المحاولة الانقلابية الأخيرة ما بين الانضباط العسكري والرومانسية‎ ‎‏:‏

المحاولة الانقلابية الأخيرة ما بين الانضباط العسكري والرومانسية‎ ‎‏:‏


09-26-2021, 05:38 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=510&msg=1632674290&rn=0


Post: #1
Title: المحاولة الانقلابية الأخيرة ما بين الانضباط العسكري والرومانسية‎ ‎‏:‏
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 09-26-2021, 05:38 PM

04:38 PM September, 26 2021

سودانيز اون لاين
محمد عبد الله الحسين-
مكتبتى
رابط مختصر



قراءة أولى للمحاولة الانقلابية

Post: #2
Title: Re: المحاولة الانقلابية الأخيرة ما بين الانض�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 09-26-2021, 05:44 PM
Parent: #1

عُرٍفت المؤسسة العسكرية السودانية على مدى تاريخها بالانضباط العسكري الصارم. فقد عُرٍف ‏الرعيل الأول من قادتها خلال فترة الاربعينات والخمسينات وحتى اوائل الستينات قادة يُضرب بهم ‏المثل في تمثّل الروح العسكرية و الانضباط العسكري مثل الفريق الخواض محمد أحمد وأحمد ‏عبدالوهاب وحمد النيل ضيف الله وأبوكدوك وغيرهم بالتقيّد الصارم بقواعد السلوك المتمثلة في ‏إطاعة الأوامر والاتزام بالتراتبية الهرمية والانضباط التنظيمي الصارم. على الرغم من أن ذلك ‏الانضباط العسكري قد تعرضت في بعض الفترات للانتهاك في بعض الاحيان خاصة خلال فترة ‏حكم مايو 1969وفترة حكم الانقاذ 1989 الذي أطاح بكثير تلك التقاليد العتيدة.‏
ولما كنا بصدد التعرض للمحاولة الإنقلابية الأخيرة التي كان قائدها اللواء عبدالباقي بكراوي فنجد ‏أنفسنا أمام تلك الحركة الانقلابية التي أثيرت حولها كثير علامات الاستفهام لكونها تخالف جميع أسس ‏التقاليد العسكرية المعروفة، فيما يتعلق بالبروتوكولات المتبعة في الانقلابات العسكرية المتعددة التي ‏شهدها السودان. فالملاحظ حسب التسريبات الشحيحة حول تلك الحركة فقد التزم تنفيذ تلك الحركة ‏بالتقاليد العسكرية الموروثة منذ عهد القادة العسكريين الأوائل في تنفيذ المرحلة الأولى من مخططهم ‏الانقلابي الذي تم بانضباط تكتيكي كامل. ‏
ولكن ما يدعو للدهشة حقيقة هو ظهور المرحلة الأخيرة من سيناريو الانقلاب بتلك الصورة المفارقة ‏والمخالفة لما هو متوقع ولما هو متعارف عليه فيما يتعلق بإنجاز الإنقلابات العسكرية والتي تهدف ‏وتُتوّج، بعد إعتقال الذين كانوا دست الحكم إلى استلام السلطة. لقد جاء السيناريو الأخير للانقلاب في ‏صورة مغرقة في المثالية والرومانسية إن جاز التعبير وذلك ‏ وفق ما جاء في المضابط من افادات ‏وتصريحات قائد المحاولة ووفق ما راج من تسريبات.‏ فقد طالب ‏ قائد الحركة‏ بحضور رئيس الأركان ‏كما قيل، لكي يسلمه مطالبهم المتمثلة في اصلاح الأداء الحكومي ومعالجة تدني الأوضاع المعيشية ‏والظروف الاقتصادية وبخاصة ما يكابده ‏المنتسبون للمؤسسة العسكرية، وكذلك رفضاً لما تتعرض له ‏المؤسسة العسكرية من إساءات وتحقير وعدم ‏تقدير واتهامات بالتقصير. ‏
بناء على ما ذكرنا وحسب حسب الأخبار المتداولة يمكن قراءة سيناريو الحركة الانقلابية من عدة ‏وجوه. فقد تم تنفيذ الحركة بشكل ناجح من الناحية العسكرية، ووفق ما خطط له قائدها المعروف ‏بتاريخه المهني الناصع والمشهود له بالكفاءة وبقوة الشخصية. إلا أن كل ذلك لا يمنع من إطلاق عدة ‏تساؤلات تطرح نفسها بشدة حول حقيقة وخلفية هذا التحرك، والأهم من ذلك حول مدى نجاح الحركة ‏في تحقيق أهدافها ومطالبها المعلنة . ‏
قائد الحركة اللواء البكراوي حاول ان يبدو ما استطاع وفياً لإرث وأصول العسكرية السودانية ‏التقليدية المعروفة بالانضباط التنظيمي ‏الصارم والتراتبية الهرمية عدم تجاوز تلك المباديء وما ‏تشرّبه من إرث ومباديء الانضباط العسكري العتيق. حيث يبدو أن قائد الحركة فيما يبدو كان ‏يتحاشى أن تُفسّر حركته بأنها حركة ذات أهداف ومرامٍ سياسية ويؤكد ذلك المطالب التي تمت قدمها ‏قائد الحركة. وذلك مفهوم حيث أن قائد الحركة عسكري محترف تشرّب بالعقيدة والمباديء العسكرية ‏الكلاسيكية في كنف العسكرية السودانية التقليدية وبالتالي ظل وفياً لتلك المباديء. وذلك يفسِّر حذره ‏في أن لا يُفسّر تحركه بأنه ذي أبعاد سياسية بل هو تحرُّك مطلبي لا يخرج عن أطر ومباديء ‏العسكرية التقليدية التي تقوم على النأي بالعسكر عن السياسة.‏
من حجانب آخر فإن هذه الحركة الانقلابية والتي تهدف كما قيل للتنبيه وللفت الانتباه من أجل ‏تصحيح الأوضاع، تعتبر حركة ذات طابعٍ فريدٍ على مستوى الدول والمنطقة من حولنا من قِبَل قائدٍ ‏عسكري كان قاب قوسين أو أدنى من الاستيلاء على السلطة، بعد أن حقق كل مراحل و شروط ‏الانقلاب العسكري المعروفة وفق الترتيبات المعروفة في الانقلابات العسكرية في السودان أو في ‏الخارج.‏
إن الموقف الدون كيشوتي لقائد الحركة اللواء بكراوي يكاد يشابه قصص فرسان القرون الوسطى ‏ ‏بما يحمله من ملامح من الرومانسية والمثالية أسبغها على حركته الشيء الذي يتناقض مع التدابير ‏العسكرية المتبعة في حالات الانقلابات والتمرد العسكري. مما هو جدير بالذكر فإن هذا الموقف ‏يذكرنا بشكل أو بآخر موقف القائد العسكري السابق الفريق سوار الذهب، في التزامه بتسليم السلطة ‏للمدنيين وفق التزامٍ وتواثُقٍ كان قد واثقه للشعب والتزم به.‏ كما ان هذه الحركة في غرابتها سيسجلها ‏باعتباره تشابه في غرابتها محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها خالد الكد عام 1967،باعتبارهما ‏محاولات انقلابية فريدة على مستوى المؤسسة العسكرية و حتى على مستوى المنطقة العربية وربما ‏الأفريقية.‏ ‏
وإذا كان البعض يتساءل عن المصير الذي سيواجهه منفذوا هذا التحرك والذي قد يشبهه البعض ‏يشبهه بالانتحار،خاصة أن قائد المحاولة أكد بأنه يتحمل وحده مسئولية ما جرى.فهل يمكن تصنيف ما ‏جرى فعلاً بطولياً تضمخ بروح من المثالية والرومانسية الغريبة على التاريخ العسكري. أم أنه أقرب ‏للانتحار الذي يشبه التمرد الغريب والشهير للأديب الياباني يوكيو ميشيما، الذي قاد ‏تمردا عسكريا في ‏عام 1970 بعد أن اختطف قائد الجيش ثم بدأ في مخاطبة الجنود الذين جمعهم في ‏الساحة. إلا أنه ‏حينما لما شعر بعدم استجابتهم له أخرج سيفه ليبقر بطنه منتحرا على مشهد من العالم على ‏طريقة ‏الساموراي الياباني.‏
في الختام يمكن القول إن كان هذا التحرك قد يجد التقدير والمؤازرة من البعض، إلا أن التساؤل لا ‏يزال قائماً حول مصير الحركة ومن قاموا بها، وفي أي خانة سيصنف التاريخ هذه الحركة ‏وكيف ‏سيكون الحكم عليها؟.وماهو المصير الذي سيلقاه قائدها ومساعدوه؟،وما هو التقدير الذي سيجدوه ‏خاصة من القطاعات التي خرج من أجلها والتي قد تشكل حائط ‏صد يقي هؤلاء القادة من أي عقوبات ‏قاسية أومصير غير معروف.‏
في الختام مهما يكن من أمر، فإن الممسكين بزمام الأمر لابد أن يكون هذا التحرك قد أثار مخاوفهم ‏بنفس القدر الذي أثار حيرتهم ودهشتهم الشيء الذي سيدفعهم إلى مزيد من الحيطة والحذر وسد ‏الثغرات لمنع مثل هذه التحركات،الشيء الذي قد ينعكس في التعامل مع من قاموا به. ‏