منقول من صفحة عروة الصادق orwaalsadig.blogspot.com/2022/10/blog-post_26.html • بعد مواكب الخامس والعشرين من أكتوبر، اتضح جليا للعالم قبل السودانيين أنفسهم استحالة حكم السودان عسكريا، أو قمعه دكتاتوريا، أو تحقيق عكس رغباته في الحرية والديمقراطية والعدالة والعيش الكريم والسلم والأمن المستدامين، ورأيت أن أجهر بأفكاري حول السيناريوهات المحتملة (طبيعيا) و (اصطناعيا)، وما ترسمه دوائر القرار السياسي في السودان وأجهزة دول وإقليم، وأضع هذه المساهمة بين يدي القاريء الكريم، وأولئك الذين يتحكمون في القرار السودان، ومن يراقبون الوضع من الداخل والخارج، على أن يكون هذا الصوت ضمن صرخات الملايين الذين يريدون إيقاف شلالات الدم والدموع، وإنهاء حقبة الفجيعة التي تواصلت منذ اندلاع الإنقلاب في يومه الأول إلى ذكره السنوية بقتل الشهداء قاسم ومدثر وإخوانهم.
• التصور الماثل طبيعيا هو أننا نعيش حالة اضطراب استراتيجي في العقل والتكتيكات والممارسات والقرارات وردود الأفعال، وانقسمت الساحة السياسية لثلاثة تيارات هي: "تيار مناهض للإنقلاب يعمل على اسقاطه بالضغط الشعبي والعملية السياسية للحل الشامل، والضغط الدولي، وتيار آخر راديكالي جذري لا يملك آليات ولا أدوات الجذرية، وتيار أخير وهو حاضنة الإنقلاب وحلفائه والسدنة والفلول والفاسدين"، وكل واحد من هذه التيارات يرسم سيناريوهاته.
• أبدأ التيار الراديكالي الجذري وهو منقسم على نفسه يخطب بعضه ود التنسيقيات المقاومة والقوى الثورية ويحاول استصحابها في رؤيته الجذرية، وبعضه الآخر يجتهد ليثبت صحة وجهة نظهر بدون كتابة أجندة موضوعية ومشروع جديد وهؤلاء يرجحون أن تحدث عملية راديكالية أشبه بمجزرة بيت الضيافة في السبعينيات وحراك ضباط رمضان في التسعينيات بالقضاء على كافة قادة الإنقلاب، وهو سيناريو حالم ودام لا يملك أحد في السودان المقدرة على تحمل تبعاته.
• أما حاضنة الإنقلاب فهؤلاء بدأوا التجمع من جديد بصورة طبيعية واصطناعية لتوسعة تحالفهم ليشمل كل سواقط النظام البائد ووزرائه ومستشاريه والسدنة والتنظيمات الإخوانية ليضعوا العقبات والمتاريس أمام الحل السياسي الشامل الذي بدأت ملامحه في الاتضاح، وهؤلاء خياراتهم محدودة، وتتمثل في التحشيد القبلي والجهوي والموجه بغرض ابتزاز السلطة وخلط الأوراق السياسية، ويمهدون بصورة واضحة لعملية إنقلاب إخواني كامل بصورة أقبح وأفضح من إنقلابي 1989م و أكتوبر 2021م، تساندهم في ذلك بعض الدول في الخفاء وتوفر لهم المؤسسة العسكرية التمويل والحماية وفتح المسارات وتأمين الإجتماعات وسهولة الحركة.
• أما تيار الحل السياسي الشامل والعملية السياسية التي اصطلح على تسميتها (تسوية) فأمامه سيناروهين موضوعيين لا ثالث لهما وهما: "الأول: إذعان السلطة الإنقلابية باشتراطات هذا التيار والتزامها بأسسه الدستورية الجديدة وتسليمهم الحكم لسلطة مدنية كاملة، أو الثاني: المضي في مواجهة رفض الإنقلاب لخيارات الحل السياسي الشامل وفتح الباب لسيناريوهات الفوضى (الاصطناعية) التي يبشر بها العقيد "الحوري" (هناك جهات تسعى لحرق البلاد)، وتهديدات الشرطة (جماعات مسلحة ومدربة هي التي تقود التظاهر)، وحديث الدعم السريع (عن دخول جماعات إرهابية للبلاد)، ومكاء الأخ أردول وجماعته تهديدا ووعيدا بالدماء والدك.
• كل هذا يمهد للسيناريو الذي يتحالف تماما مع توجه تيار السدنة والإخوان وهو التهديد بشلالات الدماء والعودة إلى الحرب، فالجماعات الإرهابية تم إطلاق حواضنها السياسية وفتحت المنابر لمن بايعوا البغدادي وتنظيم الدولة الإسلامية، لذلك من العقل والحكمة استسلام قيادة الإنقلاب بعد إقرارهم بالفشل الذي ارتكبوا فظائعه في عام هم وحلفاءهم ليخلصوا البلاد من سيناريوهات أسوأ مما ذكرت.
• إن غياب الإرادة السياسة سيجعل من تحقيق سيناريو الإنتقال المدني أمرا مستحيلا وسيفتح الباب لأن تدفع البلاد تكاليف باهظة لسيناريوهات أكثر فظاعة وأشد إيلاما من سيناريوهات دامية شهدتها المنطقة ومحيطنا العربي والإقليمي ، وهو الأمر الذي ينبغي أن تتحمل القوى السياسية تكلفته السياسية وتهيء نفسها لمستقبل سيمثل بالنسبة لهم إما بداية سياسية مرحب بها أو نهاية تمحو أثرهم من الوجود.
• ولن يتثى ذلك إلا بالانتحاء لا الانحناء للسيناريوها الإيجابية التي تقطع الطريق أمام كافة السيناريوهات السلبية، وبالضرورة أن يتفق الجميع على ضرورة الخروج بالبلاد والنهوض بها عبر عقد اجتماعي جديد يوافق فيه الجميع على فترة انتقالية تدار بواسطة كفاءات مدنية مستقلة تحقق شعارات الثورة (حرية، سلام ، عدالة)، وأن تتم قيادة البلاد بواسطة حكومة مدنية تتقبلها كافة قطاعات الشعب السوداني، وتمهد الطريق لانتخابات حرة ونزيهة تتنافس فيها الأحزاب السياسية والحركات المسلحةحال تحولت إلى أجسام مدنية.
• ومن شأن هذا السيناريو ضمان الانتقال السلس، وفتح الباب لاستئناف التواصل السوداني مع العالم وعقد فعاليات ومؤتمرات من شأنها استيعاب آراء كافة السودانيين في مرحلة ما، على رأسها المؤتمر الدستوري الذي يحدد ملامح الدستور الدائم للبلاد ويضعه أمام منضدة الشعب السوداني ليستفتى حوله.
• وفي هذا نجد أن دعما لا محدودا قد قدم وأبدت حكومات عدد من الدول تأييدها له كألترويكا واليابان ودول الخليج والاتحاد الأوروبي وأشاروا لاستعدادهم لتوفير أقصى درجات الدعم للاسهام في استقرار البلاد وتوفير الاسناد المطلوب للنهوض التنموي والاقتصادي والتأهيل والتدريب في كافة المجالات الإنسانية والحياتية.
• هذا الأمر ينبغي علينا رسمه في سياسات وطنية عبر التحاور المشترك، ومحاولة استيعاب كافة المؤمنين بالتغيير والحل السياسي الشامل، لجعل هذا السيناريو أمرا واقعا، وأن يشترك الجميع في برانامج الحكومة الانتقالية لتحقيق السلام المستدام والتحول الديمقراطي والتخطيط لتنمية ورفاهية المواطن وتحقيق العدالة الجنائية والانتقالية والتمهيد لمثول أو تسليم المتهمين في جرائم دارفور للمحكمة الجنائية الدولية.
• وكذلك يتطلب الأمر الحضور الفعلي والفعال لمؤسسات المحيط الإفريقي والعربي والأمم المتحدة للإسهام بصورة فعالة في الدفع نحو سيناريو النجاة لإحداث تسوية سياسية شاملة تبريء الجراح وتنقذ السودان، وهو ما يعني أن يتضاعف جهد وعمل الأصدقاء في المحيط العربي والإفريقي وفي البعثة الدولية وألترويكا للإسناد السياسي والدعم الدبلوماسي والضغط على السلطات العسكرية في السودان للمثول إلى خيار نجاة الوطن.
• لا يمكن توقع تخريب أكثر مما حدث في النيل الأزرق، وغرب دارفور، وما يحدث بصورة يومية في مختلف مدن السودان، حديث قيادة الدعم السريع مقروءا مع تصريحات العقيد الحوري، توضح أن عقد أمن البلاد يتجه نحو الإنفراط، وهذا التوجه يتم بصورة منظمة وتخاذل للقوات النظامية وتواطوء في كثير من الأحيان.
• ولكن في حال فشلنا في انتشال بلادنا لن يكون من المستبعد اصطناع وتفعيل نشاط حركات إرهابية في البلاد،أقول "نشاط" وليس دخول لأن النظام البائد كان يوفر حواضن ومقار آمنة وفرص حياة في السودان ووثائق ثبوتية بعضها خاص ودبلوماسي لقادة هذه الجماعات، وأذكر منها غير التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي هيمن على مفاصل الدولة ومؤسساته، الجماعات الإرهابية الآتية:
1. جماعة بوكو حرام: فمنذ نشأتها في ميدوجوري عام 200م التحق بها عدد كبير من الخريجين والمثقفين النيجيرين الذين تخرجوا من جامعات سودانية كجامعة إفريقيا العالمية والتي اتخذوا منها منصة تجنيد نشطة تؤي عدد مقدر من منسوبي الجماعة ومرابطي الحركة الإخوانية والذين كانت تتم الإستعانة بهم في تأمين عدد من المرافق الاستراتيجية كسلطة الطيران المدني وغيرها من المؤسسات الحساسة.
2. حركة أنصار الدين: والتي نشطت بعد سقوط نظام العقيد القذافي والتي بدأت نشاطها مع قيادة تنظيم الحركة الإخوانية في السودان وتحديدا مع علي عثمان محمد طه، ووفر لها جسور الإعانات والإمداد والتواصل، وهيأ لبعض قياداتها حواضن آمنة في الخرطوم.
3. حركة الجهاد والتوحيد في غرب أفريقيا: منذ العام 2011م تنشط في غرب إفريقيا وإلى اليوم تتحرك بصورة نشطة، وحفز نشاطها التحركات المتضادة الفرنسية الروسية، والتي تمددت حتى الجارة تشاد وهو ما يجعل إحتمال دخولها إلى السودان من حدوده الغربية أمرا واردا.
4. القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: هؤلاء لهم اتصالات مع جماعات سلفية في السودان وحوارات سرية، وبعض مساجد هذه الجماعات استضافت عدد منهم في الخرطوم وينشط بعضهم في جماعات واتساب وتلجرام تحت أسماء مختلفة (كأهم خبار العالم وسلاسل علمية والقدس وغيرها)، وهؤلاء لا يخفون رغبتهم في استئناف نشاطهم في المنطقة ككل.
5. حركة شباب المجاهدين في الصومال: لها ارتباطات وثيقة ووشائج صلة بشيوخ ومراكز دينية كانت تفوج لهم المقاتلين من الخرطوم، ومنهم من قتل في الصومال ولم يعد، ومن المؤكد أن لهم وجود خفي في السودان خصوصا أن أهم مشائخهم هربوا إلى تركيا بعد الثورة في 2019م ولم يعودوا بعد.
6. جماعة الإخوان المصرية: وهؤلاء تمت استضافتهم بصورة كبيرة هم وأسرهم وتم توزيعهم في أماكن مختلفة وتوفير مشاريع استثمارية صناعية وزراعية، إلا أنه وفي أيام البشير الأخيرة تم تفوجيهم إلى تركيا بواسطة مدير جهاز الأمن والمخابرات وقتذاك محمد عطا المولى ليقطع الطريق أمام صلاح عبد الله قوش ويسلم جزء كبير منهم للسلطات المصرية، وقد شاهدت أحد المعتقلين معنا في يناير 2018م بعد تسليمه للسلطات المصرية بأنه قتل وهو يقاوم الاعتقال في سيناء،وهؤلاء آثر كثيرون منهم السلامة وحاولوا الهروب من السودان بعد الثورة، ولكن الآن هناك طمأنة لهم من قبل المنظومة الخفية للإخوان التي عادت للسلطة بواسطة الإنقلاب.
• ختاما: من المؤكد أن جميع هذه الحركات تتخذ من تواجد البعثة الأممية والتدخلات الدولية لا سيما الغربية مبررا للنشاط في السودان، وخصوصا بعد تسمية الولايات المتحدة الأمريكية لسفير في السودان، ورسائل التهديد المبطنة التي يطلقها من في السلطة من عسكر وأمن ودعم سريع ليست عفوية أو عشوائية وإنما تدسها أذرع الإخوان الأمنية في بيانات تلك المؤسسات بعناية فائقة لتهديد الأسرة الدولية وإيصال رسالة مفادها إما أن نكون جزء من اللعبة في السودان أو أن نحرق السودان والقرن الفريقي ونحدث إضطرابات لا حصر لها في البحر الأحمر والقارة الإفريقية تمتد ألسنتها وهجرتها إلى أوروبا، وفي ذلك لن يستنكف هؤلاء بالإستقواء بروسيا الرسمية أو جماعاتها الأمنية كفاغنر وغيرها.
• وهذا ما يمكن تسميته بنمذجة اصطناعية تفلح فيها أجهزة المخابرات وستكون تحويلية للصراع من كونه سياسي سلمي مدني، لانفجارات مستعرة ومفتعلة، وحروب أهلية وتطهير عرقي وصراعات دينية، ويستند هذا التصور كليا إلى سيناريو تحالف كتل جذرية "راديكالية" مع كتل "إخوانية" و"فلول" النظام البائد و"جماعات مسلحة"، بوعي أو دون وعي ترى في انتقال السلطة المدنية إلى الشعب انتقاص لمكاسبها، وجميعهم أضحوا يبشرون بـ (نموذج الانفجارات التدميرية) وتتطابق أقوالهم وتوجهاتهم، وهو الأمر الذي يضعنا أمام إلتزام تاريخي بتكرار النصح الأخير لأصدقاء الأمس بأن هذا الحريق سيمتد إلى دياركم وسيهدم المعبد على رؤوسكم ولن يتضرر السودان ولا السودانيون أكثر منكم فارعووا وعوا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة