة الجديدة، والحقائق القصصية. أما بصدد الرواية التي بين أيدينا، فهي تستلهم تقنيات هذا النوع من الكتابة، وتمضي على الخطى نفسها، مستعيرة عدة أساليب تكنيكية: مثل سرد القصة كمشاهد بدلاً من تلخيصها، إتاحة الفرصة للحوار بين الشخصيات، والخوض في تفاصيل عن مظهر الناس، وثيابهم، وما في حوزاتهم وحركاتهم الجسدية، ثم العمل في النهاية على خلق الإيهام بأننا نشهد أحداثاً حقيقية، ونسترق السمع إليها ونحن نتابع العمل فقرة وراء أخرى. تُستهل الفصول بشخصية مركبة ومربكة، سيد راستا الشاب القادم من السودان، الحالم، الذي يحمل «جيتاره» أينما تولى، ويحمل روح فنان مرهف الحس، يحيا آلاماً رومانسية عاصفة. سيستعين به الكاتب منذ الفصل الأول لإنشاء المسرح الذي ستجري عليه الأحداث، حتى يتم وضعنا في قلب الرواية. لقد صرح الكاتب عاطف الحاج سعيد، بأن جميع الحكايات في النص تنتمي إلى مناخ نفسي واحد، وتنطلق من مكان واحد محدد، وهو معسكر للمهاجرين يقع قبالة غابة صغيرة بالقرب من مدينة كاليه في شمال غرب فرنسا، وزمان يمتد ما بين 2005 و2016 تحديداً، وقت تفكيك معسكر غابة كاليه للمهاجرين. بينما ينتقل السرد في بعض المواضع إلى أزمان وأماكن أخرى، وعلى الرغم من أن جميع الحكايات تنتمي إلى عالم سردي واحد فإنّه من الممكن قراءتها منفردة من دون أي ترتيب، فكل حكاية في النص تتمتع بالاستقلالية، مستلهماً عنوان الرواية من العبارة الشهيرة التي وردت على لسان بابلو نيرودا في رواية «ساعي بريد نيرودا» عندما يخبره الشاب ماريو خمنيث بأنّه وقع في غرام فتاة اسمها «بياتريث» فيجيبه نيرودا بأن «البياتريثات يسببن غراميات استثنائية». ندخل هذا العالم رفقة سيد راستا. هذا الشاب الذي ترك قراند سنت نازحاً وراء رندا تلك الحبيبة التي فرت من البلدة متجهة إلى كاليه رفقة فتى إرتيري، لعبور بحر المانش على ظهر سفينة شحن للوصول إلى إنكلترا. يخبر المهرب أبنعوف سيد راستا الذاهل بسبب غياب حبيبته، بأن الكل يعلم، سوى هو، بأن الفتاة خططت للهروب رفقة الإرتيري. فيسرع إلى كاليه، ومن هناك تبدأ رحلة البقاء جوار الميناء على أمل عبور البحر، ويبدأ أيضاً تغلغلنا داخل هذا المكان الفريد، بين المهاجرين والمنفيين، ونتعرف إلى العالم المثير الذي لم تتوجه إليه السرديات العربية بما يوازي أهميته الآنية، وأحداثه التي ما زالت تتوالى بشكل يومي، تقريباً، وخاصة مع صعود تيار اليمين المتطرف في أرجاء أوروبا، وعدائه الشديد للهجرة، والمهاجرين القادمين من الجنوب، والصدامات المتكررة على أرض أوروبا. اللافت في الرواية هو العطش إلى الحب، والجنس، فمعظم الشخصيات تسير وراء رغبات حارقة، مسوقة، مخدرة، كأنها جاءت إلى فرنسا للبحث عن الحب، وتفريغ شحنات من الطاقة المكبوتة. لم نشاهد طامحاً، أو نهازاً للفرص، يخطط للترقي من إحدى العطايا الضئيلة، كأنهم جاءوا ليعيشوا في معسكرات بائسة، أو على أطراف الغابة، في انتظار شيء ما لا يجيء. تقتلهم الوحدة، تشعر بعد المضي في الرواية أن أبطالها تركوا أوطانهم فراراً من الحرمان العاطفي، وأنهم في حاجة إلى الرفقة الإنسانية. سيد راستا ليس الوحيد المعذب بالحب، والذي يجد ضالته في رندا، تلك الفتاة التي يتعرف إليها في أحد معسكرات اللجوء، لتشكل له هوساً جنونياً، ظل يلازمه حتى النهاية. هناك، أيضاً مسك الجنة، القادمة من وسط السودان، والتي تقع في حب الصبي الفرنسي الصغير أينزو لأنه يشبه حبيبها عطرون ابن قريتها الذي كان يتوق إلى الهجرة إلى الضفة الأخرى، بعيداً عن هذه القرية الضائعة في أجمة إفريقيا حيث كان يردد لها بلا انقطاع: «لا أحد يأبه لنا يا (مسك) نحن نحرس العدم والبؤس والشقاء بلا أمل في مثوبة ننالها. ثمة عالم آخر على الضفة الأخرى، أراه رحباً وفاتناً كلما شاهدت فيلماً في النادي». بالإتقان نفسه الذي يدير به الكاتب حاضر الشخصيات، وتوثيق اللحظات الحاسمة، بطرائق متنوعة، تزيل أي تشوش عن النص، فإنه يصنع ذلك بالدرجة عينها عندما يعود إلى الماضي، إلى التاريخ الشخصي لأبطاله. تلحظ ذلك عند قراءة الفصل الخاص بمسك الجنة، أثناء اللجوء إلى استبطان الشخصية، عن طريق استرجاع مجريات حياتها في السودان، وسبر أغوارها الشخصية، عبر تقنية «الفلاش باك» واستدعاء تلك الحكاية الشائقة من أجل «الخِلفة» التي تنتمي إلى تيار الواقعية السحرية، حيث يتم توظيفها بشكل يتناسب تماماً مع ثقافة هذه المناطق. لا يحتاج المبدع فيها إلى التخييل. إنه فقط، يحتاج إلى تسجيل الحكايات، ودمجها في أعمال إبداعية، فحجم الفانتازي، والسحري، والغرائبي، يفوق الوصف. نأتي إلى شخصية أبنعوف السوداني المسيطر على المكان وصاحب السطوة والنفوذ في عالم المهاجرين في معسكر غابة كاليه الفرنسية. إنه يعمل مهرباً للبشر، يرسل التواقين إلى الوصول إلى إنجلترا، عبر المانش، في سفن التهريب المعدة لذلك. كان الفتى ضحية لحب فتاة غجرية، حب وصل حد الجنون، والانتحار. فمن خلال اللغة ذات النبرة الغنائية، التي كانت علاجاً فعالاً لتخفيف وطأة اللحظات الأشد قسوة على مدار الرواية، وباللجوء إلى المونتاج السينمائي، صنع الكاتب الدراما اللازمة، مفككاً الحكاية إلى عدد من المناظر، على نحو فريد، يتناغم مع الأحداث، تاركاً لنا تفسير السلوك البشري للأبطال، مفضلاً عدم التعليق. فقد جعل للمتلقي نصيباً في المشاركة، ثم رسم تفاصيل عالم كوزموبوليتاني رث، لا يحتاج إلى ابتكار لوصف سقوطه، وانحطاطه. لنستعِن، هنا، بمشهد قصير، دالٍّ، يوفر لمحة كاشفة لهذا العالم: «كان المهاجرون على الرابية لا ينتظرون أن يروا أبنعوف جالساً يغالب حسرة لا تخفى بسبب الفتاة الغجرية، كان أبنعوف يومها متضعضعاً إلى حد أن المهاجر السنغالي الضئيل صاح عليه: – لقد أضعت أموالنا في مغامرتك، إما أن تهربني إلى بريطانيا أو تُعيد إلىَّ أموالي. لكن أبنعوف يرفع ناحيته وجهاً مرهقاً وبائساً ليتجرأ حفيظ الله نوراني المهاجر الأفغاني بالهتاف، قبل أن يتفل ثلاث مرات من فمه نثار عود الأراك: «الغجربات يُسبِبن غراميات استثنائية». وببنما يستدير بعزم بادٍ، يهمس مجدداً: «وفادحة كذلك». مشهد تمّ فيه جمع عناصر عدة، المكان، والشخصيات، والتعريف بجنسياتها، من خلال لقطة عامة، ثم لقطات مقربة، بعدها، للوجوه والملامح. ودور كل منها في هذا المقطع الذي يشي بطبيعة الحكاية من خلال الحوار وتناميه، وتشعبه في أكثر من اتجاه. العم نانوش الغجري، بقامته القصيرة وهيئته الماكرة وشاربه المرسل، يهبط على المكان هو وأسرته. زوجته ماريا بأنيابها المنزوعة كأنها ذئبة مستأنسة، وابنتهما جوانا فاتنة الجمال، مع ابنيهما التوأم. إن هبوطهم المفاجئ على المكان في لحظة راكدة، على الرابية، والتمهيد السردي لهم يذكرك بهبوط ملكيادس الغجري هو ورفاقه على قرية ماكوندو في رائعة غابرييل غارسيا ماركيز «مئة عام من العزلة» إقامة كرنفال من الألعاب السحرية والموسيقى والجنس، وتدعيم الرواية بلحظات إثارة شائقة تبتعد بها عن الشعور بالرتابة والملل، عملاً بمقولة ماركيز الخالدة ونصائحه الثمينة في صنعة الرواية: «عندما أصل إلى نقطة أشعر خلالها بالسأم فإني ألاحق لحظتها عنصراً جذاباً» فقد كان يمسك ثانية بالقارئ، يكتب كأنه يمارس التنويم المغناطيسي، حريصاً على عدم تعثر القارئ، باللجوء إلى بعض الحيل عند نهاية كل فقرة، والبحث عن شيء يحرض على قراءة السطور التالية. وهذا ما يجعلنا نشد على يدي عاطف الحاج سعيد. فقد أدار سردية رائعة، كاشفاً عن عالم غامض، مادته الأساس هم المهاجرون. لم يتركهم وحيدين، بل أضاف العناصر الأشد واقعية المحيطة بهم لتكتمل الصورة، وترك الأحداث تجري من خلال أنسنة هؤلاء البشر، الذين فروا من أوطانهم بحثاً عن الحب المفتقد، عن رفقة تعطي معنى وجواً لحياة مسكونة بالخواء والضجر. أما الأكثر إثارة فهو ختام الرواية بفصل طويل، جاء على لسان سيد راستا بضمير المتكلم شبيهاً بروايات تيار الوعي، بعدما افتتح به الرواية من خلال ضمير الغائب، مثل بقية الشخصيات، متخذاً دور الراوي العليم. لقد ترك «الميكروفون» لراستا ليحكي لنا عن نهايات معسكر كاليه، الأحداث التي أدت إلى تفكيكه وتسببت في طرد المهاجرين، ملقياً الضوء على المصائر العاثرة له، وللآخرين.
عاطف الحاج سعيد: «غراميات استثنائية فادحة» منشورات عندليب، الخرطوم 2023 128صفحة.
|
Post: #2
Title: Re: السوداني عاطف الحاج سعيد في «غراميات استث
Author: صديق مهدى على
Date: 09-08-2024, 06:55 AM
Parent: #1
غايتو بازهير شكلك فلست حقو تمشي على ناس بورتسودان جبريل كتب قال فى منح وقروض من دول شقيقة وصديقة فى طريقها ليهم الف الرئ
|
|