Post: #1
Title: كيف نكتب الرواية؟ بتخطيط مسبق ام اثناء الكتابة؟
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 06-10-2024, 05:45 PM
05:45 PM June, 10 2024 سودانيز اون لاين محمد عبد الله الحسين- مكتبتى رابط مختصر
هل نخطط قبل كتابة الرواية أم لا؟ بقلم أبراهام فيرغيز ترجمة حسين جرود 09/06/2024
هل نخطط قبل كتابة الرواية أم لا؟ قال العديد من الكتاب الذين أعجبتُ بهم كثيرًا -مثل جون إيرفينغ وريتشارد فورد- إنهم يستثمرون كثيرًا من الوقت في التخطيط لأعمالهم قبل الشروع في كتابتها. يَعرف إيرفينغ السطر الأول والأخير من كتابه، والسطر الأخير من كل فصل، قبل أن يبدأ بالمسودة الأولى. قال لي ذات مرة إن الكاتب يجب أن يعرف ما يحدث، وإلا فكيف يقرر ما المعلومات التي يجب أن يحجبها عن القارئ؟ ومتى يكشفها؟
قال لي بلطف، إذا كنت تختلقها وأنت تتقدم، فأنت لست كاتبًا بل كاذبًا عاديًا! ولكنه يعترف أيضًا بأن الأمور تتغير فور بدئه الكتابة. وقد قال دائمًا إن الفن الحقيقي قيد المراجعة. ومع ذلك، أعتقد أن ما يجعله راويًا رائعًا هو أنه يعرف كل شيء تقريبًا قبل أن يبدأ.
من ناحية أخرى، أنا معجب أيضًا بمايكل أونداتجي، الذي أتيحت لي فرصة مقابلته على المسرح. نظرًا إلى نوع النثر الشعري الجميل الذي يُنشِئه، لا تتفاجأ (وتطمئن) لسماعه يقول إنه لا يميل إلى الحبكة، بل يكتشف القصة كما يكتبها. يشعر المرء أن الإلهام يحدث معه في كل صفحة.
لقد أكملتُ توًا رواية طويلة بعنوان «ميثاق الماء»، وقد استغرقتُ أكثر من عقد في كتابتها (أفكِّر بالفعل في الرواية التالية وآمل أن أكون أكثر كفاءة). اعتقدتُ أن لدي خطة مفصلة عندما بدأت: مخطط عملي كان على لوح بيض ضخم يشغل أحد جدران مكتبي. أحب الرسم التخطيطي، لذلك كان على اللوح الأبيض وجوه الشخصيات الرئيسية وواجهات المباني، وكان مليئًا بالنصوص والخطوط والأسهم حتى أنها تشبه لوحة دارة كهربائية. ولكن رغم مخططي المدروس بعناية، استمرت القصة في اتخاذ اتجاهات جديدة.
اضطررت كل بضعة أشهر إلى مسح اللوح الأبيض (وتصويره قبل مسحه)، ثم أرسم مخططًا جديدًا تمامًا يعكس الواقع الجديد للقصة. ولكن تبين أن كل إعادة تمثل خارطة طريق خاطئة انحرفُ عنها بسرعة. في بعض المنعطفات شعرتُ بالإلهام، بينما قادني بعضها الآخر إلى أزقة مظلمة، لتضيعَ شهورًا من العمل ومئات الصفحات. انتهى الأمر بأن تكون لوحتي الأخيرة فقط انعكاسًا دقيقًا لكتابي، لأنها رُسمت بعد الواقعة، والتقاط هيكل كان بالفعل موجودًا على الورق.
لطالما تألمتُ من تلك الثنائية الكلاسيكية: التخطيط أو الكتابة للاكتشاف. على مر السنين، اشتريتُ كل كتاب عن «كيف تكتب رواية؟» بحثًا عن إجابة. عندما صادفتُ إحدى الإرشادات التي اقتطفتْ مني في صفحاتها، علمتُ أن الوقت قد حان للتوقف عن البحث عن الحكمة في مكان آخر. لا توجد صيغة. يجب أن يكتشف كل منا ما يصلح له.
ربما تكون الثنائية نفسها خاطئة، فهي مسألة دلالات. سواء خططتَ مسبقًا أو تكتب لاكتشاف قصتك، ستصل في النهاية إلى المكان نفسه: نقطة تعرف فيها القصة بأكملها. عندما تصل إلى هناك، تتحرر. يمكنك التركيز على سردك. يمكنك العمل عكسيًا، وتشكيل الروابط والسمات التي أصبحت واضحة الآن. مثلًا، وُضع ميثاق المياه في ولاية كيرالا، جنوب الهند، وهي أرض تتكون من 44 نهرًا، وجداول وأنهار ومستنقعات لا حصر لها، حتى أن الأشخاص الذين يعيشون بعيدًا جدًا مرتبطون بالمياه، مع أن الرياح الموسمية السنوية هي القلب النابض لجهاز الدوران الواسع ذاك. قادتني هذا الاستعارة إلى الرؤية والبحث عن روابط بين الشخصيات المفصولة في الزمان والمكان.
في النهاية، رغم نيتي رسم مخطط مفصل لروايتي قبل البدء، فقد فعلتُ العكس: كتبتُ لاكتشاف الرواية. تلك اللحظات في «ميثاق الماء» التي أدهشتني وأرضتني (وبدا أنها تفعل الشيء نفسه لمحرري، بيتر بلاكستوك في جروف أتلانتيك) جاءت من العدم، أو الإلهام، أو الدماغ الأيمن. يبدو الأمر الآن وكأنه حقيقة بديهية: عندما يدهشني شيء ينبثق عضويًا على الصفحة، فإن احتمالات أنه سيخلف التأثير نفسه في القارئ جيدة.
مع ذلك، سأحاول أن تكون روايتي القادمة أكثر تنظيمًا. سأرسم مخططًا، وهو ما يعني بالنسبة لي الجغرافيا وبعض الشخصيات المركزية وبعض الأحداث المحورية؛ الأحداث التي تقود الخيارات التي يجب أن تتخذها الشخصيات. ولكنني سأثق أيضًا في عملية الكتابة للكشف عن تلك الأشياء التي لا أستطيع معرفتها في البداية. سأحاول أن أبقى على وفاق مع العملية، ومع فكرة أن الرواية ستستغرق وقتًا طويلًا كما ينبغي. الله أعلم، قد يكون هذا ما يتطلبه الأمر لتكون أكثر كفاءة.
|
Post: #2
Title: Re: كيف نكتب الرواية؟ بتخطيط مسبق ام اثناء ال�
Author: حيدر حسن ميرغني
Date: 06-10-2024, 06:23 PM
Parent: #1
بلدياتي الكندي (السريلانكي) المولد صاحب The English Patient كتب Running in the Family وهي احدة من العديد من القصص التي تم سردها في مذكرات عائلته. خلال رحلة العودة إلى سريلانكا بعد عدة سنوات في كندا، يصف أونداتجي في هذه الرواية الشخصيات الملونة في عائلته المكونة من "البرغر" Burghers ، وهم نسل المستوطنين الهولنديين ذوي الدم السنهالي والتاميلي المختلط. وصفه ، في الرواية ، للمقابر والنصب التذكارية الموجودة في الكنيسة الإصلاحية الهولندية القديمة وما حولها في مقاطعة Galle أقصى جنوب سريلانكا (زرتها وشاهدت كل معالمها) ، كان وصفاً مذهلاً لم يضاهيه فيه إلا الكاتب السريلانكي الكبير مارتن ويكرامسينغ (الطيب صالح بتاعهم) من حيث جمال الوصف والسرد. تشكرات يا كبير .ذكرتني بكاتب فخيم مضيت على معظم أعماله عشان فيه "ريحة" بلد ام العيال
|
Post: #3
Title: Re: كيف نكتب الرواية؟ بتخطيط مسبق ام اثناء ال�
Author: الشيخ أبوجديري
Date: 06-10-2024, 09:59 PM
Parent: #2
دائما مواضيعك مختلفة ومفيدة وممتعة. ولو داخل السلبية العامة مهملة الا من الذواقين
|
Post: #4
Title: Re: كيف نكتب الرواية؟ بتخطيط مسبق ام اثناء ال�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 06-19-2024, 11:06 AM
Parent: #3
Quote: بلدياتي الكندي (السريلانكي) المولد صاحب The English Patient كتب Running in the Family وهي احدة من العديد من القصص التي تم سردها في مذكرات عائلته. خلال رحلة العودة إلى سريلانكا بعد عدة سنوات في كندا، يصف أونداتجي في هذه الرواية الشخصيات الملونة في عائلته المكونة من "البرغر" Burghers ، وهم نسل المستوطنين الهولنديين ذوي الدم السنهالي والتاميلي المختلط. وصفه ، في الرواية ، للمقابر والنصب التذكارية الموجودة في الكنيسة الإصلاحية الهولندية القديمة وما حولها في مقاطعة Galle أقصى جنوب سريلانكا (زرتها وشاهدت كل معالمها) ، كان وصفاً مذهلاً لم يضاهيه فيه إلا الكاتب السريلانكي الكبير مارتن ويكرامسينغ (الطيب صالح بتاعهم) من حيث جمال الوصف والسرد. تشكرات يا كبير .ذكرتني بكاتب فخيم مضيت على معظم أعماله عشان فيه "ريحة" بلد ام العيال |
..
** أخي العزيز حيدر
تشكراتي على الاندياح الجميل.. دائما تُحيِِ موات البوستات بمشاركتك الدسمة..
***شكرا الأخ الشيخ أبو جديري على كلماتك الطيبة...مودتي.
|
Post: #5
Title: Re: كيف نكتب الرواية؟ بتخطيط مسبق ام اثناء ال�
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 06-19-2024, 09:00 PM
Parent: #4
المبجل الدكتور محمد عبدالله الحسين
حفظك ربي لا أقول أن هذا تخصصي فأنا صاحب درجة أكاديمية في الكتابة الابداعية ولقد قدمت أكثر من أثني عشرة حلقة عن كتابة الرواية في الكلوب هاوش مع نادي عازة بوكشوب ولدي كتابات نقدية كثيرة وشاركت في ورشة بالوطن عن الرواية \ دعني أقدم لك طرحي المتواضع هذا الذي كان ندوة في نادي الرواية السودانية (**فن كتابة الرواية: تزاوج الأدب بالمعرفة** كتابة الرواية ليست مجرد ممارسة أدبية بحتة، بل هي أيضًا قراءة معرفية للمجتمعات. تعتبر الرواية فنًا يتطلب مهارات لغوية، موهبة فنية، خيالاً، ومهارات تخطيطية. تتيح للكاتب استكشاف الشخصيات والأحداث من خلال تجربة الآخرين، مما يمنحه فهمًا أعمق للثقافات والمجتمعات.
**البحث العلمي وأهمية الدقة:** ينصح الكتّاب بإجراء البحث العلمي عند الحاجة، خصوصًا إذا كانت الرواية تاريخية أو تعتمد على معلومات علمية. الدقة والأمانة في الكتابة تسهمان في إضفاء مصداقية على العمل الأدبي، مما يجعل الرواية ليست فقط وسيلة للخيال، بل أيضًا أداة لنقل المعرفة وتأمل القضايا الاجتماعية والثقافية.
**التأرجح بين الإمتاع والإيلام:** الرواية تطرح أسئلة حول الحياة والوجود، وتحفز القارئ على التفكير والتحليل. تعد كتابة الرواية عملية معقدة تجمع بين الإبداع الأدبي والفهم المعرفي للعالم من حولنا.
**تطوير مهارات كتابة الرواية:** يتطلب تطوير مهارات كتابة الرواية التزامًا وممارسة مستمرة. هنا بعض النصائح لتحسين مهاراتك في هذا المجال: 1. **استلهم الأفكار:** كن منفتحًا على الأفكار التي قد تأتيك في أي وقت، واحمل دائمًا مفكرة صغيرة لتدوين أي خواطر. 2. **اقرأ بشكل واسع:** القراءة تعزز فهمك للأساليب الأدبية وتوسع معرفتك بالأنواع المختلفة من الروايات. 3. **تعلم من الخبراء:** الاستفادة من دورات متخصصة في كتابة الرواية يمكن أن تقدم لك أسسًا قوية وتقنيات متقدمة. 4. **مارس الكتابة بانتظام:** الكتابة المستمرة تساعد على صقل المهارات وتطوير الأسلوب. 5. **التخطيط والهيكلة:** تعلم كيفية بناء الرواية من حيث الهيكل، الشخصيات، والحبكة. 6. **التحرير والمراجعة:** لا تتردد في إعادة كتابة مقاطع من روايتك وتحسينها، فالتحرير جزء أساسي من العملية الإبداعية. 7. **تلقي النقد بصدر رحب:** الاستماع إلى آراء القراء والنقاد يمكن أن يوفر لك رؤى قيمة لتحسين كتاباتك. 8. **التجريب:** جرب كتابة أنواع مختلفة من الروايات واستكشاف أساليب جديدة لتعزيز مرونتك الأدبية.
**فهم التاريخ والثقافة:** فهم التاريخ والثقافة أمر مهم لكاتب الرواية، خاصةً إذا كانت الرواية تتناول أحداثًا تاريخية أو تعكس ثقافة معينة. الأسباب التي تجعل معرفة التاريخ والثقافة ضرورية تشمل: 1. **الدقة التاريخية:** إذا كانت الرواية تاريخية، فإن الدقة في تصوير الأحداث والشخصيات التاريخية تعطي مصداقية للعمل. 2. **الغنى الثقافي:** معرفة الثقافة تمكن الكاتب من إضافة تفاصيل غنية تثري السرد وتعمق الشخصيات. 3. **التفاعل مع الواقع:** الرواية يمكن أن تكون وسيلة للتفاعل مع الواقع والتاريخ، مما يمكن الكاتب من تقديم تعليقات على الأحداث الجارية أو الماضية. 4. **الإسقاطات والرمزية:** استخدام التاريخ والثقافة يمكن أن يضيف طبقات من الرمزية والإسقاطات التي تغني النص وتعطيه أبعادًا أعمق. 5. **بناء العالم:** التاريخ والثقافة يمكن أن يشكلا أساسًا لبناء عالم الرواية، مما يعطي القارئ تجربة غامرة.
كتابة الرواية هي رحلة مستمرة من التعلم والاكتشاف، تتطلب الجهد والمثابرة والتعلم المستمر. وكلما كتبت أكثر، ستتحسن مهاراتك وتنمو قدرتك على سرد القصص بطرق مؤثرة وجذابة.
|
Post: #6
Title: Re: كيف نكتب الرواية؟ بتخطيط مسبق ام اثناء ال�
Author: زهير ابو الزهراء
Date: 06-19-2024, 09:12 PM
Parent: #5
وهذا مقال نقدي لرواية منذ عوام مضت --10:57 PM Sep, 25 2015 سودانيز اون لاين زهير عثمان حمد-ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ -ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ مكتبتى فى سودانيزاونلاين
أستطاعت هويدا صالح في روايتها الأخيرة "ممرات للفقد" التي صدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون ببيروت بالتعاون مع نادي جازان الأدبي بالسعودية أن تصنع من فضاء الجسد محورا للسرد، ولكن الجسد هنا لم يكن بمعناه الأيروتيكي الضيق، بقدر ما كان بمعناه الأكثر رحابة، فهي تعني بالجسد في كل تشكلاته وتمثلاته، سواء الجسد الذي يمثل المتعة أو الجسد الذي يمثل الألم أو الذي يمثل الاحتواء والتحنان" كانت تئن طوال الليل من ألمها الذي لم تؤثر فيه قوة المسكن، بصوتها الواهن همست للممرضة، إديني مسكن أقوي يا بنتي، تجاهلت الممرضة رجاءها، ولما ألحت في الطلب قالت لها في حزم: الدكتور مانع يا حاجة.وتركت يدها المعلقة في ضوء الحجرة الكابي لا تقب علي شيء، أرخت أصابعها المتشنجة، ونادت علي ابنتها التي هدها التعب، فنامت علي السرير الفارغ في أقصي العنبر". حاولت في هذا النص المفجر للأسئلة أن تكتب العلاقة بين الجسد الشخصي وجسد الآخر محاولة أن تخضع تلك العلاقة لمجموعة من المحددات المتعالقة التي يتداخل فيه الأنطلوجي بالنفسي بالأنثربولوجي: " كانت فتاة صغيرة ويد مدرس العلوم تتسلل تحت بلوزتها القطنية البيضاء الناعمة علي خلاف قمصان زميلاتها المصنوعة من" تيل نادية" بلونه الأصفر الكالح. في ذات الفصل الواسع بنوافذه العالية حيث كان يجلس تلاميذ الصف الخامس كان المدرس ينتقي كل يوم فتاة، يميل عليها وهي تذهب إليه مرتعشة وخائفة من تعليقاته الحادة. كان يخط خطوطا حمراء ومزعجة علي إجابات الصغيرات، وينتقي الفتاة التي يريد ويهمس لها: لا تنصرفي مع الصغار حين يدق جرس الخروج". حاولت هويدا صالح أن تكتب بلاغة الجسد دون أن تقع في فخ الإحساسات الذاتية من جهة ونظرة لآخر لهذا الجسد من جهة أخري. حاولت أن تكشف صمت المجتمع عن كتابة الجسد، هذا الصمت الذي يتحول أحيانا إلي ضرب من الكذب لا يسرد من علاقة الذات الأنثوية بجسدها إلا ما يكون في خدمة مقاصد الثقافة الذكورية المتمثلة في تمجيد الذات الذكورية بأن تخضع الجسد الأنثوي لها بطرق شتي ! وهكذا يتحول خطاب الجسد منذ البدء إلي خطاب إيديولوجي عاقل ينطلق مسبقا من كون الكتابة وسيلة للانتصار بهذه الذوات التي تتحول بفعل الثقافة إلي مجرد آلات للمتعة. حاولت الكاتبة أن تكتب علاقة الذوات بالجسد، تلك العلاقة الغامضة التي تبدأ مع البنت منذ أن تتعرف علي هويتها النفسية وهي صغيرة لا تكاد تبين لها ملامح أنثوية وحتي وفاتها، مرورا بكل الاختبارات التي تكشف عن طريقها الأنثي الأنثربولوجية الطوطمية، فداخل كل طفلة جين طوطمي يعود للعصور السحيقة التي كانت فيها الأم هي التي تسود العالم، فالخريطة النفسية للنساء تحمل داخلها هذا الجين الأنثربولوجي بحفرياته العتيقة. لذا جاءت كتابة الجسد لدي هويدا صالح أكثر عمقا من فكرة الأيروتيك التي تسم كتابة بعض النساء حين يحاولن أن يكتبن الجسد. ولا شك أن اختيار هذه الحالات الإنسانية التي تعاني من ضروب الفقد وتجلياته تؤكد علي رغبة الكاتبة في أن تعري المجتمع بثقافته التي تعاني من العنصرية والتهميش لكثير من مكوناته الثقافية، وتمثل من ناحية أخري تطور الرؤية، رؤية العالم لدي الكتابة النسوية التي تذهب نحو ما هو مجتمعي وتنتصر له أكثر مما هو ذاتي: " قالت لماذا يكون القدر قاسيا هكذا ويأخذها هي الضاجة بالحياة ويترك عجوزا مثلي.واصلت ابتلاع الدموع وإزاحتها لحلقي، وقلت: جسدها الغض سيظل نضرا وشابا في الأعالي، ولن يذبل، ولن تحتاج لأن تعتني به. قالت وكأنها لم تسمع كلماتي البائسة: ظللت أرعاها ثلاثة وعشرين عاما. كانت تكبر أمامي كل يوم، تزداد صخبا وحياة. وحين تسلل الورم الخبيث بعيدا عن عيوني لم أنتبه لخلاياه النهمة وهي تلتهم خلايا جسدها الصاخب. لم تكن يد القدر رحيمة كفاية لتنبهنا مبكرا للخلايا الجائعة وهي تتضخم. وكأننا عميان يقودهم عميان". تتشكل كل رحلة من رحلات الفقد التي تخوضها الشخصيات في الرواية في نسيجها الحكائي والفكري من ضربين من المعطيات المرجعية: المرجعية الذاتية من حيث هي بؤرة اختيار تجليات الفقد وتعبيرها عن الفقد الروحي والفقد الجسدي، ثم التركيز علي بعضها وتقديم عناصرها الوجدانية المرجعية الاجتماعية للشخصيات المتحكمة في مسارات الممرات، ليغدو العنوان الذي فرض دلالاته علي الرواية أحد أهم عتبات ومفاتيح قراءة هذا النص المترع بالشجن والوجد معا: " دخل الرجال ليأخذوا الجثمان بعد أن ألبستها فستاناً أبيض تلي وعطرتها بعطرها، وقبلت رأسها في هدوء وقالت لها: مع السلامة يا حبيبتي سآتيك قريبا لا تخافي. الرجال ينتقدون الأخ الذي طاوع أمه، ويصرون علي أن ما يحدث ضد الشريعة، لكن في النهاية وضعوها في الصندوق الخشبي وأدخلوها سيارة دفن الموتي. وقفت الأم الملتاعة في الشرفة تنظر بابتسامة وفخر علي الجموع الكثيرة التي تجمعت حول الجثمان وقالت بفخر: زفة بنتي مفيش زيها. قلت لها تغمدها الله برحمته، فهمست في تضرع: يا رب. بينما كنت احاول أنا أن أبدو متماسكة أمامها كانت هي تمسك بعطر الفراق وتحكم القبض عليه". إن المفارقة الأساس التي تخضع لها الرواية هي عدم إدانة هويدا صالح للرجل في كل معاناة النساء، بل الإدانة الصريحة للثقافة التي تنال من المرأة والرجل معا، فالرجل هو الآخر يخضع لقهر الثقافة. إن هذه الرواية صرخة حقيقية في وجه ثقافة التهميش والنيل من إنسانية البشر والعنصرية التي يمارسها الناس ضد بعضهم البعض. لا شك أن الرواية تسعي لبناء وعي نقدي لكثير من مرجعياتنا المعرفية التي تدفعنا أن ننال من إنسانية بعضنا البعض. إن القهر في كثير من الأحيان هو ابنة الثقافة وليس مقصورا علي الرجال، لذا قد تمارس المرأة القهر ضد المرأة، فأبو الساردة الرئيسية في النص يحنو عليها ويرفض ختانها، لكن الأم هي التي تصر علي الختان بحجة أنها تحميها وتحمي سمعة العائلة. تضع الساردة في ممر ضيق للألم وهي ما تزال صغيرة لم تتعرف علي جسدها بعد، فتقتطع من جسدها جزءا يحرمها من المتعة بقية حياتها: " نادتني أمي، وأمسكتني في حضنها .خلعت العجوز ملابسي . أجلستني أمي في حجرها، وضغطت عليّ بفخذيها. لفت ذراعها اليسري حول الجزء الأعلي من جسدي مطوقة ذراعي، ووضعت يدها اليمني علي فمي .ألم عظيم ينطلق بين فخذي .. أحاول الصراخ .. كف أمي تكممني .. أحاول أن أقبض بأسناني علي كفها . لا أفلح . أغيب عن لحظتي . ولا أفيق إلا علي سرير أمي بملاءته الحريرية، ومخدة كبيرة موضوعة بين ساقي حتي لا أضمهما . وخالتي تأتي بالطعام، وتهنئ أمي بأول عرس لي" . تفيد هويدا صالح في هذه الرواية من تقنيات القصة القصيرة وتقنيات قصيدة النثر، بل وتقنيات السينما، فنجدها تقوم بتقطيع الفصول إلي مشاهد وكادرات تارة، وإلي سرديات تقترب من روح القصة القصيرة تارة أخري، وإلي نصوص شعرية تتحصل علي كثير من شعرية الرؤية وشعرية اللغة تارة ثالثة، لكن المحصلة النهائية التي يحصل عليها القارئ متعة ووعي ومعرفة ونص مشحون بطاقات شعرية كثيفة.
|
Post: #7
Title: Re: كيف نكتب الرواية؟ بتخطيط مسبق ام اثناء ال�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 06-20-2024, 07:58 AM
Parent: #6
استاذ زهير سلام وتحية وعيد مبارك شكرا على مشاركتك البوست بهذه المادة المهمة.. نتشرف بمشاركتك دائما. تحياتي
|
|