السودان: مَن يخشى مبضع عبد الخالق محجوب؟

السودان: مَن يخشى مبضع عبد الخالق محجوب؟


01-09-2022, 08:30 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1641713416&rn=2


Post: #1
Title: السودان: مَن يخشى مبضع عبد الخالق محجوب؟
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 01-09-2022, 08:30 AM
Parent: #0

07:30 AM January, 09 2022

سودانيز اون لاين
محمد عبد الله الحسين-
مكتبتى
رابط مختصر



مقال ذكي وشامل رغم أن كاتبه ليس بسوداني..
كاتبه الكاتب والصحفي السوري صبحي حديدي ذلك الكاتب الشامل و القاريء المثقف الذي تتراوح قراءاته وكتاباته ما بين الأدب و السياسة فتظهر بصمات

كل ذلك في كتاباته..
المقال منشور في صحيفة القدس العربي..

Post: #2
Title: Re: السودان: مَن يخشى مبضع عبد الخالق مح
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 01-09-2022, 08:31 AM
Parent: #1

توهّم عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السوداني المُقال/ المستقيل تباعاً، أنه قادر على «حقن دماء» السودانيين عبر التوصّل مع قائد الجيش/ رأس الانقلاب المشير عبد الفتاح البرهان إلى اتفاق من 14 مادّة؛ قيل إنها تعيد تقاسم السلطة على نحو عادل يتكفل بوضع البلد مجدداً على طريق التحوّل السلمي الديمقراطي وتنظيم انتخابات نزيهة شفافة في سنة 2023. ولقد اتضح، بعد ستة أسابيع يتيمة، أنّ دماء السودانيين أريقت مجدداً حتى تجاوز عدد ضحايا التظاهرات 50 شهيداً برصاص الجيش ومفارز «الدعم السريع» وقوات الأمن؛ كما فُجع حمدوك (إذا جاز توصيف مشاعره هكذا) بقرار من البرهان يخوّل أدوات القمع المختلفة ما كانت مخوّلة به زمن الطاغية عمر حسن البشير، بل أسوأ وأشدّ صلاحيات في التنكيل.
صحيح أنه لم يكن خيار العسكر الأمثل لرئيس وزراء/ دمية يحرّكها أمثال البرهان ومحمد حمدان دقلو وشمس الدين كباشي، ولكنّ حمدوك حمل سمة واحدة على الأقلّ أسالت لعابهم وأقنعتهم بإعادته إلى المنصب، بعد تمنّع أبقاه في الإقامة الجبرية فترة ليست طويلة في كلّ حال: أنه خير مظلّة مدنية يمكن أن يتظلل بها الجنرالات تكتيكياً، وانتقالياً، قبيل وأثناء عمليات التطهير والترتيب وإحكام القبضة العسكرية والأمنية أكثر فأكثر. ومن غير الإنصاف لذكاء الرجل، وهو الخبير والتكنوقراطي خرّيج الطراز الأممي من البيروقراطية العابرة للسودان ولأفريقيا جمعاء، الافتراض بأنه لم يكن يدرك حدود اللعبة حين وافق على الانخراط فيها. من غير الإنصاف، على قدم المساواة، منحه فضيلة الشكّ في أنّ حكمة استقالته تنبع من القاعدة العتيقة: خير أنها تأخرت من ألا تكون أتت أبداً؛ فالأرجح أنّ العسكر لم يتركوا له هوامش اختيار ذات معنى، فضاقت حتى استحكمت حلقات تأزّمه معهم، ومع نفسه أغلب الظنّ.
وفي المقابل، لا يصحّ أن تغيب عن منطق حضوره في المشهد السياسي السوداني الراهن، أو ابتعاده عنه، حقيقة أخرى تخصّ أنماط القصور الكبرى في أداء «قوى إعلان الحرية والتغيير»، وإلى أية درجة كانت بدورها خلف حال التذبذب التي عاشها حمدوك منذ فجر الانقلاب وحتى استقالته. في عبارة أخرى، ليست شراهة العسكر إلى السلطة، وهيمنة العقلية الانقلابية والانفرادية على خياراتهم التكتيكية والستراتيجية، هي وحدها مصدر الداء؛ بل ثمة ذلك الدواء المرتجى، أياً كانت فاعليته العلاجية، الذي علّقته بعض الشرائح الشعبية على القوى المدنية، فما ارتقت هذه إلى شرف المسؤولية، ولا وحّدت صفوفها في الحدود الدنيا المطلوبة في كلّ صراع شرس مع عسكر انقلابيين؛ بل تعثرت، إذا لم تكن قد فشلت، في صياغة برنامج موازٍ مناهض يتحلى بوعي سياسي واجتماعي واقتصادي وتاريخي يليق بمشهد معقد متقلب متفجر.
وقد لا يُلام امرؤ يرى ضالّته، إذْ يحاول تلمّس حال السودان الراهنة، في العودة إلى الشهيد عبد الخالق محجوب وتلك الورقة الفريدة التي وقّعها في العام 1963 تحت عنوان «إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير»؛ ليس لأنّ قيادات «الحرّية والتغيير» يمكن أن تستهدي بأيقونة نضالية فريدة مثل محجوب، وقد يفعل بعض منهم بالفعل، ولكنّ لأنّ تلك الرؤى والدروس والخيارات لم يمرّ عليها الزمن تماماً، أو بالأحرى ليست أزمنة أمثال جعفر النميري أو البشير هي القادرة على طمسها أو إبطال أمثولاتها. وإلى جانب التشخيص المعمّق والصائب، لتركيب المجتمع السوداني، طبقياً وإثنياً، شدّد محجوب على «أخلاقية» صارمة في مساعي تنظيم الجماهير، لأنّ التحالفات والائتلافات المتسرعة «سرعان ما تركبها العزلة، ویذهب شأنها، والذي یبقى من تنظیم هو ما ترتضیه الجماهیر، ما ینفعها في نضالها السیاسي وفي حیاتها الیومیة، وما یتناسب مع الظروف الموضوعیة».
ومَن يخشى استخدام مبضع محجوب في تشريح العطب، لن يفلح في أمر آخر أكثر من تمكين حربة الجنرال وإعادة تدوير نماذج حمدوك.