مقال سوف يبكيك اذا قراته بقلم د. هادية حسب الله و ان لم تبكي تحسس مشاعرك

مقال سوف يبكيك اذا قراته بقلم د. هادية حسب الله و ان لم تبكي تحسس مشاعرك


06-16-2023, 01:41 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1686876075&rn=0


Post: #1
Title: مقال سوف يبكيك اذا قراته بقلم د. هادية حسب الله و ان لم تبكي تحسس مشاعرك
Author: Amina Saeed
Date: 06-16-2023, 01:41 AM

01:41 AM June, 15 2023

سودانيز اون لاين
Amina Saeed-Sudan
مكتبتى
رابط مختصر



كتبت د. هادية حسب الله...


شهران من الغضب والحزن الكبير، توسدنا صوت المدفعية وتيقظنا على صوت طيارات الميج، والانتنوف، واحيانا السوخوى. صرنا نميز طائرة الاستكشاف ونتراهن حول الجهة التى ستنطلق منها مضادات الطيران. تعلمنا ان نميز اتجاهات قنابل الهاون ونعلم الفرق بين صوت المدفعيات المختلفة.
تحملنا كل الاصوات المفزعة الا اننا فزعنا ونحن نستمع لصوت تهشيم اقفال بيوت الجيران، ذلك الصوت الذى سلبنا كرامتنا وعزز شعورنا بقلة حيلتنا. تهامسنا خوفا داخل بيوتنا من ان يكتشفوا تواجدنا ولم نتمكن من ردعهم عن البيوت. فبكينا.

تسللنا لسطوح منزلنا بحثا عن اشارة لشبكة الانترنت فتعز علينا فى الاغلب رغم مخاطرة الرصاص المتناثر حولنا.احتفظنا بمياه غسيل الاوانى وقمنا بتصفيتها لنعيد استعمالها لتمرير الحمامات. لم نكن نستطيع الاستحمام غالب الوقت فالماء القادم بصعوبة من آبار بعيدة لا يكفى اكثر من غسل الاوانى واستخدامات الحمام التى اختصرناها فى غسل الوجه واحيانا تشطيف الايدى والارجل. اما الوضوء فكانت احجار التيمم بديلا له غالب الوقت. (غسلت شعرى مرتين فقط طوال الشهرين. اكتفيت بتعطيره عندما كانت تفوح منه رائحة تزعجنى).
قمنا بغلى المياه التى نجلبها من الآبار فزادت ملوحتها، كل فترة واخرى يصاب أحدنا بوجع بالكلى او بالقارديا بسبب الماء الملوث. اكتفينا باكل المكرونة والرز بل سعدنا بعمل خبز منزلى. تقلصت وجباتنا لوجبة وحيدة بعد العصر نحاول فيها الابقاء على حيواتنا وعافيتنا.

انقطعت الكهرباء ففقدنا كل مخزوننا من اجبان او لحوم. ولم تعد هناك اى خيارات. كانت النهارات قااائظة الحر والليالى طويلة بباعوضها وعرقها ودموعها وصوت معاركها المجنونة التى لاتنام. عشنا بالظلام غالب هذه المدة، كانت أعظم النعم لمبة تشحن بالطاقة الشمسية كان كل منا هو الاحرص على رفعها صباحا لشحنها بالشمس فدونها ستقتلنا كآبة الظلام. نتحلق حولها ونستمع لاخبار الحرب من احدنا الذى لازال هاتفه يعمل، او الذى كان محظوظا بشحنه من بطارية العربات. تلك البطاريات التى حافظنا على حياتها بالمغامرة بحياتنا. اذ كنا نقوم بتشغيل العربات تحت رقابة مشددة ونتوسلها الا تصدر صوتا عاليا يكشف عن وجودنا. كان لابد من وجود ثلاثة منا : اثنان للمراقبة واخر للتشغيل. نقف نراقب من السطوح ونحن منكسى الرؤوس هامسين. ونلقى بحصاة اذا اقتربوا منا فنصمت نحن وعرباتنا.

شهران ما شعرنا فيها بسوء وضعنا لان سوء حال البلد اكبر. لم نستسلم لألم جسدى فوجعتنا أعمق. شعرنا ان وجودنا داخل منزلنا هو شكل من اشكال المقاومة وكان هذا به تطبيب لجرح عجزنا الشديد.

للأسف اضطررنا لترك منزلنا بعد كل هذا الوقت، عندما صارت المدافع اكثر من البيوت.اذ كنا البيت الاخير بشارعنا المأهول. وصار وجودنا مستحيلا عندما نضبت البئر قربنا.وهجر البيوت آخر شباب لجنة المقاومة الصامدين والذين كانوا يعينوننا على توفير مياه الشرب.

أخرجنا من بيوتنا عنوة وطعم اكثر ملوحة من ماء البئر يملأ فمنا. وشعور بالغضب والاذلال.

لم نبكى لماتركناه من كل ممتلكات ونحن نعلم يقينا انها ستنهب فقد شهدنا على النهب ورأينا خلف نوافذنا الكثير.
ولكنا بكينا ونحن نكتشف اننا كنا فى تل من الدمار الذى لا يوصف ، جثث محترقة ومنهوشة من قبل الكلاب. بيوت محترقة وعربات ومحلات منهوبة لم تسلم زريبة حطب ولا دكان بصل فقير. كل البضائع بالارض. كل البيوت منتهكة مفتوحة الابواب. خرجنا من مدينة بحرى ونحن نشعر بمهانة عظيمة، شعر بها الاف الذين سبقونا للخروج الحزين.

ستظل هذه الشهور هى الاسوأ بذاكرتنا ولن يمحو قبحها الا الرجوع الجميل المنتصر للافضل فينا. ومحاسبة المجرمين والقتلة خلف هذا الدمار.

دون ان اشعر فقدت كل تماسكى ودخلت بهستيريا بكاء ونحن باطراف بحرى. فجر بكائى شاب لطيف أشار لنا بيديه الاثنتين بالدعاء( تصلوا بالسلامة الله يحفظكم) ريفى بسيط ينتظر بالطريق توصيلة لا يعرفنا ولا نعرفه ولكنه طيب كغالب شعبنا المحب "لدرب السلامة" المتفائل ان درب السلامة للحول(للعام) قريب. فمهما طال الاذى ستنقذنا هذه الطيبة الاستثنائية.

ستنجو الخرطوم وسنعود.

وساعود لزيارة قبر أمى وأحكى لها عن النجاة المجيدة لشعبنا العظيم.
منقول