الخرطوم - لا تظهر الحرب المدمرة في السودان أي علامة على اقتراب نهايتها رغم سعي أطراف دولية وإقليمية لتكريس عملية مصالحة تنتهي باستمرار عملية الانتقال السياسي ونقل السلطة إلى المدنيين.
ويرى المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي أليكس دي وال في تقرير نشرته مؤسسة تشاتم هاوس أن الحرب لن تتوقف ما لم تضغط القوى الدولية والإقليمية بطريقة أكثر إيلاما، وأن استعادة المرحلة الانتقالية لن تتحقق ما لم يتغلب الهدف المشترك المتمثل في منع النتيجة الأسوأ على التفضيلات المختلفة حول من يجب أن يقود البلاد.
ويدور القتال بشكل رئيسي بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي". واندلعت الأعمال العدائية في الخامس عشر من أبريل 2023، حيث يدور قتال مباشر بين الطرفين المتحاربين في العاصمة الخرطوم وفي دارفور وأجزاء أخرى من البلاد.
وتسببت الحرب السودانية في أزمة إنسانية بحجم غير مسبوق. ووفقا لأرقام الأمم المتحدة، اعتبارا من يناير 2024، من بين سكان السودان البالغ عددهم 45 مليون نسمة، هناك 5.9 مليون نازح داخليا وفر 1.4 مليون كلاجئين، ويحتاج 25 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، مع وجود أزمة غذائية تلوح في الأفق وخطر المجاعة.
وباتت آفاق التحول الديمقراطي، التي كانت مشرقة للغاية بعد الانتفاضة السلمية التي أطاحت بالنظام العسكري الإسلامي الذي طال أمده للرئيس عمر البشير في أبريل 2019، مدفونة تحت أنقاض الخرطوم.
وتشتتت الحركة المدنية في السودان، فيما تكافح الأحزاب السياسية من أجل تشكيل منصة مشتركة. وتحولت العديد من لجان المقاومة في الأحياء، وهي العمود الفقري للاحتجاجات المدنية، إلى مجموعات طوارئ لتقديم الخدمات الإنسانية، في حين شكل بعضها جماعات مسلحة للدفاع عن النفس وتفكك البعض الآخر.
وحرب السودان هي أيضا دوامة من الصراعات العابرة للحدود الوطنية والمنافسات العالمية التي تهدد بإشعال النار في منطقة أوسع. ومن البحر الأحمر إلى غرب أفريقيا والساحل، ومن البحر المتوسط إلى وسط أفريقيا، تتأثر البلدان المجاورة بتدفق اللاجئين وحركة الجماعات المسلحة وتعطيل التجارة. ويعتمد جنوب السودان على عائدات صادرات النفط عبر خط أنابيب يعبر المناطق المتنازع عليها بشدة.
وتدور معظم المعارك في الحرب الأهلية بشكل مباشر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ولكن هناك عددا من الجماعات المسلحة الأخرى التي يتم استقطابها إلى جانب جماعات الدفاع عن النفس الجديدة. التي شكلتها القوات المسلحة السودانية وهي تحالف مثير للجدل يضم قدامى المحاربين الإسلاميين من نظام البشير، الذين يستخدمون حق النقض ضد أي تحركات من قبل البرهان نحو تسوية مع حميدتي أو المدنيين.
وحرب السودان متشابكة في دائرة من الصراعات التي تشمل جيرانها الأفارقة من الشرق والغرب. وأدى سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر إلى إعادة تشكيل تحالفات شرق أفريقيا. كما أن جنوب السودان، الذي لا يزال يعتمد اقتصاديا على العلاقات مع السودان، معرض للخطر أيضا.
وأصبحت السودان قمرة القيادة التي تسعى فيها القوى الصاعدة في الشرق الأوسط إلى إبراز قوتها واكتساب ميزة على منافسيها متفوقة على الجهات الفاعلة القائمة منذ فترة طويلة مثل مصر والمملكة العربية السعودية، وكذلك الوافدين الجدد نسبيا مثل إيران وقطر وتركيا. كما أن البحر الأحمر الأوسع هو ساحة للتنافس الجيوستراتيجي حيث يشتعل الجمر بالفعل لحرب أوسع تجر جميع القوى الرئيسية في العالم.
إن اتساع نطاق هذه التعقيدات لم يسبق له مثيل، ولكن ملامح الأزمة التي تلوح في الأفق كانت واضحة منذ عدة سنوات. ولقد عانى السودان لعقود من الزمن من مشكلة مزدوجة تتمثل في أزمة اقتصادية لا نهاية لها على ما يبدو، وحكم دولة متنوعة عرقيا ودينيا.
ولم تتمكن الحكومة التي يقودها المدنيون برئاسة عبدالله حمدوك، والتي تشكلت بعد الثورة المدنية عام 2019، من تحقيق الاستقرار في الاقتصاد أو تخفيف قبضة العسكريين الفاسدين على القطاعات الأكثر ربحية. وبعد أن تُركوا ليتدبروا أمرهم من قبل الجهات المانحة الدولية التي فشلت في تقدير مدى إلحاح عملية الإنقاذ الضخمة، كان فشل الديمقراطيين محتما.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في العام الماضي، باءت سلسلة من الجهود الرامية إلى جلب الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات بالفشل. فقد تعثرت المحادثات الأميركية - السعودية في جدة، والمبادرة المصرية، والجهود المتكررة لزعماء شمال شرق أفريقيا، بسبب الفيتو السوداني الداخلي.
ومن الواضح أن هناك افتقارا واضحا إلى آلية لضمان حضور القوى في الشرق الأوسط إلى الطاولة بمقترحات بناءة. ولم ترفع الولايات المتحدة مشاركتها السياسية إلى مستوى عال بما يكفي لأخذها على محمل الجد في الرياض. ولن يكون من الصعب التوصل إلى إجماع في مختلف أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط على أن انهيار الدولة ليس في مصلحة أحد.
وكانت آليات بناء مثل هذا الإجماع موجودة قبل عقد من الزمن. وكان من بينها المنتدى التشاوري السوداني، الذي عقدته الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وشارك فيه جميع الأطراف المعنية، والذي تُرك ليذبل.
وأصبح مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، والذي يتمتع بسجل حافل في صياغة مثل هذه الأجندة التوافقية، الآن ظلا لما كان عليه في السابق وحولت الأمم المتحدة نفسها إلى مجرد مقدم للمساعدات الإنسانية.
وبالنسبة إلى السودانيين، فإن المخاطر وجودية. لقد انهارت الدولة، وطريق إعادة بنائها طويل ومحفوف بالمخاطر والملايين بلا مأوى ونصف البلاد يعاني من الجوع ويواجه الكثيرون المجاعة. وإذا ظل السودان يتيما دوليا، فإن الكارثة سوف تتفاقم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة