Post: #1
Title: حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟ .. خراب سوبا. بقلم د. الباقر العفيف
Author: Yasir Elsharif
Date: 02-16-2024, 07:36 PM
06:36 PM February, 16 2024 سودانيز اون لاين Yasir Elsharif-Germany مكتبتى رابط مختصر
Quote: حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟ .. خراب سوبا
الحلقة الخامسة
د. الباقر العفيف
رشا عوض كنداكة وفأس وتكسر ألف رأس
نواصل هذه السلسة بعد انقطاع تطاول لأسباب صحية. وافترع هذه الحلقة بالإنحناء احتراما وتبجيلا للكنداكة رشا عوض التي ملأت الدنيا وشغلت الناس. نشرت الوعي وتصدت بصلابة لمكائد تحالف النقيضين، اليمين الكيزاني الرجعي واليسار الطفولي الجذري. إنها زرقاء يمامتنا التي رأت بوضوح الفتنة التي أدخلتنا فيها تلك الفئة المجرمة التي بعد أن أماتت ضمائرها موتا طقسيا جماعيا شرعت في إماتة شعبنا بشتى سبل الموت السريع والبطيء والمباشر وغير المباشر، فأجاعته وملأته بالخوف وشرَّدته في الآفاق حتى هام على وجهه، وصار حاله ما تحكيه الآية الكريمة "وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت". كل ذلك من أجل استعادة سلطة نزعها منها الشعب.
وأثناء نشرها لهذا الوعي تقوم الكنداكة رشا بإعادة تعليم المتعلمين و"المثقفين" بزعمهم، و"عتاة الأكاديميين" الذين غامت عليهم الرؤية، وانبهمت أمامهم السبل، و"راح ليهم الدرب في الموية". فصاروا يخبطون خبط عشواء ويحطبون بليل. وخابط العشواء سائر بلا دليل من فكر أو عقل، صوره لنا القرآن أبلغ تصوير حين قال "أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمَّن يمشي سويا على سراط مستقيم"، وحاطب الليل ربما جمع الثعابين والعناكب مع الحطب وحملها جميعا فأصبح كمن يحمل نعشه على كتفه. ويكفي للتدليل على أن "القلم ما بزيل بلم"، القول أن بروفيسور كبير، كالدكتور عشاري، اشترى كذبة موت حميدتي، وصار يكررها بإصرار إلى ظهر المرحوم وهو يحوم بين الدول، وليت هذا يصيب البروفيسور العتيق بهاء السكت، كما يعبر بشرى الفاضل، فيسكت ولو إلى حين. هذا هو حال مؤيدي مليشيا الكيزان الداعين لاستمرار الحرب المتغافلين عن آلام الشعب.
تتصدى الكنداكة رشا للعصابة الكيزانية عديمة الأخلاق بسلاح الاستقامة وقول الحق في وجه القوة دون خوف أو طمع. يدفعها قلب كبير تؤرقه أهوال الحرب ومنظر جثث لم تجد من يواريها الثرى فنهشتها الكلاب، وأهوال أطفال أبرياء يرتجفون مرعوبين من أصوات الصواريخ والراجمات والدانات، وآهات أمهات مكلومات فقدن الأزواج وفلذات الأكباد. وشقاء مرضى السكري والفشل الكلوي والسرطان الذين تعذبوا ومات الكثيرون منهم نتيجة انعدام الدواء. وعذابات الذين تقطعت بهم السبل فلا يجدون ما يسد رمقهم، أو من يضمد جراحهم، وها هو البرهان يعلن للعالم أجمع حكمه عليهم بالموت جوعا وإغلاق طرق إيصال الإغاثة أمامهم. وآهات النازحين مرة ومثنى وثلاث، الذين أدركتهم الحرب حيثما هربوا، ونكبة عدد غير معروف من النساء والفتيات المغتصبات والمختطفات اللائي يمتن في كل لحظة ألف ألف مرة.
عندما تنادي رشا بوقف الحرب فهي إنما تقاتل "في سبيل هؤلاء "المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا". وقد جعل الله لهم من لدنه هذه الكنداكة العظيمة من ضمن من جعل من الأولياء والنصراء، فهبت لنصرتهم "متحزمة ومتلزِّمة" غير عابئة ببذاءات الكيزان والفلول ومن ساندهم من صغار العقول. يسندها منطق واضح وضوح شمس الظهيرة، وفصاحة في البيان لا تمضغ الكلمات أو تمضمضها. فشرعت تقرع بسياط الحق الأبلج أباطيل دعاة الحرب اللجلج، فزهقتها وجعلتها هباء منثورا.
التصدي لغثاء جيوش الظلام نجحت رشا أيما نجاح في كشف أكاذيب الكيزان، وفضح خزيهم وتناقضاتهم وإجرامهم. وكذلك واجهت جيوشهم الجرارة من الذباب الإلكتروني، ومن الأجراء والمكريين من بائعي الأقلام "والزمان مسغبة"، والوجلين أصحاب القلوب الواجفة من مقدمي السبوت "والدنيا ما مضمونة". بالإضافة لحلفائهم الجدد من أهل اليسار الطفولي، والجذريين، ومبغضي الحرية والتغيير الذين صار بغضهم لها مرضا ما منه فكاك. وفيما يلي سأتناول نموذجا من كل فئة من هذه الفئات.
الكتاب المكريين : محمد محمد خير نموذجا
سبق وأشرت من قبل لهذا الكاتب المكري الذي تَسَوَّل الوظيفة من الكيزان بسلسلة مقالات يتملَّقهم بها ويلعق أحذيتهم، إلى أن أفسحوا له مجالا ليغمس يده معهم في سرقة أموال الشعب. فبنى سلسلة جزاراته "أولاد أم درمان" من أموال الإنقاذ المنهوبة، وكان من ضمن خدماته القذرة للإنقاذ منادمة بعض قادة الحركات الدارفورية إبان مؤتمر الدوحة والتجسس عليهم، وشراء القابلين للبيع منهم. هذا الرجل المنحط، عديم الكرامة، المعترف بفساده، والمجاهر به، خطب في افتتاح منزله المبني من المال الحرام قائلا: "ربي ما تحرم بيت من الإنقاذ"، وسط قهقهات ضيوفه، في اعتراف صريح بأنه بناه بالمال المختطف من أفواه الجياع والمرضى والمحرومين من أبناء الشعب المقهور. فأي خزي وأي عار سيلازمه مدى الحياة، بالرغم عن أنه لم تبق في وجهه مزعة لحم لترتجف خجلا.
ولكن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب؟ سوف تشرق الشمس حتما من جديد، ويغمر الضياء هذا البلد الطيب، وسوف يذهب هذا الزبد جفاء ويمكث في الأرض ما ينفع الناس. وسوف يجيء يوم يسود فيه العدل، نراه قريبا ويرونه بعيدا. وسوف تُنصب موازين القيم وتُرفع رايات العدالة. في ذلك اليوم سوف يضع الشعب كل فرد، من رجل وامرأة، في مقامه المستحق، إما في سويداء قلبه، كما سيضع رشا ومن هم على شاكلتها، أو في مزبلة التاريخ، كما سيضع هذا الرجل الوضيع، ومن هم على شاكلته. وسوف يكتب الثوار على جدران ذلك البيت بالخط الكبير: "سُرِق من أموال الشعب المحروم"، مثلما كتبوا على جدران منزل الكوز الفاسد حسين خوجلي الذي اعترف هو الآخر في بث مباشر من قناته المسروقة هي الأخرى من المال العام، بأنه بنى بيته من توصيل سماسرة البترول مع "المسؤولين"، وهم بطبيعة الحال، كيزان فَسَدَة حتى النخاع، فقبض منهم مبلغا ضخما بنى به بيته. أي أنه تحصل على بيت في قلب الخرطوم لقاء صفقة مع سماسرة أنفق فيها نصف ساعة من وقته "السمين". أنظروا بالله لهذا التفنن في السرقات، ولهذه "البجاحة" وقوة العين والجرأة على الشعب، والاستهتار به وبذكائه، ومحاولة تطبيعه على الفساد. وحقا "إذا لم تستح فافعل ما شئت". المثقفون النافعون
بيد أن رشا لا تخوض حربها العادلة ضد الكيزان والفلول وبائعي الذمم وحسب، فهؤلاء يمثلون الباطل العريان كما رأينا في مثال الكاتب المكري. ولكنها أيضا تخوض حربا أكثر تعقيدا وصعوبة ضد مناصري مليشيا الكيزان المنتحلة لاسم الجيش من "المثقفين" النافعين ممن يمثلون الباطل الرافل في لبوس الحق. إن معركتنا الحقيقية إنما هي مع هؤلاء الذين زلَّ الله أقدامهم فغادروا مكانهم الطبيعي في صف الشعب المقهور إلى الضفة الأخرى حيث يقف قاهرو الشعب من الكيزان والفلول. يحار المرء كيف ارتضى هؤلاء لأنفسهم الجلوس في خندق واحد مع المحرضين على الحرب والمروجين لخطاب الكراهية من الكتاب المكريين و"القونات" و"اللايفاتية" المعاتيه، أمثال الإنصرافي، الذي يدعو للقتل الجماعي للشعب وعدم التفريق بينه وبين الدعم السريع في المناطق التي يحتلها. وكذلك يدعو للتدمير الكلي للبنيات التحتية ولقتل الناس بناء على الهوية العرقية والسياسية. كيف سوَّغ هؤلاء لأنفسهم الجلوس في خندق واحد مع أمثال عائشة الماجدي التي تحرض الجيش وكتائب الإسلاميين على إبادة قبائل الرزيقات (هكذا من طرف) وذلك بقتل رجالها واغتصاب نسائها. "أي والله. هكذا قالتها بصوتها. هذه امرأة تدعو لاغتصاب نساء مثلها، فهل يا ترى تتوقع، إن حدث هذا لا قدر الله، ألا يرد الآخرون بالمثل في المناطق التي يسيطرون عليها وهي أكثر من نصف ولايات السودان؟ ألا تُعَرِّض هذه المرأة ملايين النساء السودانيات لخطر الاغتصاب؟ الآن يموت الشعب البريء بالقصف العشوائي المتبادل بين الطرفين المسلحين وتريد هذه المرأة أن تعرضه للموت آلاف المرات بالاغتصاب المتبادل بين المجتمعات المتناحرة. إنها تدعو الطرفين صراحة على خوض الحرب على أجساد النساء. إن أقل ما يجب اتخاذه ضد هذه المرأة المريضة هو تقديمها لأقرب مخفر شرطة أو مستشفى أمراض نفسية وحبسها إلى أن تسترد عقلها وإنسانيتها. كما يجب التبليغ عنها لإدارة المواقع الاجتماعية لحظرها وأمثالها من بث هذا الجنون على الناس. إن السؤال الذي يحير العقل هو كيف أغشى الله أبصار هؤلاء "المثقفين" النافعين وأزكم أنوفهم فلا يرون جيرتهم البشعة ولا يشمون رائحتهم النتنة.
أسئلة تلاحق المثقفين النافعين سوف لن نتوقف عن طرح هذه الأسئلة على هؤلاء المثقفين النافعين إلى أن نحصل منهم على إجابة تكشف عن دوافعهم الحقيقية التي يخفونها بالالتواء والحذلقة والتذاكي. كيف غابت عنهم رؤية الحبل الناظم لكل الجرائم التي ارتكبها الكيزان منذ الحادي عشر من أبريل ٢٠١٩، حينما قررت اللجنة الأمنية للبشير الإنحناء لعاصفة الثورة، والتضحية برئيسهم، وبعض قادة نظامهم، مع إضمار الانقلاب على الثورة لاحقا. كيف لا يرون الحبل الناظم لهذه الحلقات التالية:
• الهجوم على ميدان الاعتصام في ليلة المتاريس في الثامن من رمضان عام ٢٠١٩، حيث قتل ١١ من تروس الاعتصام،
• مجزرة القيادة في التاسع والعشرين من الشهر الكريم نفسه، وبيان الانقلاب الذي أذاعه البرهان في الثالث من يونيو ٢٠١٩، والذي ألغى فيه كل الاتفاقات مع الحرية والتغيير، • محاولة انقلاب الفريق هاشم عبد المطلب في يوليو ٢٠١٩، والذي اعترف أمام محققيه بأنه يتلقى تعليماته من علي كرتي والجاز،
• انقلاب بكراوي في سبتمبر ٢٠٢١، والذي أدان فيه البرهان الحرية والتغيير بدل إدانة الانقلاب. وألمح فيه من طرف خفي أن بكراوي وصحبه لهم مطالب مشروعة، ولكن كان يجب أن يمضوا في لتحقيقها متحدين معه، وكأن كل مأخذه على الانقلابيين هو أنهم تخطوه ولم يشاوروه، أو ينتظروه ليقوده هو في الوقت المناسب بعد أن يمهد له باعتصام الموز وإغلاق الميناء. وقد أسميته انقلابا وليس محاولة انقلاب لأنه استمر حتى تحقق بقيادة البرهان بعد شهر واحد فقط.
• التمهيد الفعلي للانقلاب بإغلاق الميناء بواسطة الكوز الفاسد ترك، واعتصام الموز الذي من ضمن قادته الكوز اللص جبريل، والمتكوزن الأخرق مناوي، وحرامي الذهب أردول، والعاطل العي التوم هجو الذي كان يهتف "بعوارة" "الليلة ما بنرجع إلا البيان يطلع".
• الانقلاب الذي قاده البرهان بنفسه بعد شهر واحد فقط من انقلاب بكراوي في الخامس والعشرين من أكتوبر من نفس العام، والذي هو عبارة عن مواصلة وإكمال لذات انقلاب بكراوي.
• ثم تتويج كل ذلك بالحرب التي أشعلها الكيزان في الخامس عشرة من أبريل ٢٠٢٣، بعد أن رفض حميدتي التراجع من الاتفاق الإطاري.
أليس واضحا أن هذه حلقات من سلسلة متصلة هدفها هو هزيمة الثورة وعودة الكيزان للسلطة؟ أليس واضحا أن العدو الحقيقي للكيزان والفلول ليس هو الدعم السريع، بل هو الشعب السوداني الذي أنجز الثورة وأطاح بهم؟ أليس واضحا أن سبب الحرب ضد حميدتي هو أنه أصبح عقبة في طريق عودتهم للسلطة لابد من إزاحتها ليتفرغوا للعدو الأساسي وهو الشعب والثورة؟ ألم يصرح الكيزان أنفسهم بهذا في إفطاراتهم الرمضانية التي هددوا فيها بالحرب بصريح العبارة؟ ألم يشاهد هؤلاء كل ذلك العدد الهائل من الفيديوهات التي أعلن فيها الكيزان والفلول خططهم بالتفصيل؟ فإذا كان كل ذلك على هذه الدرجة من الوضوح، فما الذي طمس على أفئدة هؤلاء "المثقفين" النافعين فكأنهم لا يفقهون شيئا.
تحالف النقيضين: الكيزان واليسار الطفولي
لا يخفى على الناس الهجوم الممنهج لنظام الكيزان والقوى المتحالفة معهم على أحزاب الحرية والتغيير، وتقدم، وتشويههما بنسج شتى أنواع الأكاذيب حولها من شاكلة أنها تسببت في الحرب وتحالفت مع الدعم السريع. يدعم هذه الحملة الكيزانية استهداف مثقفي اليسار الطفولي والجذريين للحرية والتغيير ومخاصمتها مخاصمة الضرة، وتحميلها مسؤولية فشل الفترة الانتقالية. وهم بذلك يدعمون نظام الكيزان "باستراتيجيات الــــــ Blame Shifting " كما يعبر الدكتور بكري الجاك. أي إحالة اللوم في انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١ على أحزاب الحرية والتغيير، للتقليل من مسؤولية العسكر، أو توزيع دم الانقلاب بين القبائل، أي بين العسكر وأحزاب الحرية والتغيير. يقول الدكتور بكري:
"لعلّ الهجوم المنظم على القوي السياسية الديمقراطية ومحاولة تحميلها مسؤولية حرب الخامس عشر من أبريل هي أبلغ تعبير عن خطل وخبث وبؤس هذا المنهج اذ لا يحتاج المرء بعده لتفسير، والذي للأسف الشديد وجد له مكان ما فى المخيال الاجتماعي والسياسي السوداني كنتيجة للتشوهات السياسية المتعاظمة، وكعامل يؤدي الى مفاقمة تأثيرات هذه الظاهرة المستقبلية على المشاركة السياسية".
الدكتور معتصم الأقرع وهذا بالضبط ما يقوم به الدكتور معتصم الأقرع الذي جعل جل همه ترصد وتتبع stalking قادة الحرية والتغيير، وإبراز تناقضاهم وتوجيه الأسئلة التي يعتبرها "محرجة" لهم بصورة دؤوبة. إن مثابرة الدكتور الأقرع تعطيك الإحساس وكأن هناك ثأر شخصي أو personal vendetta. فكتاباته توحي بأنه يعتبر هذه القوى المشكلة الكبرى والعدو الأول للشعب السوداني، وليس الكيزان وجيشهم، وميلشياتهم، وحلفائهم، وكتائبهم المتعددة والمتنامية كالفطر البري السام. بل أكثر من ذلك أصبح يدافع عن الكيزان ويتهم من يحملهم مسؤولية الحرب وجرائمها بأنهم مصابون "باللوثة الكيزانية الاستهبالية"، دون أن يتفطن لمعضلته الذاتية، وهي إصابته هو الآخر "بلوثة قحت" التي تقطر من جميع حروفه. فقد ظل يلوك بتكرار مرير القول بأن الكيزان إنما تمكنوا من الانقلاب على الثورة نتيجة ضعف قحت وحكومتها التي عجزت عن تصفية وجودهم دون أن يدلنا على الكيفية التي تتم بها تلكم التصفية. فهو يرمي اللوم على الضحية العزلاء السلمية المسالمة ويجد مبررا للجلاد المدجج بالسلاح والممتلئ بالحقد على الشعب والثورة، والعازم على استرداد سلطته التي فقدها مهما كان الثمن. والذي لم تتوقف بندقيته عن اصطياد الشباب منذ أن بدأت الثورة وحتى هذه اللحظة. يقول الأقرع متهكما على المصابين بهوس الكيزان : "لم يعد في الكون سوي كوز متعال على كل شيء قدير. فهو قادر علي إفشال الانتقالية (بدون مساعدة خصومه بسوء إدارتهم للشأن العام) وهو كوز قادر وحده لا شريك له على تنفيذ انقلاب ٢٠٢١ وقادر على إفشال الإطاري وعلى إشعال الحرب وعلى ادامتها وعلى منع التفاوض لوقفها. ولا تتحمل أي جهة داخلية، أو خارجية، أو عميل، أو جاهل في مكان القرار نصيبا ولو يسيرا من مسؤولية الفشل المريع. ولا يعن لمن أصابه هوس الأخوان الاستهبالي أن يسال نفسه لماذا سمح من تولوا الأمر بعد سقوط البشير بعودة كيزان هزم نظامهم الشباب بالتضحيات وكيف سمحوا بعودتهم من ثقوب انعدام كفاءتهم المحرج في الكرة الأولي وفي الكرة الثانية مهدوا لعودتهم - مسلحين هذه المرة - بتموقعهم المساوم والخاطئ تماما في الداخل والخارج". (انتهى)
يرسل الدكتور الأقرع تلكم الأسئلة المتلاحقة دون أن يعيننا بإجابة على أي منها. فهو مثلا لا يعين لنا الجهة الداخلية التي ساهمت في الانقلاب غير الجيش والدعم السريع وحلفاء اعتصام القصر؟ وهو يوحي بأن للحرية والتغيير مساهمة ما في الانقلاب دون أن يحددها. وعلى الأقل لا يخبرنا ماذا كان بوسعها أن تفعل لمنعه؟ كذلك لا يحدد لنا دور الحرية والتغيير في إفشال الإطاري وفي إشعال الحرب واستدامتها وإفشال التفاوض حولها؟ وبطبيعة الحال لا يخبرنا من هو العميل والجاهل في مكان القرار الذي ساهم في كل أولئك؟ وتساؤلاته كلها من نوع الإرسالات الهلامية الغامضة التي تبث الشكوك وتثير الخيال دون أن تقدم معلومة محددة أو تسمي الأشياء بأسمائها. كذلك يتحدث عن فشل الحكومة الانتقالية في تصفية الوجود الكيزاني دون أن يهدينا السبيل للكيفية التي تتمكن بها حكومة حمدوك من تنفيذ تلكم الخطة العملاقة. أو كيف كان سينفذها هو لو كان يجلس في مكان حمدوك. ولكي ما نعينه على ذلك دعونا نتصور أن حمدوك أصدر قرارا بإحالة جميع الضباط الإسلاميين في الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى للمعاش بكامل مخصصاتهم وبيوتهم وعرباتهم وسائقيهم مع ترقيتهم للدرجة التالية لرتبهم في ذلك الحين. فماذا كان سيحدث؟ هل كانوا سيقبلون القرار بطيبة خاطر وينصرفون إلى بيوتهم بسلام؟ أم كانوا سيعتبرون ذلك سببا قويا للانقلاب على الحكومة المدنية؟ خصوصا وهم أصلا متربصون بها لدرجة أنه في كل شهر نسمع بمحاولة انقلابية تستهدف الثورة. وأمامنا تجربة لجنة تفكيك التمكين رغم تدني سقف طموحاتها، وموقفهم منها معروف للجميع.
هل نحتاج للقول إن ثورة سبتمبر ليست ثورة مسلحة كالثورة البلشفية وهي بطبيعتها السلمية لم ولن تستطيع تحطيم آلة الكيزان العسكرية لتفرض تغييرا جذريا بالقوة؟ وأن البداهة تقرر أن أي تحرك شعبي يسعى لأحداث تغيير راديكالي كان سيعتبر سببا قويا للانقلاب في أي وقت يحدث؟ لقد وجهت الكنداكة رشا والكثيرون غيرها هذا السؤال للجذريين مرارا وتكرارا دون أن يحظى متسائل بإجابة سوى القول الغامض أن الشباب الذين أطاحوا بالبشير قادرين على الإطاحة بغيره. ولكن البشير أطاحت به اللجنة الأمنية التي وضعته في مكان آمن وجلست مكانه، فمنذا الذي يضع اللجنة الأمنية في مكان آمن مع رئيسها ويسلم السلطة للمدنيين ويذهب إلى أهله يتمطى؟ هل هو هذا الجيش الذي نراه الان والدعم السريع الذي كان يوجه معه السلاح لصدر الشعب؟ أم أنه جيش آخر أسطوري سيهبط علينا من السماء ويحطم جيشي البرهان وحمدان معا ويقودهما مكبلين لكوبر؟ فهل للدكتور الأقرع إجابة على هذا السؤال أم ترى يندرج نقده للحرية والتغيير تحت عنوان "الريس يجيب الهواء من قرونه"؟ أم إنه البغض الأيديولوجي الذي يجرف صاحبه للضفة الأخرى التي يتوهط فيها العدو الحقيقي؟ أعجب ممن يتعوذ بالشعب من "الكمبرادور الغشيم" ويراه أكثر شرا من "الكوز الرجيم".
الالتواء والحذلقة الأكاديمية : الدكتور عبد الله علي إبراهيم نموذجا
وضمن الذين ضلوا سبل الرشاد بشأن هذه الفتنة الدكتور عبد الله علي إبراهيم. والدكتور ليس "رجلا سَلَمَا لرجل" وإنما بداخله "شركاء متشاكسون"، وأعني بذلك أنه ليس متسقا في سيرته ومواقفه وإنما تصطرع داخله شخصيات متناقضة. وكما يجري التعبير العامي "الزول ده ما ياهو، أو ما براه". فهناك الشخصية التاريخية الماركسية الشيوعية التي يصر على التمسك بها حتى هذه اللحظة وتبرق في كتاباته الفينة بعد الأخرى.
وهناك الشخصية المتوددة للكيزان والباحثة عن نَسَبٍ مشترك معهم. هذه الشخصية خالطته منذ أن اشترك مع أهل الإنقاذ في حوارهم الوطني ودخل مجلسهم الديكوري أول مجيئها. ويبدو أن الإنقاذ أصابت الدكتور بالصدمة والرعب الممزوج بالاحترام العميق الذي يشبه التقديس Shock and Awe فهم، وإن كانوا الأخير زمانهم، أتوا بما لم تستطعه الأوائل، من البشاعة، بحسب تعبيره، مما اضطره "لمصانعتهم". وهنا تأتي القدرات الأكاديمية في متناول اليد لتحويل الرعب والهزيمة، والمصانعة، من حالة مؤقتة للضعف الإنساني، لموقف فلسفي متكامل يكتسي بالرصانة الأكاديمية، ويدعي الموضوعية العلمية. هذا الموقف الفلسفي يسمح له بتدبيج المقالات احتفاء بذكرى ميلاد الترابي، ويسوغِّ له التتلمذ على أيديهم في علوم الشريعة في قلعتهم جامعة أفريقيا العالمية، ويبرر له العمل في ذات الجامعة الكيزانية أستاذا، متناسيا ما خطه بقلمه عنها في كتابه "الثقافة والديمقراطية في السودان" عندما كانت تُسَمَّى المركز الإفريقي الإسلامي. ومواصلة لذلك التودد للكيزان الناتج عن الرعب المخلوط بالتقديس يندرج توظيفه لملكاته وإمكاناته الأكاديمية ليبرر تأييده لجيشهم ولاستمرارية الحرب. وتأييده لمواقفهم الانعزالية الطفولية في مقاطعة المنابر الإقليمية والدولية العاملة على وقف الحرب كالأمم المتحدة ومنبر الإيقاد.
أما عندما يتناول سيرة الحرية والتغيير فتبرز شخصية أخرى للدكتور تناقض تماما تلك الشخصية المهادنة للكيزان. فهو هنا فارس الحوبة، تراه مشرعا رمحه مكر مفر مقبل مدبر معا، وكأنه عنترة بن شداد على فرسه "الأبجر". وكما تقول العامة "حقيرتي في بقيرتي". فالدكتور يصب جام سخطه على "آلهة الحرية والتغيير وتقدم" التي حكمت على الشعب بحمل صخرة الكيزان مثلما حكمت آلهة اليونان على سيزيف بحمل صخرته الأسطورية لأعلى الجبل فما أن يصل القمة حتى تنزلق منه إلى السفح فيعاود الكَرَّة، وهكذا دواليك إلى الأبد. بل هو لا يتوانى عن اتهام الحرية والتغيير بالفشل حتى قبل أن تولد بعقود. فهو يقول: "أسأل نفسي ما هو ميس (في لعب الأطفال) أهل قحت وتقدم الذي يبلغون البلد به ويكون يوم النصر المؤكد على الكيزان فيرتاح خاطرهم وخاطر البلد. تربصوا {أي أهل قحت} بهم {أي بالكيزان} بعد انقلاب 1969 وسموهم "إخوان حتحوت" لينتهي الانقلاب التقدمي المزعوم في 1983 إلى ثيوقراطية دينية من أبو كديس أو أبو كيزان. وتربصوا بهم قبل ثورة ابريل 1985 وما بعدها ودمغوهم "بالسدنة" وتكأكأوا على شيخهم الترابي بأقصى الصحافة وغلبوه. ثم عاد الكيزان بانقلاب 1989 دولة ثيوقراطية لآخر حد. ثم اسقطوهم ك "فلول" في 2019، بل داسوهم دوس. ثم عادوا. ومدعوون نحن الشعب ما نزال للتعبئة لاستئصال الكيزان. أليس ثمة شيء غاية في الخراقة هنا؟" ثم يمضي إلى أن يقول "يبدو أن لا قحت ولا تقدم تريد لنا أن نرى عيبها من وراء قرارهم تحميلنا صخرة الكيزان التي أوثقوها على أكتافنا. وعيبها أنها لا تحسن القضاء عليهم. فيخرج عليهم الكيزان من ثقب أداء واجباتهم ويسألون: من أين جاء هؤلاء؟ وعلينا حمل الصخرة في الواد لأنهم حين فشلوا، وأدمنوا الفشل، خرجوا منه كالشعرة من العجين "اشكع على الكيزان". انتهي.
ولعل الملاحظة الأولى في نصه هذا هي تجرؤه وتحامله و"حقارتو" بقوى الحرية والتغيير ودمغهم بالفشل وتحميلهم مسؤولية كل نجاح حققه الكيزان منذ عام ١٩٦٩، وكأنه ليس للكيزان فعل مستقل، وأن كل ما يقومون به هو عبارة عن ردود أفعال و "كَيَّة كدا" في قحت وتقدم، حتى وهما في رحم الغيب، قبل أن يظهرا في الوجود. وإلا فما هو دور قحت في انقلاب ١٩٦٩؟ أو ما أعقبه من ترصد للكيزان أو وصفهم "بإخوان حتحوت"؟ وما هو دورهم في إعلان نميري لقوانين سبتمبر ١٩٨٣، أو ما وصفه الدكتور بدولته الثيوقراطية من "أبو كديس أو أبو كيزان"؟ وكذلك ما هو دورهم في التحالف ضد الترابي؟ وما هو العيب في إسقاطه في انتخابات ديمقراطية حرة على كل حال؟ وما علاقة ذلك بانقلاب الإنقاذ في ١٩٨٩؟ هل يريد الدكتور أن يقول إن كل ما فعله الكيزان بكم إنما كان ردة فعل لخراقتكم وتحرشكم بهم، وأن خطيئتكم الكبرى تتمثل في مصارعتكم لهم ووقوفكم في طريقهم، وأن (عدم الخراقة) كانت تقتضي أن تفرشوا الطريق أمامهم بالورود والرياحين، أو أن تخلوا لهم الطريق وتقفوا على الرصيف مطأطئ الرؤوس أثناء زحفهم المقدس نحو السلطة؟ وإنكم إن لم ترتكبوا هذه الخطيئة الكبرى لكانوا ترفقوا بكم ووهبوكم "مَنّاً وسلوى من شعير" بدلا عن دق المسامير في الرؤوس وحشر السيخ في الأدبار؟
والملاحظة الثانية هو ضجر الدكتور من الاستمرار في مقاومة قحت للكيزان ومحاولات عزلهم سياسيا، وتمسكهم بهذا الهدف رغم أنهم لا يحسنون القضاء عليهم، بدليل أن الكيزان يعودون في كل مرة بصورة أكبر وأقوى. أما كيف يعودون بصورة أقوى وأكبر؟ فالإجابة عنده حاضرة. "من ثقب أداء واجباتهم". أي أن الكيزان يعودون دوما بسبب فشل قحت، وليس نتيجة تخطيط مستقل وعمل دؤوب في ممارسة السياسة القذرة على طريقة المافيا، بالتآمر، والإجرام، والاختراق، والكذب، والسرقة، وشراء الذمم، والعنف، والانقلاب العسكري. وهنا مربط الفرس كما تقول العرب. فقد حشد الدكتور في هذه الجملة وحدها كل معايب سلوكه. فبالإضافة للتغافل عن جرم المجرم وإلقائه اللوم على الضحية، تتصف عباراته بالالتواء في مقام يستدعي الاستقامة، والخنخنة في مقام يتطلب الإبانة، والإيحاء في مقام الإفصاح وصراحة القصد. فماذا يقترح الدكتور لقحت أن تفعل لتضع عن كاهله صخرة الكيزان طالما أنها لا تحسن القضاء عليهم؟ لماذا لا يصل بمنطقه لنهاياته الطبيعية؟ ولماذا يكتفي بالإشارة والإيماء وترك الباب مواربا؟ إن الدكتور الجليل يدعونا لأن نرخي ركبنا مثله، وأن نستسلم للكيزان ونقبلهم رغم كل ما فعلوه بنا. فهو يبدو أنه يستهدي بالمقولة الانهزامية القديمة "إذا لم تستطع هزيمتهم فانضم إليهم"، فاستسلم لهم من أول وهلة. ثم "فكَّر وقدَّر. فقتل كيف قدَّر. ثم نظر. ثم عبس وبسر"، حتى اكتشف الحل. فخرج كأرخميدس عاريا، ليس من "هدومه" بل من فضائله، وهو يردد "وجدتها.. وجدتها". لقد عثر على "الشفرة الثقافية" العروبية الإسلامية التي تجمعه بهم. "ثم أدبر" من كل تاريخه في الدفاع عن التعددية الثقافية و"ارتد" عن دين الحق والخير والجمال، "واستكبر" علينا بالإيمان، شأن الكيزان، وأصبح داعية للعروبة، مدافعا عن الشريعة الإسلامية، ومعتذرا عن الكيزان باعتبار مشروعهم يمثل الجماعة العربية الإسلامية القاطنة شمال ووسط السودان. فهو يدعونا أن ننظر لهذه "المجموعة الشمالية" باعتبارها تمثل "عنصرا" أو عرقا أو قبيلة Race. وهي مستهدفة كعرق، مما يقتضي تضامنها بجميع عناصرها سواء كانوا يساريين يمينيين وسطيين أو حتى جمهوريين، وهذه عنده كلها تنظيمات "شمالية". أي أنه يدعونا للارتداد للمكون البدائي ما قبل الحداثة، بل ما قبل الطائفية. وبناء على هذا الاكتشاف المذهل دعانا صراحة للدخول في خيمة الانقاذ. وأردف قائلا إن مصيبة هذه الجماعة الشمالية العروبية الإسلامية تتمثل في كونها ورثت وطنا أكبر من حجمها. ولأننا كلنا نعلم أن فشل النخبة الحاكمة يتمثل أساسا في عدم قدرتها على إدارة التنوع لأنها لا تستطيع أن تفسح مجالا لغيرها معها ولا تقبل من الآخرين سوى الخضوع التام لها، فيصبح تقصيرها للوطن على قدر طولها ضربة لازب عليها. وبناء على ذلك يمكن القول أن دكتورنا الهمام هو أول من نَظَّر لمثلث حمدي ودولة عمسيب.
هل استمعتم لآخر حججه في الوقوف بجانب الجيش؟ فقد قال في مقابلة تلفزيونية أنه يفاضل بين "المر والأمر منه"، وأردف القول إنه يعني "بالمر" الجيش، و"بالأمر منه" الدعم السريع. فانظر التضليل والالتواء أذ كيف يكون صانع الشر أقل مرارة من الشر الذي صنعه بيديه؟ إن الأمر البديهي هو إن كان الدعم السريع هو الشر المنطلق من عقاله والشيطان الرجيم يكون من البداهة أن الكيزان وجيشهم الذين صنعوا الدعم السريع هم الشر المطلق، وأكابر الشياطين الأكثر استحقاقا للرجم. كيف يكون فرانكشتاين أقل شرا من وحشه الذي صنعه بيديه يا دكتورنا الجليل، خاصة إذا كان ما يزال مستمرا في (الشغلانية) ويصنع في المزيد من الوحوش كالبراء والخرساء والرقطاء. إن استقامة الفكر كانت تحتم عليك القول إن الدعم السريع هو المر بينما الجيش هو الأمر منه. أما السؤال الآخر فهو لماذا علينا المفاضلة بين المر والأمر منه؟ ولماذا لا نرفضهما معا وندعو لوقف الحرب والموت والدمار؟
كلمة أخيرة
تتصدي الكنداكة رشا بمثابرة وجلد لهذا الجيش العرمرم من المضللين أصحاب الحلاقيم الكبيرة والعقول الصغيرة. وهو ليس جيشا عاديا، بل يمتد من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. وقسم كبير منه، كالكيزان وكتابهم المكريين وذبابهم الالكتروني وقوناتهم واللايفاتية تبعهم عبارة عن جيش قذر ملوث وملتاث، يمثل قاع مجتمعنا ومُجَمَّع قمامته ومجاري صرفه الصحي حيث يطن الذباب والهوام وينشط المجذومين فكريا والمعطوبين نفسيا. وعار علينا أن تركناها في الميدان وحدها. وقَصَّرنا عن دعمها والاصطفاف خلفها. أما هي فقد استحقت القيادة عن كفاءة وجدارة، وامتلكت كل صفاتها من وضوح الرؤية وقوة البيان ورجاحة الرأي وشجاعة الشجعان. نواصل |
حرب الجبناء ضد الشعب بقلم د. الباقر العفيفحرب الجبناء ضد الشعب بقلم د. الباقر العفيف
|
Post: #2
Title: Re: حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟ .. خراب سوبا. بقلم
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-07-2024, 06:48 AM
Parent: #1
Quote: حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟ خراب سوبا الباقر العفيف الحلقة السادسة إهداء: إلى ياسر عرمان وخالد عمر بمناسبة حرب الفجار الأخيرة: قال تعالى في محكم تنزيله: "وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ" الأعراف (١٩٣). وأحد معاني هذه الآية الكريمة أن من بين خلق الله أناسٌ كالأصنام لا يسمعون، بحيث يستوي عندهم حديثكم لهم أو صمتكم عنهم. هؤلاء أناس أصدروا أحكامهم فيكما مسبقا. جفت الأقلام وطويت الصحف. hopeless case. هذا من جانب. أما من الجانب الآخر فمن الواضح أنه مع أي حركة أو سكنة منكما، ستنبحكما كلاب الحوأب. وكلاب الحوأب تأتي في كل لون وشكل، منها الكوز القح ومنها المتكوزن، ومنها الكاتب المكري الذي يقعى، بما أنه كلب، في انتظار أن يقذف له بقطعة عظم، ومنها صاحب الضغينة القديمة ال "لا بتموت ولا بتفوت"، وفيها الما بريدك لوجه الله و"بحمر ليك في الضلمة"، وفيها "الما مفهوم شايت وين"، وفيها الحاسدك عديل بخشم البيت، وعلى شنو؟ ما معروف. ومن حكمة الله أن كلاب الحوأب لا ترى إلا بعين واحدة ولا تنظر إلا في اتجاه واحد مع إن الله شرط لها في رأسها ثقبين إثنين. فلا تلتفتا إلى الغثاء. ولا تلقيا له بالا. واصدعا بالحق في وجه الجميع، فكلما لامستما "محل بتوجع" كلما علا النباح. واعلما أن هناك ملايين الآذان التي تسمع وملايين الأفئدة التي تعي. مقدمة أدان كل من ياسر عرمان وخالد عمر الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الجزيرة مؤخرا، واجتياحها لعشرات القرى وارتكابها لسرقات وجرائم بشعة، وطالبا قيادتها بالعمل الجاد لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها. وكتب ياسر خطابا مفتوحا لقائد الدعم السريع بهذا الشأن، ناصحا له على أخذ الأمر بكلتا يديه، وذلك بكبح قواته، أو السيطرة عليها إن كانت تعمل بمعزل عنه، ومحذرا له بأن التهاون في هذا الأمر له مخاطر كثيرة، لعل أعلاها هو دفع مواطني الجزيرة دفعا لحمل السلاح، لحماية أنفسهم، بعد أن فر جيش الكيزان أمام قواته، وتركهم مكشوفي الظهر. ولو حدث هذا، أي لو لم يتحرك بالسرعة والجدية اللازمين، ومن ثم اضطر أهل الجزيرة لحمل السلاح، فسوف يكون وقع في الفخ الذي نصبه الكيزان، بإعانتهم على سعيهم الحثيث لتحويل الحرب لحرب قبلية جهوية يقتل فيها الناس وتستباح أموالهم وأعراضهم بناء على هويتهم وملامحهم، مثل ما حدث للشبان اليُفَّع الأبرياء من قرية ود الحداد الذين قتلهم جيش الكيزان في مدينة الأبيض وقطع رؤوسهم ومثل بجثثهم بناء على ملامحهم التي تشبه ملامح عرب دارفور. تلكم الجريمة الداعشية النكراء التي قابلها دعاة الحرب من كيزان ومثقفين نافعين بصمت يشبه صمت القبور. وما إن نُشِر هذا الخطاب سرعان ما تلقفه الكيزان وحلفاؤهم من أهل اليسار الطفولي وبعض أصحاب الضغائن الذاتية بالهجوم وشنوا عليه حربا تافهة كحرب الفجار. فلماذا يا ترى؟ دعونا نستعرض بعض أطراف هذا الحلف الفاجر بدءا بالكيزان الأقحاح الذين سنخصص لهم هذه الحلقة والبقية تتبع.
الكوز عادل الباز كتب الكوز عادل الباز مسبحا الله الذي أنطق ياسرا وخالدا بالحق فأدانا جرائم الجنجويد في الجزيرة. ولكنه سرعان ما استدار على عقبيه وأنكر عليهما "نطق الحق" هذا الذي حمد الله عليه. وبالطبع هذا ليس بمستغرب من كائن متحور. فهل يرضى كوزٌ مثله عن علمانِيَّيْن مثلهما حتى وإن قالا حقا؟ فالكوز الذي "لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب" اعتبر إدانتهما، كما تقول الفرنجة، too little too late أي أنه "شيءٌ قليل جدا جاء متأخرا كثيرا". فاسمعوه يقول: "بعد استباحة أكثر من خمسة وخمسين قرية من قرى الجزيرة الوادعة وقتل المئات، وبعد اغتصاب نسائها ونهب كل شيء يتحرك فيها.. وهؤلاء القادة في أزمنة الغفلة الكبرى ظلوا يشاهدون على الهواء مباشرة ما يجري في ديارهم وذويهم، ويلوذون بالصمت، لم تواتيهم، الجرأة ليخرجوا للعلن مطالبين حلفائهم في قيادة الجنجويد أن تتوقف عن مواصلة حفلة الجنون التي يخوضونها في أنحاء الجزيرة… ولكنهم بعد أن هتكت عروض أهلهم مباشرة، خرجوا يترجون قائد الجنجويد أن يتوقف عن جرائمه".( انتهى) وهذا مقتبس جمع فأوعى كل خصائص الكيزان القذرة، لم يترك منها شاردة ولا واردة إلا احتواها. وأقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه نَصٌ متهافت، مليء بالكذب والتدليس والتضليل. أما الكذب والتدليس فيثبته أن هؤلاء القادة لم يلوذوا بالصمت كما زعم، بل أدانوا الحرب، ومن تسبب فيها، وما نتج عنها، من انهيار النظام والقانون، ومن انتهاكات ارتكبها طرفاها. وطرفاها هما أنتم وصنيعتكم يا كيزان. فأنتما كنتما توأما سياميا، جمعتما أقذر ما في صفاتكما، وهي لصوصية الكيزان المافيوية الدموية القائمة على الجريمة المنظمة مع لصوصية الجنجويد البدوية الدموية القائمة على المغنم وتدمير العمران. وحينما كنتما توأما سياميا، كنتما توجهان سلاحكما ضد الثورة والثوار، وتنهبان الشعب سويا، وتمتصان رحيق الحياة منه. وبعد أن سرقتما موارده، شرعتما في بيع الشعب نفسه كسلعة، فصدرتما السودانيين كمرتزقة في الخليج. ولذلك عندما اختلفتما، وأجريتما عملية جراحية فصلتكما إلى نصفين متشاكسين، خضتما حربكما القذرة في ملعب الشعب، فوق رأسه وعلى جسده وبيوته وممتلكاته، وبنيته التحتية. حربكما من قذارتها وتخلفها ليس فيها صفارات إنذار، ولا ملاجئ من القصف، ولا ملاذات آمنة للمدنيين، ولا إسعافات، ولا مستشفيات، ولا دفن كريم للموتى، ولا صليب أحمر، ولا منظمات إغاثة. حربكم من شدة قذارتها يعلن فيها قادة جيشكم الكيزاني على رؤوس الأشهاد أنهم يستهدفون الحواضن الاجتماعية "للمتمردين". ويذبح جنودكم المدنيين الأبرياء ويقطعون رؤوسهم على الطريقة الداعشية. ويستهدفون من يقدم الطعام والعلاج للعالقين الذين لا حول لهم ولا قوة. ويهددون السياسيين المدنيين ولجان المقاومة بالموت والدمار، بعد أن حققتم انتصارا حاسما على الجنجويد "بتحريركم" لمسيد ود البنا. حربكما من شدة قذارتها جعلت الجنجويد يجوسون في البلاد نهبا ودمارا يبحثون عن المغنم في القرى الفقيرة النائية التي لا تملك قوت يومها. هل تظن نفسك غير مسؤول عما يجري في الجزيرة؟ إن الذي يقرأ نصك يظن أن ياسر وخالد مسؤولان عما يفعله الجنجويد في الجزيرة. فهما لم يصنعا الجنجويد وإنما صنعتموه أنتم. وهما لم يشعلا الحرب وإنما أشعلتموها أنتم. وهما لم ينسحبا من الفرقة الأولى في مدني وإنما انسحبتم أنتم. أنتم أسميتموهم "القحاطة" ونجحت آلتكم الإعلامية (الغوبلزية) في ترويج تلكم العبارة لدرجة أن تبناها بعض الثوار والجذريين. الآن جاء دوركم وقد أطلق عليكم الشعب العبقري اسم "الفحاطة"، ونقطة بتفرق زي ما قالت الشاعرة وئام. وسيلتصق بكم هذا اللقب التصاقا سياميا آخرا، إلى أن تلاقوا الله عز وجل فيفصل بينكم وبين هذا الشعب، الذي اذيتموه أبلغ الأذى، بالحق. لقد فحطتم يا عادل وأطلقتم ساقيكم للريح يخرج من مؤخراتكم هواء ساخن مثل الهواء النفاث الذي يخرج من مؤخرة الصاروخ. ومع هذا تملك الجرأة لتتهم الآخرين بضعف الإدانة؟ ألا تستحي يا هذا؟ من هو الذي يستحق الإدانة؟ هل هو جيشكم المسؤول عن حماية الناس، والذي ظل يستولى على ٨٢٪ من ميزانيتهم بدعوى حماية الأرض والعرض، والذي حين "جات حوبته"، لم يطلق طلقة واحدة في الهواء. بل هرب وعرَّد "وكبرها بالباب الوراء"؟ هل يدين أهل الجزيرة جيشكم هذا الجبان الرعديد الذي ضرب المثل في الخور والعجز، وانعدام الرجولة، والمروءة، والشرف؟ أم يدينون ياسر وخالد لأنهما لم يدينا الجنجويد بما يكفي، أو كما تحب أنت وبقية الكيزان؟ لقد كشفتم ظهر أهل الجزيرة يا عادل وعرضتموهم لما هم فيه من محنة، وحين يأتي يوم الحساب ستعرفون من هو الذي سوف يجلله العار إلى يوم القيامة. ولكن عادل يريد أن يستفز ياسر وخالد ومن ورائهما جميع المنادين بوقف الحرب لكي ما يحملوا السلاح ويخوضوا لهم حربهم. اسمعوه يقول: "فحين كان أهلكم يغتصبون وينهبون، بدلاً من أن تحملوا السلاح للدفاع عنهم تحالفتم مع قتلتهم ومغتصبيهم". أنظروا لهذه الجملة المليئة بالتضليل ومحاولة التذاكي والاستفزاز والتحريض. فمن هو الحليف الحقيقي للقتلة والمغتصبين؟ هل هو الذي فتح لهم الأبواب وتبخر في الهواء وترك لهم الديار خلاء، أم الذين يحاولون الوصول إلى اتفاق يوقف القتل والاغتصاب الي تسببتم فيه؟ مالكم كيف تحكمون؟ كان يمكن أن نحترمه إذا كتب هذا النص بصورة أمينة كالآتي: "لقد ألقينا أسلحتنا وفحطنا أمام الجنجويد كالحمر المستنفرة، فرت من قسورة، وتركنا أهلكم مكشوفي الظهر يغتصبون وينهبون. ونحن بذلك لم نظلمكم أنتم وأهلكم وحدكم وإنما ظلمنا أنفسنا كذلك، ولذلك فسوف يكون شعارنا قوله تعالى " فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم". أما أنتم فتعالوا وأحملوا السلاح للدفاع عن أهلكم". نعم كنا سنحترمه لو كان احترم عقولنا، ولكن كنا أيضا سنسأله لماذا يدعو خالد وياسر لحمل السلاح ولا يأتي هو أيضا، مع إنه "سيد الجلد والرأس"، ومشعل الحرب وصاحبها بالأصالة، ليحمل السلاح ويحارب حربه. ولماذا استمر يؤجج نيرانها من مأمنه، مستظلا بدوحته الوارفة مستمتعا بفنادقها وليموزيناتها وكراسي قنواتها الوثيرة، بينما أسرته وأسر إخوانه الكيزان تترفه في ماليزيا وتركيا، حيث هربوا أموال الشعب الغلبان، واشتروا القصور، وأدخلوا أطفالهم أحسن المدارس بينما هناك ١٩ مليون طالب سوداني خارج التعليم. فهل يهتم عادل بمصير هؤلاء؟ هل يتصور ولو للحظة في الخيال أن يكون هذا مصير أطفاله؟ لقد حكمتم البلاد منفردين لثلاثين عاما وبدل أن تحولوها لبلاد مثل ماليزيا وتركيا حولتموها لحطام وذهبتم تطلبون العيش في تلك البلاد التي بناها أبناؤها بعقولهم وسواعدهم. وليتكم اكتفيتم بذلك وغربتم عن وجهنا، ولكن توليتم تسعون في الأرض تفسدون فيها وتهلكون الحرث والنسل لأنكم تحبون الفساد. أما ياسر وخالد وغيرهما من أبناء هذا الشعب الخيرين فقد فعلوا ما بوسعهم لتفادي وقوع الحرب، وعندما أشعلتموها ظلوا يفعلون ما في وسعهم لإيقافها. فهم يعلمون أن الحرب هي أم الشرور جميعها، وأنها تلد القتل والنهب والاغتصاب، وتلد النزوح والتشرد والجوع وتفكك الأسر وضياع القيم، وهم يريدون أن يوفروا كل ذلك على هذا الشعب الطيب الكريم الذي ابتلاه الله بكم. ولكن عادل لا يريد للحرب أن تقف، بل في الحقيقة يريدها أن تستمر ولو لعشرات السنين. إنه ورهطه الأشرار يريدون أن يحولوا أركان البلاد الأربعة لمسرح كبير لحفلات القتل والدمار والنهب والاغتصاب عسى أن يخرجوا من بحر الدماء، في نهاية المطاف، بأمارة طالبانية. ضعف الطالب والمطلوب. #اللهم لا ترفع للكيزان راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم للعالمين عبرة وآية. نواصل |
|
Post: #3
Title: Re: حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟ .. خراب سوبا. بقلم
Author: مهيرة
Date: 03-07-2024, 10:07 PM
Parent: #2
شكراً د. ياسر على إيراد هذه المقالات الحارقة لهـؤلاء المرتزقة
من صحفيين ومثقفين والقلم مابزيل بلم زى ما بقول المثل!
تحياتى
|
Post: #4
Title: Re: حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟ .. خراب سوبا. بقلم
Author: هدى ميرغنى
Date: 03-07-2024, 10:18 PM
Parent: #3
سلاما واحتراما أخى دكتور ياسر والجميع~ من أقوالا الباقر العفيفى 😯
Quote: وعن الجنجويد" قال د. عفيفي: " ان هناك ما هو اهم من اسم "الجنجويد"، وهو "الفكر الجنجويدي" الذي وصفه بأنه عنصري جدا" [26].
|
Post: #5
Title: Re: حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟ .. خراب سوبا. بقلم
Author: Yasir Elsharif
Date: 03-08-2024, 12:21 PM
Parent: #4
سلام دكتورة مهيرة وأستاذة هدى
وشكرا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Quote: حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟ د.الباقر العفيف
صورة صحيفة التغيير صحيفة التغيير منذ 4 أسابيع 9 دقائق
خراب سوبا
د. الباقر العفيف
الحلقة السابعة
الرأي قبل شجاعة الشجعان هي أول وهو المكان الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرةٍ بلغت من العلياء كل مكان
المتنبي
تنبيه وتنويه
نشرتُ الجزء السادس من هذه السلسلة من المقالات، وشرعتُ في كتابة هذه الحلقة، ولكني دخلت المستشفى لإجراء عملية صغيرة، قبل اكتمالها. ولما خرجت من المستشفى وجدت المادة المُتُسَفِّلة التي عقب بها عادل الباز على نقدي لآرائه، وكذلك المقال الذي نشره الدكتور مجدي الجزولي معلنا فيه تضامنه معه. فرأيت إكمال ونشر هذه الحلقة أولا ثم الرد على مادتيهما بعد ذلك. وإن كانت لي من ملاحظة هنا تصلح كمؤشر إعلاني لمقالي القادم، فهي أن مقال مجدي التضامني مع عادل الباز يدل على أن الكيزان حققوا هدفا هاما من أهداف إشعالهم الحرب ألا وهو خلط الأوراق وإعادة الاصطفاف على أسس جديدة تستبدل البيئة السياسية التي خلقتها ثورة ديسمبر، والتي عزلتهم تماما. فكلنا نعلم أن الاصطفاف الذي صنعته ثورة ديسمبر المجيدة وضع الشعب السوداني الذي ينشد التغيير في جانب، والكيزان، وجهاز الدولة العسكري والمدني الذي يسيطرون عليه، والمنتفعين منهم، وكل سقط المتاع في الجانب الآخر. وبعبارة أخرى وضعت الثورةُ الشعبَ في الجانب الصحيح من التاريخ وأعدائه في الجانب الخطأ من التاريخ. ولعل مقال مجدي التضامني مع عادل الباز هو أصرح وأصرخ، وأوضح دليل على نجاحهم، من خلال إشعال الحرب، في خلق تلك البيئة الجديدة التي تجتذب لهم حلفاء، وتضمن قبولاً من خارج دوائرهم المعروفة. فهم مثلا كسبوا جزءا من مجموعة “غاضبون” بالإضافة لبعض من أسمتهم رشا “المثقفين النافعين”. إذن يبقى السؤال الأساسي الذي سأحاول معالجته من خلال المقال القادم هو “ما هي الدوافع التي تجعل شخصاً كمجدي الجزولي يجد المشترك بينه وبين عادل الباز، ومن يصطف بجانبهم (زي ناس المصباح قائد كتيبة البراء، وأنس عمر، والجزولي الداعشي، وتِرِك، وأردول)، أكبر من المشترك بينه وبين ياسر وخالد ورشا والحاج والباقر؟ وإني لأرجو أن تتوفر لي العافية لإخراج ذلك المقال قريبا.
المقدمة
أشرت في الحلقة السابقة إلى الخطاب المفتوح الذي أرسله ياسر عرمان لحميدتي، ناصحا له، باعتباره الآن المسؤول الأول عن حماية المواطنين الذين يقعون تحت سيطرة قواته، بعد الفشل المخزي لجيش الكيزان في حمايتهم. كما أنه المسؤول الأول أخلاقيا وقانونيا عن كل الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها قواته، أو أي قوات أخرى تستخدم زي قواته، في تلك المناطق، ضد المدنيين العزل. وإني لأرجو أن يستمع حميدتي، ويُصغي إلى نصيحة ياسر، وأن يتخذ إجراءات جادة وصارمة للحد من هذه الجرائم، وأن يشرف على تنفيذ تلك الإجراءات بنفسه. وأن تكون تلك الأفعال من الوضوح بحيث يراها الجميع. وأن يعمم التجارب الناجحة التي جرى فيها التنسيق والتعاون مع قادة المجتمعات المحلية مثلما حدث في طيبة ورفاعة وغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرة قواته. هذا هو التوجه الوحيد الذي سوف يساهم في تقريب الشقة بين خطابه السياسي والواقع الذي يكشف عن نفسه على الأرض. كما إنه أيضا التوجه الوحيد الذي ربما ينقذ البلاد من الوقوع في فخ الحرب القبلية والجهوية المكشوفة الذي نصبه الكيزان بإحكام، وبخبث ونذالة معروفين عنهم. لذلك فعلينا فعل كل ما في قدراتنا لتفادي الوقوع فيه، لأن الوقوع فيه ينذر بشر يفوق خيال أعتى الشياطين. فهو لن يمزق النسيج الاجتماعي لبلادنا وحسب، ولن يطيل أمد الحرب وحسب، ولن يفاقم من الموت والدمار والمجاعة والاغتصاب وإهدار كرامة الشعب كله بجميع أعراقه وقبائله وطبقاته ونسائه ورجاله وأطفاله وحسب، ولن يمحو ماضيه ويهدر مستقبله وحسب، ولن يحولنا إلى أمة من الذئاب والضباع وحسب، وإنما لن يكون لنا وجود بعدها. إذ سوف تدخل بلادنا الثقب الأسود. فإن فعلت، لا قدر الله ولا قضى، فلن تخرج منه، شأن كل شيء دخل الثقب الأسود. مما يعني ببساطة أنها سوف تخرج من الجغرافيا، وتدخل غياهب التاريخ.
حدث تاريخي مشابه
وعلى كل حال، فالتنبيه والتحذير الذي انطوى عليه خطاب ياسر هذا استدعى لذاكرتي حدثا تاريخيا مشابها مرتبطا بأسرتي، وتحديدا بجدي لأبي مختار محمد، المعروف بمختار العامل، وكان عامل الخليفة عبد الله ود تورشين على الجزيرة. هذا الحدث يمثل جزءا من التاريخ الشفهي الذي وصلنا متواترا أبا عن جد، ولكن وثّق أحداثه كل من بابكر بدري ويوسف ميخائيل في مذكراتهما.
“حرب كرامة” أخرى قبل أكثر من قرن وربع
عندما أمر الخليفة عبد الله التعايشي عبد الله ود سعد بإخلاء المتمة لجيش محمود ود أحمد، نصحه أحد شيوخ الجعليين وحكمائهم، ممن عركتهم التجارب، وخبر الحرب وما تحمله من شرور، بتنفيذ أمر الخليفة، وإخلاء المدينة، وذلك حفاظا على حياة القبيلة وعرضها. نصحه بأنه ليس من الحكمة أن يقابل قوة محمود ود أحمد التي تفوقه أربعين ضعفا في العدد ومثلها أو قريبا منها في العتاد. مذكرا له بأنها معركة خاسرة، ونتائجها معروفة سلفا. فهي ستسفر عن قتل رجال القبيلة واستحياء نسائها بغرض السبي. فأجابه ود سعد بكلمة واحدة، عبارة عن سؤال استفزازي مثل أسئلة عادل الباز الاستفزازية لياسر وخالد: قال له “خُفتَ؟” فرد عليه الشيخ قائلا: “بخاف أنا؟ آوْليْد آغْشَيِّم؟ يا العدوك في النَّقعة وفزعك في الريف”؟، في إشارة لقرب جيش محمود ود أحمد منه، وبُعد جيش كتشنر، الذي يبدو أن ود سعد كان يراهن عليه لمده بالأسلحة النارية التي كان يفتقر إليها، والمقصود “بالريف” مصر.
انفصل الرأي عن شجاعة الشجعان. وانتصرت مزايدة ود سعد على الشيخ الحكيم. ونجح استفزازه لمشاعر الجعليين واستثارة عواطفهم، ورفع (تِرمُومِتر) غشامتهم، خصوصا عندما قال لهم أنه ما زالت تؤلمه قولة “قام نمر من شندي”. إنها “حرب الكرامة” إذن. وسوف يخوضها ود سعد مهما فَدَح الثمن. فود سعد يتصورها حرب كرامة القبيلة، والشيخ الحكيم يدرك إنها “حرب كرامة ود سعد” الخاصة به وحده، لكنه أقحم القبيلة كلها فيها. كان الشيخ الحكيم يدرك أن مغامرة ود سعد الانتحارية ستعود على الجعليين بنكبة سوف تسير بذكرها الركبان عبر الحقب والأزمان. وسوف تهدر كرامتهم. وقد كان.
ما أشبه الليلة بالبارحة
فهل يا ترى نرى شبها هنا؟ يسمى الكيزان حربهم “حرب الكرامة” ويوهمون الشعب أنها من أجل كرامة أهل السودان التي أهدرها الدعم السريع. وهي في الحقيقة حربهم الخاصة التي بدونها تنعدم فرصهم في العودة إلى السلطة. إنها حرب استعادة الفردوس المفقود، الذي لا طريق إليه إلا عبر هزيمة الثورة التي أطاحت بهم، والانتقام من الشعب الذي لفظهم. ولذلك أشعلوها في عاصمة البلاد، ودكوا البيوت على رؤوس ساكنيها، حتى قبل أن يحتلها الدعم السريع، وجعلوا الشعب يدفع مستحقاتها من دمه وماله وعرضه. وسرعان ما تكشفت نتائجها. إهدارٌ كاملٌ لكرامة الملايين من السودانيين الذين نزحوا وتشردوا وجاعوا، وضياع كامل لعروض آلاف النساء والفتيات اللائي اختطفن واغتصبن، وقيل أن بعضهن بيع في أسواق النخاسة داخل وخارج البلاد. يا لها من كرامة.
ورغم ذلك ظلت الآلة الإعلامية الكيزانية تركز على جرائم الدعم السريع وكأنها هي سبب الحرب، مع أنها نتيجة الحرب التي بدأوها هم. وظل هدف رسالتهم الإعلامية هو سوق الناس إلى إدانة الدعم السريع على جرائمه والصمت عنهم هم. أما الدعم السريع، فقد ذكرنا بعض جرائمه أعلاه بالإضافة لتلك الجريمة التي يكاد يتفرد بها من شدة اتساع نطاقها، ألا وهي استباحة الولايات والمدن والقرى التي وصلتها جحافلهم، ونهبها بصورة ممنهجة، ونقل ثرواتها وممتلكات مواطنيها إلى مناطق أخرى داخل وخارج السودان. هذا بالإضافة لاحتلال البيوت وانتهاك الحرمات. بيد أن الكيزان وحلفاءهم المثقفين النافعين يريدون لنا أن ندين المليشيا بأعلى صوت بينما نغمض أعيننا نحو جرائمهم وخوازيقهم مع أنها أكبر وأفظع وأشنع من جرائم الدعم السريع وبما لا يقاس، وذلك لأنهم هم مسؤولون، بالإضافة للجرائم التي اقترفتها أيديهم الآثمة، عن جميع الجرائم التي ارتكبتها صنيعتهم أيضا. وهذا ما يؤكده الدين الذي يتشدقون به. ألم يقل النبي الكريم ” من سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من دون أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن سن سنة سيئة فعليه، وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا”؟ بلى قد قال. والكيزان لم يسنوا سنة سيئة وحسب، وإنما صنعوا آلة للقتل والسحل والسلب، ووزرها كله معلق في عنق الكيزان، دون أن ينقص ذلك من وزر المليشيا شيئا. فقد اعترف الكيزان بلا خجل أن جيشهم له رحم، وأنه عاشر جنا أحمر، حبل منه بالمليشيا، وحملها وهنا على وهن، حتى ولدها. ثم أرضعها من حرام، وألبسها من حرام، ونَشَّأها على الحرام، إلى أن بلغت واكتمل نموها، فعلمها (الرماية كل يوم)، وأطلق يدها في الشعب ترتكب فيه الموبقات، وكل ما هو محرم في شرائع السماء والأرض، على مدى سنين طويلة، ظل فيها الكيزان وجيشهم يدافعون عنها، ويسبحون بحمدها، ويبررون جرائمها ضد الشعب، كونها كانت “تثلج صدورهم”. والآن، عندما استنفذت أغراضها بالنسبة لهم، وآن أوان التخلص منها، أنساهم الله أنه قد (اشتد ساعدها)، فلما بدأوها بالعدوان، (رَمَتْهُم)، وفَرَمَتْهُم، جزاء وفاقا.
فالموقف الصائب إذن هو إدانة جرائم الطرفين من ناحية، وإدانة من تفرد بصناعة المليشيا وبإشعال الحرب وفَتّح أبواب جهنم من ناحية أخرى. فبينما للدعم السريع جريرة تتمثل في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها، للكيزان وجيشهم وميليشياتهم جرائر ثلاث. الأولى هي أمومتهم للدعم السريع، كما سلفت الإشارة، والثانية هي إيقاظهم الفتنة وإشعالهم الحرب. والثالثة هي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها جيشهم وميليشياتهم الداعشية.
عودة لحرب الكرامة الأولى
وبعكس ود سعد الذي تسبب في نكبة القبيلة، ولكنه ضحى بنفسه، لقاء كرامته الشخصية، فإن قادة الكيزان الذين اتخذوا قرار الحرب لم يضحوا بأنفسهم ولا بحيواتهم، بل ظلوا موفورين آمنين ومُرَفَّهين هم وأبناؤهم داخل وخارج البلاد، وفدوا أبناءهم بذبح عظيم من أبناء الفقراء المجهلين المهملين المستغلين المستغفلين ليموتوا نيابة عنهم. وأيضا بعكس حرب كرامة ود سعد الذي لم يخطط تخطيطا متعمدا لإهدار كرامة الجعليين، بل جاءت نكبتهم نتيجة افتقاده الحكمة والرأي، فإن حرب الكرامة الخاصة بالكيزان، خُطِّط لها وقُصِد منها إهدار كرامة الشعب السوداني الذي لفظهم انتقاما منه. والآن دعونا نرجع إلى التاريخ لننظر ماذا كانت نتيجة حرب الكرامة التي خاضها ود سعد بشجاعة أسطورية، ولكنها عارية من الرأي مجردة من الحكمة. كتب نعوم شقير عن معركة المتمة قائلا:
“هجم محمود ود أحمد ورجاله على المدينة وقتلوا عبد الله ود سعد ورجاله على بكرة أبيهم، وسبوا من النساء ثلاثمائة وستة وستين ومن الرجال قتلوا ألفان، وارتكب رجاله من المنكرات ما تقشعر منه الأبدان وكانت النساء يلقين بأنفسهن في النيل يفضلن الموت على حياة الفضيحة والعار”.
أرسلت النساء الأسيرات بالوابور لأمدرمان لخليفة المهدي بغرض السبي، وقد جردهن جنود ود أحمد من ثيابهن وتركوهن عرايا كما ولدتهن أمهاتهن. وهنا حدثت الحادثة التي كان بطلها جدنا مختار، وأرسل من خلاله رسالة تحذيرية للخليفة عبد الله مفادها أنه إن سمح بسبي نساء الجعليين، فتصبح أمدرمان بالنسبة له “أضيق من خرم الإبرة”. وقد وردت الحكاية في مذكرات بابكر بدري كالآتي:
“جاءني في أحد الأيام موسى يعقوب وأخبرني أن مختار محمد (العامل) محموم. وطلب مني أن أقوم معه لنزوره فركبنا. ولما وصلنا وجدنا معه ملازمية الأمير العظيم يعقوب (أخ الخليفة). وهم علي أحمد فضيل، وآدم جديد الحريري، ودودية بدوي وآخر يدعى داؤود وكلهم من قبيلة الجوامعة من غرب السودان. وكان أمامهم سموار نحاس أصفر فيه ماء لصنع الشاي. وبينما كنا نتحدث سمعنا صوت الوابور الآتي بنساء المتمة ممن قُتِل أو أُسِر ولاة أمورهن. فنهض داؤود قائما وضرب جبته على وركه بيده نشطا، وقال (بلفظه) “كب أمشي لخليفة المهدي يديني جعلية أسويها سرية. فما أن أتم كلامه إلا ونهض مختار المريض ورمى ثوبه الذي كان مؤتزرا به وقام بسرواله فقط وضرب داؤود صفعة كادت أن تلقيه على الأرض وضرب السموار برجله وقال: “وكمان تشرب شاي في بيتي تشرب سم”.
أسرع الشيخ بابكر بدري للخليفة علي ود حلو وذهبا سويا للخليفة يسابقان الزمن في محاولة لإنقاذ رقبة مختار قبل أن يصله الملازمية. ولكن عندما وصلا مجلس الخليفة كان داؤود قد فرغ من إبلاغ الخليفة شكواه ضد عامله مختار. وبعد فترة صمت طويل رفع الخليفة رأسه وقال ما معناه جزى الله مختار عنا كل خير. “الجعليات ما بيسبوهن”. وأمر بتسليم النساء لذويهن. وقد فصل يوسف ميخائيل في مذكراته كيف أن هؤلاء النساء كن عاريات في الزريبة، وكيف كان أقاربهن ومعارفهن وغيرهم من أهل الخير الذين ذهبوا لاستلامهن يلقون إليهن بالثياب ليستترن ثم يخرجن.
الشاهد في الأمر هو أن مختار، عندما أطلق تحذيره ذلك، لم يكن يملك جيشٌا يستطيع أن يسير به لملاقاة الخليفة، ولكن كان يملك الشجاعة التي مكنته من قول الحق في وجه السلطة الغاشمة، وكان على أتم استعداد لتحمل النتائج. وكان من الممكن للخليفة أن يُستَفَز ويركب رأسه ويقتله صبرا كما قتل العديد من قادته وأمرائه. ولكن ربما كان التاريخ سيغير مجراه في وجهة أخرى.
وبالقدر نفسه الآن، ليس لياسر عرمان قوة يقابل بها قوة حميدتي وآلته العسكرية الضخمة، التي هرب الجيش أمامها في مواقع عديدة، ولكن يملك القوة على قول الحق والرأي الصائب أمام سطوته وسلطته. وهو بطبيعة الحال، بخلاف مختار، لا يواجه خطرا من حميدتي يهدد حياته، إذ قصار ما يصيبه منه هو ألا يستمع لنصيحته ويهملها، أو أن يغضب منه ويلومه عليها. ولكن المشترك بين المشهدين هو صواب النصيحة هنا وصواب التحذير هناك. فإن استمع حميدتي للنصيحة اليوم، مثلما استمع الخليفة لتحذير مختار بالأمس، فمن المؤكد سوف يغير مسار التاريخ. إذ قد تحمله على بذل جهود حقيقية تثبت براءته الشخصية من جرائم قواته بالدليل الملموس. إذ سيراه الناس يبذل جهودا تتجاوز الإنكار والتبرير. جهودا تتجاوز القول بأن هناك متفلتين ضمن قواته، أو أن هناك من جاءوا لفزعه وهم في الحقيقة جاءوا للغنيمة، أو أن أفراد الاستخبارات العسكرية وكتائب الظل والمجرمين والحرامية العاديين كلهم يرتكبون الجرائم في زي قواته، أو قوله إنه أعلن موافقته على لجان التحقيق الدولية وأنه مستعد للتعاون معها، بينما رفضها الجيش، وغيرها من الحجج التي يرددها هو ومستشاروه. بل يتوجب عليه إطلاق حملة تطهير ضخمة أهدافها الواضحة تنظيف قواته من المجرمين، والسيطرة على النهّابة والكسَّابة الخارجين عن سلطته. وإلقاء القبض على عناصر الاستخبارات العسكرية وغيرها التي يتهمها باستخدام زي قواته لارتكاب الجرائم باسم الدعم السريع لتشويه سمعته كما يزعم. عليه أن يقدم الإثبات للرأي العام على هذه الادعاءات. وعليه كذلك التقدم بخطة لاسترداد المسروقات وتعويض المتضررين. إن أي شيء أقل من تلك الإجراءات غير كاف لتغيير صورة قواته الشائهة في الأذهان الآن، رغم مواقفه السياسية المتناغمة مع ما يريده الشعب والمجتمع الدولي والإقليمي. أما الضيق والتبرم من النصيحة الذي أبداه بعض مستشاريه، فإنه يسير في الاتجاه المعاكس للحكمة، وإن سادت مثل هذه المواقف بينهم، فسوف تكلفهم وتكلف البلاد ثمنا أفدح مما هو حاصل الآن بكثير. إذ سوف تدخل بلادنا الثقب الأسود الذي ما منه خروج إلا من جغرافيا العالم كما أشرت سابقا. الله (يكضب الشينة). وينتقم ممن كان السبب.
#اللهم لا ترفع للكيزان راية ولا تحقق لهم غاية وأجعلهم للعالمين عبرة وآية. |
|
Post: #6
Title: Re: حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟ .. خراب سوبا. بقلم
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-09-2024, 08:14 AM
Parent: #5
كتب الباقر العفيف -عادل الباز: الإفلاس الفكري والسقوط الأخلاقيكتب الباقر العفيف -عادل الباز: الإفلاس الفكري والسقوط الأخلاقي
Quote: كتب الباقر العفيف -عادل الباز: الإفلاس الفكري والسقوط الأخلاقي
12:27 PM April, 08 2024 سودانيز اون لاين زهير ابو الزهراء-السودان مكتبتى رابط مختصر
الباقر العفيف 8 April, 2024
حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟.. خراب سوبا الباقر العفيف
الحلقة الثامنة
مقدمة: كتب عادل الباز تعقيبا على مقالي السابق لم يتناول فيه أي من القضايا التي نقدته فيها. ولم يشر لأي من الوقائع والحقائق التي ذكرتها. وضمن تلك الحقائق أنهم هم الذين صنعوا الدعم السريع، وهم الذين أشعلوا الحرب، وجيشهم هو الذي هرب من مدني أمام المليشيا وكشف ظهر أهلها. ولذلك، فهم لا يملكون أي مشروعية أخلاقية لإدانة أي شخص آخر واتهامه بأي تقصير مهما كان. فلا شيء يعدل الكوارث والنكبات التي تسببوا فيها. وعليه فإن نقدهم للآخرين لا يفهم إلا في إطار العقلية الكيزانية الضالة المضللة التي هي أشبه شيئا بتلك الأيدي التي سفكت دم الحسين، سبط رسول الله، وباتت تتساءل عن دم البعوضة، وما إذا كان يبطل الوضوء أم لا.
ترك عادل كل هذا وراء ظهره، وسلك طريق المفلسين باستهدافي شخصيا، واصفا نقدي له “بالشتيمة”، وأنه ينطلق من ضغينة شخصية ضده اجتهد ليتلمس أسبابها، مما انتهى به ليختلق قصصا من وحي خياله وينسبها لي كما سنرى. وحقا كما يقال فإن الأذكياء يناقشون الأفكار والعقلاء يناقشون الأحداث أما الكيزان (والأميون) فيتكلمون في الأشخاص. فهل حقا شتمتُه؟ وما هي الشتيمة؟ الشتيمة هي أن تعيب على شخص بعينه وباسمه نقصا في خَلقِه أو خُلقِه، وأنا أتحدى عادل أن يخرج لي من مقالي كلمة واحدة في حقه تقع في إطار هذا التعريف للشتيمة. بل الحقيقة تَرَكَّز نقدي له بصفته عضوا في منظومة إجرامية، ميتة الضمير، عديمة الإنسانية، “أذاقت السودانيين الأمرين وأحالت نهارهم إلى ليل”. وعادل لا يكتفي بعضويته لهذه المافيا وحسب، وإنما مع هذا نصَّب نفسه محامي الشيطان، وظل يرمي الآخرين بدائه وينسلُّ. وما كان لي أن أرى الحق يُداس عليه بالأرجل، والحقائق تقلب رأسا على عقب، والمنطق يُمَزَّق شرَّ ممزق، ثم أصمت، فأنا لست شيطانا أخرسا.
إذن الذي بيني وبينك يا عادل الباز ليس ضغنا شخصيا، قولا واحدا. بل بالعكس كنت أنطوي على قدر من الاحترام لك، وكنت أعدك ضمن قائمة من “الإسلاميين المعتدلين” الذين ينطوون على قدر من الموضوعية والاتزان مما يُمَكِّن من إدارة حوار معهم أمثال الدكتور الراحل الطيب زين العابدين، والدكتور خالد التجاني، والأستاذ المحبوب عبد السلام، والدكتور حسن مكي، وزوجته الدكتورة هويدة العتباني، والأخ الصديق أبو ذر الأمين، ومبارك الكودة قبل أن يرتد على آثاره قصصا، بعد الحرب، ويعود لمراحه. وبالفعل نظمت بمفردي ومع آخرين عددا من هذه الحوارات في الخرطوم ونيروبي وكمبالا. وما انتقادي لك في المقالين إلا من هذا المنطلق، وإن قِسَتْ كلماتي عليك، فلآنك أهنت الثورة والثوار في مقالك الأول وأهنت عقولنا في مقالك الثاني. ولولا أنني كنت أحترمك وآخذ كتاباتك مأخذ الجد لما أنفقت ثانية في القراءة لك خل عنك أن أنفق الساعات في الرد عليك، خاصة وأنا في هذه الحالة من اعتلال الصحة والتردد على المستشفيات. كنت ببساطة عددتك من عينة إسحق أحمد فضل الله، وأرحت نفسي منك.
إن الذي بيني وبينك يا عادل هو هذا الشعب الذي وهبكم الحياة فاستحللتم دماءه، والذي أطعمكم فجوَّعتموه، وعلَّمكم فجهَّلتموه، وأغناكم فأفقرتموه، وأخيرا دمرتم حياته وأعدتموه قرونا للوراء. فأنا لا أكتب انتقاما لنفسي، ولو كان هذا صحيحا، فلماذا صبرتُ عنك لعقد من الزمان؟ خاصة وآنت تحكي أحداثا ترتبط بإغلاق مركز الخاتم عدلان للاستنارة والذي حدث في آخر يوم من عام ٢٠١٢. فخلاصة الأمر هي أن حديثك عن أني “شتمتك” وحكايتك الكاذبة عن “طفلتي” ليس سوى محض احتيال منك لتروغ و”تزوغ” من الرد. لأنه ببساطة ما عندك رد. وعز عليك الاستسلام ورفع الراية البيضاء والاعتراف بأني “منطقتك”، أي حاصرتك بحجج لا تستطيع مقارعتها والفكاك منها.
مدخل السوء كان مدخل عادل على التعقيب عَلَيَّ (ولا أسميه ردا) مدخلا مُحَيِّرا. فقد كتب قائلا: “طبعا أنا لا أزعم أن الباقر العفيف مثلى…ولا شأن لي بذلك. فهو حر على كيفه.ولكن الردحي الذي خاض فيه بمقال الأمس عني يخلق من الشبه أربعين، ذكرني ردحي الجماعة الحلوين ديل.والشيء بالشيء يذكر.” انتهى. (الخطوط تحت الكلمات من وضعي).
فعندما قرأت عبارة “طبعا أنا لا أزعم أن الباقر العفيف مثلى”، ظننته يعني أنني لا أشبهه، أو كأنه يقول “الباقر ما زَيِّي أنا” وتوقعت أن أقرأ فضائل له تميزه عني في بقية الجملة. ولكن ما استقام لي المعنى في الجملتين التاليتين. ولما أكملت الفقرة أرجعت البصر كرتين، فانقلب إلى البصر خاسئا وهو حسير. فما الذي يريد عادل قوله لي عبر مدخله العجيب هذا؟ وما هي الرسالة التي يود إرسالها لي؟ هل يريد أن يقول لي (أنا “صعلوق وشرَّامي وبتاع شوارع” ومستعد أن أجرك معي لدرك سحيق إن لم تبعد عني وتتركني وشأني؟). هل يريد أن يقول لي (لا تصارعني فأنا خنزير وسألطخك بقذارتي التي سوف تؤذيك بينما أكون أنا مستمتعا بها؟). فإن كان ذلك كذلك أقول لك أمض يا صاحبي في طريقك الموحش هذا فإنك لن تعدو قدرك. و”قديما قيل كل إناء ينضح بما فيه”، أو “قل كل ينفق مما عنده”. فقد ظللت أصارعكم منذ صباي، وتعرضتُ لجميع صنوف إجرامكم وعنفكم وسوء أخلاقكم وبذاءة ألسنتكم. فأنا ما جئتُ للعمل العام جاهلا بضريبته، فقد أُعدِدتُ له، والحمد لله، على يد أعظم من مشى على أرض السودان، وأعظم من أوذي من بني وطنه، وأعظم من قدَّم نفسه فداء لبلاده. وقد ظل جهدي في الحياة منذ أن جلستُ عند قدميه، ألتمس إصلاح نفسي، هو أن ألحق ولو ببعض ذرات من غباره. فمهما انحدرتَ يا عادل ستجدني سامقا، وسوف لن تضرني إلا أذى.
التناقض البَيِّن يبدأ عادل حديثه بعد تلكم الافتتاحية العجيبة بتناقض بَيِّن. فهو يؤكد أنني شتمته “بدون أي مناسبة” ومع ذلك يذهب ليجهد نفسه في البحث عن أسباب لشتيمتي المدعاة. وواحد من تلكم الأسباب أنه كتب تحقيقا استقصائيا عن الأموال التي نهبتُها أنا من المنظمات الأمريكية وأنه تحداني أن أشتكيه في المحاكم، وأنني لذت بالصمت حتى الآن. فهو يقول:
“كانت المرة الاولى الذي يشتمني فيها غير العفيف قبل عام أو عامين وبدون مناسبة وجدت سيل من الشتائم ينهمر على رأسي فاحترت فى أمر الرجل إذا أن علاقتي به لم يشوبها أي توتر لسنوات خلت وقبلها كنت من المداومين على ندوات ونشاط مركز الخاتم عدلان”. (انتهى) الخط تحت الكلمات من وضعي.
وفي نفس الوقت يذهب للقول: ” ما لم ينساه غير العفيف انني كنت اول من كشف عبر تحقيق استقصائي نشرته في صحيفة الأحداث عن الأموال التي ينهبها من المنظمات الأمريكية لممارسة أنشطته المعلومة وتحديته وقتها أن يذهب بي إلى المحكمة لكنه لاذ بالصمت منذ ذلك التاريخ إلى يوم الناس هذا. هذه هي الأسباب التي جعلت غير العفيف هذا يخصني من دون خلق الله بمقالات وشتائم لا تتوقف”
وهكذا فهو يدعي بأني “شتمته” (بدون أي مناسبة) وفي نفس الوقت يورد ثلاثة أسباب يعترف بأنه بادرني فيها بالعداء والشتيمة، حيث اتهمني بنهب أموال الأمريكان. وبطبيعة الحال التناقض وعدم الاتساق من أبسط خلال الكيزان التي اكتسبوها من طول مرانهم في تجهيل الشعب واستغفاله والاستهانة بذكائه. إذ لا يعرفون الحوار الحقيقي الذي تُمَحَّصُ فيه الحقائق، وتُنقَدُ فيه الآراء. وإنما صنعوا حالة من التهريج والهياج المستمر الذي ظلوا يمارسون فيه جلافتهم لثلاثين عاما بينما حشودهم المُغَيَّبة تردد عبارة “الله أكبر” عقب كل جملة من السخف الذي يهيلونه على رؤوسهم. ثلاثون عاما من التحدث للذات أو ال monologue حرموا فيها الآخرين الحق في أن يكونوا آخرين، خل عنك أن يحاوروهم.
التقرير الذي لم يسمع به أحد أما ذلك التقرير الاستقصائي الذي يتحدث عنه فهو خبر جديد تماما بالنسبة لي، إذ لم أسمع به، ولم يقع في يد أي فرد من أسرة المركز، ولا في يد أحد أعضاء وعضوات جمعيته العمومية، ولا أي من أصدقاء المركز ورواده وهم بعشرات الآلاف. وعلى كل حال سوف أكون ممتنا جدا لو أعاد عادل نشر تقريره الاستقصائي ذلك مصحوبا بتحديه لي، حتى يستفيد القراء بأثر رجعي. وأعده بمناقشة ذلك التقرير إن مَكَّنَني منه. أما عن تحديه لي بالذهاب للمحكمة، إن صح تقريره الذي لم نسمع به ذلك، فأؤكد له منذ الآن أنه كان سيكسب التحدي، إذ بالتأكيد ما كنت سأذهب لمحاكم الإنقاذ التي يسرق قضاتها قطع الأراضي بالعشرات. كيف لعاقل يلتمس عدالة على يد قضاء ترأسه أمثال جلال الدين محمد عثمان، ويجلس على منصته أمثال محمد إدريس محمد تيتا، ومحمد الحسن حسين شرفي، وأبو سبيحة وصحبه من قضاة النار الذين جعلوا من القضاء مهزلة و mockery. خاصة بعد تجربتين لنا مع هذا القضاء الظالم. المرة الأولى كنا فيها مُدَّعين ضد مفوضية العون الإنساني، فاختفى فايل قضيتنا من أمام القاضي في الجلسة الثالثة دون علمه. لن ننسى منظر القاضي في تلك الجلسة وهو يُقلِّب في الملفات على دُرجِه بحثا عن فايل قضيتنا فلا يجده، ثم نادى على حاجب المحكمة الذي أخبره أمامنا بأن السيد رئيس القضاء أمر بسحب القضية وإرسال الفايل لمكتبه، مما حمل قاضينا على الضحك (وشر البلية ما يضحك). ثم هز كتفيه وقال مخاطبا محامينا الراحل كمال الجزولي: “آسف يا أستاذ لا أستطيع أن أنظر في قضية لا أملك ملفها”. فانفض سامر محكمتنا هكذا ببساطة. ولم يظهر الفايل إلا بعد ثلاثة أعوام بالتمام والكمال، بعد تغيير رئيس القضاء. أما في المرة الثانية فقد وقفنا مُتَّهَمِين بواسطة جهاز الأمن في القضية التي سيرد ذكرها أدنى هذا المقال. فهاتان التجربتان كفيلتان بأن تعلمانا أنه لا قضاء ولا عدالة تحت سماء الإنقاذ. وأن من له ظلامة مادية أو معنوية ليس أمامه في دولة الإنقاذ سوى أن يرفع يديه للسماء راجيا أن يريه الله قدرته في الإنقاذ ورجالها ونسائها. وكما قال البشير في واحدة من لحظات صدقه النادرة “لقد أصابتنا دعوة مظلوم”، وما أكثر المظاليم في عهدكم الكئيب.
الرواية الكاذبة قال عادل ما يلي: في منتصف ليل الخرطوم حين كنا نغلق أبواب صحفنا والجوع يأكلنا كنا نذهب لنمرة ٢ والعمارات، في ذات يوم منتصف الليل ذهبت إلى فندق لوزامين (يعني ليزامين) بسوق العمارات وطلبت عشاء وقبل أن افرغ من الأكل رأيت الباقر العفيف يجلس وطفلة صغيرة تتكي على كتفه وتدخن الشيشة بشراهة وهو ايضا يمسك بشيشته فأدهشني المنظر و استاءت ان اجد مدير مركز الاستنارة في الوضع مع طفلة وفي ذلك الوقت فاريت ان اسلم عليه واعود لطاولة العشاء وفعلت وبعد قليل وقفت وندهت عليه بعيدا عن الطفلة.. فقلت له.. ياستاذ هذه طفلة كيف تسمح لنفسك أن تصطحب طفلة لفندق منتصف الليل لتدخن شيشة…. هل ترضى ذلك لطفلتك؟…فقال انها طفلتي….فصعقت… (هذا أسوأ مما كنت أظن) وبعدها حاضرني فى الحريات الشخصية….أسمعته بأدب مايليق به….ومن يومها عرفت ان هذا الرجل فعلا غير عفيف ولا يرجى منه.”!! (إنتهى).
فماذا عساي أقول عن هذه الرواية سوى أنها كاذبة ومختلقة بنسبة مائة في المائة؟ وإنها لا تشبهني من قريب أو بعيد؟ بل ويدرك كل من عرفني عن قرب أنها كاذبة من أول وهلة. وسأبدي ملاحظة على النص نفسه ربما تفوت على الكثيرين. نلاحظ أن عادل بدأ حديثه بضمير المتكلم بالجماعة يقول (والجوع يأكلنا) و(كنا نذهب). أما في اليوم الذي “قبضني” فيه red handed تحول لضمير المتكلم المفرد فقال (ذهبتُ) ولم يقل (ذهبنا) فأين ذهب زملاؤك الجوعى؟ هل تفرقتم في باب الصحيفة وذهب كل واحد منكم يبحث عن طعام بمفرده؟ أم أن هذا احتياط واجب حتى لا تطالب بشهود؟
عادل ودور المطاوعي وعلى كل حال فما دمت حشرت أنفك في شؤون أسرتي الخاصة، وزعمت بأنك قمت بدور المطاوعي وأسمعتني بأدب “ما يليق بي”، والحمد لله أنك لم تقل بأنك أخرجت سوطك وجلدتني كما كان يفعل مطاوعة السعودية. دعني أحدثك قليلا عن هذه الأسرة. إنني يا صاحبي أعيش وفق فلسفة حياة متكاملة وتصور للكون ومعنى الوجود ودور الإنسان فيه. وقناعتي هي أن حياة الفرد ما هي إلا مضمار للبحث عن ذاته والعثور على جوهرها الإنساني الخَيِّر. وأن أهم آليات ذلك هو تقريب الشقة بين الفكر والقول والعمل، وبين السيرة والسريرة، وبين لسان الحال ولسان المقال. وأن التربية الحقيقية إنما تكون بالنموذج لا بالقول. ورد في الحديث النبوي الكريم “دينك دينك يا بن عمر. ولا يغرنك ما كان مني لأبويك. خذ ممن استقاموا ولا تأخذ ممن قالوا”. جاءت أسرة حديثة التكوين بباكورة انتاجها للأستاذ محمود محمد طه، وقدمت له طفلها قائلة “يا أستاذ انصحنا في تربيته”؟ فقال لهما “ما تغلطوا قدامه”. وهذا تلخيص، في ثلاث كلمات، لآلاف المجلدات من كتب التربية وعلم النفس. وبالرغم عن أن الفرد لا يربي أطفاله وحده، وإنما تنافسه في تربيتهم عناصر أخرى مثل البيئة التي يعيشون فيها متمثلة في ثقافة المجتمع والمدرسة والتلفزيون والسينما وخلافه إلا أن الله وفَّقَنا في أن نجعل أطفالنا يعزفون عن الكثير من الممارسات والعادات الضارة بالصحة. فهم يعزفون حتى عن المشروبات الغازية والوجبات السريعة مثل ماكدونالد وبيرقر كنج، خل عنك الشيشة. فأنا يا عادل لا أدخن الشيشة وأطفالي لا يعرفون حتى معناها، بل إنها ليست ضمن قاموسهم اللغوي. فقد ولدوا وترعرعوا في بلد لا تمارس مجتمعاتها الشيشة، بل أن الكثيرين منهم لا يعرفونها.
إثبات كذب الرواية موضوعيا ولنترك الحديث عن الذاتي جانبا، فقد يقول قائل “أنها كلمتك بإزاء كلمته”، ودعني أثبت كذب روايتك من الناحية الموضوعية. أنا شخصية عامة، أو قل ناشط في العمل العام. أعمل في بيئة معادية. وأقود مركزا مُؤسَّسا على قيم ومفاهيم تتناقض تناقضا جذريا مع دولة الإنقاذ. وأنا وزملائي نعلم تمام العلم أن جهاز الأمن يتربص بنا ويراقبنا عن كثب ويحاول تفجيرنا من الداخل ليبدو ذهابنا طبيعيا لا دخل لهم به. وأنه حاول اختراقنا ثلاث مرات: مرة عن طريق الحارس، ومرة عن طريق المحاسب، ومرة عن طريق أحد مديري المشروعات. وقد فشلت كل هذه المحاولات فشلا ذريعا. وجاء كل من هؤلاء مبلغا الإدارة بما حدث له في اليوم التالي. وكنا في كل مرة نعقد اجتماعات فورية لكل أسرة المركز تُسمَع فيها الروايات وتجري مناقشتها بعمق، ومن ثم نضع الخطط للتعامل المستقبلي معها. وضمن تلك الخطط التدريب بواسطة خبراء في الأمن الشخصي والسيبراني. ولقد استدعاني جهاز الأمن عددا من المرات وفعل نفس الشيء مع قادة المركز الآخرين. وداهمنا عديد المرات. واستخدم مفوضية العمل الإنساني لتضايقنا باستمرار. أما المحاولات العديدة والمتنوعة للإيقاع بي شخصيا عن طريق بعض النساء اللائي يستخدمهن جهاز الأمن ك honey pots، كما يجري التعبير الإنجليزي، أي جرار عسل، للإيقاع بضعاف النفوس من الشخصيات العامة بغرض ابتزازهم، فهذا فصل كامل لو شرعت في الكتابة فيه لأنهكني قبل أن أفرغ منه.
فهل تعتقد أننا أفشلنا كل تلك المؤامرات والمخططات صدفة وبضربة حظ؟ أم أننا كنا مستعدين لها عن طريق التدريب المستمر، والتأهيل المكثف، واليقظة، وأخذ الحيطة والحذر؟ وقبل ذلك وبعده بتكامل الشخصية. أي بالصدق والمبدئية وقوة الأخلاق. أو ما يعرف عند الخواجات بال integrity. لقد كانت قاعدتنا الذهبية هي المثل الشعبي المصري “أمشي عِدِل يحتار عدوك فيك”. وبالفعل فقد حََيَّرنا جميع أعدائنا فينا، وذهبوا جميعا لمزبلة التاريخ وبقينا نحن هنا تحقيقا لقوله تعالى “وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”. إن مثلي يا عادل لا يُمَكِّن أعداءه فيه، خصوصا إذا كان دارسا لهم، وعالما بطرائقهم الخبيثة ورقة دينهم وانعدام أخلاقهم.
وحديث عن قانون النظام العام ودعني أعطيك نموذجا على سبيل المثال. إن من ضمن أعمال المركز برنامج لمقاومة قانون النظام العام. حلَّلْنا هذا القانون التافه، الذي لا يمكن أن يخرج إلا من عقول مجرمة ونفوس مظلمة، من النواحي القانونية والثقافية والدينية والاجتماعية. ونشرنا فيه كتابا عنوانه “قانون النظام العام وصياغة المجتمع بالسوط”. وكنا أجرينا مقابلات مع عشرات النساء اللائي تعرضن للتوقيف وفق هذا القانون من جميع الطبقات. بينهن مهنيات، طبيبات، ومهندسات، وأستاذات في الجامعات، وموظفات في القطاع العام والخاص، وناشطات في العمل المدني والحقوقي، وطالبات، وعاملات أجنبيات في المطاعم والمقاهي، وبائعات الأطعمة والشاي، إلى جانب بعض المحامين والمحاميات ممن تولوا وتولَّيْن الدفاع عن بعض هؤلاء الضحايا. في تلك المقابلات أجمعت النساء والفتيات، دون أي استثناء، أنه إما جرى التحرش بهن بواسطة رجال البوليس والنيابة، وأنهن كن يُساوَمن في شرفهن لقاء إطلاق سراحهن، أو عدم سوقهن لقسم الشرطة حيث سيقضين الليل فيه، وهن بطبيعة الحال يعرفن جيدا ما يعني ذلك بالنسبة لهن. أو أنهن كن شاهدات على سلوك هؤلاء الناس تجاه الضحايا. وإن أنسى فسوف لن أنسى تلك المرأة البسيطة من بائعات الشاي وهي تروي حكايتها حيث قالت: جاتنا الكشة. وشالونا بالدفار. كنا كتيرات. ودونا القسم. بعد شوية قسمونا كومين، الصغار والسمحات براهن. والكبار والشينات براهن. ديك ساقوهن وين الله أعلم، وفضلنا نحن. أنا ضربت لأخوي شغال في البوليس، جاء مرقني. مشيت اشتريت عدتي منهم ورجعت.
فهل يعقل لشخص يملك كل هذه المعلومات المُوَثَّقة ومع ذلك يذهب بطفلته القاصر لمكان عام يقدم الشيشة؟ وهي بالتحديد نوع الأمكنة التي ترتادها هذه العينة من الذئاب البشرية التي تخرج كل ليلة تبحث عن فرائس تتسلى بها بقية الليل؟ هل يعقل أن يُعرِّض إنسان عاقل نفسه وطفلته لمثل هذه التجارب في بلد ينعدم فيه الأمان، يحكمه Thugs ويدير أجهزة إنفاذ قوانينه الفاسدة ثلة من أراذل البشر وأسافلهم؟ دولة يتحكم فيها عقائديون يظنون أن لهم ولاية طبيعية على الناس؟ فإذا كان شخص مثل عادل الباز الذي أطنب د. مجدي الجزولي في إطرائه ككوز طيب، يرفق بالناس خارج إطار مجتمعه الكيزاني، ويفتح لالأبواب المغلقة لمفكرين كبار مثل الحاج وراق، (طبعا فات على الدكتور التفطن لمسألة اليد العليا واليد الدنيا، والفرق بين أن يكون لك حق وأن يتفضل عليك أحد بفضل. وأن ثناءه على عادل شبيه بثناء العبيد على السيد الطيب (المترفق بعبيده). the good master. فإذا كان عادل (هذا الكوز الطيب) يعطي نفسه الحق بالوصاية على الآخرين، ويتدخل في حياة وتصرف شخص آخر (حتى وإن كان مُتُخَيَّلا) لا يقل عنه تعليما، ولا عقلا، ولا مسؤولية، ولا التزاما بالقيم الإيجابية لمجتمعه، وينزع منه ولايته على بنته القاصر، ويُقَرِّعه ويسمعه “بأدب ما يليق به”، فماذا كان سيفعل به الكوز الشرير،the bad one خاصة من ناس الفاقد التربوي وصعاليك النظام العام وذئاب الشرطة والنيابة؟ أترك الحكم للقراء. وأتركك حيث أنت في دركك هذا السحيق.
فريَْة تمويل المثليين يقول عادل: “كنت من المداومين على ندوات ونشاط مركز الخاتم عدلان بل كنت من الذى دافعوا عنه وسعوا مع دكتور عبد الله على ابراهيم لإعادة المركز للعمل حين أغلق. واذكر انني ذهبت للفريق محمد عطا أدافع عن حق مركز الخاتم فى مواصلة ممارسة نشاطه وقال لي انت لا تعرف حقيقة هذا المركز فقلت له.. لي بالظاهر.. أنا أتابع نشاطه الثقافي….فقال لي طيب نحنا متابعين أنشطته الأخرى فخلينا نشتغل شغلنا وأمسك عن الكلام. لم أصدق الفريق محمد عطا وقتها إلى ان جاءت حادثة أروى الربيع مديرة المركز التي زجت بها بعض أنشطة المركز التي لم تكن تعلم عنها شيئا في غياهب السجون ثم تكشفت علاقة ذلك المركز بتمويل المثليين….وبعض ما كشف عنه محمد خير فى تسجيلاته المدوية وما خفي أعظم!!.اذكر أن السيد الفريق عطا التقاني بعد ذلك ساخرا قال لي عرفت قصة اصحابك الذين تدافع عنهم.. فأطرقت رأسي وذهبت.
إن الزعم بأن مركز الخاتم عدلان يمول المثليين كذبة مدوية أخرى. وتكشف عن مفاهيم الرجل العجيبة. أولا، من الواضح أنه يعتقد أن مجرد إيراده لكلمة “المثليين” مرتبطة باسم المركز يكفي لسحق سمعة المركز وسمعتي شخصيا. وثانيا، هو يتحدث عن “تمويل” المثليين دون أن يساعدنا بإشارة للهدف من ذلك التمويل. يعني نمولهم ليعملوا شنو؟ فمثلا هل يحتاج المثليون للتمويل ليمارسوا المثلية؟ وثالثا، هو يستشهد بمحمد عطا، مدير جهاز الأمن، وينتظر أن يصدقه الناس. والله إن هذا لهو العجب العجاب. دي فاتت حكاية (الكلب شاهده ضنبه) لي غادي. يعني ما لقيت ليك شاهد غير زول يترأس واحد من أنجس وأكذب الأجهزة التي مرت على السودان عبر تاريخه الطويل؟ جهاز “شغلانيته” الكذب والفبركة والتضليل. جهاز عنده اختصاصيين في الاغتصاب، وظل رؤساؤه يكذبون ويتحرون الكذب حتى كتبوا عند الله كذابين. ومن يكتب عند الله كذابا يكذب وإن أراد الصدق. أي يصبح لسانه منطبع على الكذب pathological liar. هل نسيت كذبة قوش عن الفتاة التي أخرجت بندقية الخرطوش من شنطتها وأطلقت النار على د. بابكر، الطبيب الشهيد؟ أم نسيت كذبة مدير شرطة ولاية كسلا عن مقتل الشهيد المعلم أحمد خير الذي زعم بأنه تسمم بعد أن أكل فولا فاسدا؟ الفاسد الفول وللا إنتو يا شياطين الإنس؟ والله إن أمركم يُحيِّر الشيطان ذاته. ورابعا، لماذا لم تشاورني أنت ورفيقك د. عبد الله علي إبراهيم قبل أن تتوسطا لي عند محمد عطا؟ أم أضمرتما مفاجأتي بذلك وظننتما أني سأسعد بتلك المفاجأة السارة؟
وفي الرد عليك أقول أولا، نحن لم يحدث أن عملنا مع المثليين قط. وأنا حينما أنفي ذلك ليس لأنني أعتقد مثلك أن العمل مع المثليين شيء مشين يجب أن نتوارى منه خجلا. لا. ولا كرامة. وإنما لأن هذه هي الحقيقة. وحتى أكون واضحا فمعلومتك التي أوردتها منسوبة لمحمد عطا ومحمد محمد خير معلومة خاطئة ومصادرها مشبوهة وعديمة المصداقية. ولو كان لنا برنامجا للعمل مع المثليين لكنا أعلناه مثلما ظللنا نعلن عن بقية البرامج. فالمثليون بشرٌ خلقهم الله تعالى ولم يخلقهم الشيطان، أو إله آخر يشارك الله ملكه. وهم لهم حقوق أساسية، أعطاها لهم الله بحكم أنهم بشر. هذه الحقوق الأساسية، مثل الحق في الحياة والحق في التعبير عن الحياة، أي الحق في الحرية، توصف بأنها حقوق غير قابلة للتصرف unalienable. ولذلك يجب أن يتمتع بها جميع البشر بغض النظر عن ألوانهم، وأديانهم، ولغاتهم، وطبقاتهم، ونوعهم من ذكر وأنثى، وميولهم الجنسية. أم لعلك ترى أن المثليين يجب أن يُبادوا أو يُستباحوا لمجرد أنهم مثليون؟ اسمعه يقول “فأطرقت رأسي ومشيت”. يا سلام. يعني الرجل خجل نيابة عني. وأمام من؟ أمام محمد عطا، واحد من أجرم الشخصيات التي أنتجتها الإنقاذ. لا حول ولا قوة إلا بالله. فبالله عليك من هو الأحق بالخجل والتواري عن الأنظار؟ ومن هو الأحق بأن يتمنى على الأرض أن تنشق وتبلعه” أكثر من محمد عطا ومنكم يا كيزان السجم الذين لا ترون عوجة رقبتكم؟ هل تسبب “المثليون” في إشقاء السودانيين وطحنهم وتشريدهم في الآفاق؟ هل اغتصبوا السودانيين والسودانيات في بيوت الأشباح؟ هل دقوا مسمارا في رأس طبيب؟ هل حشروا سيخة في دبر معلم؟ هل سفكوا دماء السودانيين وقطعوا أرزاق الملايين منهم؟ ويعلم الله أن أحقر مِثْلِيٍ في حواري الخرطوم وأزقتها لأشرف قدرا عند الله منكم يا كيزان.
ومهما يكن من أمر، فالشاهد أننا لا نعمل مع المثليين. لأن هذا ليس من ضمن “مانديت” المركز. فالمركز لا يعمل بصورة عشوائية وإنما وفق استراتيجية محددة سلفا ومجازة بواسطة جمعيته العمومية وهو لا يخرج عنها إلا بالعودة لتلك الجمعية العمومية. هل كنت سأقبل الوساطة لدى محمد عطا؟ ثانيا، في الرد على مسألة الوساطة هذا، أجد نفسي مضطرا للمرة الثانية للحديث عن عملي وقيمي الهادية في الحياة. فقبل عودتي للسودان في العام ٢٠٠٧ لتأسيس المركز، كنت أعمل في منظمة العفو الدولية. كنت ضمن مئات العاملين في الأمانة الدولية يعملون على مدار الساعة في حماية حقوق الإنسان في كافة أرجاء العالم. وضمن مهامنا في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أننا كنا نثقف الناس في حقوقهم وكيفية ممارستها وحراستها. وعندما عدتُ لبلادي بعد سبعة عشرة عاما من المنفى وأسستُ مركز الخاتم عدلان كنت أمارس نفس المهام ألا وهي تثقيف الشباب والنساء وغيرهم من قطاعات المجتمع في حقوقهم، كمواطنين، ليمارسوها كاملة غير منقوصة ويحرسوها من تعدي السلطات عليها. ومن البداهة أن أفعل ذلك بنفسي، وأن أمارس حقوقي كاملة غير منقوصة وأن أسهر على حراستها من التعدي عليها بكافة السبل القانونية والإعلامية المشروعة. إذن فأنا لم أجيء ضيفا على محمد عطا في إقطاعيته التي ورثها عن آبائه ليتفضل عليَّ بالعمل أو يحرمني أعطياته. وإنما جئت كمواطن صاحب حق لا يقل عن محمد عطا أو أي كوز آخر. وقد كان شعارنا الذي نسير على هداه هو “إما عندي حق أمارسه كاملا، أو لي حق مسلوب أناضل لاستعادته كاملا”. ويشهد زملاؤنا في المجتمع المدني أننا لم نمضغ كلماتنا، ولم نهادن، أو نطأطي الرأس قط أمام جهاز الأمن أو مفوضية العون الإنساني. وأننا اخترنا طريق المواجهة على طول المدى حينما كان بعض زملائنا في المنظمات الأخرى ينحنون لعواصف الإنقاذ خشية الإغلاق. ولو كنتُ “بتاع وساطات” لكنتُ سلكتُ طريقا أقرب من طريقك، وربما كان أنجع. فمحمد عطا يتحدر من الجزيرة أرتل، وهي جزيرتنا ومسقط رأس أبي، ويعمرها الآن أبناء عمومتي وأسرتي الممتدة، وكان من الممكن توسيطهم، خاصة وهو كان يتوق لسندهم القبلي شأنه شأن كل قيادات الإنقاذ الذين أحيوا القبلية وجعلوها سندهم في صراعاتهم الداخلية وتنافسهم على المناصب والغنائم والسرقات. فأنا يا صاحبي لست ممن يقبل الدنية في مواطنته. ولو شاورتني لكنت قلت لك هذا بأدب حقيقي غير مُدَّعىً.
لماذا لم يضمن جهاز الأمن تمويل المثليين ضمن تهمه ضد المركز؟ ثالثا، أراك أتيت على ذكر زميلتنا الأستاذة أروى الربيع ظنا منك أن ذلك يكسب روايتك المهلهلة بعض المصداقية. والحقيقة أن الأستاذة أروى أُعتُقِلت ضمن جميع العاملين بالمركز سودانيين وأجانب، رجالا ونساء، ومعهم ضيوفهم الذين جاء بهم حظهم العاثر في ذلك اليوم. وبعد نحو أسبوعين من الاعتقال أطلق سراح الأستاذة أروى مع زميلة أخرى. وبعد نحو شهر أطلق سراح بعض الضيوف. وأطلق سراح دفعة أخرى بعد ثلاثة أشهر. ولم يبق سوى ثلاثة زملاء، منهم إثنين من موظفي المركز وثالثهم الأستاذ مصطفى آدم مدير منظمة الزرقاء. هؤلاء الثلاثة وُجِّهت لهم تهم التجسس، وتقويض النظام الدستوري، وشن الحرب ضد الدولة، وتكوين منظمة إرهابية، ولم تكن ضمن هذه التهم “تمويل المثليين”. وعندما عجز جهاز الأمن عن إثبات أي من هذه التهم الكبرى، أضاف لهم القاضي الإنقاذي من “عندياته” تهمة جديدة (لنج) تتعلق بالنشر الإسفيري وأدانهم بموجبها خوفا من، أو طمعا في، جهاز الأمن. ولم ترد كلمة “مثليين” طيلة المحاكمة التي استمرت أشهرا علما بأن المُدَّعِي علينا هو جهاز الأمن. فلماذا لم يُضَمِّن محمد عطا تهمة “تمويل المثليين” مع قائمة اتهاماته ضد المركز؟ ولماذا عجز عن كشف معلوماته عن أعمالنا السرية للمحكمة؟ تلك الأعمال التي تزعم أنت أن المديرة الإدارية للمركز لا تعلم عنها شيئا. أما كيف يعقل ذلك؟ والله لا أدري. اللهم إلا إذا أمكن أن يقوم عادل بأعمال سرية في جريدته لا يعلم عنها مدير تحريره شيئا. فلو صدَّق الناس أن هذا ممكن في حقه فليصدقوا أنه ممكن في حقنا. والسؤال الذي يلاحق عادل وشاهديه الكذوبين، محمد عطا ومحمد محمد خير، هو لماذا أصاب محمد عطا وجهازه البكم فصمت عن “تمويل المثليين” طيلة المحكمة وجاء ليقولها لك أنت بمفردك؟ وانت صدقته على طول وطأطأت رأسك أمامه وانصرفت حزنان أَسِفا. وكأن محمد عطا أحد القديسين التوابين الأوابين الذي كان في صباه يُسمَّى الأمين، وليس مجرد مجرم حقير ولعين. غايتو جنس كذب وفبركة وتمثيل. “الله لا كسبكم” على قول الدكتور الترس مرتضى الغالي. الخاتمة: وخير خاتمة أختم بها هذا المقال هو دعاء الشعب عليكم: اللهم لا ترفع للكيزان راية. ولا تحقق لهم غاية. واجعلهم للعالمين عبرة وآية. |
|
|
|