لا يمر على السودانيين أسبوع حتى يتعالى همس في المدينة بقصص الخلافات بين رئيس مجلس السيادة الجنرال البرهان ونائبه الفريق حميدتي، ودائماً هناك روايات متعددة تدعمها شواهد وأقاويل؛ أطلت تلك الأقاويل حول الخلافات منذ بداية الثورة وحتى الآن ولم تجد من يرد عليها، وغالباً ما يلوذ القائدان والمقربون منهما بالصمت، فتتناسل الإشاعات وتنسج الحكايات، وقد رأيت أن أبحث فيما وراء ذلك الخلاف للتعرف على حقيقته ومسبباته، ويجدر بي في بداية هذا المقال أن انوه لحقائق رئيسة تخص هذه الخلافات المزعومة أو الحقيقة.
إّن الخلاف بين الرئيس، أى رئيس ونائبه طيلة العهود التي مرت على تاريخ السودان كان موجوداً سواء على المستوى العسكرى أو السياسي، ولكن كان دائماً ما يحسمه الرئيس بإقالة النائب أو إبعاده كما كان العهد بالنواب في عهدي الرئيسين نميري والبشير، اليوم نشهد تجربة مختلفةَ اختلافاً كلياً، فالنائب ليس نائباً عادياً كونه لم يأتِ إلى منصبه معيّناً من ِقبل الرئيس فهو ليس موظفاً تم استدعاؤه لشغل هذا المنصب. النائب حميدتى جاء إلى الحكم بعد مساهمته في التغيير (الذي وقع في 11 أبريل 2019) وخلفه الآلاف من الجنود، وبذا أصبح شريكاً في التغيير برضى جميع أطراف المنظومة الأمنية وقوى الحرية والتغيير الموحدة آنذاك.
الحقيقة الثانية: لقوات الدعم السريع – تاريخياً- إسهام غير منكور في دحر التمرد في دارفور، حيث لعبت دوراً أساسياً في استتباب الأمن هناك، غض النظر عن كثير من الممارسات التي أخذت عليها وقتئذ، فهذه القوة أسستها ودربتها وسلّحتها الدولة السودانية من مواردها حتى صار لها حضور ظاهر عسكرياً وسياسياً، بغض النظر عن الرأي في صحة تأسيس تلك القوات من عدمه.
تلك القوات تم الصرف عليها من خزينة الدولة السودانية، وهذه القوات رسمياً وقانوناً تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة رغم العلاقة الملتبسة في الوقت الحاضر؛ وتمتلك تلك القوات موارد خاصة ضخمة وعشرات الشركات، داخلية وخارجية ومؤسسات تعمل في شتى ضروب التجارة والاستيراد والتصدير والتنقيب عن المعادن، ولا يُعرف على وجه التحديد كم تبلغ الثروة التي تقع تحت تصرفها؛ كما تتمتع قوات الدعم السريع حالياً بعلاقات خارجية مستقلة، بدءاً من إثيوبيا وحتى تشاد، مروراً بأفريقيا الوسطى والنيجر وصولاً إلى جنوب السودان، إضافة لعلاقات إقليمية (الإمارات، السعودية) بجانب ارتباطات دولية (الاتحاد الأوروبي بعد موضوع الهجرة، وروسيا بعد موضوع تصدير وإنتاج الذهب من سنقو). وبرغم تعقيدات تلك العلاقات والإشكالات التي تمر بها إلا أنها موجودة. ، تنتشر قوات الدعم السريع الآن في أكثر من عشر ولايات وبحوزتها مختلف أنواع الأسلحة وينتظم في صفوفها أكثر من مائة ألف جندي مدرب ومؤهل. هنا أود أن أنوه لحقيقة مهمة وهي أن قاعدة تلك القوات لا تنتمي لإثنية واحدة، بل تتوافر على تنوع كبير، وتضم طيفاً واسعاً من الإثنيات والقبائل ومن كافة أنحاء البلاد، والصحيح أن قيادتها العليا يسيطر عليها آل دقلو بخلفياتهم المعلومة.
ما ذكر أعلاه يمثل جانباً من حقيقة تلك القوات على الأرض، والتي يعلمها الجميع، ولذا ليس من السياسة والكياسة الاستخفاف بها وشيطنتها (جنجويد)، ومن سوء التقدير التسرع في دمجها أو حلها بقرار فوقي قهري سواء من القوى السياسية المدنية أو من المؤسسة العسكرية نفسها، وخاصة في وقت تسعى جهات متعددة للوقيعة بين الجيش والدعم السريع بتضخيم الخلافات الفعلية والزائفة لدفع الطرفين لحافة الهاوية الشيء الذي لا يحقق مصلحة للطرفين أو للبلد.
2
تعاني قوات الدعم السريع من إشكالات عدة من الناحية السياسية والعسكرية وفي علاقاتها الدولية، فمن الناحية السياسة لا تجد قوات الدعم السريع القبول والاحترام الكافي من الشارع الثوري ولا من القوى السياسية، مع أنها تبذل مجهودات شتى لتجسير العلاقة بينها وبين التنظيمات السياسية وقوى المجتمع المدني والناشطين والإعلاميين، ولكن ذلك لم يهبها القبول الذي تسعي إليه حتى اللحظة، وتبذل في سبيله أموالاً ضخمة ووقتاً وجهداً. محاولتها التي تبدو ناجحة حتى الآن هي استقطابها للإدارات الأهلية في الأقاليم، وخاصة أقاليم دارفور (قبل مبادرة الجد) والحركات المسلحة فيما بعد اتفاقية جوبا.
تبحث قوات الدعم السريع عن موضع قدم لها داخل القطاع الحديث، لكن مشكلتها مع هذا القطاع نفسية متعلقة باتهامها بالاشتراك في فض الاعتصام، ولذا فإن الاقتراب منها أصبح خطراَ ومداناً من الشارع الثوري، كما أن القوى الاسلامية فقدت الثقة بتلك القوات، وإن كانت لم تناصبها العداء حتى اللحظة برغم المواقف السلبية لقيادتها من التيار الإسلامي عموماً.
الإشكالية الكبرى التي تواجهها قوات الدعم السريع داخلياً تتعلق بعلاقاتها المتوترة دائماً مع المؤسسة العسكرية، وأسباب هذا التوتر أطلت منذ تأسيس هذه القوات في أحضان جهاز الأمن، وهو ما دفع قطاعات واسعة في الجيش منذ وقت باكر للنظر إليها بعين الريبة، وبأنّها قوات ضرار ولكنها فرضت نفسها بالنجاحات التي حققتها في معارك دارفور، مما جعل القيادة العليا للدولة يومها تدعمها وتتمسك بها وتدربها وتعتنى بتأهليها وتضع لها قانوناً خاصاً، ومع ذلك لم يقبلها الجيش في أي وقت داخل منظومته؛ ثلاثة من قيادات الجيش وفروا لها العناية اللازمة وهم الرئيس السابق البشير والفريق عوض بن عوف والفريق البرهان، كل القيادات الأخرى كانت علاقاتها بها متوترة وصلت في وقت إلى مرحلة تعبئة السلاح تجاهها (حادثة سلاح المدرعات).
إما إشكالاتها ذات الطبيعة الدولية والإقليمية التي تواجهها قوات الدعم السريع فتتمثل في أن علاقاتها مع تلك القوى الإقليمية والدولية أسستها منفردة برضى الدولة أو تحت بصرها؛ حيث اتفق الاتحاد الأوروبي مع الحكومة السودانية -ابان حكم البشير- على التعامل مع قوات الدعم السريع واستخدامها في السيطرة على مسارات الهجرة العابرة للحدود والمتجهة إلى أوروبا، وخاصة تلك القادمة من شرق أفريقيا وجنوبها، والتي تصل إلى شواطئ المتوسط عبر صحاري الولاية الشمالية. وقد لعبت قوات الدعم السريع دوراً كبيراً في تخفيض نسبة تدفق المهاجرين إلى أوروبا، باعتراف الإتحاد الأوروبي، إلا أن تلك العلاقة سرعان ما تراجعت بعد إتهام قوات الدعم السريع بالمشاركة في فض الاعتصام، مما قاد الإتحاد الأوروبي للتعامل معها بحذر وبشكل محدود، وأخيراً أوقف الاتحاد الأوروبي تمويل العملية التي تقوم بها، والخاصة ببرنامج مكافحة الهجرة غير الشرعية التى اطلقها الاتحاد في العام 2013 باسم ( عملية الخرطوم) وكان الاتحاد قد مول انشطتها بحوالي 220 مليون دولار بحسب تقرير مراقبة الهجرة الذى نشر فى مايو الماضي.
09-16-2022, 10:30 AM
بدر الدين الأمير بدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 23302
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة