هل يمكننا ترشيد الدور الذي يلعبه الجيش السوداني في الإقتصاد

هل يمكننا ترشيد الدور الذي يلعبه الجيش السوداني في الإقتصاد


03-02-2023, 06:28 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1677778091&rn=1


Post: #1
Title: هل يمكننا ترشيد الدور الذي يلعبه الجيش السوداني في الإقتصاد
Author: عبد الوهاب السناري
Date: 03-02-2023, 06:28 PM
Parent: #0

05:28 PM March, 02 2023

سودانيز اون لاين
عبد الوهاب السناري-نيروبي
مكتبتى
رابط مختصر



تتميز مصر والجزائر وميانمار وباكستان وزمبابوي والسودان بتحكم الجيش في الإقتصاد. ولا غرو أن جميع هذه الدول تعاني من إقتصاديات منهارة بسبب هذا التحكم والذي يحد من منافسة القطاع الخاص لأي مجال إقتصادي يطرقه الجيش. ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها نفوذ الجيش الذي يتسبب في إعفاء المواد التي تنتجها أو تتاجر فيها المؤسسة العسكرية من الرسوم والجمارك والضرائب. كما أن الجيش يوظف موظفيه الذين تدفع الدولة رواتبهم ويستغل آلياته التي اشترتها الدولة وتدفع تكلفة تسيرها. ويتسبب ذلك في عدم مقدرة القطاع الخاص على منافسة الجيش وخروجه من أي مجال إقتصادي يدخل فيه الجيش مما يؤدي إلى احتكار الجيش لذلك المجال ومضاعفة أسعار المبيعات لاحقا وجني أرباح كبيرة. وقد أتقنت الجيوش لعبة التحكم هذه إذ أنها تنتج أو تستورد السلع التي تريد التحكم فيها وتعرضها في الأسواق بأسعار زيدة بحجة دعم المواطن الضعيف، ويتسبب ذلك في خروج القطاع الخاص من التعامل بتلك السلعة واحتكار الجيش لها. وشيئا فشيئا يستمر الجيش في التحكم في العديد من أوجه الإقتصاد، واحدا تلو الآخر، باسم رفع المعاناة عن الشعب.

لكن لماذا يسعى الجيش للتحكم في الإقتصاد في المقام الأول؟ بالطبع يستغل الجيش بعض هذه الأموال للتشبث بالسلطة مستخدما في ذلك العديد من الوسائل، منها قمع والمساعدة في قمع الثورات والمعارضين وشراء الذمم لإجهاض أي تحول ديمقراطي. أما الجزء الأكبر من تلك الأرباح فتصرف على الجنود والضباط لكسب تأيدهم وولائهم لقادتهم والذين بالطبع يقبعون على رأس هذه الشركات الاقتصادية ويجنون منها الثراء الفاحش.

ويخشى قادة الجيش وضباطه وجنوده على حد السواء من أي تحول ديمقراطي، ليس فقط لأن ذلك يفقد القادة القابعين في السلطة مناصبهم، بل لأنه أيضا يفقد الضباط والجنود الحياة الرغدة الرخية التي يتمتعون بها في ظل النظام العسكري.

لقد أثبت انقلاب ٢٥ أكتوبر والمشاورات الجارية حاليا أن الجيش سيتشبث بالسلطة في السودان ويستمر في أفشال أي تحول ديمقراطي حقيقي، أسوة بما يحدث اليوم في مصر وميانمار، أو أن يبتدع نظاما شبه ديمقراطي يمكنه من مواصلة التحكم في إقتصاد البلاد، أسوة بما يحدث اليوم في باكستان وزمبابوي والجزائر.

فهل من وصفة تضمن التحول الديمقراطي في السودان من دون أن يجهضها الجيش؟ تكمن هذه الوصفة في مواصلة الجيش في المجالات الاقتصادية التي لا تضر بمشاركة القطاع الخاص واقتصاد البلاد. يملك الجيش السوداني حوالي ٢٠٠ شركة يعمل بعضها في الصناعات العسكرية والصناعات الثقيلة الأخرى، ويعمل البعض الآخر في مجالات البنية التحتية، أما الجزء الأكبر من هذه الشركات فتقع ضمن اختصاص القطاع الخاص. ويكمن الحل في الآتي:
إستمرار الجيش في امتلاك وإدارة الصناعات العسكرية بحكم أهميتها الاستراتيجية للدولة على أن تعفى هذه الشركات من كافة الرسوم مقابل إشراف السلطات التنفيذية والتشريعية العليا عليها وأن تتصف بالشفافية وتخضع للمحاسبة والمراجعة.

أما الصناعات الثقيلة فيمكن تصنيفها من قبل السلطات التنفيذية والتشريعية العليا حسب قيمتها الاستراتيجية، لتعامل معاملة شركات الصناعات العسكرية أو مثل بقية الشركات والتي سنتطرق إلى طريقة التعامل معها لاحقا.

أما شركات البنية التحتية فيمكن للجيش الإستمرار في ملكيتها وإدارتها شريطة أن تعامل معاملة الشركات الخاصة الأخرى، سواء أن كانت عالمية أو محلية. ويمكن للجيش المنافسة في هذا المجال لما يملكه من طاقات بشرية كبيرة وآليات ومركبات متنوعة. يقدر عدد أفراد كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وبقية الحركات المسلحة الأخرى بحوالي ١٠٠ - ١٥٠ ألف فرد لكل فئة. فإذا تم دمج قوات جميع الحركات المسلحة في الجيش فسيتراوح عدد أفراده بين ٣٠٠ إلى ٤٥٠ ألف ضابط وجندي. وستكون الغالبية العظمى من هذه القوات غير مدربة بصورة فاعلة. كما ستكون الغالبية العظمى منها عاطلة عن العمل البناء والمنتج. ولذا يمكن استغلالها في مجالات البنية التحتية والتي تحتاج في الأساس لعمالة غير مدربة، لكسب قوتها من خلال العمل المنتج والبناء. وقد يغير مثل هذا العمل نظرة المواطن السوداني الحالية نحو الجيش، من مجهض لثورته إلى حامي البلاد الذي يشارك أيضآ في بنائها.

أما الشركات غير الاستراتيجية والشركات التي لا تعمل في مجال البنى التحتية فيجب أن تحول إلى شركات مساهمة خاصة يمكن أن يشارك الجيش فيها بنسبة لا تزيد عن ٤٠% من قيمة الأسهم لكي لا يستغل نفوذه في تسيرها. ولابد أن تدار هذه الشركات بمجلس إدارة يتكون وفق قانون الشركات. ولابد من عدم استخدام مباني وآليات الجيش في تسيير هذه الشركات أو توظيف أي جندي أو ضابط فيها إلا في مجلس الإدارة وفق قانون الشركات نسبة الأسهم التي يملكها. سوف لن تتمتع هذه الشركات بأي صلاحيات أو إستتناءات لا تتمتع بها مثيلاتها من الشركات القومية والعالمية الأخرى. أخيرا، لابد من سن قوانين تنظم مشاركة الجيش في العمل الاقتصادي. فهل سيقنع هذا المقترح الجيش لدعم التحول الديمقراطي وبناء الوطن؟